ايصال الطالب الي المكاسب المجلد 3

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، محمد، 1380 - 1305، شارح

عنوان واسم المؤلف: ايصال الطالب الي المكاسب: شرح واف بغرض الكتاب، تيعرض لحل مشكلاته و ابداآ مقاصد في ايجاز و توضيح/ محمد الحسيني الشيرازي

تفاصيل المنشور: تهران : موسسة كتابسراي اعلمي ، 1385.

خصائص المظهر: ج 16

شابك : 964-94017-6-8(دوره): ؛ 964-7860-59-5(ج. 1): ؛ 964-7860-58-7(ج. 2): ؛ 964-7860-57-9(ج. 3): ؛ 964-7860-56-0(ج. 4): ؛ 964-7860-54-4(ج. 6): ؛ 964-7860-53-6(ج. 7): ؛ 964-7860-55-2(ج. 8): ؛ 964-7860-52-8(ج. 9): ؛ 964-7860-51-X(ج. 10): ؛ 964-7860-50-1(ج. 11): ؛ 964-7860-49-8(ج. 12): ؛ 964-7860-45-X(ج. 13): ؛ 964-7860-47-1(ج. 15):

لسان : العربية

ملحوظة : الفهرسة على أساس المعلومات فيپا

ملحوظة : هذا الكتاب هو وصف"المكاسب مرتضي بن محمد امين انصاري" يكون

عنوان آخر: المكاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمدامين، 1281 - 1214ق. المكاسب -- نقد و تفسير

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضي بن محمدامين ، 1281 - 1214ق. المكاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف8م702133 1385

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 85-16816

ص: 1

اشارة

ص: 2

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين و لعنة الله على اعدائهم اجمعين من الآن إلى يوم الدين.

و بعد: فهذا هو القسم الثالث من المكاسب المحرمة و الجزء الثالث من اجزاء كتابنا (ايصال الطالب إلى المكاسب) للشيخ الفذّ آية اللّه الانصارى قدس سره.

و يشرع فى باب الغيبة.

كتبته تسهيلا للطالب الكريم عسى ان انتفع به فى يوم لا ينفع فيه مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

كربلاء المقدسة محمد بن المهدى الحسينى الشيرازى

ص: 3

[تتمة المكاسب المحرمة]

[تتمة النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]

[المسألة] الرابعة عشرة الغيبة حرام بالأدلّة الأربعة،

اشارة

و يدل عليه من الكتاب قوله تعالى:

وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فجعل المؤمن اخا، و عرضه كلحمه، و التفكّه به اكلا، و عدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.

______________________________

المسألة (الرابعة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى نفسه (الغيبة) و هى (حرام بالأدلّة الاربعة، و يدل عليه من الكتاب قوله تعالى وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) فَكَرِهْتُمُوهُ الآية.

اى فكما لا يحب احدكم ان يأكل لحم اخيه الميت، كذلك فليكره اغتيابه و هذا تشريع و ليس لمجرد التنظير، حتى يقال: ان الآية لا تدل على التحريم، لمكان العلّة الغالبة فى المكروهات، تنفيرا، و المستحبات ترغيبا (فجعل) الله سبحانه، فى هذه الآية الكريمة (المؤمن اخا) لان المؤمنين اخوة (و عرضه كلحمه) لتحفظ الانسان على كليهما تحفظا واحدا بل تحفظه على عرضه اكثر من تحفظه على جسمه (و التفكّه به اكلا) لالتذاذ المتفكّه، كالآكل، لكن لاحدهما لذة الروح، و للآخر لذة الذائقة (و عدم شعوره) اى المغتاب- بصيغة المفعول- (بذلك) الصنع الّذي يفعله المغتاب- بصيغة الفاعل- (بمنزلة حالة موته) فكما لا يشعر الميّت، كذلك لا يشعر المغتاب- بصيغة المفعول-.

ص: 4

و قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ.

و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ.

و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.

و يدل عليه من الاخبار ما لا يحصى.

فمنها: ما روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم- بعدة طرق- ان الغيبة اشدّ من الزنا، و ان الرجل يزنى فيتوب، و يتوب الله عليه، و ان

______________________________

(و قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)، الهمزة: الّذي يعيب الانسان فى وجهه، و اللمزة، هو الّذي يعيبه بدون اطلاعه- و قيل غير ذلك فى تفسير الآية- و اللفظ و ان لم يكن نهيا، لكن يستفاد منه الحرمة المؤكدة

(و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ) فالغيبة اجهار بقول سيّئ و عدم محبة الله كناية عن عدم جوازه.

(و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) فاذا كان حبّ اشاعة الفاحشة معصية- بقرينة العذاب الاليم- يكون الاشاعة اولى بكونها معصية، و قسم من الغيبة اشاعة للفاحشة، فالآية تدل على حرمة الغيبة فى الجملة.

(و يدل عليه من الاخبار ما لا يحصى) كناية عن الكثرة، و الا فاخبار الغيبة لا شك فى قابليتها للاحصاء.

(فمنها: ما روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم- بعدة طرق- ان الغيبة اشدّ من الزنا، و ان الرجل يزنى فيتوب، و يتوب الله عليه، و ان

ص: 5

صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه.

و عنه صلى الله عليه و آله انه خطب يوما، فذكر الربا و عظم شأنه، فقال: ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم من ستة و ثلاثين زنية و ان اربى الربا عرض الرجل المسلم.

______________________________

صاحب الغيبة لا يغفر له) يعنى اذا تاب (حتى يغفر له صاحبه) اى الّذي اغتابه.

و المراد بالاشدّية: اما من الجهة المذكورة فى الرواية، اى انه لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه، او الاشدية الواقعية و ان كان ذلك خلاف اذهان المتشرعة.

او المراد المبالغة فى التنفير عنه، فهذا كناية عن الشدة مجازا و لم يقصد بها الحقيقة فهو من قبيل: جبان الكلب، و نحوه.

(و عنه صلى الله عليه و آله انه خطب يوما، فذكر الربا و عظم شأنه، فقال: ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم من ستة و ثلاثين زنية و ان اربى الربا عرض الرجل المسلم) اى هتك عرضه، و ذلك شامل للغيبة.

و المراد بالعرض الشي ء المربوط بالانسان الّذي يحفظه من الاهل و السمعة الطيبة و الحصانة النفسية، فاللواط بالولد و غيبته و الخيانة بزوجته او اخته او ولده او ما اشبه كلها هتك للعرض.

ثم ان اعظمية الربا من الزنا بهذا العدد اما حقيقة، او لبيان عظمة الربا، فالكلام مسوق مجازا، و العدد كناية، مثل: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ لا انه خصوصية لهذا العدد.

ص: 6

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين صباحا، الا ان يغفر له صاحبه.

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما فى الجنة، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما و كان المغتاب خالدا فى النار، و بئس المصير.

______________________________

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين صباحا، الا ان يغفر له صاحبه).

و عدم القبول هنا لا يراد به عدم الصحة حتى يجب قضائها، بل عدم الثواب عليها.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مؤمنا بما فيه) اى بصفة تلك الصفة موجودة فى ذلك المؤمن، (لم يجمع الله بينهما فى الجنة) كناية عن دخول المغتاب النار، فلا يجمع بينهما فى الجنة (و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه) من الصفات، و هذا يسمى فى الاصطلاح ب «التهمة» (انقطعت العصمة بينهما) اى عصمة الايمان التى توجب الاحترام المتبادل و الاخوة، و هذا كناية عن خروج المغتاب عن دائرة الاسلام (و كان المغتاب خالدا فى النار، و بئس المصير).

و الخلود فى النار يراد به اقتضاء الغيبة لذلك لا انه خالد قطعى خارجا، بل ورد فى الروايات نيل الشفاعة لكثير من العصات و لو بعد دخولهم النار آلاف السنوات اذا صحت عقائدهم.

ص: 7

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: كذب من زعم انه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة فاجتنب الغيبة، فانها ادام كلاب النار.

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: مر مشى فى غيبة اخيه، و كشف عورته كانت اوّل خطوة خطاها وضعها فى جهنم.

______________________________

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: كذب من زعم انه ولد من حلال و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة).

اما يراد بذلك ان المعتاد على الغيبة من اللوازم العادية لولد الزنا و ان لم يكن بينهما تلازم حقيقى، من قبيل الامور الاقتضائية، و العلامات من قبيل كون العقار الفلانى دواء لكذا، مما يكون معناه الاقتضاء و اما ان يراد بذلك اشتراك الشيطان فى نطفته، فهو مشترك بين الأب و الشيطان كما فى بعض الاحاديث: ان الشيطان يشترك فى النطفة اى يراد تأثير الغذاء الحرام، فهو ولد غذاء حرام، لا انه ولد زنا او شبهة.

ثم قال صلى الله عليه و آله و سلم: (فاجتنب الغيبة، فانها ادام كلاب النار) الظاهر ان هذا من باب تجسيم الاعمال، و ان الغيبة تكون جسما، فيأكله كلاب النار امعانا فى تعذيب المغتاب، ليرى ان ما خرج من فمه صار طعاما للكلاب فى نار جهنم.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى فى غيبة اخيه، و كشف عورته) اى مشى لاجل ذلك، و كشف العورة كناية عن افشاء ما يشينه افشائه (كانت اوّل خطوة خطاها وضعها فى جهنم) بمعنى انه يستحق النار باول خطوة.

ص: 8

و روى ان المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و ان لم يتب فهو اوّل من يدخل النار.

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان الغيبة حرام على كل مسلم، و ان الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

و اكل الحسنات اما ان يكون على وجه الاحباط أو لاضمحلال ثوابها فى جنب عقابه، أو لأنها تنقل الحسنات إلى المغتاب كما فى غير واحد من الاخبار.

______________________________

(و روى ان المغتاب) بصيغة الفاعل (اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و ان لم يتب فهو اوّل من يدخل النار).

و هذا الحديث أيضا بيان للاقتضاء، فلا يقال: ان الكفار و نحوهم اولى بدخولهم فى النار قبل كل احد.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان الغيبة حرام على كل مسلم، و ان الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب) ذكر المسلم من باب انه الّذي يسمع الكلام، و الا فالكفار مكلفون بالفروع، كما حقق فى الاصول و الفقه.

(و اكل الحسنات اما ان يكون على وجه الاحباط) فلا حسنة للمغتاب (أو لاضمحلال ثوابها) اى ثواب الحسنات (فى جنب عقابه) فالثواب و ان كان باقيا الا انه لا ينفع لكثرة العقاب الّذي سببته الغيبة (أو لأنها) اى الغيبة (تنقل الحسنات إلى المغتاب) فلا احباط و لا بقاء، و انما نقل إلى الغير (كما فى غير واحد من الاخبار) ما يفيد النقل.

ص: 9

و منها: النبوى صلى الله عليه و آله و سلم: يؤتى باحد يوم القيمة، فيوقف بين يدى الربّ عزّ و جل و يدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته فيه، فيقول إلهى ليس هذا كتابى لا ارى فيه حسناتى، فيقال له: ان ربك لا يضل و لا ينسى ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر و يدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابى فانى ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: ان فلانا اعتابك، فدفع حسناته أليك الخبر.

و منها: ما ذكره كاشف الريبة ره، من رواية، عن عبد الله بن سليمان

______________________________

(و منها: النبوى صلى الله عليه و آله و سلم: يؤتى باحد) اى بالشخص (يوم القيمة، فيوقف بين يدى الرّب عزّ و جلّ) اى فى محل العرض تشبيها بمن يوقف امام الملك، اذ الله سبحانه منزه عن الجسمية (و يدفع إليه كتابه، فلا يرى حسناته فيه، فيقول إلهى ليس هذا كتابى) لانى (لا ارى فيه حسناتى، فيقال، له: ان ربك لا يضل) شيئا (و لا ينسى) فليس اعطائك هذا الكتاب من باب انه ضاع كتابك، او نسى الرب و اعطاك كتاب شخص آخر، بل (ذهب عملك باغتياب الناس) و لذا لا تجد فيه حسناتك (ثم يؤتى بآخر و يدفع إليه كتابه، فيرى فيه طاعات كثيرة، فيقول: إلهي ما هذا كتابى فانى ما عملت هذه الطاعات، فيقال له) نعم انه كتابك، و هذه الطاعات التى تراها انما هى بسبب (ان فلانا اغتابك، فدفع حسناته أليك، الخبر) فيا خسارة للشخص الاول، و يا لربح للشخص الثانى.

(و منها: ما ذكره كاشف الريبة ره، من رواية عن عبد الله بن سليمان

ص: 10

النوفلى- الطويلة- عن الصادق عليه السلام، و فيها عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ادنى الكفر ان يسمع الرجل من اخيه كلمة فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها، أولئك لا خلاق لهم.

و حدثنى ابى عن ابيه عن آبائه عن على عليه السلام: انه من قال فى مؤمن ما رأته عيناه، او سمعت اذ ناه مما يشينه و يهدم مروّته، فهو من الذين

______________________________

النوفلى- الطويلة- عن الصادق عليه السلام، و فيها عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ادنى الكفر ان يسمع الرجل من اخيه كلمة فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها) لان نقلها يوجب فضيحته (أولئك لا خلاق لهم) اى لا نصيب لهم فى الآخرة.

و المراد بالكفر: الكفر عملا، لا اعتقادا، و قد تقدم ان الكفر فى القرآن و السنة يطلق تارة على الانحراف فى العقيدة، و تارة على الانحراف عن سبيل الشرع.

و معنى: لا نصيب، لا نصيب كاملا، لا مطلق النصيب.

ثم قال الامام الصادق عليه السلام:

(و حدثنى ابى عن ابيه عن آبائه) عليهم السلام (عن على عليه السلام انه) قال: (من قال فى مؤمن ما رأته عيناه، او سمعت اذ ناه) كناية عن وجود الوصف فى المغتاب- بصيغة المفعول- (مما يشينه) اى يدخل الشين- ضد الزين- و السوء (و يهدم مروّته) فيرى الناس انه لا مروّة و لا رجولية كاملة له (فهو) اى القائل الّذي يستغيب (من) مصاديق (الذين

ص: 11

قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ ثم ظاهر هذه الاخبار كون الغيبة من الكبائر، كما ذكره جماعة، بل اشدّ من بعضها.

و عدّ فى غير واحد من الاخبار، من الكبائر الخيانة، و يمكن ارجاع الغيبة إليها فأيّ خيانة اعظم من التفكّه

______________________________

قال الله تعالى) فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) إلى غيرها من الروايات الكثيرة التى يجدها المتتبع فى البحار، مجلد الاخلاق، و الوسائل و المستدرك و جامع السعادات و غيرها مما يسبب ان يستغرب الانسان كيف يستهين بعض الناس بالغيبة مع هذا الجرم العظيم.

و قد ورد ان من اسباب رفعة السيّد بحر العلوم انه كان فى وقت كونه صغيرا جالسا فى مجلس فاذا بالناس يرونه يخرج باكيا، فقيل له فى ذلك، فقال: كيف اجلس فى مجلس يعصى الله سبحانه فيه (ثم) ان (ظاهر هذه الاخبار كون الغيبة من الكبائر) الضارّة بالشهادة و العدالة (كما ذكره جماعة) اى قالوا انه من الكبائر (بل اشدّ من بعضها) اى بعض الكبائر، كما رأيت التصريح بذلك فى جملة من الروايات المتقدمة.

(و) مضافا إلى هذه الاخبار مما يدل على ان الغيبة من الكبائر: انه (عدّ فى غير واحد من الاخبار، من الكبائر الخيانة، و يمكن ارجاع الغيبة إليها) اذ هى قسم من الخيانة أيضا، فيشملها دليل الخيانة، و ينتج كون الغيبة كبيرة (فأيّ خيانة اعظم من التفكّه) و التلذّذ- كأكل الفاكهة

ص: 12

بلحم الاخ على غفلة منه، و عدم شعور.

و كيف كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة فى عدّها من الكبائر، اظنّها فى غير المحل.

ثم ان ظاهر الاخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب المخالف.

______________________________

الموجب للذة الانسان الآكل- (بلحم الاخ على غفلة منه، و عدم شعور) كما ورد فى الآية الكريمة.

(و كيف كان) سواء كانت الغيبة داخلة فى الخيانة، أم لا (فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة فى عدّها من الكبائر، اظنها فى غير المحل) و فى معيار كون المعصية كبيرة، كلام طويل مذكور فى الفقه (ثم ان ظاهر الاخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن) الاثنى عشرى (فيجوز اغتياب المخالف) و قد اختلفوا فى ذلك، فبعض حرم اغتياب المخالف، و بعض اباح حتى اغتياب المؤمن اذا لم يكن عادلا، و بعض قال:

بمقالة الشيخ، بل ادعى الجواهر ضرورة جواز اغتياب غير المؤمن.

و ربما يقال: بالفرق بين المخالف الّذي يعاند الحق، و المخالف القاصر.

اما القول الاول: فقد استدل بإطلاق الآية و الروايات بعد انكار انصرافها إلى خصوص المؤمن، كما ان بيع العبد المسلم للكافر قالوا بإطلاقه بالنسبة إلى المخالف.

و اما القول الثانى: فقد استدل بما روى عن الكافى، عن ابى عبد الله

ص: 13

كما يجوز لعنه.

و توهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع، بما علم بضرورة المذهب.

______________________________

عليه السلام، قال من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته، و كملت مروته، و ظهرت عدالته و وجبت اخوته.

و اما كلام الشيخ فمستنده الاصل بعد انصراف الادلة إلى خصوص المؤمن لعدم احترام غيره فى نظر الشارع.

و اما الاحتمال الرابع فمستنده تخصيص الانصراف بالمعاند بل ادلة السب و اللعن تشمله بالاولوية، اما القاصر فليس بآثم حتى يجوز هتكه، و الكلام فى الاقوال المذكورة طويل خارج عن مقصد الشرح.

فعليه (كما) يجوز غيبة المخالف، كذلك (يجوز لعنه) لما ورد من الروايات و الادعية فى لعن الظالمين لآل محمد، و آخر تابع لهم فى ذلك، و ما ورد من بهتهم و تكثير الوقيعة فيهم و ما اشبه مما يشمل المعاند قطعا، بل و غيره على القول المتقدم.

(و توهم) المقدس الاردبيلى (عموم الآية) لان قوله تعالى «وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» خطاب للمسلمين الشامل للمؤالف و المخالف (كبعض الروايات) كقوله صلى الله عليه و آله و سلم: و هو يأكل لحوم الناس بالغيبة (لمطلق المسلم).

فهذا التوهم (مدفوع، بما علم بضرورة المذهب) كما ادعاه الجواهر

ص: 14

من عدم احترامهم، و عدم جريان احكام الاسلام عليهم الا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه، مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة و حل ذبائحهم، و مناكحتهم.

______________________________

أيضا (من عدم احترامهم، و عدم جريان احكام الاسلام عليهم) فهذا المعلوم الخارجى صارف للعمومات و الاطلاقات عن شمول غير المؤمن.

ثم ان المراد باحكام الاسلام: الاحكام الصادرة عن اهل البيت عليهم السلام المطابقة لواقع الاسلام، لا ما يسمى باحكام الاسلام الشاملة لاحكام المخالفين التى يدعون انها من الاسلام، و الا فلا شبهة فى انهم مكلفون باحكام انفسهم عندنا أيضا، بدليل: الزموهم بما التزموا به، و لذا يجب على الحاكم المؤمن أمرهم بالمعروف عندهم، و ينهاهم عن المنكر عندهم، فاذا شرب احدهم خمرا أو زنى او لعب قمارا او ترك الصوم و الصلاة و الحج او اخذ الزوجة الخامسة او ما اشبه، كان اللازم ردعهم.

نعم اذا عمل بما يطابق مذهبه لقاعدة: الزموهم، المدلول عليها بالنص و الفتوى.

فمراد الشيخ ره من عدم جريان احكام الاسلام تلك الاحكام الواصلة من طريق اهل الوحى و الرسالة (الا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاشر المؤمنين عليه) فالجريان بلحاظ المؤمن، لا بلحاظ انه مسلم فى نظر الاسلام (مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة) و بعبارة اخرى طهارتهم (و حل ذبائحهم، و مناكحتهم) تزوجا من نسائهم لا تزويجا لهم- على الاحوط- بل المناكحة جائزة بين المسلم و الكتابية، اما مطلقا او فى خصوص المتعة

ص: 15

و حرمة دمائهم لحكمة رفع الفتنة، و نسائهم لان لكل قوم نكاحا، و نحو ذلك مع ان التمثيل المذكور فى الآية مختص بمن ثبت اخوته، فلا يعم من وجب التبرى عنه.

و كيف كان فلا اشكال

______________________________

بل حتى المشركة فى الاماء (و حرمة دمائهم لحكمة رفع الفتنة، و) حرمة (نسائهم) كنساء سائر الكفار الذين لا يحاربون المسلمين (لان لكل قوم نكاحا) كما عليه النص و الفتوى، و ذلك حتى يستقيم الانساب و لا تختلط المياه، و لا يعامل الكافر المسلم بالمثل فى حلية المسلمة و ما اشبه ذلك من العلل و الحكم (و نحو ذلك) من سائر الاحكام الجارية على المخالف، ككفنه و الصلاة عليه و دفنه فى مقابر المسلمين و عدم بيعه اذا كان عبدا من كافر، و الدفاع عن بلاد الاسلام التى يسكنونها، و هكذا.

و الحاصل: ان ادلة حرمة الغيبة منصرفة عن المخالف، بل بعض الادلة لا يشمل المخالف اصلا.

و إليه اشار المصنف بقوله (مع ان التمثيل المذكور فى الآية) بقوله سبحانه «أ يحب احدكم» الّذي مثل المغتاب بمن يأكل لحم اخيه (مختص بمن ثبت اخوته) للمؤمن (فلا يعم من وجب التبرى عنه) من المخالف، اذ الاخوة تنافى وجوب التبرى، اما وجوب التبرى عن المخالف فلما ورد من بهتهم و الوقيعة فيهم.

(و كيف كان) الامر، سواء قلنا بالإطلاق، و ان الانصراف يحكم بخروج المخالف، أم قلنا بعدم الشمول للمخالف من اوّل الأمر (فلا اشكال

ص: 16

فى المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة فى الغيبة، و فى حكمه حرمتها و فى حال غير المؤمن فى نظر الشارع.

ثم الظاهر دخول الصّبي المميّز المتأثر بالغيبة لو سمعها لعموم بعض الروايات المتقدمة و غيرها الدالة على

______________________________

فى المسألة بعد ملاحظة الروايات الواردة فى الغيبة، و فى حكمه حرمتها) التى هى بقاء وحدة المؤمنين، و تماسك بعضهم مع بعض مما لا يجرى فى المؤمن و غير المؤمن، اذ لا يهم الشارع الابتعاد عن غير المؤمن بل يؤكد الشارع على البعد عنهم، لئلا يتأثر بعض المؤمنين بافكارهم (و فى حال غير المؤمن فى نظر الشارع) و انه من الذين لا يجوز حتى شربهم للماء و ان تصرفهم فى الارض حرام لانهم لا يوالون اولياء الله، كما ورد فى باب الخمس و باب الارضين و غيرهما.

(ثم الظاهر دخول الصّبي المميّز) فى عدم جواز غيبته و ان جاز ان يستغيب هو، لقاعدة: رفع القلم.

و ربما احتمل عدم جواز ان يستغيب، لانه مما علم من الشارع عدم إرادة وجوده فى الخارج، كاللواط و الزنا و ما اشبه، لان الشارع لم يرد وقوع الفتنة و البغضاء بين المؤمنين، و الغيبة تسبب ذلك.

و قد وصف المصنف المميز بقوله: (المتأثر بالغيبة لو سمعها).

و انما نقول بالتحريم فى هذا الصبى (لعموم بعض الروايات المتقدمة) كقوله صلى الله عليه و آله و سلم: ان الغيبة اشدّ من الزنا (و غيرها) اى سائر اخبار الغيبة التى تقدم فى هذا المبحث (الدالة على

ص: 17

حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم مع صدق الاخ عليه كما يشهد به قوله تعالى: وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ. فِي الدِّينِ* مضافا إلى امكان الاستدلال بالآية و ان كان الخطاب للمكلفين بناء على عدّ اطفالهم منهم تغليبا.

______________________________

حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم) فان الناس و شبهه شامل للصبى المميز و انما قيدنا الصبى بالمميز، لان غير المميز كالبهيمة، فالاطلاقات منصرفة عنه (مع صدق الاخ) فى الآية الكريمة: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً (عليه) اى على الصبى المميز (كما يشهد به) اى بصدق الاخ على المميز (قوله تعالى: وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ. فِي الدِّينِ*) فقد اطلق سبحانه الاخوان على الصبيان، قال سبحانه: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ، قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ.

لكن ربما يقال: ان اليتيم هنا شامل لغير المميز، فلو قلنا بصدق الاخ لزم حرمة غيبته، أيضا، و لا يقولون به.

و الجواب ان غير المميز منصرف عنه اطلاق آية الغيبة كما تقدم (مضافا الى امكان الاستدلال بالآية) اى بآية: لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً لا الاستدلال بمجرد لفظ «الاخ» (و ان كان الخطاب للمكلفين) لان النهى فى الآية تكليف، و لا يتوجه التكليف الا إلى البالغين (بناء على عدّ اطفالهم منهم تغليبا) للكبار على الصغار.

و على هذا نقول ان معنى الآية: ايها المكلفون لا يغتب بعضكم بعضا آخر، سواء كان كبيرا و صغيرا لكن غيبة الصغير لغيره خرج من العموم بدليل رفع القلم، فيبقى غيبة الكبير للكبير و للصغير مشمولا للآية.

ص: 18

و امكان دعوى صدق المؤمن عليه مطلقا او فى الجملة.

و لعلّه لما ذكرنا صرح فى كشف الريبة، بعدم الفرق بين الصغير و الكبير، و ظاهره الشمول لغير المميز أيضا.

و منه يظهر حكم المجنون الا انه صرّح بعض الاساطين باستثناء من

______________________________

و لا يخفى: ان الشيخ ره استدل تارة بذيل الآية الكريمة، اى: أ يحب احدكم ان يأكل لحم اخيه، فالمعنى: ايها الكبار لا تأكلوا لحم اخوانكم صغارا كانوا أم كبارا- و تارة بصدر الآية، اى: و لا يغتب بعضكم بعضا (و) كذلك يمكن الاستدلال لحرمة غيبة الصبى المميز ب (امكان دعوى صدق المؤمن عليه) فيشمله قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا.

و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتاب مؤمنا، و شبه ذلك (مطلقا) اى مطلق المميز (او فى الجملة) و هو بعض اقسامه، ممن كان ملتزما بالاحكام الشرعية كما يوجد فى اطفال المتدينين.

(و لعله لما ذكرنا) من صدق الادلة على غيبة الصبى المميز (صرّح فى كشف الريبة، بعدم الفرق) فى حرمة الغيبة (بين) المغتاب- بالفتح- (الصغير و الكبير، و ظاهره) حيث اطلق لفظ: الصغير (الشمول لغير المميز أيضا) لكن لا يبعد انصراف كلامه إلى المميز.

(و منه) اى مما ذكرنا من حرمة غيبة المميز دون غيره (يظهر حكم المجنون) و انه ان كان مميزا حرمت غيبته، و الا لم تحرم (الا انه صرّح بعض الاساطين باستثناء من

ص: 19

لا عقل له، و لا تمييز، معللا بالشك فى دخوله تحت ادلة الحرمة.

و لعله من جهة ان الاطلاقات منصرفة إلى من يتأثر لو سمع.

و سيتضح ذلك زيادة على ذلك.

بقى الكلام فى امور،
الأول الغيبة اسم مصدر لاغتاب او مصدر لغاب

______________________________

لا عقل له، و لا تمييز، معللا) للاستثناء (بالشك فى دخوله تحت ادلة الحرمة) و المراد الشك فى ظهور الالفاظ.

و من المعلوم: ان الحجية انما تتبع القطع بالظهور- كما قرر فى الاصول- و الا فمجرد الشك فى بعض المصاديق بعد وجود الاطلاق و العموم لا يوجب رفع اليد عن العام و المطلق بالنسبة إلى ذلك الفرد و لذا قال الشيخ ره فى توجيه كلامه.

(و لعله) اى لسبب الشك (من جهة ان الاطلاقات) الدالة على التحريم (منصرفة إلى من يتأثر لو سمع) و المجنون و غير المميز ليسا كذلك و وجه الانصراف يظهر من قوله صلى الله عليه و آله و سلم «ذكرك اخاك بما يكره» فالذى لا يكره لا يشمله الاطلاق.

(و سيتضح ذلك) الّذي وجهناه من الانصراف (زيادة على ذلك) الّذي ذكرنا هنا.

(بقى الكلام فى امور، الاول الغيبة) بكسر الغين (اسم مصدر لاغتاب) من باب الافتعال، (او مصدر لغاب) اذا كان بفتح الغين و المصدر الاغتياب.

و الفرق بينهما- كما ذكروا- ان المصدر هو الحدث المنسوب إلى الفاعل بدون الزمان، و اسم المصدر هو مجرد الحدث كالغسل و الاغتسال

ص: 20

ففى المصباح اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب، و هو حق و الاسم الغيبة.

و عن القاموس غابه عابه، و ذكره بما فيه من السوء، و عن النهاية ان يذكر الانسان فى غيبته بسوء مما يكون فيه، و الظاهر من الكل- خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعيب- ان المراد ذكره فى مقام الانتقاص.

و المراد بالموصول هو نفس النقص الّذي فيه.

______________________________

و الوضوء و التوضى.

(ففى المصباح اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب، و هو) اى ما ذكره من العيوب (حق) بان كان ذلك العيب موجودا فى الطرف، كما لو قال:

زيد بخيل، و كان بخيلا فى الواقع (و الاسم) اى اسم المصدر (الغيبة) و لم يذكر المصدر لوضوحه، فانه: اغتيابا.

(و عن القاموس غابه) اى (عابه، و ذكره بما فيه من السوء و عن النهاية) لابن الاثير: الغيبة (ان يذكر الانسان فى غيبته) اى حال كونه غائبا عن المجلس (بسوء مما يكون فيه، و الظاهر من الكل- خصوصا القاموس المفسر لها) اى للغيبة (أولا بالعيب- ان المراد) من الغيبة (ذكره فى مقام الانتقاص) لانه المتبادر من العيب، و السوء فاذا قيل ذكر فلان فلانا بالسوء، فهم السامع انه كان فى مقام انتقاصه.

(و المراد بالموصول) اى قوله: بما (هو نفس النقص الّذي فيه) فالمعنى: ان ينتقصه بعيب فيه.

ص: 21

و الظاهر من الكراهة فى عبارة المصباح كراهة وجوده و لكنه غير مقصود قطعا.

فالمراد اما كراهة ظهوره و لو لم يكره وجوده، كالميل إلى القبائح.

و اما كراهة ذكره بذلك العيب.

و على هذا التعريف دلت جملة من الاخبار، مثل قوله صلى الله عليه و آله- و قد سأله ابو ذر عن الغيبة-: أنها ذكرك اخاك بما يكرهه.

______________________________

(و الظاهر من الكراهة فى عبارة المصباح كراهة وجوده) اى يكره المغتاب- بالفتح- وجود ذلك العيب فيه، كما لو كان اعور، فانه يكره وجود العور فى نفسه (و لكنه غير مقصود) اذ لا علاقة لكراهته بما نحن فيه (قطعا).

(فالمراد) من الكراهة (اما كراهة ظهوره، و لو لم يكره) المغتاب بالفتح- (وجوده، كالميل إلى القبائح) فان الميال إلى الشهوات لا يكره وجود هذا الميل و انما يكره انكشافه للناس.

(و اما كراهة ذكره بذلك العيب) و ان كان لا يبالى بظهوره كبعض الفسقة ممن يكره ان يذكر بالفسق.

فتحصل ان قيود الغيبة ثلاثة «التنقيص» و «عيب فيه» و «كراهته لظهوره او ذكره به».

(و على هذا التعريف) الّذي استفدناه من كتب اللغة (دلت جملة من الاخبار، مثل قوله صلى الله عليه و آله- و قد سأله ابو ذر عن الغيبة- انها ذكرك اخاك بما يكرهه).

ص: 22

و فى نبوى آخر، قال صلى الله عليه و آله و سلم: أ تدرون ما الغيبة؟

قالوا: الله و رسوله اعلم، قال: ذكرك اخاك بما يكرهه.

و لذا قال فى جامع المقاصد ان حد الغيبة على ما فى الاخبار: ان تقول فى اخيك ما يكرهه لو سمعه مما هو فيه و المراد بما يكرهه- كما تقدم فى عبارة المصباح-: ما يكرهه ظهوره سواء كره وجوده كالبرص و الجذام، أم لا، كالميل إلى القبائح.

و يحتمل ان يراد بالموصول نفس الكلام الّذي يذكر الشخص به.

______________________________

و لا يخفى ان الذكر، من باب المصداق، فالاشارة أيضا كذلك، و الاخ أيضا كذلك، اذ المسلمة أيضا كذلك.

(و فى نبوى آخر، قال صلى الله عليه و آله و سلم: أ تدرون ما الغيبة؟

قالوا: الله و رسوله اعلم، قال) صلى الله عليه و آله و سلم: (ذكرك اخاك بما يكرهه).

(و لذا) الّذي ذكرناه من تعريف الغيبة المستفاد من اللغة و الروايات

(قال فى جامع المقاصد ان حدّ الغيبة على ما فى الاخبار: ان تقول فى اخيك ما يكرهه لو سمعه مما هو فيه) اى من العيب الموجود فى الاخ (و المراد بما يكرهه- كما تقدم فى عبارة المصباح-: ما يكرهه ظهوره) للناس (سواء كره وجوده) أيضا (كالبرص و الجذام، أم لا، كالميل إلى القبائح) و تعاطى المنكرات.

(و يحتمل ان يراد بالموصول) اى لفظة «ما» فيما يكره (نفس الكلام الّذي يذكر الشخص به) اى ذكرك اخاك بكلام يكره ذلك الكلام، و هذا

ص: 23

و يكون كراهته اما لكونه اظهارا للعيب.

و اما لكونه صادرا على جهة المذمّة و الاستخفاف و الاستهزاء، و ان لم يكن العيب مما يكره اظهاره، لكونه ظاهرا بنفسه.

و اما لكونه مشعرا بالذم، و ان لم يقصد المتكلم الذم به، كالالقاب المشعرة بالذم.

قال فى الصحاح: الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه، و ظاهره التكلم بكلام يغمّه لو سمعه.

______________________________

بخلاف المعنى الاول الّذي هو: ذكرك اخاك بعيب يكره ظهوره.

(و يكون كراهته) اياه (اما لكونه اظهارا للعيب).

(و اما لكونه صادرا على جهة المذمّة و الاستخفاف و الاستهزاء، و ان لم يكن العيب مما يكره اظهاره، لكونه ظاهرا بنفسه).

فالاول: ككونه عيبا لا يطلع احد عليه فاذا قال المتكلم ذلك كرهه، لانه اظهار لعيبه.

و الثانى: ككونه أعمى و الناس مطلعون عليه، فاذا قال المتكلم ذلك كرهه، لانه استخفاف و تنقيص له.

(و اما لكونه مشعرا بالذم، و ان لم يقصد المتكلم الذم به، كالالقاب المشعرة بالذم) كالبليد و الاحمق و ما اشبه مما صار لقبا له.

(قال فى الصحاح: الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه و) لفظ «ما» الموصول فى كلامه (ظاهره التكلم بكلام) لا بعيب (يغمّه لو سمعه) و

ص: 24

بل فى كلام بعض من قارب عصرنا: ان الاجماع و الاخبار متطابقان على ان حقيقة الغيبة ان يذكر الغير بما يكره لو سمعه، سواء كان بنقص فى نفسه، او بدنه، او دينه، او دنياه، او فيما يتعلق به من الاشياء.

و ظاهره أيضا إرادة الكلام المكروه.

و قال الشهيد الثانى فى كشف الريبة: ان الغيبة ذكر الانسان فى غيبته بما يكره نسبته إليه، مما يعد نقصا فى العرف بقصد الانتقاص و الذم.

و يخرج على هذا التعريف ما اذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة، يكون وجودها

______________________________

هذا يؤيد ما تقدم من قولنا: و يحتمل ان يراد بالموصول، الخ (بل فى كلام بعض من قارب عصرنا: ان الاجماع و الاخبار متطابقان على ان حقيقة الغيبة ان يذكر الغير بما يكره لو سمعه) فالمراد بالموصول: الكلام لا العيب (سواء كان بنقص فى نفسه) كسيّئ الخلق (او بدنه) كالمجذوم (او دينه) كضعيف العقيدة (او دنياه) كالمسكين (او فيما يتعلق به من الاشياء) كوسخ الثياب او جرب الدابة و ما اشبه ذلك.

(و ظاهره) اى ظاهر كلام هذا المقارب لعصرنا (أيضا) كظاهر الصحاح (إرادة الكلام المكروه) لا العيب المكروه.

(و قال الشهيد الثانى فى كشف الريبة: ان الغيبة ذكر الانسان فى) حال (غيبته بما يكره نسبته إليه، مما يعد نقصا فى العرف) و يتكلم المتكلم بذلك الكلام (بقصد الانتقاص و الذم) انتهى كلامه.

(و يخرج) من موضوع الغيبة (على هذا التعريف ما اذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة، يكون وجودها

ص: 25

نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلك مع انه داخل فى التعريف عند الشهيد ره أيضا حيث عدّ من الغيبة: ذكر بعض الاشخاص بالصفات المعروف بها كالاعمش و الاعور و نحوهما.

و كذلك ذكر عيوب الجارية التى يراد شرائها اذا لم يقصد من ذكرها الّا بيان الواقع و غير ذلك مما ذكره هو و غيره من المستثنيات.

______________________________

نقصا مع عدم قصد) المتكلم (انتقاصه بذلك) كما لو قال فلان الاعمى حدثنى بكذا، فيما اذا اراد بيان الوصف لا الانتقاص (مع انه داخل فى التعريف) للغيبة (عند الشهيد ره) نفسه (أيضا) كما يدخل ما يقصد به الانتقاص (حيث عدّ) الشهيد (من الغيبة: ذكر بعض الاشخاص بالصفات المعروف بها، كالاعمش و الاعور و نحوهما) كالاشتر و الاحول.

(و كذلك) داخل فى الغيبة- موضوعا- (ذكر عيوب الجارية التى يراد شرائها) كالنؤم و الكسول (اذا لم يقصد من ذكرها الّا بيان الواقع) لا الانتقاص، فانهم قالوا بان ذلك من مستثنيات الغيبة مع ان المتكلم لم يقصد الانتقاص، فلو لم يكن مثل ذلك داخلا فى موضوع الغيبة، لم يكن وجه لجعلهم له من المستثنيات (و غير ذلك) من امثلة ذكر الصفات المذمومة بدون قصد الانتقاص (مما ذكره هو) الشهيد (و غيره) من سائر العلماء (من المستثنيات) عن حرمة الغيبة، مثل قول المشير: الرجل المريد للزواج فيه كذا و كذا عند نصح المستشير، و كذلك بالنسبة إلى استخدام العبد و اتخاذ الشريك و غير ذلك.

(و) ان قلت: هذا الاشكال غير وارد على الشهيد، اذ ما ذكرتم من

ص: 26

دعوى ان قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص موجبة لاستدراك ذكره بعد قوله مما يعد نقصا.

و الاولى- بملاحظة ما تقدم من الاخبار و كلمات الاصحاب، بناء على ارجاع الكراهة إلى الكلام المذكور به لا إلى الوصف- ما تقدم، من ان الغيبة ان يذكر الانسان بكلام يسوء به.

اما باظهار عيبه المستور، و ان لم يقصد انتقاصه.

______________________________

الامثلة يوجد فيها قصد الانتقاص، اذ ليس المراد بقصد الانتقاص كون المتكلم فى مقام الذم و الاستخفاف، بل مجرد بيان النقائص هو قصد الانتقاص.

قلت: (دعوى ان قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص) غير تامة، اذ هذا (موجبة لاستدراك) و زيادة (ذكره) اى قصد الانتقاص (بعد قوله) اى الشهيد ره (مما يعد نقصا) لانه على هذه الدعوى كلّ ذكر نقص، قصد انتقاص، فلم جمع الشهيد ره بين القيدين؟

(و) حيث عرفت الاشكال فى هذه التعريفات للغيبة، ف (الاولى- بملاحظة ما تقدم من الاخبار و كلمات الاصحاب، بناء على ارجاع الكراهة) المأخوذة فى تعريف الغيبة (الى الكلام المذكور به) اى انها ذكرك اخاك بكلام يكرهه (لا إلى الوصف-) فليست الغيبة ذكرك اخاك بوصف يكره ذلك الوصف.

فاما ان يكون تعريف الغيبة (ما تقدم، من ان الغيبة ان يذكر الانسان بكلام يسوء به) اى بذلك الكلام.

(اما باظهار عيبه المستور، و ان لم يقصد) المتكلم (انتقاصه) و ذمه.

ص: 27

و اما بانتقاصه بعيب غير مستور اما بقصد المتكلم او يكون الكلام بنفسه منقصا له، كما اذا اتصف الشخص بالالقاب المشعرة بالذم.

نعم لو ارجعت الكراهة إلى الوصف الّذي يسند إلى الانسان تعيّن إرادة كراهة ظهورها فيختصّ بالقسم الاول و هو ما كان اظهار الامر مستور و يؤيّد هذا الاحتمال

______________________________

(و اما بانتقاصه بعيب غير مستور) انتقاصا يحصل (اما بقصد المتكلم) الانتقاص و ان لم يكن ذكر العيب نقصا عرفيا، كما لو استهزأ به بانه سمين فان السمن عيب، لكنه اذا لم يقصد المتكلم الانتقاص لا يكون تنقيصا بمجرد ان يقول: فلان سمين (او يكون الكلام بنفسه منقصا له) و ان لم يقصد المتكلم التنقيص (كما اذا اتصف الشخص بالالقاب المشعرة بالذم) فقال المتكلم:

جاء فلان الاعمى او الاعمش مثلا، و ان لم يقصد الانتقاص لكنه حيث كان بنفسه تنقيصا كان داخلا فى الغيبة.

(نعم لو ارجعت الكراهة) فى تعريف الغيبة بقولهم: ذكرك اخاك بوصف يكره (الى الوصف الّذي يسند) ذلك الوصف (الى الانسان تعيّن إرادة كراهة ظهورها) اى ظهور تلك الصفة (فيختص) التعريف للغيبة (بالقسم الاوّل) من الاقسام الثلاثة التى ذكرها بقوله: اما باظهار- الى قوله- منقصا له (و هو ما كان) الكلام (اظهار الامر مستور).

و لكن فيه انه يمكن ان يشمل الاقسام الثلاثة أيضا، بان تقول: ذكرك اخاك بوصف يكره ذلك الوصف.

(و يؤيد هذا الاحتمال) اى رجوع الكراهة إلى الوصف لا إلى الكلام

ص: 28

بل يعيّنه: الاخبار المستفيضة الدالة على اعتبار كون القول مستورا غير منكشف.

مثل قوله عليه السلام- فيما رواه العياشى بسنده عن ابن سنان-:

الغيبة ان تقول فى اخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه، و رواية داود ابن سرحان المروية فى الكافى، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو ان تقول لاخيك فى دينه ما لم يفعل

______________________________

(بل يعيّنه: الاخبار المستفيضة الدالة على اعتبار كون القول مستورا غير منكشف) فلا يشمل الوصف الظاهر.

(مثل قوله عليه السلام- فيما رواه العياشى بسنده عن ابن سنان-:

الغيبة ان تقول فى اخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه، و رواية داود بن سرحان المروية فى الكافى، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو ان تقول لاخيك فى دينه ما لم يفعل).

قوله: فى دينه اما متعلق ب «اخيك» فالمراد الاخ الدينى، و ذلك لاخراج الكافر و المخالف، و المعنى: لاخيك الّذي انت اخ له فى دينه.

و انما اختير دينه، لا دينك، لإفادة ان كل واحد منهما اخ للاخ فى الدين.

و اما متعلق ب «تقول» بمعنى: ان تقول قولا سيّئا فى دينه، كان تتهمه بالزندقة، او المروق، او الانحراف.

و ذكر الدين فقط مع ان الغيبة اعم لبيان الفرد الكامل من الغيبة لان الرمى فى دين شخص اهم جرما من الرمى فى سائر الامور المرتبطة به

ص: 29

و تبث عليه امرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حدّ.

و رواية ابان، عن رجل لا يعلمه الا يحيى الازرق قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لم يعرفه الناس فقد اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته.

و حسنة عبد الرحمن ابن سيابة- بابن هاشم-

______________________________

(و تبث عليه امرا قد ستره الله عليه) مما (لم يقم عليه فيه حدّ) كان تنسبه الى الزنا و اللواط و ما اشبه.

و الظاهر ان المراد بالحدّ اعم من التعزير، فيشمل نسبة الشخص الى جميع انواع المعاصى.

(و رواية ابان، عن رجل لا يعلمه الا يحيى الازرق) يعنى كان ابان يظن ان اسم الرجل هو يحيى الازرق (قال: قال لى ابو الحسن عليه السلام: من ذكر رجلا من خلفه) اى فى غيابه (بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لم يعرفه الناس فقد اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته) من البهتان.

و لعل المراد ب «لم يغتبه» انه ليس داخلا فى موضوع الغيبة، و ان كان حراما اذا قصد التنقيص، او كان موجبا للنقص و ان لم يقصده المتكلم.

(و حسنة عبد الرحمن ابن سيابة- ب) سبب وجود (ابن هاشم-) فى السند.

لكن لا يخفى ان المتأخرين حققوا ان ابن هاشم من الثقات فوجوده

ص: 30

قال: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: الغيبة ان تقول فى اخيك ما ستره الله عليه، و اما الامر الظاهر مثل الحدّة و العجلة فلا.

و البهتان ان تقول فيه ما ليس فيه.

و هذه الاخبار- كما ترى- صريحة فى اعتبار كون الشي ء غير منكشف

و يؤيد ذلك ما فى الصحاح من ان الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فان كان صدقا سمّى، غيبة، و ان كان كذبا سمّى، بهتانا.

______________________________

فى السند لا يضر بالصحة (قال: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: الغيبة ان تقول فى اخيك ما ستره الله عليه، و اما الامر الظاهر) اى العيب الظاهر فى الشخص (مثل الحدّة) فى المزاج (و العجلة) بالتسرع فى الامور (فلا) يكون ذكرها غيبة، بل قد عرفت ان ذلك حرام من جهة انه تنقيص.

(و البهتان ان تقول فيه ما ليس فيه) من الصفات الذميمة و الاخلاق الرذيلة و العيوب، كان يقول: فلان اعمى او سيّئ الخلق او ما اشبه، و الحال ان تلك الامور ليست فيه.

(و هذه الاخبار- كما ترى- صريحة فى اعتبار كون الشي ء) الّذي يقوله الانسان فى اخيه (غير منكشف) للناس، و الا لم يصدق الغيبة.

(و يؤيد ذلك) اى لزوم عدم الانكشاف (ما فى الصحاح من ان الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمّه لو سمعه، فان كان) كلامه (صدقا سمّى غيبة، و ان كان كذبا سمّى بهتانا) انتهى كلام الصحاح.

ص: 31

فان اراد من المستور من حيث ذلك المقول وافق الاخبار.

و ان اراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة

و الملخص من مجموع ما ورد فى المقام: ان الشي ء المقول ان لم يكن نقصا فلا يكون ذكر الشخص حينئذ

______________________________

(فان اراد) الصحاح (من المستور) الّذي ذكره فى تعريف الغيبة (من حيث ذلك المقول) اى ذلك الوصف: «مستور» كان يقول فلان لائط و لواطه مستور لدى الناس، سواء كان المقول فيه انسانا متدينا ظاهرا، او فاسقا متجاهرا بالمعاصي، لكن هذا الوصف فيه مخفى (وافق الاخبار) لان ظاهر الاخبار كون الوصف مخفيا.

(و ان اراد) بالمستور (مقابل المتجاهر) فالمستور وصف للشخص لا انه وصف للصفة الموجودة فى الشخص (احتمل الموافقة) لكلام الصحاح مع الاخبار (و المخالفة) لها، لان الانسان الستير قد يكون وصفه بفسق كذائى مخفيا، و قد يكون وصفه ظاهرا، فانه لا منافات بين كون الانسان ستيرا غير متجاهر بالمعاصي، و مع ذلك يكون قد فعل محرما عرفه الناس.

و الحاصل: ان الاخبار تقول: ميزان الغيبة كون الوصف مستورا، و الصحاح ان اراد ب «المستور» وصف «الصفة» كان موافقا للاخبار و ان اراد وصف «الموصوف» كان محتمل الموافقة و المخالفة.

(و الملخص من مجموع ما ورد فى المقام: ان الشي ء المقول ان لم يكن نقصا فلا يكون ذكر الشخص) بهذا الوصف (حينئذ) اى حين لم يكن نقصا

ص: 32

غيبة، و ان اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه.

نظير ما اذا نفى عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك نقصا فى حقه، الا انه معتقد باجتهاد نفسه.

نعم قد يحرم هذا من وجه آخر.

و ان كان نقصا شرعا او عرفا بحسب حال المغتاب

______________________________

واقعيا (غيبة، و ان اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه).

(نظير ما اذا نفى) المتكلم (عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك نقصا فى حقه) واقعيا (الا انه معتقد باجتهاد نفسه) كما ان اثبات صفة له هى فيه أيضا ليس غيبة، اذا كانت فيه واقعا، و ان زعم ان ذلك الوصف ليس فيه كما لو زعم انه شجاع فاثبت له المتكلم وصف الجبن، و قد كان واقعا جبانا.

(نعم قد يحرم هذا) الكلام (من وجه آخر) مثل كونه اهانة بالمؤمن و طعنا عليه و ما اشبه و ذلك حرام و ان لم يصدق عليه الغيبة.

اللهم الا اذا الزم ذلك من باب ارشاد الجاهل و النهى عن المنكر و نصح المستشير، كما لو اراد الجاهل ان يقلده، فنبهه المتكلم على انه ليس بمجتهد، او اراد ان يسلّم إليه قيادة جيش المسلمين مثلا، او ما اشبه ذلك.

(و ان كان) الشي ء المقول (نقصا شرعا) كحلق اللحية و عدم المبالات بالصلاة (او عرفا) كالاكتحال (بحسب حال المغتاب) بالفتح، و ان لم يكن بحسب حال غيره نقصا، و هذا قيد توضيحى، اذا المعيار فى الغيبة و ما

ص: 33

فان كان مخفيا للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس، و اراد القائل تنقيص المغتاب به، فهو المتيقن من افراد الغيبة.

و ان لم يرد القائل التنقيص فالظاهر حرمته لكونه كشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر: من مشى فى غيبة اخيه و كشف عورته الخ.

و فى صحيحة ابن سنان، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال نعم، قلت: تعنى سفليه، قال عليه السلام: ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سرّه

______________________________

اشبه حال المقول فيه لا حال غيره (فان كان مخفيا للسامع) و كان المغتاب (بحيث يستنكف) و يأبى (عن ظهوره) اى ظهور ذلك الوصف (للناس، و اراد القائل تنقيص المغتاب) بالفتح (به) اى باظهار ذلك الوصف المستور (فهو المتيقن من افراد الغيبة) المحرمة.

(و ان لم يرد القائل التنقيص فالظاهر حرمته) أيضا، لا من باب الغيبة بل (لكونه كشفا لعورة المؤمن) و هو حرام قطعا (و قد تقدم الخبر من مشى فى غيبة اخيه و كشف عورته الخ) كانت اوّل خطوة خطاها وضعها فى جهنم.

(و فى صحيحة ابن سنان، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال) عليه السلام (نعم، قلت: تعنى سفليه) اى قبله و دبره (قال عليه السلام: ليس حيث تذهب) من المعنى للعورة (انما) مرادى الآن (هو اذاعة سرّه) اى افشائه.

و من المعلوم: ان العيب الخفى سرّ الانسان، و لذا يقول له: قد افشيت سرى.

ص: 34

و فى رواية محمد بن فضيل عن ابى الحسن عليه السلام و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروءته فتكون من الذين قال الله عز و جل:

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ.

و لا يقيد اطلاق النهى بصورة قصد الشين و الهدم من جهة الاستشهاد بآية حب شياع

______________________________

و لا يخفى ان هذا الحديث ليس فى مقام انكار حرمة النظر إلى سفلى المسلم، بل فى مقام التشديد فى حرمة اذاعة السرّ حتى كأنّ الّذي ينبغى ان يسأل عنه هو هذا، لا النظر إلى العورة، فهذا المخرج من الكلام من ابواب البلاغة، كما قرر فى محله.

(و فى رواية محمد بن فضيل عن ابى الحسن عليه السلام) قال: (و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به) الشين ضد الزين (و تهدم به مروءته) المروة صفة توجب ثقل الانسان و تحرّيه موازين الامور.

و هدم المروة كناية عن تخفيفه امام الناس، و اظهاره بمظهر الطيش و عدم الاتزان (فتكون من الذين قال اللّه عز و جل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) أليم، فعيل بمعنى الفاعل اى عذاب يوجب الالم و هذا القيد للتهويل، و الا فالعذاب ملازم للألم

(و لا يقيد اطلاق النهى) فى قوله عليه السلام: لا تذيعن (بصورة قصد) المتكلم (الشين و الهدم) حتى يكون غير القاصد ذلك غير فاعل للحرام.

و انما يحتمل التقييد المذكور (من جهة الاستشهاد بآية حب شياع

ص: 35

الفاحشة، بل الظاهر ان المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها.

مع انه لا فائدة كثيرة فى التنبيه على دخول القاصد لاشاعة الفاحشة فى عموم الآية.

و انما يحسن التنبيه على ان قاصد السبب قاصد

______________________________

الفاحشة) فان الظاهر من الحب القصد.

و انما قلنا: لا يقيد لان الاستشهاد بالآية لا تصلح وجه التقييد، فان الاستشهاد من جهة لا يوجب مطابقة الشاهد للمشهود عليه من كل الجهات (بل) نفس الآية لا تدل على القصد أيضا فكيف بان تقيد: الصدر، بالقصد و ذلك لان (الظاهر) لدى الانسباق العرفى من الآية (ان المراد) بها (مجرد فعل ما يوجب شياعها) اى الفاحشة، سواء قصد الشين و الهدم أم لا، فان قسما من الناس يحبون نقل الاقوال الطريفة سواء كانت حسنة أم سيئة بدون قصد الاحسان و الإساءة.

(مع انه) لو قلنا: بان ظاهر الآية قصد الشين كان مقتضى القاعدة:

عموم الصدر، لمن قصد الشين، أم لا.

اذ (لا فائدة كثيرة فى التنبيه) من الامام عليه السلام (على دخول القاصد لاشاعة الفاحشة فى عموم الآية) فان دخول هذا الفرد واضح لا يحتاج الى التنبيه.

(و انما يحسن التنبيه) لدخول غير القاصد فى الآية، فان ذلك معا يخفى على العامة، فيحسن التنبيه عليه، فكان الامام عليه السلام بذكر الآية الكريمة اراد ان ينبه (على ان قاصد السبب) و هى اذاعة السر (قاصد

ص: 36

للمسبب، و ان لم يقصده بعنوانه.

و كيف كان فلا اشكال من حيث النقل و العقل فى حرمة اذاعة ما يوجب مهانة المؤمن، و سقوطه عن اعين الناس فى الجملة.

و انما الكلام فى انها غيبة، أم لا، مقتضى الاخبار المتقدمة باسرها ذلك، خصوصا المستفيضة الاخيرة

______________________________

للمسبب) و هو اشاعة الفاحشة (و ان لم يقصده) المذيع القاصد للسبب:

المسبب (بعنوانه) بان لم يقصد اذاعة الفاحشة، كما ان قاصد الالقاء فى النار، قاصد للاحراق، و ان لم يقصد الاحراق بعنوان انه احراق.

(و كيف كان) سواء اعتبر قصد الشين و الهدم فى مذيع السرّ أم لا (فلا اشكال من حيث النقل و العقل) الحاكم بقبح اهانة الغير (فى حرمة اذاعة ما يوجب مهانة المؤمن، و سقوطه عن اعين الناس فى الجملة).

قوله: فى الجملة، متعلق ب «حرمة» اذ لا يحرم ذلك اذا كان بقصد النهى عن المنكر، او نصح المستشير، او ما اشبه.

(و انما الكلام فى انها غيبة، أم لا).

و (مقتضى الاخبار المتقدمة باسرها ذلك) و انها من الغيبة لشمول قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ذكرك اخاك ما يكره، و نحوه، له (خصوصا المستفيضة الاخيرة) و هى روايات ابنى سنان و سرحان، و ابان و عبد الرحمن.

وجه الخصوصية: ان دلالة الاخبار غير المفصلة على المدعى، انما هى بالإطلاق لامكان تقييدها بخصوص صورة إرادة الذم و التعيير، بخلاف

ص: 37

فان التفصيل فيها بين الظاهر و الخفى انما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص.

و اما مع قصده فلا فرق بينهما فى الحرمة.

و

______________________________

الاخبار المفصلة فانها نص فى المدعى، لعدم قابليتها للتقييد بصورة إرادة الذم.

اذ لو قيدناها بصورة إرادة الذم، لزم ان يكون ذكر النقائص الخفية مع إرادة الذم حراما، و ذكر النقائص الجلية مع إرادة الذم ليس بحرام و هذا مقطوع البطلان، اذ تنقيص المؤمن حرام مطلقا، سواء بالعيب الظاهر او العيب الخفى.

فلا بد و ان يكون المراد بالروايات المفصلة عدم إرادة النقص فيكون مفادها ان ذكر النقائص الخفية بدون إرادة النقص حرام، و ذكر النقائص الجلية بدون إرادة النقص حلال.

(فان التفصيل فيها) اى فى هذه المستفيضة (بين الظاهر و الخفى) حيث حرم الثانى فقط (انما يكون) اى يصح هذا التفصيل بالحرمة فى الخفى، دون الجلى (مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص).

(و اما مع قصده) المذمة و الانتقاص (فلا فرق بينهما) اى بين الظاهر و الخفى (فى الحرمة) لحرمة تنقيص المسلم مطلقا.

(و) ان قلت: التفصيل فى هذه الاخبار بين الظاهر و الخفى ليس فى صدد تحريم الخفى دون الظاهر، ليستدل بذلك على ان المراد ذكر

ص: 38

المنفى فى تلك الاخبار و ان كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة الا ان ظاهر سياقها نفى الحرمة فى ما عداها أيضا.

لكن مقتضى ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة عدمه، لانه اعتبر قصد الانتقاص و الذم، الا ان يراد اعتبار ذلك فيما يقع على وجهين

______________________________

العيب بدون قصد التنقيص، و الا لزم عدم حرمة التنقيص، بل فى صدد تعيين موضوع الغيبة و ان الموضوع انما يتحقق بالخفى.

قلت: (المنفى فى تلك الاخبار) المفصلة (و ان كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة، الا ان ظاهر سياقها نفى الحرمة فى ما عداها) اى عدا الغيبة (أيضا)

فالاخبار فى مقام التفصيل فى كلا الا مرين.

الاول: ان الخفى غيبة دون الظاهر.

الثانى: ان ذكر الخفى حرام دون ذكر الظاهر.

و الحاصل: ان مع قصد التنقيص يحرم ذكر العيب مطلقا و بدون قصد التنقيص يحرم ذكر العيب الخفى دون ذكر العيب الظاهر، و على كل حال فالخفى غيبة دون ما عداه.

(لكن مقتضى ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة) للغيبة (عدمه) اى عدم كونه من الغيبة، اذا لم يكن انتقاص و ان كان ذكرا للعيب الخفى (لانه) اى كاشف الريبة (اعتبر) فى صدق الغيبة (قصد الانتقاص و الذم) فلا غيبة اذا لم يكن انتقاص (الا ان يراد) من كلام كاشف الريبة (اعتبار ذلك) القصد، للانتقاص و الذم (فيما يقع على وجهين) وجه الانتقاص و

ص: 39

دون ما لا يقع الا على وجه واحد.

فان قصد ما لا ينفك عن الانتقاص، قصد له، و ان كان المقول نقصا ظاهرا للسامع.

فان لم يقصد القائل الذم، و لم يكن الوصف من الاوصاف المشعرة بالذم، نظير الالقاب المشعرة به فالظاهر انه خارج عن الغيبة لعدم حصول كراهة للمقول فيه، لا من حيث الاظهار و لا من حيث ذم المتكلم، و لا من حيث الاشعار

______________________________

وجه عدم الانتقاص، و هو فى العيب الظاهر (دون ما لا يقع الا على وجه واحد) و هو وجه الانتقاص فقط- و هو فى العيب الخفى- فانه انتقاص مطلقا، سواء اراد المتكلم الانتقاص، أم لا.

(فان قصد) المتكلم ذكر (ما لا ينفك عن الانتقاص) و هو العيب الخفى (قصد له) اى للانتقاص، فلا مخالفة لكاشف الريبة معنا (و ان كان المقول نقصا ظاهرا للسامع) هذا عطف على قوله «و ان كان نقصا» المعطوف هو أيضا على قوله «ان لم يكن» بعد قوله «و الملخص».

(فان لم يقصد القائل الذم، و لم يكن الوصف) الّذي تكلّم به القائل (من الاوصاف المشعرة بالذم، نظير الالقاب المشعرة به) كالاحول، و نحوه (فالظاهر انه خارج عن الغيبة) موضوعا و حكما (لعدم حصول كراهة للمقول فيه، لا من حيث الاظهار) فان اظهار هذه الصفة ليس مكروها لدى المقول فيه (و لا من حيث ذم المتكلم) لان المتكلم لم يقصد الذم حتى يكرهه المقول فيه (و لا من حيث الاشعار) فان الوصف بنفسه لا يشعر بالذم

ص: 40

و ان كان من الاوصاف المشعرة بالذم او قصد المتكلم التعيير و المذمة بوجوده فلا اشكال فى حرمة الثانى، بل و كذا الاول.

لعموم ما دل على حرمة ايذاء المؤمن و اهانته و حرمة التنابز بالالقاب و حرمة تعيير المؤمن على صدور معصية منه فضلا عن غيرها.

ففى عدة من الاخبار من عيّر مؤمنا على معصية لم يمت حتى يرتكبه.

______________________________

- حسب الفرض-.

و الحاصل انه ليس بعيب بذاته، و لا مشعر بالذم، و لم يقصد المتكلم الذم، كما لو قال: زيد ليس بمجتهد فانه نقص، و لكنه ليس بعيب.

(و ان كان من الاوصاف المشعرة بالذم) كالاحول (او قصد المتكلم التعيير و المذمة) كما لو اراد تنقيص زيد بقوله: انه ليس بمجتهد (بوجوده) اى بوجود ذلك الوصف فيه (فلا اشكال فى حرمة الثانى) اى ما قصد الذم (بل و كذا الاول) الّذي هو الاشارة بالوصف المشعر بالذم.

(لعموم ما دل على حرمة ايذاء المؤمن و اهانته و حرمة التنابز بالالقاب) قال سبحانه: وَ لٰا تَنٰابَزُوا بِالْأَلْقٰابِ، اى لا يجعل بعضكم لبعض لقبا سيّئا (و حرمة تعيير المؤمن على صدور معصية منه) التى هى نقص حقيقى، و عيب قطعى (فضلا عن غيرها) التى هى ليست عيبا، كانه ليس بمجتهد، او انه احول، مثلا.

(ففى عدة من الاخبار من عيّر مؤمنا على معصية لم يمت حتى يرتكبه).

و المراد انه مقتضى للارتكاب كسائر المقتضيات الشرعية مثل ان الدّعاء الفلانى يوجب الاستجابة الّذي يراد به انه مقتضى، لا انه علة تامة.

ص: 41

و انما الكلام فى كونهما من الغيبة، فان ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها.

و ظاهر ما عداها من الاخبار المتقدمة بناء على ارجاع الكراهة فيها الى كراهة الكلام الّذي يذكر به الغير.

و كذلك كلام اهل اللغة- عدا الصحاح على بعض احتمالاته-

______________________________

ثم لا يبعد عدم استفادة التحريم من هذه الاخبار كما ذكره بعض المحققين و ان كان المستفاد عرفا- بالنظر الاولى ذلك-.

(و انما الكلام فى كونهما من الغيبة) أم لا (فان ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها) و ضمير التثنية فى قوله «كونهما» فى المقامين راجع إلى: الكلام المشعر بالذم و ان لم يقصده، و ما قصد المتكلم الذم و ان لم يشعر الكلام به.

و انما كان ظاهر المستفيضة عدم كونهما غيبة، لانها جعلت اذاعة السر و ما اشبه غيبة، و الامر الظاهر ليس داخلا في اذاعة السر.

(و) لكن (ظاهر ما عداها) اى ما عدا المستفيضة (من الاخبار المتقدمة) مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذكرك اخاك ما يكره (بناء على ارجاع الكراهة فيها) اى فى تلك الاخبار (الى كراهة الكلام الّذي يذكر به الغير) لا كراهة الصفة، اذ لو اريد بالكراهة كراهة الصفة، لم تشمل الغيبة ما لم تكن الصفة مكروهة- كما هو المفروض-.

(و كذلك) ظاهر (كلام اهل اللغة- عد الصحاح على بعض احتمالاته-) بان اراد بالموصول «الوصف» لا «الكلام»

ص: 42

كونهما غيبة.

و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة و ان كان ظاهر الاكثر خلافه، فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة الّذي لا تفيد السامع اطلاعا لم يعلمه، و لا يعمله عادة من غير خبر مخبر ليست غيبة فلا يحرم الا اذا اثبت الحرمة

______________________________

اما كلام الصحاح اذا اراد بالموصول «الكلام» فهو أيضا كسائر اهل اللغة فى الافادة (كونهما غيبة) خبر قوله: و ظاهر ما عداها.

(و العمل بالمستفيضة) بعدم كونهما من الغيبة- موضوعا (لا يخلو عن قوة) اذ لا يطلق على ذلك: الغيبة، عرفا بالإضافة إلى ان المستفيضة تصلح مقيدة للاخبار المطلقة (و ان كان ظاهر الاكثر) من الفقهاء (خلافه) و انهما داخلان فى موضوع الغيبة.

(فيكون) لدى المصنف (ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة الّذي لا تفيد) تلك العيوب عند ذكرها (السامع اطلاعا لم يعلمه) قبلا (و لا يعلمه عادة من غير خبر مخبر) فى المستقبل، بل السامع اما علمه قبلا، او يعلمه فى المستقبل- بنفسه- من غير اخبار مخبر، كما لو كان الطرف اعور، فان السامع اما علم به، او يعلم به فى المستقبل- حسب العادة- بدون ان يخبره احد، لان العور عيب ظاهر، لا يحتاج إلى الاخبار (ليست غيبة) خبر قوله «فيكون».

و انما قال «و لا يعلمه» حتى لا يقال: بامكان افادة «الكلام» للسامع اطلاعا حتى بالنسبة إلى العيب الظاهر، لانه لم يكن علمه قبل ذلك (فلا يحرم) مثل هذا الكلام من جهة كونه غيبة (الا اذا ثبت الحرمة

ص: 43

من حيث المذمة و التعيير، او من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب، و لو باعتبار بعض التعبيرات.

فيحرم من جهة الايذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير.

ثم الظاهر المصرح به فى بعض الروايات: عدم الفرق فى ذلك- على ما صرح به غير واحد- بين ما كان نقصانا فى بدنه، او نسبه، او خلقه، او فعله، او قوله، او دينه

______________________________

من حيث المذمة و التعيير) فيما اذا قصد المتكلم المذمة (او من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب) و لا يحب تلك الصفة لانها مشعرة بالذم بذاتها (و لو باعتبار بعض التعبيرات) التى تتوجه إليه بسبب اتصافه بهذه الصفة، و ان لم يقصد المتكلم بكلامه تعييره بهذه الصفة.

و الحاصل: ان المتكلم اما فى مقام الذم و اما ان نفس الكلام مشعر بالذم، و ان لم يقصده المتكلم.

(فيحرم) مثل هذا الكلام- بقسميه- لا من جهة الغيبة، و انما (من جهة الايذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير) فانه لا يشترط فى صدق هذه العناوين قصد المتكلم، بل حصولها فى الخارج كاف فى الحرمة.

(ثم الظاهر المصرح به فى بعض الروايات: عدم الفرق فى ذلك) التحريم لذكر ما كان نقصا (- على ما صرح به غير واحد- بين ما كان نقصانا فى بدنه) كالاعور (او نسبه) كولد العبد و ابن الكافر (او خلقه) كسيّئ الخلق (او فعله) كركيك الصنع (او قوله) كالفأفأ و التمتام (او دينه) كضعيف الايمان

ص: 44

او دنياه، حتى فى ثوبه او داره او دابته او غير ذلك.

و قد روى عن مولانا الصادق عليه السلام، الاشارة إلى ذلك بقوله:

وجوه الغيبة تقع بذكر عيب فى الخلق و الفعل و المعاملة، و المذهب و الجهل و اشباهه.

قيل اما البدن فذكرك فيه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و

______________________________

(او دنياه، حتى فى ثوبه او داره او دابته) كوسخ الثوب او منهدم الدار او هزيل الدابة (او غير ذلك) ككسول الولد و ما اشبه.

لان كل ذلك داخل فى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذكرك اخاك ما يكره.

(و قد روى عن مولانا الصادق عليه السلام، الاشارة إلى ذلك) الّذي ذكرنا من اقسام الغيبة (بقوله) عليه السلام (وجوه الغيبة تقع بذكر عيب فى الخلق) بفتح الخاء بمعنى الخلقة، او بضمها بمعنى الصفة (و الفعل و المعاملة) نحو صعب المعاملة (و المذهب) كمنحرف المذهب، و المراد به اما الطريقة التى يسلكها فى دينه، او فى دنياه (و الجهل) كان يقول فلان جاهل (و اشباهه) كما عرفت من بعض الاقسام الاخر.

(قيل) و القائل الشيخ الورام فى المجموعة المنسوبة إليه، و هو جد السيد ابن طاوس من طرف الام (اما) ذكر العيب فى (البدن فذكرك فيه العمش) و هو ضعف البصر مع سيلان الدمع (و الحول) و هو انقلاب العين عن المتعارف (و العور) الّذي ذهبت احدى عينيه (و القرع) الّذي ذهب شعر رأسه من آفة، و يسمى بالفارسية «كچل» (و القصر و

ص: 45

الطول و السواد و الصفرة، و جميع ما يتصور ان يوصف به مما يكرهه.

و اما النسب، فبان يقول: ابوه فاسق او خبيث او خسيس او اسكاف او حائك او نحو ذلك مما يكره.

و اما الخلق: فبان يقول: انه سيّئ الخلق، بخيل، مراء، متكبر، شديد الغضب، جبان، ضعيف القلب و نحو ذلك.

و اما فى افعاله المتعلقة بالدين فكقولك: سارق، كذاب، شارب، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة لا يحسن الركوع و السجود.

______________________________

الطول) فى الجسم او فى عضو من الاعضاء (و السواد و الصفرة) و سائر الالوان غير المتعارفة فى الجسم او فى عضو منه (و جميع ما يتصور ان يوصف به مما يكرهه) كالخصى و المجبوب و الكوسج و ما اشبه.

(و اما النسب، فبان يقول: ابوه فاسق او خبيث او خسيس) اى بخيل (او اسكاف) و هو من يرقع الاحذية (او حائك) لان الحياكة مكروهة شرعا معروف صاحبها بخفة العقل (او نحو ذلك مما يكره) نحو: ابوه جاهل او جبان او كافر، و لا يخفى ان الإساءة فى مثل هذه النسب إلى شخصين او اكثر.

(و اما الخلق: فبان يقول: انه سيّئ الخلق، بخيل، مراء) يعمل رياء (متكبر، شديد الغضب، جبان، ضعيف القلب) من احتمال الامور (و نحو ذلك) نحو متهور، غير غيور، شاذ، الى غيرها.

(و اما فى افعاله المتعلقة بالدين فكقولك: سارق، كذاب، شارب خائن، ظالم، متهاون بالصلاة) زنّاء، لواط، مرائى (لا يحسن الركوع و السجود

ص: 46

و لا يجتنب من النجاسات، ليس بارّا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة، و التعرض لاعراض الناس.

و اما افعاله المتعلقة بالدنيا، فكقولك: قليل الادب، متهاون بالناس لا يرى لاحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الاكل، نؤم، يجلس فى غير موضعه.

و اما فى ثوبه، فكقولك: انه واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثياب و نحو ذلك.

______________________________

و لا يجتنب من النجاسات، ليس بارا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة) بان يقولها او يسمعها (و التعرض لاعراض الناس) بل حتى اذا كان ذلك الفعل او الترك مكروها او مستحبا، نحو كثير النوم، كسول، بطال، او تارك لصلاة الليل، لا يقنت فى صلاته، لا يحسن معاشرة اهله، و ما اشبه.

(و اما افعاله المتعلقة بالدنيا، فكقولك: قليل الادب، متهاون بالناس، لا يرى لاحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الاكل، نؤم) على وزن فعول بمعنى كثير النوم (يجلس فى غير موضعه) بل و لو كان ذلك مستحبا شرعا، و لكن كان نقصا عرفا، نحو مكتحل، مخضب اللحية، كثير التنوير، كثير الطروقة، محب النساء، اى لزوجاته.

(و اما فى ثوبه، فكقولك: انه واسع الكم، طويل الذيل) اى ما يقابل الرجل من الثوب (وسخ الثياب، و نحو ذلك).

و الانصاف انه ان جعلنا الميزان «ما يكره» و جعلنا نفسنا مرآة للغير، بان علمنا ان ما يسبب كراهتنا يسبب كراهة الغير، كان اللازم السكوت الا عن خير.

ص: 47

ثم ان ظاهر النص و ان كان منصرفا إلى الذكر باللسان لكن المراد به حقيقة الذكر، فهو مقابل الاغفال.

فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها فهو ذكر له

______________________________

و لا يخفى: ان قول السوء فى الناس بالإضافة إلى انه حرام مما يسبب هدم مروة الانسان، و يظهر دناءة نفسه، و انه منطو على اللوم و الحقد.

و ما اجعل كلمة المسيح عليه السلام- الشاملة لجميع انواع الإساءة الى الغير- فانه عليه السلام كان يسيح مع تلاميذ له، فمروا بجماعة من اليهود، فقالوا فيه شرا، فقال عليه السلام: فيهم خيرا، فقال تلاميذه- معترضين- كيف تقول فيهم الخير؟ و قد نالوا منك، فقال المسيح كلمته العظيمة «كل ينفق ما عنده».

(ثم ان ظاهر النص و ان كان منصرفا إلى الذكر باللسان) بل هو صريح قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: ذكرك (لكن المراد به) بقرينة الحكم و الموضوع و التعليل المذكور فى بعض الروايات، بل ما قاله النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لعائشة حين اشارت إلى قصيرة بيدها اشارة تدل على قصرها اغتبتيها- كما فى جامع السعادات- (حقيقة الذكر) و هو ما يوجب التذكر، لا منصرف الذكر فقط، و هو التلفظ (فهو مقابل الاغفال) لا مقابل الاشارة.

(فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها) كالكتابة (فهو ذكر له) بل قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، و قوله: إِنَّ

ص: 48

و من ذلك المبالغة فى تهجين المطلب الّذي ذكره بعض المصنفين بحيث يفهم منها الازراء بحال ذلك المصنف.

فان قولك: ان هذا المطلب بديهى البطلان تعريض لصاحبه، بانه لا يعرف

______________________________

الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ، شامل لهذه الاقسام، بدون الاحتياج الى المناط و القرينة.

و قد روى المؤرخون ان الحكم كان يمشى خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مشية يقلده فيها، فنظر إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ذات مرة، و قال: ابق على هذه الحالة، فبقى إلى ان مات، فلم يكن يتمكن ان يمشى الا كالعرنجل.

كما ان من المشهور ان احد اولاد الائمة عليهم السلام استجار ببيت فى احدى قرى ايران- خوفا من اطلاع الظالمين عليه، و لما عقبه اعوان الحكومة اشار احد المطلعين بحاجبه إلى ذلك البيت، فأخذ و قتل و بقيت مراسم الاشارة فى حاجب المشير و عينه، بل جرى ذلك الاعوجاج فى نسله.

(و من ذلك) الاغتياب او من ذلك التأشير الّذي هو داخل فى موضوع «الذكر» (المبالغة فى تهجين) و تقبيح (المطلب الّذي ذكره بعض المصنفين) او قاله بعض القائلين (بحيث يفهم منها) اى من تلك المبالغة (الازراء بحال ذلك المصنف) او القائل.

(فان قولك: ان هذا المطلب بديهى البطلان، تعريض لصاحبه، بانه لا يعرف

ص: 49

البديهيات، بخلاف ما اذا قيل انه مستلزم لما هو بديهى البطلان، لان فيه تعريضا بان صاحبه لم ينتقل إلى الملازمة بين المطلب، و بين ما هو بديهى البطلان و لعل الملازمة نظرية.

و قد وقع من بعض الاعلام بالنسبة إلى بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجيه اعوذ بالله من الغرور و اعجاب المرء بنفسه و

______________________________

البديهيات) و ذلك اغتياب حرام، او اهانة و تحقير محرم (بخلاف ما اذا قيل انه) اى كلامه (مستلزم لما هو بديهى البطلان، لان فيه تعريضا) و اشارة (بان صاحبه لم ينتقل إلى الملازمة بين المطلب، و بين ما هو بديهى البطلان) و عدم الانتقال ليس عيبا و تنقيصا، و انما هو كاشكال كل طرف إلى الآخر، بابطال ما يقوله و تأديه بابطال مطلبه غير محرم اذا لم يكن المبطل بقصد الايذاء و انما بقصد اظهار الحق (و لعل الملازمة نظرية)

هذا وجه عدم كون قوله «مستلزم» موجبا للتعريض، اذ لا يلزم ان يعرف الشخص كل النظريات حتى اذا قيل عنه انه لا يعرف الامر النظرى الفلانى يكون اهانة و تحقيرا له.

(و قد وقع من بعض الاعلام بالنسبة إلى بعضهم) كابن ادريس بالنسبة إلى الشيخ، و المحقق بالنسبة إلى ابن ادريس، و بعض العلماء بالنسبة إلى الصدوق في قوله: بسهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الى غير ذلك (ما لا بد له من الحمل و التوجيه) و الا يكون بظاهره تنقيصا و تخفيفا للمؤمن (اعوذ بالله من الغرور و اعجاب المرء بنفسه) فيرى نفسه فوق الآخرين، و لذا يستخف بهم و يهينهم فى كتابة او كلام او اشارة (و

ص: 50

حسده على غيره و الاستيكال بالعلم.

ثم ان دواعى الغيبة كثيرة، روى عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها اجمالا، بقوله عليه السلام: اصل الغيبة تتنوع بعشرة انواع شفاء غيظ، و مساعدة قوم، و تصديق خبر بلا كشف، و تهمة و سوء ظن، و حسد، و سخرية

______________________________

حسده على غيره) فلا يتمكن ان يرى غيره ارقى منه، و لذا يأخذ من الحط عن قدره (و الاستيكال بالعلم) بان يتكل على علم نفسه، فيزدرى بالآخرين.

(ثم ان دواعى الغيبة كثيرة، روى عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها اجمالا، بقوله عليه السلام: اصل الغيبة تتنوع بعشرة انواع) و هى الامور التى تسبب الغيبة، و تسبب ان يغتاب الانسان غيره.

(1) (شفاء غيظ) و غضب على انسان.

(2) (و مساعدة قوم) على آخرين فينتصر من القوم الآخر انتصارا لقوم يريد نصرتهم.

(3) (و تصديق خبر بلا كشف) عن حقيقته، فينسب إلى زيد مثلا ما سمعه بدون أن يستخبر، هل صحيح ما سمع، أم لا.

(4) (و تهمة) بان يتهم انسانا بريئا.

(5) (و سوء ظن) كان يتكلم زيد مع امرأة فيظن انه يريد الزناء فيقول هذا الكلام بدون ان يعلم الواقع- و انها كانت زوجة زيد-.

(6) (و حسد) كان يحسد عالما فيريد الانتقاص منه باغتيابه.

(7) (و سخرية) بان يستهزئ به بذكره بما يكره تفكها.

ص: 51

و تعجيب، و تبرم، و تزيّن، الخبر.

ثم ان ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة، و قد يخفى على النفس لحب او بغض، فيرى انه لم يغتب و قد وقع فى اعظمها.

______________________________

(8) (و تعجيب) بان يريد ان يثير عجب الناس بذكر نقائص المؤمن كان يقول عنه انه يأكل كل مرة خمسة ارطال من الطعام.

(9) (و تبرم) اى يريد اظهار ضجره و برمه بفعل شخص، كأن يقول:

يأتى زيد عندى و يتكلم بالاباطيل و يأخذ من وقتى.

(10) (و تزين) بان يريد بيان صلاح نفسه فيفسد الآخرين، كان يقول نحن لا نعرف اكل اموال الناس، و انما يعرفه زيد، الى غير ذلك من الامثلة.

و هناك اقسام اخر يمكن ادخالها فى الاقسام السابقة إلى آخر (الخبر) و لم نتمه اختصارا.

(ثم ان ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة، و قد يخفى على النفس) اى على الانسان الّذي يستغيب ان كلامه غيبة (لحب) للطرف المقابل، كان يحب زيدا فاذا زلت قدمه قال تأسفا: زيد لا عقل له لا يتمكن ان يدير نفسه فانه غيبة لا تجوز، قد وقع فيها لحبه زيدا (او بغض) كان يقول ذلك عن زيد بغضا و حنقا عليه (فيرى انه لم يغتب و قد وقع فى اعظمها) و كونه اعظم باعتبار انه يرى ان كلامه ليس بغيبة، و الحال انه غيبة.

و من المعلوم: ان الغيبة المجهولة اخطر من الغيبة المعلومة، لان المتدين يجتنب عن المعلومة فلا يقع فى معصيتها، بخلاف المجهولة.

ص: 52

و من ذلك ان الانسان قد يغتم بسبب ما يبتلى به اخوه فى الدين، لاجل امر يرجع إلى نقص فى فعله او رأيه فيذكر المغتم فى مقام التأسف عليه، بما يكره ظهوره للغير، مع انه كان يمكنه بيان حاله للغير، على وجه لا يذكر اسمه ليكون قد احرز ثواب الاغتمام على ما اصاب المؤمن.

لكن الشيطان يخدعه و يوقعه فى ذكر الاسم.

______________________________

(و من ذلك) الاغتياب المحرم الّذي يقع الانسان فيه حبا للطرف المقابل (ان الانسان قد يغتم) و يحزن (بسبب ما يبتلى به اخوه فى الدين) و كان الابتلاء (لاجل امر يرجع إلى نقص فى فعله او رأيه) كان لم يسق بستانه فتلف، او ظن ان الطبيب الفلانى احسن الاطباء فسبب عماه (فيذكر) المتكلم (المغتم) الشخص المبتلى (فى مقام التأسف عليه، بما يكره) المبتلى (ظهوره) اى ظهور ابتلائه (للغير، مع انه كان يمكنه بيان حاله للغير، على وجه لا يذكر اسمه) كان يقول: ابتلى احد اصدقائنا بالمصيبة الفلانية لنقص فى رأيه او عمله (ليكون قد احرز ثواب الاغتمام على ما اصاب المؤمن) و يستجلب دعاء الاخوان لاخيه المبتلى.

(لكن الشيطان يخدعه و يوقعه فى ذكر الاسم) حتى يكون عاصيا عوض ان يكون مثيبا.

و من غريب الامر ان الاغتياب كثر حتى فى الاوساط المتدينة، و قد ذهب كبر جرمه، حتى كانه امر عادى، و قد يتورع احدهم فيجبر ذلك بلفظ الاستغفار، و ما اشبه، نسأل اللّه العصمة، و يتذكر المغتاب- بالكسر قول الشاعر:

ص: 53

بقى الكلام فى انه هل يعتبر فى الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب او يكفى ذكره عند نفسه.

ظاهر الاكثر الدخول كما صرح به بعض المعاصرين.

نعم ربما يستثنى من حكمها عند من استثنى______________________________

لسانك لا تبدى به سوأة امرئ فكلك سوءات و للناس السن و عينك ان اهدت أليك معايبا من الناس قل يا عين للناس اعين

(بقى الكلام فى انه هل يعتبر فى الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب) حالا او مستقبلا، كما لو تكلم فى المسجل مما يسمعه الغير، او كتب الغيبة فى مثل الجرائد.

و اما التكلم فى الراديو و التلفزيون و التلفون فلا اشكال فى انها من الغيبة (او يكفى ذكره عند نفسه) بحيث لا يسمعه احد.

(ظاهر الاكثر الدخول) اى دخول هذا القسم فى الغيبة، فلا يشترط حضور مخاطب له (كما صرح به بعض المعاصرين) و لعله لصدق «ذكرك اخاك» فان الذكر يطلق على ما اذا لم يكن هناك سامع، بالإضافة إلى بعض الحكم من مثل تنزيه اللسان عن ذكر الغير بالسوء، و حفظ النفس عن الوقيعة فى الآخرين، و ما اشبه.

(نعم ربما يستثنى من حكمها) اى حكم الغيبة الّذي هو الحرمة و ان كان داخلا في الغيبة موضوعا (عند من استثنى) هذا الفرد- و هو صورة عدم حضور المخاطب- عن الحكم بالحرمة، يعنى ان الّذي يقول بدخول الذكر منفردا فى موضوع الغيبة، و لكنه يستثنيه من حكمها- الّذي هو

ص: 54

ما لو علم اثنان صفة شخص، فيذكر احدهما بحضرة الآخر.

و اما على ما قويناه من الرجوع فى تعريف الغيبة إلى ما دل عليه المستفيضة المتقدمة من كونها هتك ستر مستور، فلا يدخل ذلك فى الغيبة.

و منه يظهر أيضا انه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب مجهولا عند المخاطب، مرددا بين اشخاص غير محصورة، كما اذا قال: جاءني اليوم رجل

______________________________

الحرمة- يقول باستثناء صورة وجود المخاطب العالم أيضا عن حكم الغيبية، و ان كان داخلا فى موضوعها كما (ما لو علم اثنان) او اكثر (صفة شخص، فيذكر احدهما بحضرة الآخر) فانه و ان كان داخلا في الموضوع لكنه خارج عن الحكم- اى الحرمة-.

و قوله «ما» فاعل «يستثنى».

و انما جاء المصنف ره بلفظ «نعم» للدلالة على ان من يشترط حضور المخاطب، لا يقول بان حضور المخاطب موجب للحرمة مطلقا، و انما يقول بالحرمة اذا كان المخاطب غير عالم بالوصف الّذي يقوله المتكلم.

(و اما على ما قويناه) سابقا (من الرجوع فى تعريف الغيبة إلى ما دل عليه المستفيضة المتقدمة) كصحيحة محمد ابن سنان، و غيرها (من) ما دل على ان الغيبة اذاعة السر، و (كونها هتك ستر مستور، فلا يدخل ذلك) الذكر بدون المخاطب، او مع مخاطب عالم بما يقوله المتكلم (فى الغيبة).

(و منه) اى مما ذكرنا من انها هتك الستر (يظهر أيضا انه لا يدخل فيها) اى فى الغيبة (ما لو كان الغائب) المغتاب- بالفتح- (مجهولا عند المخاطب، مرددا بين اشخاص غير محصورة، كما اذا قال: جاءني اليوم رجل

ص: 55

بخيل دنى ء ذميم.

فان ظاهر تعريف الاكثر دخوله، و ان خرج عن الحكم بناء اعلى اعتبار التأثير عند السامع.

و ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم الدخول.

نعم لو قصد المذمة و التعيير، حرم من هذه الجهة، فيجب على السامع نهى المتكلم عنه الا اذا احتمل ان يكون الشخص متجاهرا بالفسق فيحمل فعل المتكلم على الصحة، كما سيجي ء فى مسئلة الاستماع.

______________________________

بخيل دنئ ذميم) و ذلك لانه لا يصدق عليه انه هتك ستر مستور.

(فان ظاهر تعريف الاكثر) ان الغيبة: ذكرك اخاك ما يكره، و ما اشبه (دخوله) فى موضوع الغيبة (و ان خرج عن الحكم) فلا حرمة فيه (بناء على) كون الحرمة منوطة ب (اعتبار التأثير عند السامع).

فحيث لا تأثير لا حرمة، و من المعلوم ان المجهول ذكره لا يتأثر السامع به.

(و ظاهر المستفيضة المتقدمة) كصحيحة ابن سنان، انه هتك الستر (عدم الدخول) فى موضوع الغيبة.

(نعم لو قصد المذمة و التعيير، حرم من هذه الجهة) ان لم نقل بانصراف ادلة المذمة و التعيير عن المجهول أيضا، و الا فلا حرمة من هذه الجهة أيضا (فيجب على السامع) فى صورة الحرمة (نهى المتكلم عنه الا اذا احتمل) السامع (ان يكون الشخص) الّذي يذمه المتكلم (متجاهرا بالفسق، فيحمل فعل المتكلم على الصحة، كما سيجي ء فى مسئلة الاستماع).

ص: 56

و الظاهر ان الذم و التعيير المجهول العين لا يجب الردع عنه مع كون الذم و التعيير فى موقعهما، بان كان مستحقا لهما و ان لم يستحق مواجهته بالذم، او ذكره عند غيره بالذم.

هذا كله لو كان الغائب المذكور مشتبها على الاطلاق.

______________________________

لكن بنائهم على ان المحرم الاولى لا يمكن حال فعل المسلم فيه على الصحة، الا اذا قام دليل على الاستثناء.

مثلا: لو شرب انسان الخمر، او اراد بيع الوقف الذرى، او افطر فى شهر رمضان، او ما اشبه لا يترك و شانه من جهة حمل فعله على الصحيح بل يجب نهى الاول، و ردع الثالث، و عدم الاشتراء من الثانى، الا اذا قام الدليل على ان ما يفعله لاضطرار او مرض او طروّ جواز بيع الوقف.

(و الظاهر ان الذم و التعيير المجهول العين) ان قلنا بحرمته فى الجملة- كما اختاره الشيخ- (لا يجب الردع عنه) من السامع (مع كون الذم و التعيير فى موقعهما، بان كان) المقول فيه (مستحقا لهما) كما لو أنه اخذ المتكلم يعير من يسيئ الخلق، مع عدم ذكره لاسمه، فان تعيير مثله صحيح جائز (و ان لم يستحق مواجهته بالذم) اذ لا يجوز ذم المؤمن فى وجهه اذا لم يرتكب المنكر (او ذكره عند غيره بالذم) لانه غيبة او تعيير للمؤمن المعلوم، و هو غير جائز.

(هذا) الكلام (كله) حول غيبة الانسان المجهول فيما (لو كان الغائب المذكور) بالذم و الغيبة (مشتبها على الاطلاق) بان لم يكن منحصرا فى معدود.

ص: 57

اما لو كان مرددا بين اشخاص، فان كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم، كان كالمشتبه على الاطلاق، كما لو قال: جاءني عجمى او عربى كذا و كذا، اذا لم يكن بحيث يكون الذم راجعا إلى العنوان، كان يكون فى المثالين تعريض إلى ذم تمام العجم او العرب و ان كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم، كان يقول: احد ابنى زيد، او احد اخويه كذا و كذا.

ففى كونه اغتيابا لكل منهما، لذكرهما بما يكرهانه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب.

______________________________

(اما لو كان مرددا بين اشخاص) معدودين (فان كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم) بالذم (كان كالمشتبه على الاطلاق) فى عدم الحرمة (كما لو قال: جاءني عجمى او عربى كذا و كذا، اذا) اراد ذم الفرد بما هو فرد، بان (لم يكن بحيث يكون الذم راجعا إلى العنوان، كان يكون فى المثالين) العربى و العجمى (تعريض إلى ذم تمام العجم او العرب) و الاحرم قطعا، بل كان اشد حرمة من الذم لشخص خاص.

و منه يعلم ان ما يقوله البعض- احيانا- من ذكر بعض هذه الالفاظ العرب و العجم، تعريضا بتلك الامة من المحرمات المقطوعة (و ان كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم، كان يقول: احد ابنى زيد، او احد اخويه كذا و كذا) او احد اهل المدرسة الفلانية.

(ففى كونه اغتيابا لكل منهما، لذكرهما بما يكرهانه من التعريض) لكل واحد منهما معرض ذلك الذم (لاحتمال كونه هو المعيوب).

ص: 58

و عدمه لعدم تهتك ستر المعيوب منهما، كما لو قال احد اهل البلد الفلانى كذا و كذا، و ان كان فرق بينهما من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الإساءة إلى المؤمن بتعريضه للاحتمال دون المثال، او كونه اغتيابا للمعيوب الواقعى منهما و إساءة بالنسبة إلى غيره لانه تهتك بالنسبة إليه، لانه اظهار فى الجملة لعيبه بتقليل مشاركه فى احتمال

______________________________

(و عدمه) اى عدم كونه غيبة اصلا (لعدم تهتك ستر المعيوب منهما) اذ لم يعرف السامع ان ايهما المعيوب فهو (كما لو قال: احد اهل البلد الفلانى كذا و كذا، و ان كان فرق بينهما) اى بين نسبة الذم إلى احد الشخصين، و بين نسبة الذم إلى احد اهل البلد (من جهة كون ما نحن فيه) من النسبة إلى احدهما (محرما من حيث الإساءة إلى المؤمن بتعريضه للاحتمال).

فانه كما يحرم ان يقول الانسان زيد شارب الخمر، كذلك يحرم ان يقول زيد او عمرو يشرب الخمر، بل لو قال: احد اهل المدرسة، كان حراما، لانه عرض كل فرد للاحتمال.

و مثله ما لو قال: يحتمل ان يشرب زيد، فانه و ان لم يكن جزما لكنه إساءة (دون المثال) لانه لا يعد عرفا إساءة إلى احد، و لذا لو سمع احد اهالى البلد ذلك، لا يراه اهانة له (او كونه اغتيابا للمعيوب الواقعى منهما و إساءة بالنسبة إلى غيره).

اما كونه اغتيابا للمعيوب الواقعى (لانه تهتك بالنسبة إليه) و اذاعة سره (لانه اظهار فى الجملة لعيبه) و ذلك (بتقليل مشاركه فى احتمال

ص: 59

العيب فيكون الاطلاع عليه قريبا.

و اما الآخر، و قد اساء بالنسبة إليه حيث عرّضه لاحتمال العيب وجوه.

قال فى جامع المقاصد و يوجد فى كلام بعض الفضلاء: ان من شرط الغيبة ان يكون متعلقها محصورا، و الا فلا تعد غيبة، فلو قال عن اهل بلدة غير محصورة: ما لو قاله عن شخص واحد، كان غيبته لم يحتسب غيبة، انتهى.

اقول: ان اراد ان ذم جمع غير محصور لا

______________________________

العيب) فانه لو قال: احد اهل البلد كان شركائه فى الاحتمال عشرة آلاف، و الآن صار شركائه واحدا فقط، لان المتكلم قال: احد ابنى زيد مثلا (فيكون الاطلاع) من السامع (عليه) و انه هو خالد الشارب لا اخوه خويلد (قريبا).

(و اما) كونه إساءة بالنسبة إلى (الآخر، و) لانه (قد اساء بالنسبة إليه حيث عرضه لاحتمال العيب وجوه) خبر قوله «ففى كونه اغتيابا».

(قال فى جامع المقاصد و يوجد فى كلام بعض الفضلاء: ان من شرط) صدق (الغيبة ان يكون متعلقها محصورا، و الا فلا تعد غيبة، فلو قال عن) واحد من (اهل بلدة غير محصورة؛ ما لو قاله عن شخص واحد) معلوم كزيد- (كان) القول عن الشخص الواحد المعلوم (غيبته لم يحتسب) ما قاله عن واحد من اهل البلدة (غيبة) لانه مجهول (انتهى) كلام جامع المقاصد.

(اقول: ان اراد ان ذم جمع غير محصور) كذم كل اهل البلد، ف (لا

ص: 60

تعد غيبة، و ان قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال: اهل هذه القرية او هذه البلدة كلهم كذا و كذا، فلا اشكال فى كونها غيبة محرمة.

و لا وجه لاخراجه عن موضوعها، او حكمها.

و ان اراد ان ذم المردد بين غير المحصور لا تعد غيبة فلا بأس، كما ذكرنا و لذا ذكر بعض، تبعا لبعض الاساطين فى مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة او اهل بلدة او اهل قرية، مع قيام القرينة على عدم

______________________________

تعد غيبة، و ان قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال: اهل هذه القرية او هذه البلدة كلهم كذا و كذا، فلا اشكال فى) عدم استقامة كلامه و (كونها غيبة محرمة) قطعا.

(و لا وجه لاخراجه عن موضوعها) بدعوى ان الدليل منصرف عرفا عن مثل ذلك (او حكمها) بانها و ان كانت غيبة لكنها ليست بمحرمة.

و على هذا فما اعتاده اهل التاريخ من ذكر الصفات الذميمة لاهل البلاد يكون داخلا فى الغيبة المحرمة.

اللهم الا ان يقال: انها محرمة للاهانة، و ليست بغيبة، لانه ليس كشف الستر و انما هو اعلام الشي ء الواضح.

(و ان اراد ان ذم المردد بين غير المحصور لا تعد غيبة) و لعل هذا هو الظاهر، و لذا فسرناه بهذا التفسير عند قوله «فلو قال» الخ (فلا بأس) بكلامه (كما ذكرنا) لانصراف الادلة عن مثله.

(و لذا ذكر بعض، تبعا لبعض الاساطين فى مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة او اهل بلدة او اهل قرية) او ما اشبه (مع قيام القرينة على عدم

ص: 61

إرادة الجميع، كذم العرب او العجم، او اهل الكوفة او البصرة، و بعض القرى، انتهى.

و لو اراد الاغلب ففى كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه، ما تقدم فى المحصور.

و بالجملة فالمدار فى التحريم غير المدار فى صدق الغيبة، و بينهما عموم من وجه

الثانى فى كفارة الغيبة الماحية لها

و مقتضى كونها من حقوق الناس توقف رفعها إلى

______________________________

إرادة الجميع، كذم العرب او العجم، او اهل الكوفة او البصرة، و بعض القرى، انتهى) فانه حيث لا يريد الا البعض لم يكن غيبة للجميع، و لا للبعض لان الجميع غير مراد، و البعض غير معلوم.

نعم لو اراد الجنس كان محرما، لانه بقوة اغتياب الجميع.

(و لو اراد) المتكلم بذم الجميع (الاغلب) او النصف مثلا، او ما اشبه مما يجعله كالواحد فى ضمن المحصور (ففى كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه، ما تقدم فى المحصور) من الاحتمالات الثلاثة.

(و بالجملة فالمدار فى التحريم غير المدار فى صدق الغيبة، و بينهما عموم من وجه).

فالغيبة المحرمة كشف الستر عند من لا يعلم، و الغيبة المحللة موارد الاستثناء، و المحرم غير الغيبة، كالذم عند مخاطب يعلم بذلك.

الامر (الثانى) مما يبحث عنه فى مبحث الغيبة (فى كفارة الغيبة الماحية لها) حتى يأمن الانسان عن عاقبتها حسب الادلة.

(و مقتضى كونها من حقوق الناس توقف رفعها) و البراءة منها (الى

ص: 62

اسقاط صاحبها.

اما كونها من حقوق الناس فلانه ظلم على المغتاب.

و للاخبار فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان لا يغتابه، و ان حرمة عرض المسلم كحرمة دمه و ماله.

و اما توقف رفعها على ابراء ذى الحق، فللمستفيضة المعتضدة بالاصل.

منها: ما تقدم من ان الغيبة لا تغفر حتى يغفر صاحبها.

______________________________

اسقاط صاحبها) لحقه كما ان مقتضى كونها عصيانا لله سبحانه التوبة و الاستغفار، كالسرقة التى يجب على السارق التوبة، بالإضافة إلى الخروج عن حق الناس.

(اما كونها من حقوق الناس فلانه ظلم على المغتاب) بالفتح.

(و) قد ورد فى الروايات ما يدل على كونه حقا (للاخبار فى ان من حق المؤمن على المؤمن ان لا يغتابه، و ان حرمة عرض المسلم) الشامل لسره (كحرمة دمه و ماله) و حيث ان المال و الدم من الحقوق، فكذلك العرض بقرينة السياق.

(و اما توقف رفعها) اى هذا الحق (على ابراء ذى الحق، فللمستفيضة المعتضدة بالاصل) اى اصالة ان حق كل ذى حق لا يؤدّى الا بقبول ذى الحق، فانه مقتضى كونه حقا لغيره.

ف (منها) اى من الروايات المستفيضة (ما تقدم من ان الغيبة لا تغفر حتى يغفر صاحبها) فيما روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلّم.

ص: 63

و منها: ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكى، بسنده المتصل إلى على بن الحسين عليهما السلام، عن ابيه عن امير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله و سلم: للمؤمن على اخيه ثلاثون حقا، لا براءة له منها إلا بأدائها، او العفو- الى ان قال- سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيمة، و يقضى له عليه.

و النبوى المحكى فى السرائر و كشف الريبة من كانت لاخيه عنده مظلمة فى عرض

______________________________

(و منها: ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكى، بسنده المتصل إلى على بن الحسين عليهما السلام، عن ابيه) عليه السلام (عن امير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للمؤمن على اخيه ثلاثون حقا، لا براءة له منها) اى من تلك الحقوق (الا بادائها، او العفو- الى ان قال- سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيمة، و يقضى له) اى للطالب (عليه) اى على المطلوب.

و قد عد النبي صلى الله عليه و آله و سلم من تلك الحقوق «ستر عورة الاخ» و المراد عدم كشف ستره.

و معنى «الاداء» ان يستر العورة.

و معنى «العفو» انه اذ كشف العورة يعفو عنه.

(و النبوى المحكى فى السرائر و كشف الريبة من كانت لاخيه عنده مظلمة فى عرض) كان هتك ستره، و اغتابه- مثلا-

ص: 64

او مال، فليستحللها من قبل ان يأتى يوم ليس هناك درهم و لا دينار، فيؤخذ من حسناته فان لم يكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه فيتزايد على سيئاته.

و فى نبوى آخر من اغتاب مسلما او مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين يوما و ليلة، الا ان يغفر له صاحبه.

و فى دعاء التاسع و الثلاثين من ادعية الصحيفة السجادية.

______________________________

(او مال) بان اكل ماله بالباطل (فليستحللها من قبل ان يأتى يوم ليس هناك درهم و لا دينار، فيؤخذ من حسناته) اى تعطى للطالب عوض حقه (فان لم يكن له حسنات اخذ من سيئات صاحبه) الّذي اغتابه- اى المطالب- (فيتزايد على سيئاته) اى سيئات المطلوب.

و من المعلوم: انه لو لم يكن للمغتاب- بالكسر- حسنات و للمغتاب بالفتح- سيئات، كما لو اغتاب كافر الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم عوضه الله سبحانه حسنات من فضله، لئلا يبطل حقه، كما عاقب المغتاب بالكسر- لعدله.

(و فى نبوى آخر من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه اربعين يوما و ليلة) بمعنى عدم الثواب عليهما، لا عدم الصحة حتى تحتاج إلى الاعادة و القضاء (الا ان يغفر له صاحبه) بان يعفو عنه.

(و فى دعاء التاسع و الثلاثين من ادعية الصحيفة السجادية) و فيه قوله عليه السلام «و ايما عبد من عبيدك ادركه منى درك، او مسّه من ناحيتى اذى، او لحقه بى او بسببى ظلم، ففته بحقه او سبقته بمظلمته،

ص: 65

و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها ما يدل على هذا المعنى أيضا.

و لا فرق فى مقتضى الاصل و الاخبار بين التمكن من الوصول إلى صاحبه و تعذره، لان تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق، كما فى غير هذا المقام.

______________________________

فصل على محمد و آل محمد و ارضه عنى من وجدك، و اوفه حقه من عندك» فان المستفاد من هذه الفقرة ان التخلص من تبعة الغيبة ارضاء المغتاب بالفتح- كما لو قلت: ارض زيدا، فان المستفاد منه ان المطلوب ارضائك لزيد بنفسك او بوكيلك.

(و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها) و هو قوله عليه السلام: و أسألك فى مظالم عبادك عندى، بضميمة ما هو معلوم من وجوب رد المظالم إلى اهلها، او اسقاط اهلها لها عن كاهل مرتكب المظلمة.

و على كل ففى هذين الدعائين (ما يدل على هذا المعنى) الّذي هو لزوم ارضاء المغتاب- بالفتح- (أيضا) كما يدل على هذا المعنى الاخبار المتقدمة.

(و) على هذا ف (لا فرق فى مقتضى الاصل و الاخبار بين التمكن من الوصول إلى صاحبه) الّذي اغتابه (و تعذره) لاطلاق الادلة الشامل للحالين.

و احتمال السقوط فى صورة التعذر غير تام (لان تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق، كما فى غير هذا المقام) من الديون و ما اشبه.

ص: 66

لكن روى السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان كفارة الاغتياب ان تستغفر لمن اغتبته، كلما ذكرته.

و لو صح سنده امكن تخصيص الاطلاقات المتقدمة به، فيكون الاستغفار طريقا أيضا إلى البراءة.

مع احتمال العدم أيضا، لان كون الاستغفار كفارة لا يدل على البراءة فلعله كفارة للذنب، من حيث كونه حقا لله تعالى، نظير كفارة قتل الخطأ التى

______________________________

(لكن روى السكونى عن ابى عبد الله عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان كفارة الاغتياب ان تستغفر لمن اغتبته، كلما ذكرته) فانه يدل على عدم وجوب طلب العفو من المغتاب- بالفتح- سواء تمكن من ذلك، أم لا.

(و لو صح سنده امكن تخصيص الاطلاقات المتقدمة) الدالة على وجوب طلب العفو (به) بان نقول: الواجب طلب العفو الا فى صورة الاستغفار لمن اغتابه، كلما ذكره (فيكون الاستغفار طريقا أيضا إلى البراءة) من تبعة ذنب الغيبة.

(مع احتمال العدم) اى عدم كون الاستغفار طريقا إلى البراءة (أيضا) فلا يدل خبر السكونى على ذلك.

و معنى «أيضا» اى يحتمل الدلالة، و يحتمل عدم الدلالة (لان كون الاستغفار كفارة لا يدل على البراءة، فلعله كفارة للذنب، من حيث كونه حقا لله تعالى، نظير كفارة قتل الخطأ) و هو الصيام و الاطعام و العتق (التى

ص: 67

لا توجب براءة القاتل، الا ان يدعى ظهور السياق فى البراءة.

قال فى كشف الريبة بعد ذكر النبويين الاخيرين المتعارضين.

و يمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار له على من لم يبلغ غيبته المغتاب فينبغى له الاقتصار على الدعاء و الاستغفار لان فى محالته اثارة للفتنة و جلبا للضغائن.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 68

و فى حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه لموت او غيبة

______________________________

لا توجب) هذه الكفارة (براءة القاتل) و انما يبرأ اذا اعطى الدية للمقتول.

ففى الغيبة حقان، حق لله تعالى يقتضي الاستغفار، و حق للمغتاب بالفتح- يقتضي الاستبراء منه (الا ان يدعى ظهور السياق) فى رواية السكونى (فى البراءة) المطلقة عن حق الله و حق الآدمى بالاستغفار- و لا يبعد هذا الظهور-.

(قال فى كشف الريبة بعد ذكر النبويين الاخيرين المتعارضين) من حيث ان احدهما يدل على كون الكفارة الاستبراء، و الآخر يدل على كون الكفارة الاستغفار.

(و يمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار له) اى للمغتاب- بالفتح (على من لم يبلغ غيبته المغتاب) بالفتح (فينبغى له الاقتصار على الدعاء و الاستغفار) لا الاستحلال (لان فى محالته) اى طلب الحلية منه (اثارة للفتنة و جلبا للضغائن) جمع ضغينة، بمعنى الحقد و العداوة الكامنة.

(و فى حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه لموت او غيبة) او ما اشبه

ص: 68

و حمل المحالة على من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة.

اقول: ان صح النبوى الاخير سندا فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا إلى البراءة مطلقا فى مقابل الاستبراء.

و إلا تعين طرحه و الرجوع إلى الاصل.

و اطلاق الاخبار المتقدمة، و تعذر الاستبراء

______________________________

(و حمل) الاخبار (المحالة) اى الدالة على الاستحالة (على من يمكن التوصل إليه مع بلوغه الغيبة) و بهذا يرفع التنافى بين الخبرين.

(اقول) ما ذكره كشف الريبة من الجمع يشبه التبرع، لعدم شاهد فى الخبرين على هذا الجمع.

اللهم الا اذا صح الخبر الدال على هذا الجمع مما سيأتى، فانه (ان صح النبوى الاخير) و هو الدال على كفاية الاستغفار (سندا، فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا إلى البراءة مطلقا) سواء تمكن المغتاب- بالكسر- من الاستحلال، أم لا.

فلا منافات بين النبويين، لان احدهما يوجب البراءة، و الآخر يجعل من انواع البراءة الاستغفار له (فى مقابل الاستبراء) اى طلب البرء و الحلية، فلا يجب الاستحلال فقط، و انما هناك الاستغفار أيضا.

(و الا) يصح سند النبوى الاخير (تعين طرحه و الرجوع إلى الاصل) الّذي يقول: بلزوم الاستحلال من كل ذى حق.

(و اطلاق الاخبار المتقدمة) الدالة على الاستبراء- بقول مطلق- (و)- ما ذكره كشف الريبة- شاهد لجمعه، من (تعذر الاستبراء) مع موت

ص: 69

او وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرأ آخر.

نعم ارسل بعض من قارب عصرنا عن الصادق عليه السلام: انك ان اغتبت، فبلغ المغتاب فاستحل منه، و ان لم يبلغه فاستغفر الله له.

و فى رواية السكونى المروية فى الكافى فى باب الظلم، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من ظلم احدا ففاته فليستغفر الله له، فانه كفارة له.

______________________________

المغتاب او غيبته (او وجود المفسدة فيه) فى حال حياته و حضوره، غير تام.

اذ هذه الامور (لا يوجب وجود مبرأ آخر) غير الّذي ذكره النص- من الاستحلال-.

الا ترى انه لو غاب الدائن، او مات لم تحصل البراءة بالاستغفار، و كذلك اذا كان موجودا و لكن كان فى اعطائه المال مفسدة.

(نعم ارسل بعض من قارب عصرنا) و هو النراقى فى جامع السعادات (عن الصادق عليه السلام: انك ان اغتبت، فبلغ المغتاب فاستحل منه و ان لم يبلغه فاستغفر الله له).

و بهذا يمكن الجمع بين النبويين المتعارضين، و يكون شاهدا لكلام كاشف الريبة.

(و فى رواية السكونى المروية فى الكافى فى باب الظلم، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من ظلم احدا ففاته فليستغفر الله له، فانه كفارة له) فانه اعم من الموت، او عدم

ص: 70

و الانصاف ان الاخبار الواردة فى هذا الباب كلها غير نقية السند.

و اصالة البراءة تقتضى عدم وجوب الاستحلال و لا الاستغفار.

و اصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب- بالفتح- على المغتاب- بالكسر- تقتضى عدم الخروج منه الا بالاستحلال خاصة.

______________________________

القدرة، للوصول إليه و هذا أيضا شاهد جمع آخر بين النبويين، و مؤيد لما ذكره كاشف الريبة.

(و الانصاف ان الاخبار الواردة فى هذا الباب) اى باب الاستحلال و الاستغفار (كلها غير نقية السند).

(و) اذا انتهى الامر إلى الاصول العملية، ف (اصالة البراءة) عن توجه التكليف إلى المغتاب- بالكسر- (تقتضى عدم وجوب الاستحلال و لا الاستغفار) لانه تكليف لا يعلم بوجوده، و المراد بالاستغفار طلب الغفران للمغتاب- بالفتح- اما استغفار المغتاب- بالكسر- لنفسه عما صدر منه من الذنب، فلا اشكال فيه.

(و اصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب- بالفتح- على المغتاب- بالكسر- تقتضى عدم الخروج منه) اى من ذلك الحق (الا بالاستحلال خاصة) فان الغيبة توجب حقا شرعا و عرفا على المغتاب- بالكسر-.

فاستصحاب بقائه بعد التوبة يقتضي لزوم خروجه من هذا الحق، و الاستحلال مخرج قطعا.

و اما الاستغفار فيشك فى كونه مخرجا فالاصل عدم كون الاستغفار مخرجا.

ص: 71

لكن المثبت لكون الغيبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه ليس الا الاخبار غير نقية السند، مع ان السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة، لذكر حقوق اخر فى الروايات، لا قائل بوجوب البراءة منها.

______________________________

(لكن) الاشكال فى الاستصحاب من جهة عدم اليقين السابق، اذ:

الاستصحاب يتوقف على اليقين بتعلق حق على المغتاب- بالكسر-.

و (المثبت لكون الغيبة حقا بمعنى وجوب البراءة منه) كالحقوق المالية و ما اشبه (ليس الا الاخبار غير نقية السند، مع ان السند لو كان نقيا كانت الدلالة) لهذه الاخبار على كونها حقا محتاجا إلى الابراء (ضعيفة) و ذلك (لذكر حقوق اخر فى الروايات، لا قائل بوجوب البراءة منها) كعيادته اذا مرض، و تشييعه اذا مات، و ما اشبه.

لا يقال: من المقرر عندهم انه اذا اشتمل الحديث على جملة فقرات اريد ببعضها خلاف الظاهر، لم يضر ذلك بالفقرات الاخر، فكيف يصرف ظاهر حق الغيبة عن معناه الحقيقى بمناسبة إرادة المجاز فى بعض الحقوق الاخر المذكورة فى الرواية.

لانه يقال: ليس استعمال الحق فى ما لا يوجب البراءة مجازا، بل هو من باب الاستعمال فى احد مصاديقه، نحو استعمال المشترك فى احد معانيه لا نحو استعمال اللفظ فى احد من الحقيقة او المجاز.

(و) ان قلت: اذا لم يكن هذه الحقوق لازمة فلما ذا يعامل مع تاركها فى يوم القيمة معاملة خاصة؟ فان ذلك قرينة على وجوب هذه الحقوق،

ص: 72

معنى القضاء يوم القيامة لذيها على من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن، لا العقاب عليها، كما لا يخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة فى رواية الكراجكى.

فالقول بعدم كونه حقا للناس- بمعنى وجوب البراءة- نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قوة و ان كان الاحتياط فى خلافه، بل لا يخلو عن قرب من جهة كثرة الاخبار الدالة على وجوب الاستبراء منها، بل اعتبار سند بعضها.

______________________________

الا ما خرج، و هذا ينافى ما ذكرتم من قولكم «كانت الدلالة ضعيفة».

قلت: (معنى القضاء يوم القيامة لذيها) اى الحكم لنفع ذى الحق (على) ضرر (من عليها) هذه الحقوق- اذا لم يؤدها- (المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن، لا) ان المعنى (العقاب عليها) اى على ترك هذه الحقوق (كما لا يخفى على من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة فى رواية الكراجكى).

فان الظاهر منها كونها فى مقام الآداب الاسلامية، لا فى مقام الحقوق اللازمة نحو حق الشفعة و حق الحيازة و حق الجناية و ما اشبه.

(فالقول بعدم كونه حقا للناس- بمعنى وجوب البراءة-) اى حقا يجب الاستحلال منه، او الاتيان به (نظير الحقوق المالية) التى يجب الخروج منها (لا يخلو عن قوة) حسب ظاهر الادلة- كما عرفت- (و ان كان الاحتياط فى خلافه) بانها كالحقوق المالية (بل لا يخلو) هذا الامر و هو كونه كالحقوق المالية، (عن قرب، من جهة كثرة الاخبار الدالة على وجوب الاستبراء) و الاستحلال (منها، بل اعتبار سند بعضها) كرواية

ص: 73

و الاحوط الاستحلال ان تيسر، و الا فالاستغفار غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.

الثالث: فيما استثنى من الغيبة و حكم بجوازها بالمعنى الاعم.
اشارة

______________________________

حفص ابن عمير المروية فى الكافى، عن الصادق عليه السلام: فقد قالوا بان رجال السند كلهم ثقات عدا حفص، و يمكن تحصيل وثاقته من قرائن خارجية بالإضافة إلى انها مروية فى الكافى الّذي التزم فى اوّل كتابه بان لا يروى الا ما هو حجة بينه و بين الله تعالى.

(و الاحوط الاستحلال ان تيسر، و الا) يتيسر (فالاستغفار) للمغتاب بالفتح- (غفر الله لمن اغتبناه، و لمن اغتابنا) حتى لا يكون مؤمن معذبا لاجلنا.

و هذا مأخوذ عن الامام السجاد فى دعاء مكارم الاخلاق اللهم صل على محمد و آل محمد، و سددنى لان اعارض من غشنى بالنصح، و اجزى من هجرنى بالبر، و اثيب من حرمنى بالبذل، و اكافى من قطعنى بالصلة و اخالف من اغتابنى إلى حسن الذكر، و ان اشكر الحسنة و اغضى عن السيئة (بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين).

و لا يخفى ان الاستحلال يكون فى بعض الاوقات ضره اقرب من نفعه فاللازم معرفة الانسان للمواضع، لئلا يقع فى حرام اشد، من جراء الاستحلال.

الامر (الثالث) من الامور المربوطة ببحث الغيبة (فيما استثنى من الغيبة و حكم بجوازها بالمعنى الاعم) اى الجواز مقابل الحرمة الشامل

ص: 74

فاعلم: ان المستفاد من الاخبار المتقدمة و غيرها ان حرمة الغيبة لاجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه.

فاذا فرض هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب- بالكسر- او بالفتح- او ثالث دل العقل، او الشرع على كونها اعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم على طبق اقوى المصلحتين كما هو الحال فى كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه عليه غير واحد.

______________________________

للوجوب- أيضا- لا الجواز بالمعنى الاخص الّذي هو احد الاحكام الخمسة.

(فاعلم: ان المستفاد من الاخبار المتقدمة و غيرها) من سائر الاخبار التى لم يذكر هنا (ان حرمة الغيبة لاجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه) فان قوله صلى الله عليه و آله و سلم «ما يكره» دال على ذلك، و نحوه غيره.

(فاذا فرض) ان (هناك مصلحة راجعة إلى المغتاب- بالكسر- او بالفتح- او) راجعة إلى شخص (ثالث) او اثنين منهما او الثلاثة، بحيث (دل العقل، او الشرع على كونها) اى تلك المصلحة الطارئة (اعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول) السوء (فيه) قوله «بترك» متعلق ب «احترام» (وجب كون الحكم) من وجوب الغيبة او حرمتها (على طبق اقوى المصلحتين).

كما انه اذا لم يعرف الاقوى منهما لزم الحكم بالتخيير، كما هو الاصل فى كل حكمين لم يعرف الاقوى منهما (كما هو الحال فى كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس و قد نبه عليه غير واحد).

فالمسلم المحترم دمه الّذي من اذا قتله عمدا كان له جهنم خالدا فيها

ص: 75

قال فى جامع المقاصد- بعد ما تقدم عنه فى تعريف الغيبة-: ان ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه به او اضحاك الناس منه.

و اما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير و التظلم و سماعه و الجرح و التعديل ورد من ادعى نسبا ليس له، و القدح فى مقالة باطلة خصوصا فى الدين، انتهى.

______________________________

و كانما قتل الناس جميعا اذا تترس به الكفار، يقتل، لان مصلحة ازالة الكافرين اعظم من مصلحة ابقاء هذا المسلم، و هكذا فى سائر الاحكام.

(قال فى جامع المقاصد- بعد ما تقدم عنه فى تعريف الغيبة-: ان ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه) و التلذذ (به او اضحاك الناس منه).

(و اما ما كان لغرض صحيح) مجوز شرعا او عقلا (فلا يحرم، كنصح المستشير) الّذي يأتى للمشورة بان يزوجه بنتا، او يشترك معه فى كسب او يتزوج ابنته، او يقرضه او يقترض منه، او ما شابه ذلك (و التظلم) اى نصح المتظلم كيف يرفع الظلم عن كاهله (و سماعه) فان سماع الغيبة فى نفسه حرام، الا اذا جاز لمصلحة اقوى، فكما يجوز للمتكلم الناصح، كذلك يجوز للسامع المنتصح (و الجرح و التعديل) حتى لا يؤخذ برواية الفسقة (و ردّ من ادعى نسبا ليس له، و القدح فى مقالة باطلة) بحيث استلزم القدح قدحا و غيبة لقائلها (خصوصا) اذا كانت المقالة (فى الدين، انتهى) كلام الكركى.

ص: 76

و فى كشف الريبة: اعلم ان المرخص فى ذكر مساوى الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه الا بها، انتهى.

و على هذا فموارد الاستثناء لا تنحصر فى عدد.

نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة
أحدهما ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق،

فان من لا يبالى بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق.

نعم لو كان فى مقام ذمّه كرهه من حيث المذمة، لكن المذمّة

______________________________

(و فى كشف الريبة: اعلم ان المرخص فى ذكر مساوئ الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل إليه) اى إلى ذلك الغرض (إلا بها) اى بالغيبة (انتهى) كلامه.

(و على هذا) المعيار (فموارد الاستثناء لا تنحصر فى عدد) خاص بل كل مورد من موارد الاهم، و من موارد الغرض الصحيح.

(نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة احدهما ما اذا كان المغتاب)- بالفتح- (متجاهرا بالفسق، فان من لا يبالى بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق) بل قد يحب اذا كان من باب النهى عن المنكر، او تنفير الناس عن مثل هذا الفسق، فان ذم المسي ء و الطاغى فى عمله يوجب تجنب الناس عن مثله.

(نعم لو كان) المغتاب- بالكسر- (فى مقام ذمّه) اى ذم المتجاهر (كرهه) اى المتجاهر، كره ذم الناس له- مقابل عدم كرهه ظهور فسقه- (من حيث المذمة) فان غالب الناس لا يرضون بذمهم (لكن المذمة)

ص: 77

على الفسق المتجاهر به، لا تحرم، كما لا يحرم لعنه.

و قد تقدم عن الصحاح اخذ المستور فى المغتاب.

و قد ورد فى الاخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر.

منها: قوله عليه السلام فى رواية هارون بن الجهم: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة.

و قوله عليه السلام: من القى جلباب الحياء فلا

______________________________

للفاسق (على الفسق المتجاهر به، لا تحرم) لانصراف ادلة حرمة الذم الى غيره (كما لا يحرم لعنه) لما دل على لعن اهل المنكرات و البدع، كقوله سبحانه: لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَى الْكٰاذِبِينَ، الى غيرها من الآيات و الروايات الكثيرة الواردة فى لعن اصحاب المنكرات و من جملتهم النساء السافرات (و قد تقدم عن الصحاح اخذ) لفظ (المستور فى) تعريف (المغتاب) مما يدل على انه لو لم يكن مستورا لم يصدق عليه الغيبة.

(و قد ورد فى الاخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر) بالمعصية.

(منها: قوله عليه السلام فى رواية هارون بن الجهم: اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة) و المراد عدم الحرمة فى الاهانة و الذم و ترك الصلة و ما اشبه- مما تكون للمؤمنين- لا عدم الحرمة مطلقا حتى بالنسبة الى المال و الدم و الاهل.

(و قوله عليه السلام: من القى جلباب الحياء) الجلباب الثوب الساتر لجميع البدن، و قد شبه به الحياء لانه يستر الانسان عن تعديه على الغير، و تعدى الغير عليه، فان العفيف بمأمن من التهجمات (فلا

ص: 78

غيبة له.

و رواية ابى البخترى ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع و الامام الجائر و الفاسق المعلن بفسقه.

و مفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته و وجبت اخوته، و ظهر عدله، و حرمت غيبته.

و فى صحيحة ابن ابى يعفور الواردة فى بيان العدالة- بعد

______________________________

غيبة له) و القاء الجلباب كناية عن ارتكابه المنكر المنافى للحياء.

(و رواية ابى البخترى) بفتح الباب معرب «بهتر» (ثلاثة ليس لهم حرمة صاحب هوى مبتدع) وصف توضيحى، فان كل صاحب هوى، بمعنى اختراع الاشياء المخالفة للدين مبتدع، الا ان يقال: ان الهوى اعم من الحرام، فالقيد احترازى (و الامام) اى الرئيس اعم من الدينى او الدنيوى (الجائر و الفاسق المعلن بفسقه).

(و مفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته و وجبت اخوته و ظهر عدله، و حرمت غيبته).

و من المعلوم ان المتجاهر بظلم الناس اما حقيقة او بتجرية الناس على المعاصى الّذي هو من اعظم الظلم المفهوم من الحديث انه لا تحرم غيبته من جهة مفهوم الشرط.

(و فى صحيحة ابن ابى يعفور الواردة فى بيان العدالة- بعد

ص: 79

تعريف العدالة- ان الدليل على ذلك ان يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته، دل على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا، فينتفى عند انتفائه.

و مفهوم قوله عليه السلام فى رواية علقمة المحكية عن المحاسن: من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، و لم يشهد عليه شاهد ان فهو من اهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة، و ان كان فى نفسه مذنبا، و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالى داخل فى ولاية

______________________________

تعريف العدالة-) قال عليه السلام: (ان الدليل على ذلك) و انه عادل (ان يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك) الستر (من عثراته).

فان هذا الحديث (دل على ترتب حرمة التفتيش على كون الرجل ساترا) لعيوبه المراد بها المعاصى، فان العصيان عيب فى الانسان (فينتفى) التالى و هو حرمة التفتيش (عند انتفائه) اى انتفاء الستر.

و من المعلوم: ان التفتيش مستلزم للاغتياب قولا و سماعا، بل هو اعم من ذلك كما لا يخفى.

(و مفهوم قوله عليه السلام فى رواية علقمة المحكية عن المحاسن: من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، و لم يشهد عليه شاهدان) و المراد بذلك انتفاء العلم و انتفاء الحجة الشرعية (فهو من اهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة، و ان كان فى نفسه مذنبا) اى بين نفسه و بين الله سبحانه (و من اغتابه بما فيه) من النقائص (فهو خارج عن ولاية الله تعالى داخل فى ولاية

ص: 80

الشيطان، الخبر، دل على ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة على كونه من اهل الستر، و كونه من اهل العدالة على طريق اللف و النشر أو على اشتراط الكل بكون الرجل غير مرئى منه المعصية، و لا مشهودا عليه بها.

و مقتضى المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج منه غير المتجاهر و

______________________________

الشيطان) اشارة إلى قوله تعالى: اللّٰهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا، الى قوله:

أَوْلِيٰاؤُهُمُ الطّٰاغُوتُ، الى آخر (الخبر) المذكور فى باب الجماعة من كتاب الصلاة.

فانه (دل على ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة على كونه من اهل الستر، و كونه من اهل العدالة على طريق اللف و النشر).

فحرمة الاغتياب متوقفة على كونه من اهل الستر، و قبول الشهادة متوقف على العدالة (او) دل (على اشتراط الكل) من حرمة الاغتياب و قبول الشهادة (بكون الرجل غير مرئى منه المعصية، و لا مشهودا عليه بها) اى بالمعصية.

(و مقتضى المفهوم) من الخبر (جواز الاغتياب مع عدم الشرط) بان كان رؤى منه العصيان، او شهد عليه بالمعصية شاهدان- مطلقا- اى سواء كان متجاهرا، أم لا- (خرج منه) اى من هذا الاطلاق (غير المتجاهر) و بقى المتجاهر فى اطلاق جواز الاغتياب.

(و) ان قلت: انه لا مفهوم لهذا الخبر حتى بالنسبة إلى المتجاهر لان قوله عليه السلام «و من اغتابه» جملة مستأنفة، و معناها حرمة

ص: 81

كون قوله عليه السلام «و من اغتابه الخ» جملة مستأنفة غير معطوفة على الجزاء، خلاف الظاهر.

ثم ان مقتضى اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر فيما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح و لم اجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر.

نعم تقدم عن الشهيد الثانى احتمال اعتبار قصد النهى عن المنكر فى جواز سب المتجاهر مع اعترافه بان ظاهر النص و الفتوى عدمه.

______________________________

اغتياب كل مسلم مطلقا.

قلت: (كون قوله عليه السلام «و من اغتابه الخ» جملة مستأنفة) بمعنى كونها (غير معطوفة على الجزاء) اى قوله: فهو من اهل العدالة (خلاف الظاهر) اذ الظاهر انه عطف على الجزاء، فلا اطلاق فى قوله «و من اغتابه».

(ثم ان مقتضى اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر فيما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح) من النهى عن المنكر، او تنفير سائر الناس من المنكر، او ما اشبه بل لمجرد التشهى و التفكه (و لم اجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح) فى جواز غيبة المتجاهر (و هو) اى الغرض الصحيح قصد (ارتداعه عن المنكر) او ما اشبه- كما عرفت-.

(نعم تقدم عن الشهيد الثانى احتمال اعتبار قصد النهى عن المنكر فى جواز سب المتجاهر) فيحل على ذلك الغيبة أيضا (مع اعترافه) اى الشهيد ره (بان ظاهر النص و الفتوى عدمه) اى عدم اعتبار قصد النهى،

ص: 82

و هل يجوز اغتياب المتجاهر فى غير ما تجاهر به صرح الشهيد الثانى و غيره بعدم الجواز.

و حكى عن الشهيد أيضا.

و ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساتر، هو الجواز.

و استظهره فى الحدائق من كلام جملة من الاعلام، و صرح به بعض الاساطين.

______________________________

بل يجوز مطلقا.

(و هل يجوز اغتياب المتجاهر فى غير ما تجاهر به).

مثلا: اذا كان يتجاهر بشرب الخمر يجوز اغتيابه فى كونه آكلا للربا، اذا فرض انه يختفى به، او مطلقا، كان يتفكه بحديثه فى مختلف شئون بدنه و ثيابه و داره و كسبه و ما اشبه.

فقد (صرح الشهيد الثانى و غيره بعدم الجواز) و كانه القدر المتيقن من ادلة الجواز فيما تجاهر به.

(و حكى عن الشهيد أيضا) فتوى اخرى.

(و) كذلك (ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساترة هو الجواز).

قوله «و ظاهر» عطف على «حكى» اى ان المحكى و الظاهر:

الجواز.

(و استظهره) اى الجواز مطلقا (فى الحدائق من كلام جملة من الاعلام و صرح به بعض الاساطين) و ذلك لاطلاق الادلة، و لا وجه للقول بالقدر

ص: 83

و ينبغى الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه اذا كان دونه فى القبح.

فمن تجاهر باللواط- العياذ بالله- جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجانب.

و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة.

و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر.

______________________________

المتيقن بعد وجود الاطلاقات.

(و) اذ قلنا: بعدم الجواز الا فيما تجاهر به (ينبغى الحاق ما يتستر به) من المعصية (بما يتجاهر فيه اذا كان دونه) اى ما تستر دون ما تجاهر (فى القبح).

و لعل وجه ذلك: ان الجواز فى الادون اولى من الجواز فى الاشد و ان كان الادون مستورا و الاشد جهرا-.

لكن لا يخفى ما فيه، اذ لو لم نقل بالإطلاق لا وجه للاولوية، و لا قطع بالمناط.

(فمن تجاهر باللواط- العياذ بالله- جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجانب) الّذي يتستر فيه.

(و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة) من الدور- مثلا- الّذي يتستر به، اما السرقة فى قطع الطريق فهو مما يتجاهر به، فلا اشكال فيه

(و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم) من النكال بمعنى العقاب (جاز اغتيابه بشرب الخمر) الّذي يخفيه.

ص: 84

و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح.

و لعل هذا هو المراد بمن القى جلباب الحياء، لا من تجاهر بمعصية خاصة وعد مستورا بالنسبة إلى غيرها كبعض عمال الظلمة.

ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان انه قبيح فلو تجاهر به مع اظهار محمل له لا يعرف فساده الا القليل، كما اذا كان من عمال الظلمة، و ادعى فى ذلك عذرا مخالفا للواقع او غير مسموع منه

______________________________

(و من تجاهر بالقبائح المعروفة) كالزنا و الشرب و السرقة و ما اشبه (جاز اغتيابه بكل قبيح) مطلقا.

(و لعل هذا) الّذي يرتكب القبائح المعروفة بكل صلافة (هو المراد بمن القى جلباب الحياء) فى الرواية السابقة (لا من تجاهر بمعصية خاصة) فقط (وعد مستورا بالنسبة إلى غيرها) اى غير تلك المعصية (كبعض عمال الظلمة) الّذي له معصية كونه عاملا فقط، و هو مستور فى سائر الامور مواظب على احكامه و ظاهر تدينه.

(ثم المراد بالمتجاهر من تجاهر بالقبيح بعنوان انه قبيح) بان كان عالما عامدا (فلو تجاهر به مع اظهار محمل له لا يعرف فساده) كمن يستغيب انسانا مع اظهاره انه ظلمه بحيث لم يعرف فساد محمله (الا القليل كما اذا كان من عمال الظلمة، و ادعى فى ذلك عذرا مخالفا للواقع) ككونه يخاف بطشهم اذا لم يقبل عملهم (او غير مسموع منه) لانه ليس بحيث يسمع منه ذلك العذر.

كما لو ادعى انى لا اعلم حرمة ايذاء الناس، و القليل من الناس يعلمون

ص: 85

لم يعد متجاهرا.

نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن المتجاهر.

و لو كان متجاهرا عند اهل بلده، او محلته مستورا عند غيرهم، هل يجوز ذكره عند غيرهم ففيه اشكال من امكان دعوى ظهور روايات الرخصة فيمن لا يستنكف عن الاطلاع على عمله مطلقا.

______________________________

انه فى رتبة من العلم و المعرفة لا يخفى عليه ذلك.

و حيث ان العذر المخالف للواقع مسموع و غير مسموع عرفا، اراد بالمخالف ما هو المسموع، و لذا عطف عليه ما ليس بمسموع (لم يعد متجاهرا) بحيث تجوز غيبته، لعدم صدق القاء جلباب الحياء، و نحوه من الروايات السابقة عليه.

(نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد) عند الكل (لم يخرج عن المتجاهر) لصدق المتجاهر عليه حينئذ عرفا.

(و لو كان متجاهرا عند اهل بلده او محلته مستورا عند غيرهم) من سائر من يعرفه، لا من سائر من لا يعرفه، و الا كان من باب السالبة بانتفاء الموضوع ف (هل يجوز ذكره) بالعصيان (عند غيرهم) ممن هو مستور لديهم (ففيه اشكال).

وجه الاشكال و عدم الجواز (من) جهة (امكان دعوى ظهور روايات الرخصة فيمن لا يستنكف) و لا يأبى (عن الاطلاع) من الناس (على عمله مطلقا) سواء من يعرفه بالفساد، او لا يعرفه.

ص: 86

فرب متجاهر فى بلد، متستر فى بلاد الغربة، او فى طريق الحج و الزيارة لئلا يقع عن عيون الناس.

و بالجملة فحيث كان الاصل فى المؤمن الاحترام على الاطلاق وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه.

فالاحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير.

نعم لو تأذى من ذمّه بذلك دون ظهوره لم يقدح فى الجواز.

______________________________

(فرب متجاهر فى بلد، متستر فى بلاد الغربة، او فى طريق الحج و الزيارة لئلا يقع عن عيون الناس).

و وجه الجواز من جهة اطلاق: من القى جلباب الحياء، الصادق على هذا الانسان و الانصراف إلى من لا يستنكف ان كان، فهو بدوى.

(و بالجملة ف) الدليل على عدم جواز غيبة مثل هذا الانسان انه (حيث كان الاصل فى المؤمن الاحترام على الاطلاق) لاطلاق ادلة احترامه حيا و ميتا، دما و مالا و عرضا (وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه) و هو المتجاهر فى المكان الّذي لا يستنكف من الاطلاع على عمله.

(فالاحوط الاقتصار على ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير) لان هذا هو الفرد المتيقن خروجه، و يبقى الباقى تحت الاطلاقات الاولية.

(نعم لو تأذى) المتجاهر (من ذمّه بذلك) العصيان المتجاهر فيه- عند من لا يستنكف اطلاعه عليه- (دون ظهوره لم يقدح) تأذيه (فى الجواز)

ص: 87

و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا.

و هذا هو الفارق بين السب و الغيبة.

حيث ان مناط الاول المذمة و التنقيص، فيجوز.

و مناط الثانى اظهار عيوبه فلا يجوز الا بمقدار الرخصة.

الثانى: تظلم المظلوم و اظهار ما فعل به الظالم،

و ان كان متسترا به كما اذا ضربه فى الليل الماضى و شتمه، او اخذ ماله جاز ذكره بذلك

______________________________

لاغتيابه.

(و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا) كأن يقال له يا عاصى، او يا فاسق، او ما اشبه، لا السب بما يكون كذبا كان يقول لشارب الخمر يا كذاب و هكذا.

(و هذا) الّذي ذكرنا من جواز سبه دون اغتيابه (هو الفارق بين السب) الجائز (و الغيبة) المحرمة.

(حيث ان مناط الاول) السب (المذمة و التنقيص، فيجوز) فاذا جاز جاز السب.

(و مناط الثانى) الغيبة (اظهار عيوبه، فلا يجوز الا بمقدار الرخصة) و هو غير المستنكف.

(الثانى): من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (تظلم المظلوم) اى ذكر ظلامته (و اظهار ما فعل به الظالم، و ان كان) الظالم (متسترا به) اى بما فعل بالمظلوم (كما اذا ضربه فى الليل الماضى و شتمه) حيث لا يراهما الا الله (او اخذ ماله) خفية (جاز ذكره بذلك) الظلم، و انه فعل كذا و

ص: 88

عند من لا يعلم ذلك منه لظاهر قوله تعالى: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.

و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ.

فعن تفسير القمى اى لا يحب ان يجهر الرجل بالظلم و السوء، و يظلم الا من ظلم فاطلق

______________________________

كذا (عند من لا يعلم ذلك) الظلم (منه) اى من الظالم (لظاهر قوله تعالى: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) اى نصر نفسه بعد ان ظلمه الظالم و النصرة لها مصاديق، من جملتها التنقيص من الظالم بما فعل عند الناس (فأولئك) المنتصرون (ما عليهم من سبيل) اى منع و تأنيب و عقاب (إِنَّمَا السَّبِيلُ) بالمنع و العقاب (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النّٰاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) لفظة «بغير الحق» للتأكيد، و الا فالبغى- اى الظلم- دائما يكون بغير الحق.

(و قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) اى ان يجهر الانسان بالقول السيئ فى احد (إلّا من ظلم) فالمظلوم يجوز له ان يجهر بظلامته، و بالقول السيئ بالنسبة إلى ظالمه، و معنى عدم الحب: الكراهة المحرمة كما لا يخفى.

(فعن تفسير القمى) على ابن ابراهيم ره (اى لا يحب) الله (ان يجهر الرجل) اى الشخص (بالظلم و السوء، و يظلم) بذكر الآخرين بالغيبة و المذمة (الا من ظلم) بصيغة المجهول، اى المظلوم (فاطلق) و ابيح له

ص: 89

ان يعارضه بالظلم.

و عن تفسير العياشى عنه عليه السلام: من اضاف قوما فأساء اضافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه.

و هذه الرواية و ان وجب توجيهها، اما بحمل الإساءة على ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم او بغير ذلك الا انها دالة على عموم من ظلم فى الآية الشريفة و ان كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال فى الظالم.

______________________________

(ان يعارضه) الظالم (بالظلم) اى بالمثل- من قبيل «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ».

(و عن تفسير العياشى عنه عليه السلام: من اضاف قوما فأساء اضافتهم، فهو ممن ظلم) اى داخل فى هذه الآية الكريمة (فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه) اى ذكر ظلامتهم، و انه اساء ضيافتهم.

(و هذه الرواية) المروية بطريق العياشى (و ان وجب توجيهها اما بحمل الإساءة) الصادرة عن المضيف (على ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم او بغير ذلك) بالتصرف فى «ما قالوا فيه» بان يراد به ما لا يكون غيبة.

و انما نحتاج إلى الحملين لوضوح انه لا يجوز غيبة من لا يقوم بآداب الضيافة، اذ ليس ذلك ظلما شرعا و عصيانا حتى يجوز غيبته (الا انها دالة على عموم من ظلم فى الآية الشريفة) حتى انه يشمل كل ظالم و لو بهذا القدر (و) دالة على (ان كل من ظلم)- بصيغة المفعول- (فلا جناح عليه فيما قال فى الظالم) بصورة عامة.

ص: 90

و نحوها فى وجوب التوجيه رواية اخرى فى هذا المعنى محكية عن المجمع ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه فى ان يذكره بسوء ما فعله و يؤيد الحكم فيما نحن فيه: ان فى منع المظلوم من هذا الّذي هو نوع من التشفي حرجا عظيما.

و لان فى تشريع الجواز مظنة ردع للظالم، و هى مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز، لان الاحكام تابعة للمصالح.

______________________________

(و نحوها فى وجوب التوجيه رواية اخرى فى هذا المعنى محكية عن المجمع: ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته، فلا جناح عليه) اى الضيف (فى ان يذكره بسوء ما فعله) المضيف بالنسبة إليه.

(و يؤيد الحكم) بجواز غيبة الظالم (فيما نحن فيه: ان فى منع المظلوم من هذا) التظلم و ذكر ظلم الظالم (الّذي هو نوع من التشفي) اى شفاء النفس من الغيظ (حرجا عظيما) فيشمله قوله سبحانه «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

و انما جعل هذا مؤيّدا لا دليلا، لان كثيرا من الاحيان لا يكون حرجا فاذا قام الدليل قيل بإطلاق جواز الغيبة، اما اذا كان الدليل «لا حرج» كان الحكم بالجواز منوطا بالحرج الشخصى.

(و لان فى تشريع الجواز) اى جواز اغتياب الظالم (مظنة ردع للظالم و هى مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز، لان الاحكام تابعة للمصالح) و كلما حكم به العقل حكم به الشرع، اذا كان فى سلسلة العلل اى الحسن و القبح.

ص: 91

و يؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للامام الجائر بناء على ان عدم احترامه من جهة جوره، لا من جهة تجاهره، و الا لم يذكره فى مقابل الفاسق المعلن بالفسق.

و فى النبوى لصاحب الحق مقال.

______________________________

و جعله تأييد الا دليلا عدم العلم بانه خال عن المفسدة، لانه فى بعض الاحيان يلابس المفسدة الغالبة على المصلحة، كما نشاهد فى ان الكلام على بعض الظالمين يسبب الكثرية طغيانه، و اضافة الظلم و الضرر منه

(و يؤيده) اى جواز اغتياب الظالم علاوة على المؤيدين السابقين (ما تقدم من عدم الاحترام للامام الجائر)

فكما ان ظلم الامام سبّب جواز غيبته، كذلك ظلم سائر الظلمة يجوز غيبتهم للمناط (بناء على ان عدم احترامه من جهة جوره) فيكون كالمنصوص العلة (لا من جهة تجاهره، و الا لم يذكره) الامام عليه السلام (فى مقابل الفاسق المعلن بالفسق) لان الامام الجائر حينئذ من مصاديق الفاسق، لا فى مقابله.

لا يقال: الجائز أيضا من مصاديق المعلن بالفسق.

لانه يقال: الجواز فى مقابل الفسق يراد به غيره.

(و فى النبوى لصاحب الحق مقال) و اطلاق «المقال» شامل لذكر ظالمه عند الناس، و ان كان ربما يحتمل سماع دعواه عند الحاكم فقط لكن ذلك خلاف الظاهر، اذ يسمع دعوى كل احد سواء كان واقعا صاحب حق، أم لا.

ص: 92

و الظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه، و قواه بعض الاساطين خلافا لكاشف الريبة و جمع ممن تأخّر عنه فقيدوه اقتصارا فى مخالفة الاصل على المتيقن من الادلة لعدم عموم فى الآية.

و عدم نهوض ما تقدم فى تفسيرها للحجية.

مع ان المروى عن الباقر عليه السلام فى تفسيرها المحكى عن مجمع البيان: انه لا يحب الشتم فى الانتصار الا من ظلم، فلا

______________________________

(و الظاهر من جميع ما ذكر) فى مسئلة جواز غيبة المتظلم لمن ظلمه (عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه) اذ لا وجه لهذا القيد بعد الاطلاقات (و قواه) اى عدم التقييد (بعض الاساطين خلافا لكاشف الريبة و جمع ممن تأخر عنه فقيّدوه) اى الجواز بكونها عند من يرجو ازالة الظلم (اقتصارا فى مخالفة الاصل) الدال على حرمة الغيبة مطلقا- للاطلاقات- (على المتيقن من الادلة) الدالة على الجواز (لعدم عموم فى الآية) اى آية: لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ.

اذ لا تدل الا على الجواز فى الجملة للمظلوم.

(و عدم نهوض ما تقدم فى تفسيرها) اى تفسير الآية (للحجية) لان ما فى تفسيرى القمى و العياشى مرسلتان لا حجية فيهما.

(مع ان المروى عن الباقر عليه السلام فى تفسيرها المحكى عن مجمع البيان: انه لا يحب الشتم فى الانتصار الا من ظلم) بصيغة المجهول (فلا

ص: 93

بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به فى الدين.

قال فى الكتاب المذكور و نظيره وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا و ما بعد الآية لا يصلح للخروج بها عن الاصل الثابت بالأدلّة العقلية و النقلية.

و مقتضاه الاقتصار على مورد رجاء تدارك الظلم، فلو لم يكن قابلا للتدارك لم يكن فائدة فى هتك الظالم.

و كذا لو لم يكن ما فعل به ظلما، بل

______________________________

بأس له) اى للمظلوم (ان ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به فى الدين) فى مقابل الانتصار بما لا يجوز، كان يسبب للظالم ضررا اكثر من ظلمه.

مثلا: اذا ظلمه بنهب دينار منه ينتصر منه بإلقاء نفسه فى التهلكة.

(قال فى الكتاب المذكور) اى كاشف الريبة (و نظيره وَ انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مٰا ظُلِمُوا) فان معناه جواز الانتصار من الظالم بما يجوز فى الشريعة (و ما بعد الآية) من المؤيدات التى ذكرها الشيخ ره لجواز الغيبة مطلقا (لا يصلح للخروج بها عن الاصل الثابت بالأدلّة العقلية و النقلية) الدالة على حرمة الغيبة مطلقا.

(و مقتضاه) اى عدم وجود دليل على جواز الغيبة مطلقا (الاقتصار على مورد رجاء تدارك الظلم، فلو لم يكن قابلا للتدارك) اما لان الظالم مات مثلا و ليس له مال يتدارك به ظلمه، او لان الطرف الّذي يريد المظلوم اغتياب الظالم لديه ليس قادرا على دفع الظلم (لم يكن فائدة فى هتك الظالم) و اغتيابه.

(و كذا) لا يجوز الاغتياب (لو لم يكن ما فعل به) الشخص (ظلما، بل

ص: 94

كان من ترك الاولى، و ان كان يظهر من بعض الاخبار جواز الاشتكاء لذلك

فعن الكافى و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان، قال: دخل رجل على ابى عبد الله عليه السلام، فشكى رجلا من اصحابه فلم يلبث ان جاء المشكوّ فقال له ابو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك؟ فقال:

يشكونى انى استقضيت منه حقى، فجلس ابو عبد الله عليه السلام مغضبا فقال: كانك اذا استقضيت حقك، لم تسئ، أ رأيت قول الله تعالى: وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ أ ترى انهم خافوا الله عز و جل؟ ان يجور عليهم لا و اللّه ما خافوا الا الاستقضاء، فسماه الله عز و جل سوء الحساب، فمن استقضى فقد اساء.

______________________________

كان من ترك الاولى، و ان كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء) و الشكاية بالاغتياب لتارك الاولى (لذلك) اى لتركه الاولى.

(فعن الكافى و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان، قال: دخل رجل على ابن عبد الله عليه السلام، فشكى رجلا من اصحابه فلم يلبث ان جاء المشكو) عليه (فقال له ابو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك؟

فقال: يشكونى) لاجل (انى استقضيت منه حقى، فجلس ابو عبد الله (ع) مغضبا فقال: كانك اذا استقضيت حقك لم تسئ أ رأيت قول الله تعالى: وَ يَخٰافُونَ سُوءَ الْحِسٰابِ أ ترى انهم خافوا الله عز و جل؟ ان يجوز عليهم لا و الله ما خافوا الا الاستقضاء) بان يطلب الله سبحانه حقه (فسماه الله عز و جل سوء الحساب، فمن استقضى فقد).

فان المستقضى كان تاركا للاولى، و مع ذلك جاز للشاكى ان يشكوه

ص: 95

و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافى، قال: كان عنده قوم يحدثهم، اذ ذكر رجل منهم رجلا، فوقع فيه و شكاه، فقال له ابو عبد الله عليه السلام: و انى لك باخيك الكامل؟ اى الرجل المهذب.

فان الظاهر من الجواب ان الشكوى انما كانت من ترك الاولى الّذي لا يليق بالاخ الكامل المهذب.

و مع ذلك كله فالاحوط

______________________________

بدليل تقرير الامام الصادق عليه السلام له، فانه لو لم تجز الشكاية كان الصادق عليه السلام ردع الشاكى.

(و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافى، قال: كان عنده قوم يحدثهم، اذ ذكر رجل منهم رجلا، فوقع فيه و شكاه فقال له ابو عبد الله عليه السلام: و انى لك باخيك الكامل؟ اى الرجل المهذب) يقول الشاعر:

و لست بمستبق اخا لا تلمّه على شعث اى الرجال المهذب

اى انك لا تجد الاخ الكامل الّذي لا نقص فيه، فان اردت اخوة انسان كامل بقيت بلا اخ، لانك لا تجده.

(فان الظاهر من الجواب) للامام عليه السلام بقوله «و انى لك الخ» (ان الشكوى انما كانت من ترك الاولى الّذي لا يليق بالاخ الكامل المهذب)

فعدم ردع الامام (ع) للمغتاب- بالكسر- مع انه كان يستغيب تارك الاولى يدل على جواز غيبة تارك الاولى.

(و مع ذلك كله) اى سواء قلنا: بإطلاق جواز غيبة الظالم او بتخصيصه بمن يرجو ازالة ظلمه (فالاحوط) عدم جواز الغيبة من الظالم، حتى عند من

ص: 96

عدّ هذه الصورة من الصور العشر الآتية التى رخص فيها فى الغيبة لغرض صحيح اقوى من مصلحة احترام المغتاب.

كما ان الاحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به و ان جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها.

______________________________

يرجو ازالة الظلم، الا اذا كانت مصلحة الاغتياب اقوى من مصلحة ترك الغيبة.

و ذلك ب (عدّ هذه الصورة من الصور العشر الآتية التى رخص فيها فى الغيبة لغرض صحيح اقوى من مصلحة احترام المغتاب).

و انما نحتاط بذلك، لان مع اقوائية المصلحة يعلم بالخروج، و بدون ذلك فالمحكم اطلاقات حرمة الغيبة بعد المناقشة فى ادلة استثناء الظالم حتى فى صورة اغتيابه عند من يرجو ازالة ظلمه، اذ قد تكون مصلحة ترك الاغتياب اكثر من مصلحة الاغتياب، كما لو ترتب على الغيبة للظالم عند من يرجو ازالة ظلمه مفسدة كما لا يخفى، فتأمل.

(كما ان الاحوط جعل الصورة السابقة) المستثناة عن حرمة الغيبة و هى صورة غيبة المتجاهر (خارجة عن موضوع الغيبة) لا عن حكمها- مع تسليم كونها داخلة موضوعا- (ب) ان نقول: ان الجواز خاص، ب (ذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته إليه من الفسق المتجاهر به، و ان جعلها) اى هذه الصورة (من تعرض لصور الاستثناء منها) اى مما استثنى عن حرمة الغيبة.

ص: 97

فيبقى من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم، صور تعرضوا لها.
منها: نصح المستشير

فان النصيحة واجبة للمستشير فان خيانته قد تكون اقوى مفسدة من الوقوع فى المغتاب.

و كذلك النصح من غير استشارة، فان من

______________________________

و الحاصل: انهم جعلوها من الاستثناء حكما، و نحن جعلناه من باب عدم الموضوع.

(فيبقى من موارد الرخصة) فى الغيبة (لمزاحمة الغرض الاهم، صور تعرضوا لها) و نحن نذكرها تبعا لهم.

(منها: نصح المستشير) الّذي يستشير الانسان لزواج بنته لولد مثلا- فان المستشار يلزم ان يقول ما فى الولد من العيب، و هكذا سائر موارد الاستشارة (فان النصيحة) بالارشاد إلى الصلاح (واجبة للمستشير) لما ورد من وجوب النصح لله و لرسوله و للمؤمنين (فان خيانته) بذكر الخلاف (قد تكون اقوى مفسدة من الوقوع) اى ذم المشير (فى المغتاب) بالفتح

و الحاصل هناك تزاحم بين وجوب النصح و حرمة الغيبة، و الاول كثيرا ما يكون اقوى اما الاستدلال بقوله «فان خيانته» انما يتم اذا توقف ترك النصح على الخيانة اما اذا لم يتوقف كما لو تمكن المستشار ان يقول: انى لا اتكلم فى هذا الموضوع، او اسئل غيرى، او ما اشبه فلا يكون من باب التزاحم، الا اذا علم المستشار انه لو لم يقل الواقع وقع المستشير فى المفسدة.

(و كذلك) يجب (النصح) و ان كان غيبة (من غير استشارة، فان من

ص: 98

اراد تزويج امرأة و انت تعلم بقبائحها التى توجب وقوع الرجل من اجلها فى الغيبة و الفساد فلا ريب ان التنبيه على بعضها و ان اوجب الوقيعة فيها اولى من ترك نصح المؤمن، مع ظهور عدة من الاخبار فى وجوبه.

و منها: الاستفتاء

بان يقول للمفتى ظلمنى فلان فى حقى، فكيف طريقى فى الخلاص هذا اذا كان الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم

______________________________

اراد تزويج امرأة و انت تعلم بقبائحها التى توجب وقوع الرجل من اجلها فى الغيبة) اى اغتياب الناس له (و الفساد فلا ريب ان التنبيه على بعضها) اى بعض تلك القبائح التى توجب معرفتها انصراف الرجل عن زواجها اللهم الا ان توقف على ذكر كل القبائح (و ان اوجب) التنبيه (الوقيعة).

النقيصة (فيها اولى من ترك نصح المؤمن، مع ظهور عدة من الاخبار فى وجوبه) اى وجوب النصح الشامل لمن استشار، و لمن لم يستشر.

و عن التذكرة: ان فاطمة بنت قيس استشارت النبي صلى الله عليه و آله و سلم فى ان تصير زوجة معاوية، او ابى الجهم، فقال صلى الله عليه و آله و سلم لها: اما معاوية فصعلوك لا مال له، و اما ابو الجهم فلا يضع عصاه على عاتقه، كناية عن كثرة طروقته، انكحى اسامة، فانه صلى الله عليه و آله و سلم ذكر عيب الرجلين لفاطمة لانها استشارته، و هناك اخبار النصيحة مذكورة فى الوسائل و المستدرك.

(و منها) اى من صور جواز الغيبة (الاستفتاء بان يقول للمفتى ظلمنى فلان فى حقى، فكيف طريقى فى الخلاص).

و (هذا) انما يجوز (اذا كان الاستفتاء موقوفا على ذكر الظالم

ص: 99

بالخصوص، و الا فلا يجوز.

و يمكن الاستدلال عليه بحكاية هند زوجة ابى سفيان و اشتكائها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و قولها انه رجل شحيح لا يعطينى ما يكفينى و ولدى فلم يردّ صلى الله عليه و آله و سلم عليها غيبة ابى سفيان.

و لو نوقش فى هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل ابى سفيان عن محل الكلام، امكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: ان امى

______________________________

بالخصوص، و الا فلا يجوز).

اما انه لا يجوز فى غير صورة التوقف، فلاطلاق ادلة الحرمة.

(و) اما انه يجوز فى صورة التوقف، ف (يمكن الاستدلال عليه بحكاية هند زوجة ابى سفيان و اشتكائها إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و قولها انه) اى أبا سفيان (رجل شحيح) بخيل (لا يعطينى ما يكفينى و ولدى) فاجاز لها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، ان تأخذ ماله من باب استيفاء الحق (فلم يرد صلى الله عليه و آله و سلم عليها) اى على هند (غيبة ابى سفيان) لانها كانت مستفتية.

(و لو نوقش فى هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل ابى سفيان عن محل الكلام) لان المحرم غيبة المؤمن لا المنافق، فعدم الردع من باب جواز غيبته مطلقا لا من باب جواز غيبة المستفتى فيما اذا كان اصل الغيبة محرما (امكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: ان امى

ص: 100

لا تدفع يد لامس فقال: احبسها، قال قد فعلت فقال صلى الله عليه و آله و سلم: فامنع من يدخل عليها قال قد فعلت قال صلى الله عليه و آله و سلم: فقيدها فانك لا تبرّها بشي ء افضل من ان تمنعها عن محارم الله عز و جل، الخبر، و احتمال كونها متجاهرة مدفوع بالاصل.

و منها: قصد ردع المغتاب عن المنكر الّذي يفعله

فانه اولى من ستر

______________________________

لا تدفع يد لامس) كناية عن تعاطيها الزنا دائما (فقال) صلى الله عليه و آله و سلم: (احبسها) حتى لا تزنى (قال) ذلك الرجل (قد فعلت) و لكن لم ينفع ذلك (فقال صلى الله عليه و آله و سلم: فامنع من يدخل عليها) من الرجال، ف (قال) ذلك الرجل (قد فعلت) و لكن لم ينفع ذلك (قال صلى الله عليه و آله و سلم: فقيدها) حتى لا تتمكن من الخروج من الدار، و لا من فتح الباب للرجال (فانك لا تبرّها بشي ء افضل من ان تمنعها عن محارم الله عز و جل) الى آخر (الخبر) فانه يدل جواز الغيبة للمستفتى، لانه اغتاب أمه و لم يمنعه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: (و احتمال كونها متجاهرة مدفوع بالاصل) اذ التجاهر قيد زائد، فاذا شك فيه كان الاصل عدمه، فتأمل.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن حرمة الغيبة (قصد ردع المغتاب عن المنكر الّذي يفعله.)

فاذا علم الانسان انه اذا اغتابه ارتدع، وجب الاغتياب، لانه من باب الردع عن المنكر الواجب بالمناط الاولى من النهى عن المنكر (فانه) اى اغتيابه ليرتدع (اولى من ستر

ص: 101

المنكر عليه، فهو- فى الحقيقة- احسان فى حقه.

مضافا إلى عموم ادلة النهى عن المنكر.

و منها: قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس،

كالمبتدع الّذي يخاف من اضلاله الناس.

و يدل عليه- مضافا إلى ان مصلحة رفع فتنته عن الناس اولى من ستر المغتاب- ما عن الكافى بسنده الصحيح عن ابى عبد الله عليه السلام،

______________________________

المنكر عليه، فهو) اى الاغتياب الموجب للردع (- فى الحقيقة-) ليس ذمّا له، و تنقيصا منه الّذي هو المناط فى حرمة الغيبة، بل (احسان فى حقه) و قد قال سبحانه: مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.

(مضافا إلى عموم ادلة النهى عن المنكر) الشامل للردع عن المنكر لانه اما نهى لغة او يفهم من النهى بالمناط القطعى.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن حرمة الغيبة (قصد حسم) و قطع (مادة فساد المغتاب عن الناس، كالمبتدع الّذي يخاف من اضلاله الناس) اذا ترك و شأنه، و لم يسقط الناس اعتباره فى المجتمع حتى لا يسمع احد الى كلامه.

و لا يخفى: ان المراد بالمبتدع الّذي لا تجعله البدعة خارجا عن زمرة المؤمنين، و الا كان اغتيابه خارجا عن موضوع الغيبة الّذي هو غيبة المؤمن.

(و يدل عليه) اى جواز اغتيابه (- مضافا إلى ان مصلحة رفع فتنته عن الناس اولى من ستر المغتاب-) و فى باب التزاحم يقدم الاقوى مصلحة (ما عن الكافى بسنده الصحيح عن ابى عبد الله عليه السلام،

ص: 102

قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: اذا رأيتم اهل الريب و البدع، من بعدى، فاظهروا البراءة منهم، و اكثروا من سبهم، و القول فيهم، و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا فى الفساد فى الاسلام و يحذرهم الناس، و لا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات،

______________________________

قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: اذا رأيتم اهل الريب) اى الشك فى الامور الدينية- اصولا او فروعا- (و البدع) جمع بدعة بمعنى الجديد، و المراد الحديد الّذي ليس من الدين اذا اريد ادخاله فى الدين (من بعدى، فاظهروا) للناس (البراءة منهم، و اكثروا من سبهم) و المراد السب الجائز لا مثل القذف، كما لا يخفى (و القول) اى القول السيّئ (فيهم و الوقيعة) اى المذمة التى تقع فيهم- هى صفة «المذمة» المقدرة- (و باهتوهم) من البهت، بمعنى نسبتهم إلى ما يسقط مكانتهم الاجتماعية فيتجنبهم الناس و ان كان الشي ء المنسوب إليهم لم يكن فيهم.

و ذلك لان مصلحة القاء اهل البدع عن اعين الناس اقوى من مفسدة الكذب المنسوب إليهم، فيرجح الا هم على المهم (كيلا يطمعوا فى الفساد فى الاسلام و يحذرهم الناس) فيأمن المسلمون شرهم و غوائلهم (و لا يتعلموا من بدعهم) فان التعلم نوع من الترويج، الا اذا كان بقصد الرد و التشنيع (يكتب الله لكم بذلك) الّذي ذكر من السب و الوقيعة و غيرهما (الحسنات و يرفع لكم به الدرجات).

و لا يخفى ان اللازم تحقق موضوع البدعة، اما رمى بعض بعضا بالبدعة

ص: 103

و منها: جرح الشهود،

فان الاجماع دل على جوازه.

و لان مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق اولى من الستر على الفاسق.

و مثله بل اولى بالجواز: جرح الرواة فان مفسدة العمل برواية الفاسق اعظم من مفسدة شهادته.

______________________________

بدون ترو، و تحقيق، فذلك اثمه اكبر من نفعه المزعوم.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (جرح الشهود) و بيان ما فيهم من النقائص الموجبة لرد شهادتهم (فان الاجماع دل على جوازه) و ان كان غيبة و تنقيصا.

(و لان مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق) و عدم جعلهم شهودا للطلاق المشروط بحضور العدلين (اولى من الستر على الفاسق).

و يدل عليه ما رواه فى الهداية، و نقله عنه الفقيه الهمدانى فى باب العدالة من سؤال النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن احوال الشهود و ارسال بعض اصحابه إلى عشائرهم ليسألوهم عن احوالهم، و كذا السيرة المستمرة خلفا عن سلف فى جرحهم.

(و مثله) اى مثل جواز جرح الشهود بالاغتياب (بل اولى بالجواز:

جرح الرواة) و بيان مذهبهم و عدالتهم او فسقهم (فان مفسدة العمل برواية الفاسق اعظم من مفسدة شهادته) فاذا جازت الغيبة لرد الشهادة جازت الغيبة لرد الرواية بطريق اولى.

ص: 104

و يلحق بذلك الشهادة بالزنا و غيره، لاقامة الحدود.

و منها: دفع الضرر عن المغتاب.

و عليه يحمل ما ورد فى ذم زرارة من عدة احاديث و قد بين ذلك الامام عليه السلام بقوله- فى بعض ما امر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ ابيه- أقرئ منى على والدك السلام، فقل له: انما اعيبك دفاعا منى عنك

______________________________

(و يلحق بذلك) الّذي ذكرنا من جواز جرح الشاهد (الشهادة بالزنا و غيره، لاقامة الحدود).

و يدل عليه- بالإضافة إلى ما تقدم- قوله سبحانه: وَ لٰا تَكْتُمُوا. شَهٰادَةَ اللّٰهِ، و تقرير النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الائمة لذلك و السيرة المستمرة، الى غير ذلك من الشواهد و المؤيدات.

(و منها) اى من المستثنيات عن حرمة الغيبة (دفع الضرر عن المغتاب) فيما كان الضرر الواصل إليه اعظم من ضرر الغيبة- كما لا يخفى-

(و عليه يحمل ما ورد فى ذم زرارة من عدة احاديث) مذكورة فى كتب الرجال.

و قد ذكر شطرا منها العلامة المامقانى فى رجاله (و قد بين ذلك) الوجه، اى إرادة دفع ضرر المغتاب (الامام عليه السلام بقوله- فى بعض ما امر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ ابيه-) حتى لا يظن ان الامام قدحه عن إرادة حقيقة الواقع، فقال عليه السلام (أقرئ منى على والدك السلام، فقل له: انما اعيبك دفاعا منى عنك) حتى لا يعرف الناس انك مرتبط بنا فيضروك

ص: 105

فان الناس يسارعون إلى كل من قربناه و مجدناه لا دخال الا ذى فيمن نحبه و نقربه، و يذمونه لمحبتنا له، و قربه و دنوه منا، و يرون ادخال الأذى عليه و قتله، و يحمدون كل من عيبناه نحن، و انما اعيبك لانك رجل اشتهرت بنا بميلك إلينا و انت فى ذلك مذموم عند الناس غير محمود الامر، لمودتك لنا، و ميلك إلينا، فاحببت ان اعيبك ليحمدوا امرك فى الدين بعيبك و نقصك، و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك، يقول الله عز و جل: و أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ

______________________________

(فان الناس يسارعون إلى كل من قربناه و مجدناه) التمجيد: المدح، و معنى المسارعة السرعة فى ايذائه (لادخال الاذى فيمن نحبه و نقربه، و يذمونه لمحبتنا له، و قربه و دنوه منا، و يرون) من الجائز شرعا (ادخال الاذى عليه) اى على كل من قربناه (و قتله، و يحمدون) و و يمدحون (كل من عيبناه نحن، و انما اعيبك) يا زرارة (لانك رجل اشتهرت بنا) اى من ناحيتنا (بميلك إلينا و انت فى ذلك) الميل إلينا (مذموم عند الناس غير محمود الامر) عندهم (لمودتك لنا، و ميلك إلينا، فاحببت ان اعيبك) بالذم (ليحمدوا امرك فى الدين) و يقولوا انك انسان متدين (ب) سبب (عيبك و نقصك) الصادر منى أليك (و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك)

ثم استدل الامام عليه السلام بقوله: (يقول الله عز و جل: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكٰانَتْ لِمَسٰاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهٰا) لئلا يأخذها الملك الّذي كان يأخذ كل سفينة صالحة، و ذلك بان كان خضر عليه السلام قطع بعض الواح السفينة (وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ

ص: 106

كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، هذا التنزيل من عند الله، الا و الله ما عابها الا لكى تسلم من الملك، و لا تغصب على يديه، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ- و الحمد لله- فافهم المثل، رحمك الله، فانك و الله احب الناس الى و احب اصحاب ابى إلى حيا و ميتا، و انك افضل سفن ذلك البحر القمقام العظيم الزاخر، و ان ورائك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا، و يغصب اهلها، فرحمة الله عليك حيا، و رحمة الله عليك ميتا، الخبر.

______________________________

كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً).

ثم قال الامام عليه السلام: (هذا التنزيل من عند الله، الا و الله ما عابها الا لكى تسلم من الملك، و لا تغصب) السفينة (على يديه، و لقد كانت صالحة) فى نفسها (ليس للعيب فيها مساغ) و محل (- و الحمد لله- فافهم) يا زرارة (المثل، رحمك الله، فانّك و الله احبّ الناس إلى و احب اصحاب ابى إلى حيّا و ميّتا) حالان عن الأب، او عن نفسه عليه السلام او عن زرارة، او عن الاصحاب- بتأويل كل واحد واحد- (و انك افضل سفن ذلك البحر) اى بحر العلم الّذي هو ابى عليه السلام (القمقام) البحر الواسع (العظيم الزاخر) الكثير الماء (و ان ورائك لملكا ظلوما) كثير الظلم (غصوبا) كثير الغصب هو الخليفة العباسى (يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدى ليأخذها غصبا) بالاذى و القتل (و يغصب اهلها) اى المربوطين بالسفينة من الاصدقاء و الاقرباء (فرحمة الله عليك حيا، و رحمة الله عليك ميتا) الى آخر (الخبر) و نحوه غيره.

ص: 107

و يلحق بذلك الغيبة للتقية على نفس المتكلم او ماله او عرضه، او عن ثالث، فان الضرورات تبيح المحظورات.

و منها: ذكر الشخص بعيبه الّذي صار بمنزلة الصفة المميزة التى لا يعرف الا بها،

كالاعمش، و الاعرج، و الاشتر، و الاحول، و نحوها.

و فى الحديث جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

______________________________

(و يلحق بذلك) المستثنى و هو الغيبة لدفع الضرر عن المغتاب بالفتح- (الغيبة للتقية على نفس المتكلم او ماله او عرضه) فاذا لم يستغب زيد امام الجائر عمروا- مثلا- ادخل الجائر الاذى على زيد او غصب ماله او سبى عرضه او ما اشبه ذلك (او عن ثالث) غير المتكلم و المغتاب بالفتح- (فان الضرورات تبيح المحظورات) اى الامور المحرمة الممنوعة لادلة: لا ضرر، و ما اشبه.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (ذكر الشخص بعيبه الّذي صار) ذلك العيب (بمنزلة الصفة المميزة) له الصفة (التى لا يعرف) الشخص (الا بها، كالاعمش) و هو الّذي فى عينه مرض و سيلان (و الاعرج) رجلا (و الاشتر) و هو الّذي انخرق جفنه (و الاحول) المقلوب عينه (و نحوها).

(و فى الحديث) الّذي قاله الامام عليه السلام (جاءت زينب العطارة الحولاء إلى نساء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم) فلو كان ذلك حراما لم يصفها الامام عليه السلام بالحولاء.

ص: 108

و لا بأس بذلك فيما اذا صارت الصفة- فى اشتهار توصيف الشخص بها- الى حيث لا يكره ذلك صاحبها.

و عليه يحمل ما صدر عن الامام عليه السلام و غيره من العلماء الاعلام.

لكن كون هذا استثناء مبنى على كون مجرد ذكر العيب الظاهر- من دون قصد الانتقاص- غيبة و قد منعنا ذلك سابقا، اذ لا وجه لكراهة المغتاب لعدم كونه اظهارا لعيب غير ظاهر، و المفروض عدم قصد الذم أيضا.

______________________________

(و لا بأس بذلك) التوصيف بمثل هذه الاوصاف (فيما اذا صارت الصفة فى اشتهار توصيف الشخص بها- الى حيث لا يكره ذلك) الوصف (صاحبها) لانها تعرف انها هى المعرفة له، فلا يشمله قوله صلى الله عليه و آله و سلم: ذكرك اخاك ما يكره.

(و عليه) اى على الجواز لعدم كراهة المتصف (يحمل ما صدر عن الامام عليه السلام) من وصف زينب بالحولاء (و غيره من العلماء الاعلام) فى وصف الرواة بمثل هذه الاوصاف.

(لكن) لا يخفى ان (كون هذا) النحو من الغيبة (استثناء) انما هو (مبنى على كون مجرد ذكر العيب الظاهر- من دون قصد الانتقاص- غيبة) فيكون غيبة موضوعا، لكنها محكومة بالحلية (و قد منعنا ذلك) اى كون مثل هذا التوصيف داخلا في موضوع الغيبة (سابقا، اذ لا وجه لكراهة المغتاب)- بالفتح- (لعدم كونه اظهارا لعيب غير ظاهر، و المفروض عدم قصد) المتكلم (الذم أيضا) و لذا لا يكون مثل التوصيف بهذه الاوصاف غيبة موضوعا.

ص: 109

اللهم الا ان يقال: ان الصفات المشعرة بالذم كالالقاب المشعرة به يكره الانسان الاتصاف بها، و لو من دون قصد الذم، فان اشعارها بالذم كاف فى الكراهة.

[و منها ذكر الشخص بما لا يؤثر عند السامع شيئا لكونه عالما به]

و منها: ما حكاه فى كشف الريبة عن بعض: من انه اذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فاجرى احدهما ذكره فى غيبة ذلك العاصى، جاز لانه لا يؤثر عند السامع شيئا، و ان كان الاولى تنزيه النفس و اللسان عن ذلك لغير غرض من

______________________________

(اللهم الا ان يقال: ان الصفات المشعرة بالذم كالالقاب المشعرة به) اى بالذم كبطة و قفة و ما اشبه (يكره الانسان الاتصاف بها، و لو من دون قصد) المتكلم (الذم) حين التلفظ بهذه الصفات و الالقاب (فان اشعارها بالذم كاف فى الكراهة) و اذا تحقق دخول مثله فى موضوع الغيبة لا بد من القول بخروجه عنها حكما، كما تقدم.

(و منها) اى من الموارد المستثناة عن الغيبة (ما حكاه فى كشف الريبة عن بعض: من انه اذا علم اثنان) او اكثر (من رجل معصية شاهداها) باعينهما او علماها علما قطعيا (فاجرى احدهما ذكره) اى العصيان (فى غيبة ذلك العاصى، جاز) و لم يكن غيبة (لانه) اى الذكر (لا يؤثر عند السامع شيئا) و ادلة الغيبة منصرفة إلى ما لو جهل السامع (و ان كان الاولى تنزيه النفس و اللسان عن ذلك) الذكر، لان من اللازم ان يشتغل الانسان بعيب نفسه عن عيوب الناس، و قد قال المسيح عليه السلام: مالكم لا ترون الجذع فى اعينكم، و ترون القذى فى اعين اخوانكم (لغير غرض من

ص: 110

الاغراض الصحيحة، خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك، او خوف اشتهاره عنهما، انتهى.

اقول: اذا فرض عدم كون ذكرهما فى مقام التعيير و المذمة و ليس هنا هتك ستر أيضا، فلا وجه للتحريم، و لا لكونها غيبة الاعلى ظاهر بعض التعاريف المتقدّمة.

و منها: ردّ من ادعى نسبا ليس له.

فان مصلحة حفظ الانساب

______________________________

الاغراض الصحيحة، خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك) و الغرض الصحيح مثل التذكر للاستعاذة بالله عن مثلها، او الاستغفار للعاصى، او ما اشبه (او خوف اشتهاره عنهما) لان كل سر جاوز الاثنين شاع، فان الانسان اذا اعتاد التكلم بكلام لا يلبث ان يتكلمه حتى عند من لا يريد التكلم عنده (انتهى) كلام كشف الريبة.

(اقول: اذا فرض عدم كون ذكرهما) لعصيان العاصى (فى مقام التعيير و المذمة) ليدخل فى مسئلة حرمة ذم المؤمن و تعييره (و ليس هنا هتك ستر أيضا) لعلمهما معا (فلا وجه للتحريم) حكما (و لا لكونها غيبة) موضوعا (الا على ظاهر بعض التعاريف المتقدمة) التى لا يشترط كشف الستر، بل يرى الميزان «ذكر الاخ بما يكره» و قد تقدم تفصيل الكلام حول ذلك.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن حرمة الغيبة (رد من ادعى نسبا ليس له) كان يدعى ان فلانا ولده، او فلانا والده، او فلانا قريبه، او قريب فلان.

(فان مصلحة حفظ الانساب) التى يتوقف عليها الارث، و القصاص، و

ص: 111

اولى من مراعات حرمة المغتاب.

و منها: القدح فى مقالة باطلة

و ان دل على نقصان قائلها، اذا توقف حفظ الحق و اضاعة الباطل عليه.

و اما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء

______________________________

التفقه، و الحقوق الشرعية،- من الخمس و الزكاة- و النكاح، و ما اشبه (اولى من مراعات حرمة المغتاب).

بالإضافة إلى ان هذا من المنكر الّذي يجب الردع عنه.

و لذا لم يزل المسلمون يطعنون فى زياد و معاوية حيث ألحقه به- و ان كانا كافرين كما تقدم فى هند و ابى سفيان- و يؤيده أيضا تشريع اللعان لنفى الولد.

(و منها) اى من موارد الاستثناء عن الغيبة المحرمة (القدح فى مقالة باطلة) مما يكره القائل ذلك باظهار عدم فهمه (و ان دل) القدح (على نقصان قائلها، اذا توقف حفظ الحق و اضاعة الباطل عليه) اى على ذلك القدح.

اما اذا لم يتوقف حفظ الحق على ذلك، لان المقالة لا ترتبط بالدين و الدنيا.

كما لو زعم ان البلد الفلانى فى شمال العراق و الحال انه فى جنوبه مثلا- فلا، اذ لا مجوز للغيبة حينئذ.

لكن لا يبعد خروج مثل هذه الامور عن ادلة الغيبة لانصرافها عن مثله.

(و اما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة إلى من تقدم عليه منهم) اى من سائر العلماء (من الجهر بالسوء

ص: 112

من القول، فلم يعرف له وجه، مع شيوعه بينهم من قديم الايام.

ثم انهم ذكروا موارد للاستثناء

______________________________

من القول، فلم يعرف له وجه، مع شيوعه بينهم من قديم الايام).

و لعل الوجه رد الظلم بالنسبة إلى العالم الثالث، مثلا يرى المحقق ان الحلى ظلم الشيخ بالنسبة إليه فيرده المحقق.

و لا اشكال فى جواز رد الظلم، سواء كان واقعا على نفس الراد، او على غيره، بل عون الضعيف صدقة.

و اما بالنسبة إلى العالم الثانى الّذي صدر منه الظلم فهو قبيح فعلى لا فاعلى، اذ كان بنظره لزوم التشنيع على مقالة المتقدم، لئلا يأخذها الناس.

فان التشنيع على صاحب المقالة يوجب سقوط مقالته عن الانظار، زيادة على سقوطها عند التشنيع على نفس المقالة، كما صدر عن بعض العلماء بالنسبة إلى الصدوق ره فى قوله: بسهو النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

(ثم انهم ذكروا موارد للاستثناء) كذكر معايب المملوك عند بيعه، و ذلك لاسقاط الخيار، و عدم الغش.

و مثل قصد التأديب فى ذكر معايب الاولاد و الاهل و التلاميذ و الاصدقاء مما يكون داخلا في النهى عن المنكر و الردع عنه و الوقاية عن الوقوع فيه، فيشمله قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً، و مثل تفضيل بعض العلماء على بعض، او بعض اهل الخبرة على بعض، اظهارا للحق و لئلا يكون المحسّ و المسي ء واحدا. كما قال الامام امير المؤمنين عليه السلام لولده الحسن عليه السلام: لا يكونن المحسن و المسي ء عندك

ص: 113

لا حاجة إلى ذكرها، بعد ما قدمنا ان الضابط فى الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتك احترام المؤمن.

و هذا يختلف باختلاف تلك المصالح و مراتب مفسدة هتك المؤمن، فانها مندرجة فى القوة و الضعف.

فرب مؤمن لا يساوى عرضه شي ء، من المصالح، فالواجب التحرى فى الترجيح بين المصلحة و المفسدة.

الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف.

______________________________

سواء، الى غيرها من الموارد، مما (لا حاجة إلى ذكرها، بعد ما قدمنا ان الضابط فى الرخصة وجود مصلحة غالبة على مفسدة هتك احترام المؤمن).

(و هذا) التفاضل (يختلف باختلاف تلك المصالح) التى يجب مراعاتها (و مراتب مفسدة هتك المؤمن) فانه ربما كانت المصلحة اقوى، و ربما كانت المفسدة اقوى (فانها) اى المصالح و المفاسد (مندرجة فى القوة و الضعف).

(فرب مؤمن لا يساوى عرضه شي ء من المصالح) من القيمة و الرفعة، فاللازم عدم هتك عرضه، و ان وقعت مفسدة ما، كما انه ربما يكون الامر بالعكس (فالواجب التحرى) و الفحص (فى الترجيح بين المصلحة و المفسدة) ليرى المتكلم ايهما مقدم فيرجحه على صاحبه.

(الرابع) من مباحث الغيبة (يحرم استماع الغيبة بلا خلاف) من احد من الفقهاء.

ص: 114

فقد ورد ان السامع للغيبة احد المغتابين.

و الاخبار فى حرمته كثيرة، الا ان ما يدل على كونه من الكبائر، كالرواية المذكورة و نحوها ضعيفة السند.

ثم المحرم سماع الغيبة المحرمة، دون ما علم حليتها.

______________________________

(فقد ورد) فى الحديث (ان السامع للغيبة احد المغتابين) اى شريك للمتكلم فى الأثر.

(و الاخبار فى حرمته كثيرة) مذكورة فى الوسائل و المستدرك (الا ان ما يدل على كونه) اى الاستماع (من الكبائر، كالرواية المذكورة) التى يجعل الاستماع كالاغتياب فاذا كان الاغتياب كبيرة كان الاستماع كذلك (و نحوها ضعيفة السند) و انما ينفع هذا فى الاحكام المترتبة على الكبيرة.

اما العقاب- لو كان كبيرة فى الواقع- فلا يضر ضعف السند، باتمام الحجة، فان مجرد علم الانسان بالمعصية يوجب جواز انزال العقوبة الواقعية عليه اذا ارتكب العصيان و لا عذر لقوله: لم اكن اعلم انه كبيرة فى دفع عقاب الكبيرة عنه، كما قرر فى الكلام.

(ثم المحرم) انما هو (سماع الغيبة المحرمة، دون ما علم حليتها).

اذ لو جاز الاغتياب، جاز الاستماع لخصوص دليل حرمة الاستماع بالنسبة إلى ما كان حراما من الاغتياب.

فلا يقال: انه قد يجوز لشخص ارتكاب الحرام، لانه مضطر، و لا يجوز للآخر لانه ليس بمضطر.

و يدل على الجواز ان الاغتياب الجائز للمظلوم قوله تعالى: لٰا يُحِبُّ

ص: 115

و لو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم.

فالمحكى جواز الاستماع، مع احتمال كونه متجاهرا، لا مع العلم بعدمه.

قال فى كشف الريبة اذا سمع احد مغتابا لآخر، و هو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة و لا عدمه، قيل: لا يجب نهى القائل، لامكان الاستحقاق،

______________________________

اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، يلازم الاستماع، فتجويزه تجويز له، الى غيرها من الادلة (و لو كان) الشخص المغتاب- بالفتح- (متجاهرا عند المغتاب)- بالكسر- (مستورا عند المستمع و قلنا بجواز الغيبة حينئذ للمتكلم) فى قبال القول بعدم الجواز، لانه اعانة على الاثم من جهة ان استماع المستمع اثم.

فالمتكلم و ان جاز له من حيث اجهار العاصى، لكنه لا يجوز له من حيث اعانة المستمع على الاثم.

(فالمحكى) عن بعض (جواز الاستماع، مع احتمال) المستمع (كونه) اى العاصى (متجاهرا) لحمل فعل المسلم على الصحيح، و لاصالة عدم توجه التكليف بالكف إلى المستمع (لامع العلم بعدمه) اى بعدم كونه متجاهرا، فانه لا مجال للحمل على الصحة مع العلم.

(قال فى كشف الريبة اذا سمع احد مغتابا) بالكسر (لآخر، و هو لا يعلم المغتاب) بالفتح (مستحقا للغيبة) لكونه متجاهرا و نحوه (و لا عدمه) بان لم يعلم عدم الاستحقاق أيضا (قيل: لا يجب نهى القائل، لامكان الاستحقاق) اى استحقاق العاصى

ص: 116

فيحمل فعل القائل على الصحة، ما لم يعلم فساده.

و لان ردعه يستلزم انتهاك حرمته، و هو احد المحرمين.

ثم قال: و الاولى التنزه عن ذلك حتى يتحقق المخرج منه، لعموم الادلة، و ترك الاستفصال فيها، و هو دليل إرادة العموم حذرا من الاغراء بالجهل

______________________________

(فيحمل فعل القائل على الصحة، ما لم يعلم فساده) لقوله عليه السلام:

ضع امر اخيك على احسنه.

(و لان ردعه يستلزم انتهاك حرمته، و هو احد المحرمين) لان الامر دائر بين كون الاستماع حراما- لانه غيبة غير جائزة- و بين كون الردع حراما لانه هتك للمتكلم فاذا كان فعله محمولا على الصحة لم يبق الا حرمة الهتك بالردع.

(ثم قال) كشف الريبة (و الاولى التنزه عن ذلك) الاستماع (حتى يتحقق المخرج منه) بالعلم باستحقاق العاصى للغيبة، لكونه متجاهرا و نحوه (لعموم الادلة) الدالة على حرمة الاستماع (و ترك الاستفصال فيها) بين الجهل بكون العاصى مستحقا، و بين عدمه أي العلم بعدم الاستحقاق.

و الحاصل ان الخارج من حرمة الاستماع صورة العلم بالاستحقاق فيبقى الباقى تحت العموم (و هو) اى ترك الاستفصال (دليل إرادة العموم) من النهى عن الاستماع.

و انما يكون دليلا (حذرا من الاغراء بالجهل) لان المولى لو لم يرد العام، و قال بلفظ العموم كان ذلك اغراء بالجهل.

ص: 117

و لان ذلك لو تم لتمشى فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة الى السامع مع احتمال اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته و هو هدم قاعدة النهى عن الغيبة انتهى.

______________________________

و حيث انه قبيح بالنسبة إلى المولى الحكيم، لزم ان نقول بإرادته للعموم اذا تكلم بلفظ العام (و لان ذلك) الحمل على الصحة و حرمة هتك المتكلم بردعه (لو تم) و قلنا به فى صورة جهل المستمع لاستحقاق العاصى (لتمشى) الحمل على الصحة (فيمن) اى السامع الّذي (يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة إلى السامع).

فانه قد يعلم السامع ان العاصى يستحق استماعه لغيبته، لكونه متجاهرا- مثلا-، و قد يعلم انه لا يستحق استماعه لغيبته، لكونه ليس بمتجاهر و انما ظن المتكلم تجاهره.

و قد لا يعلم ان العاصى هل يستحق استماعه غيبته، أم لا؟

فاذا قلنا: بجواز استماع السامع للغيبة فيما شك فى استحقاق العاصى، لزم ان نقول: بجواز الاستحقاق فيما علم السامع عدم استحقاقه (مع احتمال) السامع (اطلاع القائل على ما يوجب تسويغ مقالته).

لانه كما يحرم هتك المتكلم فى صورة شك السامع انه هل يجوز له الاستماع، أم لا؟ كذلك يحرم هتك المتكلم فى صورة شك السامع، هل يجوز للمتكلم التكلم، أم لا؟ (و هو هدم قاعدة النهى عن الغيبة) فاذا لم يجز فى صورة الشك بالنسبة إلى المتكلم، كذلك لا يجوز فى صورة الشك بالنسبة الى المستمع (انتهى) كلام كاشف الريبة.

ص: 118

اقول: و المحكى بقوله: قيل، لا دلالة فيه على جواز الاستماع، و انما تدل على عدم وجوب النهى عنه.

و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل لان السامع احد المغتابين.

فكما ان المغتاب يحرم عليه الغيبة الا اذا علم التجاهر المسوغ، فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع الا اذا علم التجاهر

______________________________

(اقول: و المحكى بقوله: قيل، لا دلالة فيه على جواز الاستماع، و انما تدل على عدم وجوب النهى عنه).

اذ لا تلازم بين جواز الاستماع، و بين عدم وجوب النهى، اذ قد لا يجب النهى، لان المتكلم له الحق فى التكلم، و لا يجوز الاستماع لان السامع لا يحق له الاستماع.

(و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل) كما ان المرأة اذا علمت بان لا طبيبة فى البلدة جاز لها- ظاهرا- ارائة بدنها للطبيب للعلاج فى صورة الاضطرار، و الطبيب اذا علم بوجود الطبيبة لم يجز له الفحص و النظر (لان السامع احد المغتابين) كما فى رواية امير المؤمنين عليه السلام: و المستمع احد المغتابين، كما فى رواية النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

(فكما ان المغتاب يحرم عليه الغيبة الا اذا علم التجاهر المسوغ) للغيبة (فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع الا اذا علم التجاهر)

ص: 119

و اما نهى القائل، فغير لازم، مع دعوى القائل العذر المسوغ، بل مع احتماله فى حقه و ان اعتقد الناهي عدم التجاهر.

نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه، هذا.

و لكن الاقوى جواز الاستماع اذا جاز للقائل، لانه قول غير منكر، فلا يحرم الاصغاء إليه، للاصل، و الرواية على تقدير صحتها تدل على ان السامع

______________________________

فاذا لم يعلم التجاهر، لم يجز له الاستماع.

(و اما نهى القائل، فغير لازم، مع دعوى القائل العذر المسوغ، بل مع احتماله فى حقه) لحمل فعل المسلم على الصحيح (و ان اعتقد الناهي عدم التجاهر) اذ النهى عن المنكر انما يجب اذا كان الفاعل عالما بكونه منكر، لا ما اذا جهل جهلا عذريا الا اذا علمنا من الشارع ارادته عدم وقوع هذا المنكر فى الخارج اطلاقا، او كان من مقام ارشاد الجاهل و تنبيه الغافل.

(نعم لو علم) الناهي (عدم اعتقاد القائل بالتجاهر) للعاصى- و ان ادعى انه يعلمه متجاهرا- (وجب ردعه) لوجوب ردع فاعل المنكر (هذا) بعض الكلام المرتبط بكلام كاشف الريبة، و «قيل».

(و لكن الاقوى جواز الاستماع اذا جاز للقائل) الاغتياب (لانه قول غير منكر، فلا يحرم الاصغاء إليه، للاصل) اذ المتيقن من الادلة حرمة الاستماع إلى الغيبة التى هى منكر، لا مطلقا، فاذا جاز للقائل جاز للسامع (و الرواية) السابقة و هى قوله عليه السلام: السامع احد المغتابين (على تقدير صحتها) سندا (تدل على ان السامع

ص: 120

لغيبة، كقائل تلك الغيبة، فان كان القائل عاصيا، كان المستمع كذلك فيكون دليلا على الجواز فيما نحن فيه.

نعم لو استظهر منها ان السامع للغيبة كانه متكلم بها فان جاز للسامع التكلم بغيبة، جاز سماعها، و ان حرم عليه حرم سماعها أيضا، كانت الرواية- على تقدير صحتها- دليلا للتحريم فيما نحن فيه.

لكنه خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية و

______________________________

لغيبة، كقائل تلك الغيبة) فى الجواز و الحرمة (فان كان القائل عاصيا، كان المستمع كذلك) اما اذا لم يكن القائل عاصيا، فلا دليل على حرمة الاستماع (فتكون) الرواية بمفهومها- حيث حصرت الحكم فى الغيبة المحرمة- (دليلا على الجواز فيما نحن فيه) من صورة الجواز للمتكلم.

(نعم لو استظهر منها) اى من الرواية (ان السامع للغيبة كانه متكلم بها) اى بالغيبة (فان جاز للسامع التكلم بغيبة، جاز سماعها و ان حرم عليه) التكلم (حرم سماعها أيضا، كانت الرواية- على تقدير صحتها-) سندا (دليلا للتحريم فيما نحن فيه) لان السامع- حسب الفرض- يرى العاصى غير متجاهر، فلا يجوز له اغتيابه، و اذا لم يجز له اغتيابه لم يجز له استماع غيبته.

(لكنه) اى الاستظهار المذكور (خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية) بل ظاهرها حينئذ هو المعنى الاول، و انه اذا حرم على المتكلم حرم على السامع، و اذا جاز للمتكلم جاز للسامع لان السامع لا استقلال له و انما يتبع المتكلم (و

ص: 121

ان كان هو الظاهر على تقدير قراءته بالجمع.

لكن هذا التقدير خلاف الظاهر.

و قد تقدم فى مسئلة التشبيب: انه اذا شك السامع فى حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه فراجع.

ثم انه يظهر من الاخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة فعن المجالس

______________________________

ان كان) الاستظهار المذكور بقولنا: لو استظهر (هو الظاهر) و انه اذا جاز للمستمع الغيبة جاز له الاستماع، و اذا لم يجز له الاغتياب لم يجز له الاستماع (على تقدير قراءته) اى لفظ «المغتابين» فى الرواية (بالجمع) لان المعنى حينئذ ان السامع مثل احد الاشخاص الذين يستغيبون الناس فهو مستقل فى الحكم، كما ان كل فرد من المغتابين بالكسر- مستقل فى الحكم و لا ربط للسامع بالمتكلم- حتى اذا جاز له التكلم جاز له الاستماع-.

(لكن هذا التقدير) اى قراءة «المغتابين» بصيغة الجمع (خلاف الظاهر) عند رؤية هذه العبارة مكتوبة فى الكتاب، و الظهور الكتبى حجة كالظهور اللفظى، لاعتماد العقلاء و اهل المحاورة عليه.

(و قد تقدم فى مسئلة التشبيب: انه اذا شك السامع) الى المتكلم بالتشبيب (فى حصول شرط حرمته) لاحتماله ان يكون تشبيبا بامرأة خيالية- مثلا- (من القائل لم يحرم استماعه فراجع) هناك حتى تعرف وجه الجواز هنا فى باب الغيبة أيضا فتأمل.

(ثم انه يظهر من الاخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة، فعن المجالس

ص: 122

باسناده عن ابى ذر رضوان الله عليه، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتيب عنده اخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره، نصره الله تعالى فى الدنيا و الآخرة، و من خذله و هو يستطيع نصره، خذله الله فى الدنيا و الآخرة، و نحوها عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام، عن آبائه فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلى (ع).

و عن عقاب الاعمال بسنده عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من رد عن اخيه غيبة سمعها فى مجلس، رد الله عنه الف باب من الشر فى الدنيا و الآخرة، فان لم يرد عنه و اعجبه كان عليه كوزر من اغتابه.

______________________________

باسناده عن ابى ذر رضوان الله عليه، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من اغتيب عنده اخوه المؤمن و هو يستطيع نصره) بمعنى رد الغيبة عنه (فنصره، نصره الله تعالى فى الدنيا و الآخرة و من خذله) بان ترك المغتاب و شأنه ليقول ما يريد (و هو يستطيع نصره، خذله الله فى الدنيا و الآخرة، و نحوها عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام، عن آبائه) عليهم السلام (فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم، لعلى عليه السلام).

(و عن عقاب الاعمال) للصدوق (بسنده عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من رد عن اخيه غيبة سمعها فى مجلس، رد الله عنه الف باب من الشر فى الدنيا و الآخرة، فان لم يرد عنه و اعجبه) اى حسن فى نفسه الغيبة (كان عليه) اى على السامع (كوزر من اغتابه).

ص: 123

و عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام فى حديث المناهى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من تطول على اخيه فى غيبة سمعها فردها عنه رد الله عنه الف باب من الشر فى الدنيا و الآخرة فان هو لم يردها و هو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة الخبر و لعل وجه زيادة عقابه انه اذا لم يرده تجرى المغتاب على الغيبة فيصر على هذه الغيبة و غيرها.

و الظاهر: ان الرد غير النهى عن الغيبة و المراد به الانتصار للغائب بما

______________________________

(و عن الصدوق باسناده عن الصادق عليه السلام، فى حديث المناهى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من تطول) اى تفضل و احسن (على اخيه فى غيبة سمعها) فيه فى مجلس (فردها عنه، رد الله عنه الف باب من الشر في الدنيا و الآخرة فان هو لم يردها) بان سكت و لم يتكلم بالرد و الدفاع عن المغتاب- بالفتح- (و هو قادر على ردها، كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة) الى آخر (الخبر).

قال المصنف ره (و لعل وجه زيادة عقابه) على عقاب المتكلم بالغيبة (انه اذا لم يرده تجرّئ) بصيغة الماضى (المغتاب) بالكسر (على الغيبة فيصر على هذه الغيبة و غيرها) فعليه اثم المستمع، و اثم المشجع على الآثم، فيكون من قبيل البدعة التى على المبدع اثمه، و اثم العامل بها، و لعله اذا ردع السامع ترك المتكلم الاغتياب مطلقا.

(و الظاهر: ان الرد غير النهى عن الغيبة، و المراد به) اى بالرد (الانتصار للغائب) المقول عنه (بما) اى بانتصار

ص: 124

يناسب تلك الغيبة، فان كان عيبا دنيويا انتصر له، بان العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصى التى من اكبرها: ذكرك اخاك بما لم يعبه الله به و ان كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية فان لم يقبل التوجيه انتصر له بان المؤمن قد يبتلى بالمعصية، فينبغى ان يستغفر له، و يهتم له لا ان تعيّر عليه، و ان تعييرك اياه لعله اعظم عند الله من معصيته، و نحو ذلك.

ثم انه قد يتضاعف عقاب المغتاب اذا كان ممن يمدح

______________________________

(يناسب تلك الغيبة، فان كان عيبا دنيويا) كما لو قال: انه لا يهتم بامر داره و بستانه و ملابسه (انتصر) السامع (له بان العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصى التى من اكبرها: ذكرك اخاك بما) اى بوصف (لم يعبه الله به) فانه سبحانه لم يعب احدا بترك الاهتمام بالدنيا و انما عاب بترك الاهتمام بالآخرة (و ان كان عيبا دينيا) كما لو قال عنه انه لا يهتم بالصلاة، او يسوف الحج مثلا (وجهه لمحامل تخرجه عن المعصية) كان يقول: انه يكد على عياله فى اوّل الوقت، و ذلك واجب مضيق و الصلاة واجبة موسعة و لذا يؤخرها، و الحج لعل له عذرا فى التأخير من جهة الحكومة او ما اشبه (فان لم يقبل التوجيه انتصر له بان المؤمن قد يبتلى بالمعصية فينبغى) لمن علم بذلك (ان يستغفر له، و يهتم له) حتى يجد الحيلة فى ردعه و قلعه (لا ان تعير عليه، و ان تعييرك اياه لعله اعظم عند الله من معصيته و نحو ذلك) من انواع الانتصار المناسبة للمقام.

(ثم انه قد يتضاعف عقاب المغتاب) بالكسر (اذا كان ممن يمدح

ص: 125

المغتاب فى حضوره و هذا و ان كان فى نفسه مباحا، الا انه اذا انضم مع ذمّه فى غيبته سمى صاحبه ذا اللسانين و تاكد حرمته.

و لذا ورد فى المستفيضة: انه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة، و له لسانا من النار فان لسان المدح فى الحضور و ان لم يكن لسانا من نار الا انه اذا انضم إلى لسان الذم فى الغياب صار كذلك. و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام عن ابيه عن آبائه عليهم السلام عن على (ع) قال: رسول الله (ص): من مدح اخاه المؤمن فى وجهه، و

______________________________

المغتاب) بالفتح (فى حضوره) و يستغيبه فى غيابه (و هذا) المدح فى الحضور- اذا كان مستحقا للمدح- (و ان كان فى نفسه مباحا الا انه) اى المدح فى الحضور (اذا انضم مع ذمه فى غيبته سمى صاحبه) اى صاحب الذم و المدح (ذا اللسانين) يوم القيامة (و تاكد حرمته) اى حرمة ذمّه- اى غيبته-.

(و لذا ورد فى) الروايات (المستفيضة: انه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة، و له لسانا من النار، فان لسان المدح فى الحضور) مع استحقاق الممدوح للمدح (و ان لم يكن لسانا من نار) لانه ليس بمحرم فى نفسه (الا انه اذا انضم إلى لسان الذم فى الغياب صار كذلك) مذموما شرعا، كما انه عقلا كذلك، فان الناس يكرهون المادح الذام اكثر مما يكرهون الذام فقط

(و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث، عن الصادق عليه السلام، عن ابيه) عليه السلام (عن آبائه عليهم السلام، عن على (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من مدح اخاه المؤمن فى وجهه، و

ص: 126

اغتابه من ورائه، فقد انقطعت العصمة بينهما.

و عن الباقر عليه السلام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطرى اخاه شاهد او يأكله غائبا ان اعطى حسده و ان ابتلى خذله.

و اعلم انه قد يطلق الاغتياب على البهتان و هو ان يقال فى شخص ما ليس فيه و هو اغلظ تحريما من الغيبة، و وجهه ظاهر، لانه جامع بين مفسدتى الكذب و الغيبة، و يمكن القول بتعدد العقاب

______________________________

اغتابه من ورائه، فقد انقطعت العصمة بينهما) و الظاهر ان المراد عصمة الاسلام بمعنى ان المادح الذام ليس مسلما- و هذا ضرب من المبالغة- او المراد العصمة الكاملة الكائنة بين الاخوان المتصافين، فان حق الاخ المتصاف اكثر من غيره- كما لا يخفى-.

(و عن الباقر عليه السلام: بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين) وجه بشوش عند اللقاء، و وجه مقطب عند الغيبة (يطرى) و يمدح باحد اللسانين (اخاه) فى حالكونه (شاهدا) حاضرا عنده (و يأكله) باستغابته «أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخيٖهِ» (غائبا) عنه (ان اعطى) ذلك الاخ النعمة و الرفاه (حسده) بان رجا زوال النعمة عنه (و ان ابتلى) ببلاء (خذله) و لم ينصره، انتهى الحديث.

(و اعلم) ايها الطالب (انه قد يطلق الاغتياب على البهتان و هو ان يقال فى شخص ما ليس فيه) كان يقال زيد شارب الخمر و الحال انه ليس بشارب (و هو اغلظ تحريما من الغيبة، و وجهه ظاهر، لانه جامع بين مفسدتى الكذب و الغيبة، و يمكن القول بتعدد العقاب) على البهتان

ص: 127

من جهة كل من العنوانين و المركب.

و فى رواية علقمة عن الصادق عليه السلام: حدثنى ابى عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما فى الجنة ابدا و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا فى النار و بئس المصير.

______________________________

(من جهة كل من العنوانين) الكذب و الغيبة (و المركب) منهما فله عقاب ثالث، لان المركب له صفة ثالثة، كما نرى فى الجملة تفيد شيئا جديدا ما لا تفيده مفرداتها.

(و فى رواية علقمة عن الصادق عليه السلام: حدثنى ابى) عليه السلام (عن آبائه) عليهم السلام (عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه) من الصفات و النقائص (لم يجمع الله بينهما فى الجنة ابدا) اما بمعنى ان المغتاب لا يدخل الجنة، او بمعنى انه لا يجمع بينه و بين المغتاب- بالفتح- و ان دخل الجنة فليس له ان يراه جزاء لا سائته للمغتاب فى الدنيا (و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما) و قد فسر ذلك فى الحديث السابق (و كان المغتاب خالدا فى النار و بئس المصير) و المراد بالخلود اقتضاء الغيبة ذلك، فان للمثوبات و العقوبات آثارا اقتضائية يمكن ان ترفع بالتوبة او الشفاعة او الاعمال الصالحة او عفو صاحب الحق او ما اشبه.

ص: 128

خاتمة فى بعض ما ورد من حقوق المسلم على اخيه

ففى صحيحة مرازم عن ابى عبد الله عليه السلام ما عبد الله بشي ء افضل من اداء حق المؤمن

و روى فى الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكى عن الحسين بن محمد بن على الصيرفى، عن محمد بن على الجعابى، عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوى، عن ابيه عن آبائه، عن على عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للمسلم على اخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها الا بادائها او العفو

______________________________

(خاتمة) نذكرها بمناسبة كون الغيبة خلاف حق المسلم على المسلم (فى بعض ما ورد) من الاخبار (من حقوق المسلم على اخيه، ففى صحيحة مرازم، عن ابى عبد الله عليه السلام ما عبد الله بشي ء افضل من اداء حق المؤمن) و لعل وجهه: ان الحق قسمان، حق الله و حق الناس اولى بالاداء، لان فيه حقا لله سبحانه- حيث شرع هذا الحق-.

(و روى فى الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكى عن الحسين بن محمد بن على الصيرفى، عن محمد بن على الجعابى، عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوى، عن ابيه عن آبائه، عن على عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للمسلم على اخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها الا بادائها او العفو) من ذى الحق.

و لا يخفى: ان بعض الحقوق واجبة و بعضها مستحبة و العفو فى الواجبة انما ينفع فى اسقاط حق المؤمن اما حق الله تعالى فانه يحتاج الى التوبة، اذ لم يؤده.

ص: 129

يغفر زلته، و يرحم عبرته، و يستر عورته،

______________________________

و المراد بالبراءة الخروج عن الحق واجبا كان او مندوبا.

ثم المراد وجود مجموع هذه الحقوق على مجموع الاخوان، بمعنى ان اللازم على كل مسلم مراعات هذه الحقوق بالنسبة إلى اخوانه فى الجملة لا انه مكلف بمراعات كل حق إلى كل احد، لوضوح انه ليس اللازم على المسلم حضور جنازة كل مسلم، و عيادة كل مريض و ما اشبه، بل اداء هذه الحقوق بالطرق المتعارفة، كما قالوا مثل ذلك فى مسئلة الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و ارشاد الجاهل، فانه لا يلزم على الانسان ان يترك اعماله و يسير فى الاسواق و الشوارع للامر و النهى و الارشاد، بل يأتى بهذه الامور على الطرق المتعارفة، كما ان الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و الائمة عليهم السلام لم يفعلوا هذه الامور الا بالطرق المتعارفة فلم يكن الرسول صلى الله عليه و آله و سلم يطرق كل باب باب ليعلم اهل الدار الاحكام، او اذا جاءه احد لم يكن يسأل منه عن صحة مسائله و عقائده مسئلة مسئلة و فردا فردا.

ثم لا يخفى: ان المذكور فى هذه الرواية جملة من الحقوق لا كلها كما لا يخفى، و لا مفهوم للعدد فى مثل هذه الروايات.

«1» (يغفر زلته) اى اذا لم يؤد بعض حقه لا يعاقبه و لا يعاتبه.

«2» (و يرحم عبرته) فاذا بكى لشي ء يريده اسعفه بحاجته.

«3» (و يستر عورته) بان لا يفشى سره و لا يهتك حجابه و لا يبدى نقصه، بل اذا رأى ذلك ستره و اخفاه.

ص: 130

و يقبل عثرته، و يقبل معذرته، و يرد غيبته، و يديم نصيحته، و يحفظ خلته، و يرعى ذمته، و يعود مرضه، و يشهد ميته، و يجيب دعوته، و يقبل هديته، و يكافى صلته،

______________________________

«4» (و يقبل عثرته) فاذا سقط فى دين او دنيا اقاله، كانه لم يحدث له سقوط.

«5» (و يقبل معذرته) فاذا اعتذر عن امر صدر منه خلاف الآداب قبل عذره.

«6» (و يرد غيبته) و قد تقدم معناه.

«7» (و يديم نصيحته) و ارشاده فى امور دينه و دنياه، فلا يترك نصحه لحادث صدر بينهما او تضجر عن ارشاده و نصحه.

«8» (و يحفظ خلته) اى صداقته بان يحفظ كونه صديقا له، فلا يقطع صداقته معه.

«9» (و يرعى ذمته) فاذا تعهد بشي ء رعاه حتى يخرج عما تعهد و تبرأ ذمته.

«10» (و يعود مرضه) فاذا مرض زاره.

«11» (و يشهد) اى يحضر (ميته) فاذا مات حضر عند موته و عند جنازته الخ.

«12» (و يجيب دعوته) لطعام او شهادة او ما اشبه.

«13» (و يقبل هديته) فلا يردها.

«14» (و يكافى صلته) فاذا وصله بشي ء قابله بصلة.

ص: 131

و يشكر نعمته، و يحسن نصرته، و يحفظ حليلته، و يقضى حاجته، و يستنجح مسألته، و يسمت عطسته، و يرشد ضالته، و يرد سلامه، و يطيب كلامه، و يبر انعامه،

______________________________

«15» (و يشكر نعمته) فاذا انعم عليه بشي ء اظهر له الشكر و الامتنان و فى الحديث من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.

و لا يخفى ان الشكر لسانى و عملى فلكل شي ء شكر مناسب.

«16» (و يحسن نصرته) فاذا طلب نصرته، نصره نصرة حسنة.

«17» (و يحفظ حليلته) اى زوجته عند غيابه.

«18» (و يقضى حاجته) بادائها بنفسه او بالواسطة.

«19» (و يستنجح مسألته) اى يطلب نجح سؤاله و طلبه و لا يخفى ان قضاء الحاجة اعم من ان يسأل، أم لا.

«20» (و يسمت عطسته) فاذا عطس يقول له: يرحمك الله.

«21» (و يرشد ضالته) فاذا ضل عنه شي ء اهتم لوجدانها.

«22» (و يرد سلامه) فاذا سلم اجابه.

«23» (و يطيب كلامه) فلا يتكلم معه بالخشونة فى اللفظ او بالغلظة فى المعنى.

«24» (و يبر انعامه) فاذا انعم عليه ابره اى عامل معه معاملة البار، لا معاملة الجاف الغليظ، و هذا اعم من الشكر، و كلما جي ء بعام و خاص متقابلين اريد بالعام فردا هو غير الخاص فاذا قيل جئنى بانسان و حيوان اريد بالحيوان فرد مقابل الانسان، كما لا يخفى.

ص: 132

و يصدق اقسامه، و يوالى وليه، و لا يعاديه، و ينصره ظالما و مظلوما، فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و اما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه، و لا يسلمه و لا يخذله، و يحب له من الخير ما يحب لنفسه، و يكره له من الشر ما يكره لنفسه.

ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة، فيقضى له عليه.

______________________________

«25» (و يصدق اقسامه) فاذا حلف على شي ء صدقه.

«26» (و يوالى وليه) بان يصادق اصدقائه.

«27» (و لا يعاديه) اى لا يجعل نفسه عدوا له فيما اذا حدث بينهما شحناء و بغضاء.

«28» (و ينصره ظالما و مظلوما فاما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه) اذ لو لم يرده ابتلى بعذاب الله فى الدنيا و الآخرة، فتخليصه من العذاب نصرة له (و اما نصرته مظلوما فيعينه على اخذ حقه) من الظالم له.

«29» (و لا يسلمه و لا يخذله) فاذا دهمته داهمة كان معه فلا يسلمه للمصائب و الاعداء و لا يترك نصرته.

«30» (و يحب له من الخير ما يحب لنفسه، و يكره له من الشر ما يكره لنفسه) و المراد بالخير و الشر الاعم من الدنيوى و الدينى- كما لا يخفى-.

(ثم قال) على عليه السلام (سمعت رسول الله (ص) يقول: ان احدكم ليدع من حقوق اخيه شيئا فيطالبه به) اى بذلك الحق (يوم القيامة، فيقضى له عليه) بان يجعل الحق للاخ على ذلك التارك فى عقاب

ص: 133

و الاخبار فى حقوق المؤمن كثيرة و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التى ينبغى ادائها و معنى القضاء لذيها على من هى عليه المعاملة معه معاملة من اهملها بالحرمان عما اعدّ لمن ادّى حقوق الاخوة.

ثم ان ظاهرها و ان كان عاما، الا انه يمكن تخصيصها بالاخ العارف بهذه الحقوق المؤدى لها بحسب اليسر، اما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعات هذه الحقوق بالنسبة إليه.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 134

______________________________

او حط درجة او ما اشبه.

(و الاخبار فى حقوق المؤمن كثيرة و الظاهر إرادة الحقوق المستحبة التى ينبغى ادائها) او الحقوق الاعم من الواجبة و المستحبة، كما يشهد لذلك اشتمال الحديث على الحقوق الواجبة (و معنى القضاء لذيها) اى لذى الحق (على من هى عليه) فى آخر الحديث (المعاملة معه) اى مع التارك (معاملة من اهملها بالحرمان) اى بان يحرم الله التارك (عما اعد لمن ادى حقوق الاخوة).

(ثم ان ظاهرها) اى ظاهر لزوم اداء تلك الحقوق (و ان كان عاما) بالنسبة إلى كل مسلم (الا انه يمكن تخصيصها بالاخ العارف بهذه الحقوق المؤدى لها بحسب اليسر) يعنى اذا تيسر له تيسرا عرفيا (اما المؤمن المضيع لها، فالظاهر عدم تأكد مراعات هذه الحقوق بالنسبة إليه) اما على الاحتمال الّذي ذكرناه فى صدر المبحث فالخروج عنها بالنسبة إلى كثير من الناس ليس من باب التخصيص و ما اشبه مما ذكره الشيخ ره، بل من باب عدم المقتضى- كما عرفت-.

ص: 134

و لا يوجب اهمالها مطالبته يوم القيامة لتحقق المقاصة، فان التهاتر يقع فى الحقوق، كما يقع فى الاموال.

و قد ورد فى غير واحد من الاخبار ما يظهر منه الرخصة فى ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان، بل لجميعهم الا القليل، فعن الصدوق ره فى الخصال، و كتاب الاخوان و الكلينى بسندهما عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قام إلى امير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة، فقال اخبرنا عن الاخوان، فقال عليه السلام: الاخوان صنفان اخوان الثقة و اخوان المكاثرة

______________________________

(و) كيف كان (لا يوجب اهمالها) بالنسبة إلى المضيع (مطالبته يوم القيامة) بالنسبة إلى المهمل (لتحقق المقاصة) بين المهمل و المضيع (فان التهاتر) اى السقوط بالمقابلة (يقع فى الحقوق كما يقع فى الاموال) فاذا طلب كل واحد من زيد و عمرو من الآخر دينارا، تساقط الديناران.

(و قد ورد) فى القرآن الحكيم: فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ، و قد عممه الاردبيلى ره و غيره حتى بالنسبة إلى السباب و (فى غير واحد من الاخبار ما يظهر منه الرخصة فى ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان، بل لجميعهم الا القليل، فعن الصدوق ره فى الخصال و) فى (كتاب الاخوان و الكلينى بسندهما عن ابى جعفر عليه السلام، قال: قام إلى امير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة، فقال: اخبرنا عن الاخوان، فقال عليه السلام: الاخوان صنفان، اخوان الثقة) الذين يثق بهم الانسان فى اسراره و نوائبه و ما اشبه (و اخوان المكاثرة) يكاثر بهم، و يجعل نفسه منيعا فى الناس، لكثرة اخوانه- صورة- او اخوان

ص: 135

فاما اخوان الثقة، فهم كالكف و الجناح و الاهل و المال، فاذا كنت من اخيك على ثقة، فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه، و عاد من عاداه، و اكتم سره و عيبه و اظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل انهم اعز من الكبريت الاحمر.

و اما اخوان المكاثرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم، و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم

______________________________

المكاشرة بالشين بمعنى التبسم من غير صوت، و المراد واحد.

(فاما اخوان الثقة، فهم كالكف) التى يجلب الانسان بها الخير، و يدفع بها الضر (و الجناح) الّذي يطير به الانسان كما يطير الطائر بجناحيه (و الاهل و المال) فانهم يقومون مقام الاهل و المال فى نفع الانسان، و دفع البلاء عنه (فاذا كنت من اخيك على ثقة، فابذل له مالك و يدك) فانه يفعل ذلك بالنسبة أليك (و صاف من صافاه) اى كن مواليا لوليه (و عاد من عاداه) ليس المراد المعادات المحرمة و انما الابتعاد عمن ابتعد عنه (و اكتم سره و عيبه) فى اموره (و اظهر منه الحسن) اى الصفات و الافعال الحسنة (و اعلم ايها السائل انهم) اى اخوان الثقة (اعز من الكبريت الاحمر) اى الكيمياء الّذي يوجب قلب النحاس ذهبا.

(و اما اخوان المكاثرة)- المكاشرة- (فانك تصيب منهم لذتك) بالمصاحبة و الصداقة (فلا تقطعن ذلك) اى الصداقة و الوداد (منهم، و لا تطلبن ما وراء ذلك) اى ما وراء الوداد الظاهرى (من ضميرهم) اى لا تطلب باطنهم اذ لا يتأتى من كل انسان ان يكون أخا ثقة، فالطلب منه

ص: 136

و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان.

و فى رواية عبد الله الحلبى المروية فى الكافى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: لا تكون الصداقة الا بحدودها فمن كان فيه هذه الحدود او شي ء منها فانسبه إلى الصداقة و من لم يكن فيه شي ء منها، فلا تنسبه إلى شي ء من الصداقة.

فاوّلها: ان تكون سريرته و علانيته لك واحدة.

______________________________

ذلك اتعاب النفس بلا فائدة (و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان) فان هذا الحديث يدل على انه الحقوق السابقة تراعى بالنسبة إلى اخوان الثقة، لا مطلقا و قد قال عليه السلام انهم اعز من الكبريت الاحمر، و لا يخفى انه ليس المراد عدم كتمان سر الآخرين، بل المراد ان الاخ الثقة هو من يودعك سره، فاللازم كتمانه بخلاف الآخرين فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

(و فى رواية عبد الله الحلبى المروية فى الكافى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: لا تكون الصداقة الا بحدودها) و آدابها (فمن كان فيه هذه الحدود) التى نذكرها (او شي ء منها فانسبه إلى الصداقة) و قل:

انه صديقك (و من لم يكن فيه شي ء منها، فلا تنسبه إلى شي ء من الصداقة) اى ليس فيها صداقة كاملة، و لا بعض الصداقة.

(فاوّلها) اى اوّل تلك الحدود (ان تكون سريرته و علانيته لك واحدة) فلا يخفى عنك شيئا مما يهمك و يرتبط بك.

ص: 137

و الثانية: ان يرى زينك زينه و شينك شينه.

و الثالثة: ان لا يغيره عليك ولاية و لا مال.

و الرابعة: ان لا يمنعك شيئا تناله بقدرته.

و الخامسة: و هى مجمع هذه الخصال، ان لا يسلمك عند النكبات.

و لا يخفى انه اذا لم تكن الصداقة لم تكن الاخوة، فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه.

______________________________

(و الثانية: ان يرى زينك زينه و شينك شينه) اذ الحسن و القبيح يسرى من الصديق إلى الصديق.

(و الثالثة: ان لا يغيره عليك ولاية) اى منصب (و لا مال) بل يبقى بعد ولايته و ثروته معك كما كان قبلا.

(و الرابعة: ان لا يمنعك شيئا تناله) اى تريده (بقدرته) بان تريد جعل قدرته سببا لحصولك على مطلبك، فلا يمنع عن ذلك.

(و الخامسة: و هى مجمع هذه الخصال، ان لا يسلمك عند النكبات) جمع نكبة، بمعنى البلية و المصيبة.

و انما كانت هذه مجمعا، لان اقوى تجارب الصديق تجربة البلايا، فاذا لم يسلم صديقه كانت فيه الصفات و الحدود السابقة و الا فلا، انتهى الحديث.

(و لا يخفى انه اذا لم تكن الصداقة لم تكن الاخوة) اذ الاخوة بمعناها الخاص، لا بمعنى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ- مرتبة فوق الصداقة و اذا لم تكن الصداقة (فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه).

ص: 138

و فى نهج البلاغة: لا يكون الصديق صديقا، حتى يحفظ اخاه فى ثلاث، فى نكبته، و فى غيبته، و فى وفاته.

و فى كتاب الاخوان بسنده عن الوصافى، عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال لى: أ رأيت من كان قبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه، قلت لا، قال: فاذا كان ليس عنده ازار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتى يجد له ازارا قلت: لا قال: فضرب بيده على فخذه، و قال: ما هؤلاء باخوة، الخبر.

______________________________

و هذا أيضا يدل على ما ذكرناه من عدم لزوم مراعات الحقوق الثلاثين المذكورة فى النبوى بالنسبة إلى كثير من الناس.

(و فى نهج البلاغة) قال الامام امير المؤمنين عليه السلام (لا يكون الصديق صديقا، حتى يحفظ اخاه فى ثلاث، فى نكبته) بان يساعده فى بلاياه، و لا يبتعد عنه اذ اصابته نازلة (و فى غيبته) فيساعد اهله و يحفظ عرضه (و فى وفاته) فيظنه حيّا يكون لاهله كما كان لنفسه و يحفظ صداقته.

(و فى كتاب الاخوان بسنده عن الوصافى، عن ابى جعفر عليه السلام قال: قال لى: أ رأيت من كان قبلكم) اى من كان عندكم من المؤمنين (اذا كان الرجل ليس عليه رداء، و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه) بمعنى هبته له (قلت لا، قال) عليه السلام (فاذا كان) الرجل (ليس عنده ازار يوصل إليه بعض اخوانه بفضل ازاره) اى ازاره الفاضل الزائد عنده (حتى يجد له) اى لنفسه (ازارا، قلت: لا، قال) الراوى (فضرب) الامام عليه السلام (بيده على فخذه، و قال: ما هؤلاء باخوة) الى آخر (الخبر).

ص: 139

دل على ان من لا يواسى المؤمن، ليس باخ له، فلا يكون له حقوق الاخوة المذكورة فى روايات الحقوق.

و نحوه رواية ابن ابى عمير عن خلاد، رفعه، قال ابطاء على رسول الله (ص) رجل فقال: ما ابطاء بك، قال العرى يا رسول الله، فقال:

أ ما كان لك جار له ثوبان يعيرك احدهما؟ فقال: بلى يا رسول الله قال:

ما هذا لك باخ.

و فى رواية يونس بن ظبيان قال: قال ابو عبد الله عليه السلام:

اختبروا اخوانكم

______________________________

(دل على ان من لا يواسى المؤمن، ليس باخ له، فلا يكون له حقوق الاخوة المذكورة فى روايات الحقوق) المتقدمة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

و قد عرفت: ان المعيار الاخوة بالمعنى الاخص، لا الاخوة المستفادة من قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ.

(و نحوه رواية ابن ابى عمير عن خلاد، رفعه) اى لم يذكر السند (قال ابطاء على رسول الله (ص) رجل) فلم يحضر عنده مدة، ثم جاءه (فقال) صلى الله عليه و آله و سلم (ما ابطاء بك قال العرى يا رسول الله، فقال) صلى الله عليه و آله و سلم (أ ما كان لك جار له ثوبان يعيريك احدهما فقال بلى يا رسول الله) (ص) كان لى مثل هذا الجار (قال: ما هذا لك باخ) حيث يبخل بثوبه الزائد عن اعارتك.

(و فى رواية يونس بن ظبيان قال: قال ابو عبد الله (ع): اختبروا اخوانكم

ص: 140

بخصلتين، فان كانتا فيهم، و الا فاعزب ثم اعزب، المحافظة على الصلوات فى مواقيتها و البر فى الاخوان فى اليسر و العسر.

______________________________

بخصلتين، فان كانتا فيهم) فهم اخوان (و الا) تكونا فيهم (فاعزب) اى ابتعد عنه (ثم اعزب) ابتعد كثيرا، فالخصلتان هما (المحافظة على الصلوات فى مواقيتها و البر فى الاخوان فى اليسر و العسر) المراد كون البار فى يسرا و عسر، او كون الاخ فى يسر او عسر.

و كيف كان فهذه الروايات تدل على ان الشخص الّذي لا يتصف بهذه الصفات ليس باخ يلزم مراعات حقوقه.

و مع ذلك كله فما ذكرناه فى التوجيه فى صدر المبحث اولى، بالإضافة الى انه اقرب إلى الذهن لدى الاطلاق.

ص: 141

الخامسة عشرة القمار حرام اجماعا.

اشارة

و يدل عليه الكتاب و السنة المتواترة و هو بكسر القاف- كما عن بعض اهل اللغة- الرهن على اللعب بشي ء من الآلات المعروفة.

و حكى عن جماعة انه قد يطلق على اللعب بهذه الاشياء مطلقا و لو من دون رهن، و به صرح فى جامع المقاصد.

و عن بعض: ان اصل المقامرة المغالبة.

______________________________

المسألة (الخامسة عشرة) من الامور المحرمة الاكتساب بها (القمار) فانه- اى المقامرة- (حرام اجماعا) بل ضرورة من الدين.

(و يدل عليه) قبل الاجماع (الكتاب و السنة المتواترة) بل و العقل فى الجملة (و هو بكسر القاف- كما عن بعض اهل اللغة- الرهن) و الشرط (على اللعب بشي ء من الآلات المعروفة) بين الناس، لا المعروفة فى زمان الشارع، اذ من الواضح كون ما يتجدد من الآلات أيضا داخلا فى القمار المحرم.

(و حكى عن جماعة انه قد يطلق) القمار (على اللعب بهذه الاشياء مطلقا) اى (و لو من دون رهن، و به) اى بالإطلاق (صرح فى جامع المقاصد).

(و عن بعض: ان اصل المقامرة المغالبة) و من المعلوم المغالبة شاملة لما كان بدون الرهن.

ص: 142

و كيف كان فهنا مسائل اربع، لان اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن، و قد يكون بدونه.

و المغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض، و قد تكون بدونه.

فالأولى: اللعب بآلات القمار مع الرهن،

و لا اشكال فى حرمته و حرمة العوض و الاجماع عليه محقق، و الاخبار به متواترة

الثانية: اللعب بآلات [القمار من دون رهن]

______________________________

(و كيف كان) فسواء قلنا: بإطلاق القمار، او خصوصيته (فهنا مسائل اربع، لان اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن، و قد يكون بدونه) اى بدون الرهن.

(و المغالبة بغير آلات القمار) كالجوز و البيض (قد تكون مع العوض، و قد تكون بدونه) اى بدون العوض.

(ف) المسألة (الاولى: اللعب بآلات القمار مع الرهن) و المال فى مقابل اللعب للغالب (و لا اشكال) و لا خلاف (فى حرمته، و حرمة العوض) المأخوذ (و الاجماع عليه محقق، و الاخبار به متواترة).

علاوة على قوله سبحانه: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ.

و قوله سبحانه: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ.

فقد روى محمد بن على عن ابى عبد الله عليه السلام، فى تفسير هذه الآية انه قال: نهى عن القمار، و كانت قريش يقامر الرجل باهله و ماله، فنهاهم الله عن ذلك.

و المسألة (الثانية: اللعب بآلات

ص: 143

القمار من دون رهن، و فى صدق القمار عليه نظر، لما عرفت.

و مجرد الاستعمال لا يوجب اجراء الاحكام المطلقات و لو مع البناء على اصالة الحقيقة فى الاستعمال لقوة انصرافها إلى الغالب من وجود الرهن فى اللعب بها.

______________________________

القمار من دون رهن) و مال للغالب (و فى صدق القمار عليه نظر، لما عرفت) من ان المشهور فى القمار: هو المعنى الاول، و المعنى الثانى انما ذهب إليه جماعة.

(و مجرد الاستعمال) للفظ القمار فى هذا المعنى (لا يوجب اجراء الاحكام المطلقات) التى ذكرت حرمة القمار عليه (و لو مع البناء على اصالة الحقيقة فى الاستعمال) كما يقول السيد المرتضى: من انه اذا استعمل لفظ فى معنى و لم نعلم انه حقيقة او مجاز كانت اصالة الحقيقة محكمة.

و انما نقول: بان احكام المطلقات لا تجرى فى اللعب بدون رهن و لو كان القمار فيه حقيقة (لقوة انصرافها) اى المطلقات (الى الغالب من وجود الرهن فى اللعب بها) و الانصراف يوجب عدم إرادة المولى من المطلق الا الفرد المنصرف إليه.

مثلا: لا اشكال فى ان الفقيه فى اللغة يطلق على مطلق من له علم بشي ء و لو بالحساب، لان الفقه فى اللغة الفهم، لكن اذا قال الامام عليه السلام: ليت السياط على رءوس اصحابى حتى يتفقهوا كان الكلام منصرفا الى علم شرائع الاسلام، حتى ان القول بالإطلاق خلاف الظاهر.

ص: 144

و منه يظهر الخدشة فى الاستدلال على المطلب بإطلاق النهى عن اللعب، بتلك الآلات بناء على انصرافه إلى المتعارف من ثبوت الرهن.

نعم قد يبعد دعوى الانصراف فى رواية ابى الربيع الشامى من الشطرنج و النرد، قال: لا تقربوهما قلت: فالغناء، قال: لا خير فيه لا تقربه.

و الاولى الاستدلال على ذلك بما تقدم فى رواية تحف العقول من ان ما يجي ء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات.

______________________________

(و منه) اى مما ذكرنا من انصراف المطلقات إلى اللعب بالرهن (يظهر الخدشة فى الاستدلال على المطلب) و ان اللعب بلا رهن قمار محرم (بإطلاق النهى عن اللعب، بتلك الآلات) آلات القمار كالشطرنج و النرد (بناء على انصرافه) اى النهى (الى المتعارف من ثبوت الرهن) بين اللاعبين.

(نعم قد يبعد دعوى الانصراف فى رواية ابى الربيع الشامى) حيث سئل الامام عليه السلام (من الشطرنج و النرد، قال) ع (لا تقربوهما) و القرب هنا من قبيل قوله سبحانه: وَ لٰا تَقْرَبُوا الزِّنىٰ، و قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ* (قلت: فالغناء، قال) عليه السلام (لا خير فيه لا تقربه) فانه ربما يقال: ان الظاهر من «لا تقربوهما» استعمالهما كيفما كان برهن او بدون رهن.

(و الاولى الاستدلال على ذلك) اى تحريم القمار و لو بدون رهن (بما تقدم فى رواية تحف العقول من ان ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات).

ص: 145

و فى تفسير القمى عن ابى الجارود، عن ابى جعفر عليه السلام فى قوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ، قال: اما الخمر فكل مسكر من الشراب إلى ان قال: و اما الميسر فالنرد و الشطرنج، و كل قمار ميسر، الى ان قال: و كل هذا بيعه و شرائه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام محرم.

و ليس المراد بالقمار هنا المعنى المصدرى حتى يرد ما تقدم من انصرافه الى اللعب مع الرهن، بل المراد الآلات بقرينة قوله: بيعه و شرائه.

______________________________

و من المعلوم: ان آلات القمار مما يجي ء منها الفساد محضا، فلا يجوز التقلب فيه باللعب و لو بدون رهن.

(و فى تفسير القمى عن ابى الجارود، عن ابى جعفر عليه السلام فى قوله) تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ، قال) عليه السلام (اما الخمر فكل مسكر من الشراب) اى لا تخص العنب و التمر (الى ان قال: و اما الميسر فالنرد و الشطرنج، و كل قمار ميسر، الى ان قال) عليه السلام (و كل هذا بيعه و شرائه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام محرم) لفظ «محرم» للمبالغة فى التحريم من قبيل «ليل الليل».

(و ليس المراد بالقمار هنا) فى قول الباقر عليه السلام (المعنى المصدرى) اى المقامرة، فان القمار لفظ مشترك بين المصدر، و اسم العين (حتى يرد ما تقدم) فى كلامنا (من انصرافه) اى القمار بمعنى المصدر (الى اللعب مع الرهن، بل المراد) من القمار (الآلات بقرينة قوله: بيعه و شرائه

ص: 146

و قوله: و اما الميسر، فهو النرد الخ.

و يؤيد الحكم ما عن مجالس المفيد الثانى ره، ولد شيخنا الطوسى ره، بسنده عن امير المؤمنين عليه السلام- فى تفسير الميسر- فى ان كلما إلهى عن ذكر الله، فهو الميسر.

و رواية الفضيل، قال سألت أبا جعفر عليه السلام، عن هذه الاشياء التى يلعب بها الناس من النرد و الشطرنج حتى انتهيت إلى السّدر قال

______________________________

و) بقرينة (قوله: و اما الميسر، فهو النرد الخ) و الشطرنج و كل قمار ميسر.

(و يؤيد الحكم) بحرمة اللعب بدون الرهن (ما عن مجالس المفيد الثانى ره، ولد) شيخ الطائفة (شيخنا الطوسى ره، بسنده عن امير المؤمنين عليه السلام- فى تفسير الميسر- فى ان كلما إلهى عن ذكر الله فهو الميسر).

و من المعلوم الهاء آلات القمار عن ذكر الله و لو بدون الرهن.

(و رواية الفضيل، قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الاشياء التى يلعب بها الناس من النرد و الشطرنج حتى انتهيت إلى السّدر) كقبّر و هو معرب «سه در» يعنى صاحب الابواب الثلاثة، و هو اربع مربعات مستطيلة كل واحدة فى جوف الاخرى من المربع الاوسط إلى المربع الاخير ثمان خطوط فى الزوايا الاربع، و الاوساط الاربعة يلقون فى البيوت الحصاة، يلقى هذا واحدة و ذاك واحدة، فاذا كان الحصيات لاحدهما اكثر ترادفا «ثلاثة ثلاثة» من الآخر كان هو الغالب (قال) الامام عليه السلام

ص: 147

اذا ميّز الله الحق من الباطل مع ايهما يكون قال: مع الباطل، قال و مالك و الباطل.

و فى موثقة زرارة، عن ابى عبد الله عليه السلام، انه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شيث التى يقال لها لعبة الاحمر، و عن لعبة الثلث، فقال:

أ رأيت اذا ميز الله بين الحق و الباطل، مع ايهما يكون؟ قلت: مع الباطل قال: فلا خير فيه.

و فى رواية عبد الواحد بن المختار، عن اللعب بالشطرنج قال ان المؤمن لمشغول عن اللعب فان مقتضى اناطة الحكم بالباطل و اللعب عدم اعتبار

______________________________

(اذا ميز الله الحق من الباطل مع ايهما يكون، قال) الراوى (مع الباطل قال) عليه السلام (و مالك و الباطل) فان العلة شاملة للعب بلا رهن.

(و فى موثقة زرارة عن ابى عبد الله عليه السلام، انه سئل عن الشطرنج و عن لعبة شيث التى يقال لها لعبة الاحمر و عن لعبة الثلث، فقال) عليه السلام (أ رأيت) اى اخبرنى (اذا ميز الله بين الحق و الباطل، مع ايهما يكون؟ قلت: مع الباطل، قال) عليه السلام (فلا خير فيه).

فانه حيث علل كونه باطلا شمل اللعب بغير رهن أيضا، لان اللعب ينصرف عنه الباطل و ان كان بعض اقسام اللعب حلالا.

(و فى رواية عبد الواحد بن المختار، عن اللعب بالشطرنج) معرب «شش رنگ» اى صاحب الوان ستة (قال) عليه السلام (ان المؤمن لمشغول عن اللعب، فان مقتضى اناطة الحكم) بالحرمة (بالباطل و اللعب) كما فى الاحاديث المتقدمة: (عدم اعتبار

ص: 148

الرهن فى حرمة اللعب بهذه الاشياء.

و لا يجرى دعوى الانصراف هنا،

الثالثة المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار

كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل، و على المصارعة و على الطيور و على الطفرة

______________________________

الرهن فى حرمة اللعب بهذه الاشياء).

(و لا يجرى دعوى الانصراف هنا) فلا يقال: ان المنصرف من الباطل و اللعب ما كان مع الرهن.

لكن ربما يقال: انه لا مانع من الانصراف، لوضوح ان مطلق اللعب و الباطل- فى مقابل الحق- ليس حراما، فان اللعب منه جائز، و منه حرام، و الباطل قد يراد به المحرم، و قد يراد به الاعم المقابل للحق، اى الثابت كقول الشاعر:

الا كل شي ء ما خلا الله باطل و كل نعيم لا محالة زائل

بالإضافة إلى ان طائفة من الروايات المذكورة بين ضعيف السند او الدلالة، و الاحتياط واضح خصوصا فى مثل النرد و الشطرنج.

بل يمكن القول بالحرمة فيهما و ان لم نقل بالحرمة فى سائر الآلات، فتأمل.

و المسألة (الثالثة) من المسائل الاربع (المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار، كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل، و على المصارعة و على الطيور) ايها يطير اسرع او يتمكن ان يقلب نفسه فى الهواء او يرجع اسرع، او يطير اعلى، او ما اشبه ذلك (و على الطفرة) و على السباحة و

ص: 149

و نحو ذلك مما عدوها فى باب السبق و الرماية من افراد غير ما نص على جوازه

و الظاهر الالحاق بالقمار فى الحرمة و الفساد بل صريح بعض انه قمار

و صرح العلامة الطباطبائى ره فى مصابيحه بعدم الخلاف فى الحرمة و الفساد و هو ظاهر كل من نفى الخلاف فى تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض و جعل محل الخلاف فيها بدون العوض، فان ظاهر ذلك

______________________________

العدو، و القفز فى الهواء (و نحو ذلك) من المراهنات المتعارفة بين الناس (مما عدوها فى باب السبق و الرماية من افراد غير ما نص على جوازه) فان الجواز المنصوص خاص بالخف و النصال و الحافر.

(و الظاهر) من النص و الفتوى (الالحاق بالقمار فى الحرمة و الفساد) لما دل على انه لا سبق الا فى ثلاث (بل صريح بعض انه قمار) لان القمار عبارة عن المغالبة الشاملة لمثل هذه الامور.

(و صرح العلامة الطباطبائى ره) السيد مهدى بحر العلوم (فى مصابيحه بعدم الخلاف فى الحرمة و الفساد) اى تكليفا و وضعا (و هو) اى عدم الخلاف فى التحريم (ظاهر كل من نفى الخلاف فى تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض).

و انما لم يكن نصا، لانهم لم يصرحوا بهذه الاشياء، و انما ذكروا الكلى و الكلى ظاهر فى افراده و ليس بنص، كما لا يخفى (و جعل) عطف على «نفى» (محل الخلاف فيها) اى فى المسابقة (بدون العوض، فان ظاهر ذلك) نفى الخلاف فى «مع العوض» و وجود الخلاف فى «بلا عوض»

ص: 150

ان محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك.

و من المعلوم انه ليس هنا الا الحرمة التكليفية دون خصوص الفساد

و يدل عليه أيضا قول الصادق عليه السلام، انه قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتحضر الرهان فى الخف، و الحافر، و الريش و ما سوى ذلك قمار حرام.

و فى رواية ابى العلاء ابن سيابة، عن الصادق عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه، ما خلا الحافر و الريش و النصل.

______________________________

(ان محل الخلاف هنا) فيما كان بلا عوض (هو محل الوفاق هناك) اى مع العوض- اى الوفاق فى تحريمه-.

(و من المعلوم انه ليس هنا الا الحرمة التكليفية) اذ لا مال فى مقام يصح ان يكون صحيحا او فاسدا (دون خصوص الفساد) كما لا يخفى.

(و يدل عليه) اى على التحريم (أيضا قول الصادق عليه السلام، انه قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتحضر الرهان فى الخف) اى الابل (و الحافر) اى الفرس و الحمار (و الريش) اى السهم لانهم كانوا يجعلون له ريشا ليسرع فى السير بحمل الهواء له (و ما سوى ذلك قمار حرام) فانه يشمل جميع انواع المراهنة على تسابق خاص.

(و فى رواية ابى العلاء ابن سيابة، عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: ان الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الريش و النصل) المراد به السهم بدون ريش، و شبهه.

ص: 151

و المحكى عن تفسير العياشى، عن ياسر الخادم، عن الرضا عليه السلام، قال سألته عن الميسر، قال: الثقل من كل شي ء، قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها.

و فى مصححة معمر ابن خلاد، كلما قومر عليه فهو ميسر.

و فى رواية جابر، عن ابى جعفر عليه السلام، قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال كلما يقامر به حتى الكعاب و الجوز.

و الظاهر ان المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن و مع هذه الروايات

______________________________

و المراد بالحافر الاقسام الثلاثة و تسمى به، لانها تحفر الارض و تجعل فيها اثرا باقدامها.

(و المحكى عن تفسير العياشى، عن ياسر الخادم، عن الرضا عليه السلام، قال سألته عن الميسر، قال) عليه السلام (الثقل من كل شي ء قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها) و سمى ثقلا لثقله.

(و فى مصححة معمر ابن خلاد، كلما قومر عليه فهو ميسر) و المقامرة بمعنى المغالبة.

(و فى رواية جابر، عن ابى جعفر عليه السلام، قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال) صلى الله عليه و آله و سلم (كلما يقامر به حتى الكعاب) و هى جمع كعب كل ما على و ارتفع و منه خصوص النرد و العظم و ما اشبه (و الجوز) الّذي يلعب به الصبيان.

(و الظاهر) من اللغة و التبادر (ان المقامرة بمعنى المغالبة على الرهن، و مع هذه الروايات

ص: 152

الظاهرة بل الصريحة فى التحريم المعتضدة بدعوى عدم الخلاف فى الحكم ممن تقدم، فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار، و اما مطلق الرهان و المغالبة بغيرها فليس فيه الافساد المعاملة، و عدم تملك الراهن، فيحرم التصرف فيه لانه اكل مال بالباطل و لا معصية من جهة العمل كما فى القمار، بل لو اخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد الّذي هو نذر لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان ان المقامرة

______________________________

الظاهرة بل الصريحة فى التحريم المعتضدة بدعوى عدم الخلاف فى الحكم ممن تقدم، فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين) و هو صاحب الجواهر (اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار، و اما مطلق الرهان و المغالبة) مما ليس بآلات القمار (بغيرها) اى غير آلات القمار المتداولة (فليس فيه الافساد المعاملة، و عدم تملك الراهن، فيحرم التصرف فيه، لانه اكل مال بالباطل) و قد قال سبحانه: وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (و لا معصية من جهة العمل) و المسابقة الخارجية (كما فى القمار) من انه عصيان عملا، و حرمة لاكل المال (بل لو اخذ) السابق (الرهن هنا) فى المسابقة بغير آلات القمار (بعنوان الوفاء بالعهد الّذي هو نذر له لا كفارة له) مقابل النذر الّذي له كفارة، و هو ما اذا نذر لله ان يفعل كذا، فاذا لم يفعله كانت عليه الكفارة.

و معنى النذر: هو التعهد بشي ء على نفسه (مع طيب النفس من الباذل) «مع» قيد لقوله «اخذ» (لا) انه اخذه (بعنوان ان المقامرة

ص: 153

المذكورة اوجبته و الزمته امكن القول بجوازه.

و قد عرفت من الاخبار اطلاق القمار عليه، و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم، و انه من الميسر المقرون بالخمر.

و اما ما ذكره اخيرا من جواز اخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد، فلم افهم معناه لان العهد الّذي تضمنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به، اذ لا يستحب ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملك

______________________________

المذكورة اوجبته) اى اوجبت المال (و الزمته) فى ذمته، ليكون ملزما بدفعه (امكن القول بجوازه) اى بجواز اخذ المال و اكله.

(و) لا يخفى ما فى كلام صاحب الجواهر، اذ: (قد عرفت من الاخبار) المتقدمة (اطلاق القمار عليه) اى على ما كان رهنا بدون آلات القمار (و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم) من صاحبه.

لكن ربما يقال: ان اللعن لا يدل على التحريم و كذلك تنفر الملائكة فان رسول الله لعن آكل زاده وحده، و الملائكة تنفر من بيت فيه بول او كلب او ما اشبه (و انه من الميسر المقرون بالخمر) فى الآية الكريمة فيدل اقترانه بها حرمته، مثل حرمة الخمر.

(و اما ما ذكره) الجواهر (اخيرا من جواز اخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد، فلم افهم معناه).

و ذلك (لان العهد الّذي تضمنه العقد الفاسد لا معنى لاستحباب الوفاء به، اذ لا يستحب ترتيب آثار الملك على ما لم يحصل فيه سبب تملك)

لكن لا يخفى ان صاحب الجواهر لم يذكر الاستحباب، بل ذكر الجواز

ص: 154

الا ان يراد صورة الوفاء بان يملكه تمليكا جديدا بعد الغلبة فى اللعب، لكن حل الاكل على هذا الوجه جار فى القمار المحرم أيضا.

غاية الامر الفرق بينهما بان الوفاء لا يستحب فى المحرم.

لكن الكلام فى تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد

______________________________

و كانه جعله من باب تعدد المطلوب الّذي يقولون به فى كثير من المسائل (الا ان يراد) من الوفاء (صورة الوفاء) اى انه كالوفاء صورة لا حقيقة.

فقوله «الوفاء» نائب فاعل «يراد» (بان يملكه تمليكا جديدا بعد الغلبة فى اللعب، لكن حل الاكل) للمال (على هذا الوجه) بتمليك جديد غير مربوط بالمعاهدة لدى المقامرة (جار فى القمار المحرم أيضا) فانه يجوز ان يملك المغلوب تمليكا جديدا بعد الغلبة، كمية من المال للغالب.

فلا وجه لتخصيص الجواهر الجواز بهذه الصورة.

(غاية الامر الفرق بينهما) القمار و المراهنة بغير آلات القمار (بان الوفاء لا يستحب فى المحرم) و هو القمار، لان الشارع نهى عن الوفاء بهذا الوعد، بخلاف الوفاء بالعهد فى غير الآلات، فانه يشمله ما دل على الوفاء بالعهود.

ففى صحيحة هشام عدة المؤمن نذر لا كفارة له، لكن لا يخفى ما فى هذا الفرق من الاشكال.

(لكن الكلام) الآن (فى تصرف المبذول له) فى المال (بعد التمليك الجديد) و ذلك لا يفرق فيه بين القمار و بين المراهنة بغير آلات القمار

ص: 155

لا فى فعل الباذل، و انه يستحب له أو لا.

و كيف كان فلا اظن الحكم بحرمة الفعل مضافا إلى الفساد محل اشكال بل و لا محل خلاف كما يظهر من كتاب السبق و الرماية، و كتاب الشهادات و تقدم دعواه صريحا من بعض الاعلام.

نعم عن الكافى و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس، عن ابى جعفر عليه السلام: انه قضى امير المؤمنين عليه السلام فى رجل آكل و اصحاب له

______________________________

فتفريق صاحب الجواهر ليس بفارق فى المقام (لا فى فعل الباذل) و انه يستحب له الوفاء فى ما ذا لم يكن بآلات القمار و لا يستحب اذا كان بآلات القمار (و انه يستحب له) الوفاء (أو لا) هذا عطف بيان لقوله «فعل الباذل».

(و كيف كان) سواء كان فرق بين المسألتين، أم لا (فلا اظن الحكم بحرمة الفعل) اى المقامرة بغير آلات القمار (مضافا إلى الفساد) للمعاملة فى صورة المراهنة بغير آلات القمار (محل اشكال بل و لا محل خلاف) بين الفقهاء، فانهم يقولون بالحرمة و الفساد (كما يظهر من كتاب السبق و الرماية، و كتاب الشهادات) فى مسئلة عدم قبول شهادة المقامر (و تقدم دعواه) اى عدم الخلاف (صريحا من بعض الاعلام) و هو السيد الطباطبائى

و الحاصل: ان فى اللعب بغير الآلات حرمة تكليفية و وضعية.

(نعم عن الكافى و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس، عن ابى جعفر عليه السلام: انه قضى امير المؤمنين عليه السلام) و حكم (فى) مسئلة (رجل آكل) من باب المفاعلة اى تبانى على الأكل (و اصحاب له)

ص: 156

شاة فقال: ان اكلتموها فهى لكم، و ان لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا فقضى فيه ان ذلك باطل، لا شي ء فى المؤاكلة من الطعام ما قل منه او كثر و منع غرامة فيه.

و ظاهرها من حيث عدم ردع الامام عن فعل مثل هذا انه ليس بحرام

______________________________

عطف على الضمير فى «آكل» (شاة) اى تبانوا على اكل شاة كانت تلك الشاة للرجل (فقال) الرجل لاصحابه (ان اكلتموها) اى تمكنتم من اكلها تماما، بان لا يبقى منها شي ء (فهى لكم) و لا آخذ منكم ثمنها (و ان لم تأكلوها) بان لم تقدروا على اكل جميعها فى مجلس واحد (فعليكم) ان تعطونى (كذا و كذا) من المال، ثم جاءوا و سألوا الامام عليه السلام عن حكم هذا التبانى، و هل انه باطل او صحيح؟ (فقضى) امير المؤمنين عليه السلام (فيه) اى فى هذا السؤال (ان ذلك) التواكل اى التبانى (باطل، لا شي ء فى المؤاكلة من الطعام ما قل منه او كثر) فلا صاحب الشاة يغرم الشاة و غيرها اذا اكلها اصحابه- و لا الاصحاب يغرمون مقدار المراهنة الّذي قالوا «كذا و كذا» اذا لم يأكلوا الشاة (و منع) الامام (غرامة فيه) هذا عطف بيان لقوله عليه السلام «لا شي ء فى المؤاكلة» فهذا الحديث يكون دليلا لصاحب الجواهر الّذي يقول: بعدم الحرمة بالمراهنة بغير آلات القمار

(و) ذلك لان (ظاهرها) اى ظاهر هذه الرواية (من حيث عدم ردع الامام) امير المؤمنين عليه السلام (عن فعل مثل هذا) التراهن (انه ليس بحرام) فان الامام لم يذكر، الا انه لا يصح الرهان فلا خسارة على صاحب الشاة، و لا على اصحابه، و لو كان مثل هذا التراهن حراما، لكان

ص: 157

الا انه لا يترتب عليه الاثر.

لكن هذا وارد على تقدير القول بالبطلان، و عدم التحريم لان التصرف فى هذا المال مع فساد المعاملة حرام أيضا، فتأمل.

ثم ان حكم العوض- من حيث الفساد- حكم سائر المأخوذ بالمعاملات

______________________________

على الامام ان ينبه على ذلك فانّه لو سئل من الامام عن رجل زنى بامرأة فى مقابل ان يعطيها دينارا، فهل تستحق، أم لا؟ لا بد و ان يقول الامام الزنا حرام، و الرجل ليس بمديون (الا انه لا يترتب عليه) اى على هذا التراهن اى التواكل (الاثر) اى خسارة الرجل الشاة، او الاصحاب كذا و كذا.

(لكن) و مع ذلك كله فهذا الحديث كما يستشكل به علينا- حيث نقول بالحرمة و الحديث لا يدل عليها- كذلك يستشكل به على صاحب الجواهر الّذي يقول بعدم الحرمة مع بطلان المراهنة كذلك- حيث ان الحديث لم يدل على ضمان الآكلين للشاة مع انهم ضامنون قطعا- فكل منا و صاحب الجواهر يحتاج إلى ان يجيب عن هذا الحديث.

ف (هذا) الاشكال (وارد على تقدير القول) للجواهر (بالبطلان) للمراهنة (و عدم التحريم، لان التصرف فى هذا المال) الشاة- فى المثال- (مع فساد المعاملة حرام أيضا) مع ان الحديث لم ينبه عليه (فتأمل) حتى لا يستشكل على الجواهر، اذ فى بعض النسخ «دفع غرامة» مكان «منع غرامة» يعنى امر الامام بدفع الغرامة إلى صاحب الشاة.

(ثم ان حكم العوض- من حيث الفساد- حكم سائر المأخوذ بالمعاملات

ص: 158

الفاسدة، يجب رده على مالكه مع بقائه و مع التلف، فالبدل مثلا او قيمة

و ما ورد من قي ء الامام البيض الّذي قامر به الغلام فلعله للحذر من ان يصير الحرام جزءا من بدنه، لا للرد على المالك

______________________________

الفاسدة، يجب رده على مالكه مع بقائه) عينا (و مع التلف، فالبدل) ان كان قيميا فالقيمة و ان كان مثليا فالمثل، و لذا قال: (مثلا او قيمة).

(و) ان قلت: ان وجب رد المثل او القيمة فلما ذا تقيأ الامام ابو الحسن عليه السلام البيضة التى قامر بها الغلام حيث انه عليه السلام لما اخبر بانها بيضة المقامرة تقيأها اذ يكفى فى التخلص اعطاء بدلها الّذي هو المثل فى المقام.

قلت: (ما ورد من قي ء الامام البيض الّذي قامر به الغلام فلعله للحذر من ان يصير الحرام جزاء من بدنه، لا للرد على المالك) لوضوح ان المأكول لا يصح رده، فلم يكن القي ء للرد.

لكن الانصاف ان الرواية لا دلالة فيها على كون البيضة حاصلة من القمار، و انما ظاهرها ان البيضة المحللة كانت مما قومر بها.

و لعل قي ء الامام عليه السلام كان لاجل ان لا يقال: ان الامام يأكل البيضة التى تدخل حلبة القمار، كما ان الامام الباقر (ع) غسل البقعة من بدنه، لعله لئلا يقع: ان الامام يغسل الغسل الناقص، و امثاله كثيرة.

و قبل ذلك كله قصة النبي صلى الله عليه و آله و سلم فى زواجه حيث قال تعالى وَ تَخْشَى النّٰاسَ وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ فانه صلى الله عليه و

ص: 159

لكن يشكل بان ما كان تأثيره كذلك يشكل اكل المعصوم له جهلا بناء على عدم اقدامه على المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم، لا جهلا و لا غفلة.

لان ما دل على عدم جواز الغفلة عليه فى ترك الواجب و فعل الحرام دل على عدم جواز الجهل عليه فى ذلك.

______________________________

آله و سلم كان حذرا من لسان الناس، و الرواية هى رواية عبد الحميد بن سعيد، قال بعث ابو الحسن عليه السلام غلاما له يشترى بيضا، فاخذ الغلام بيضة او بيضتين، فقامر بها، فلما اتى به اكله، فقال له مولى له ان فيه من القمار، قال: فدعا بطشت، فتقيّأها و انت ترى عدم دلالة الرواية الا كون البيض كان مشترى لا محصلا من القمار.

(لكن) اذا قيل بانه عليه السلام كان اكلا لبيض حاصل من الحرام (يشكل بان ما كان تأثيره كذلك) يكون جزء من البدن حراما (يشكل اكل المعصوم له جهلا) بواقعه الحرام (بناء على عدم اقدامه على المحرمات الواقعية غير المتبدلة بالعلم) اى مما بقى مجهولا فلم يتبدل الجهل به الى العلم (لا جهلا و لا غفلة) اى لا يأكل الامام الحرام الواقعى لا عن جهل و لا عن غفلة.

(لان ما دل على عدم جواز الغفلة عليه) عليه السلام (فى ترك الواجب و فعل الحرام) و الا لخرج عن كونه معصوما (دل على عدم جواز الجهل عليه فى ذلك) الترك للواجب و الفعل للحرام.

ص: 160

اللهم الا ان يقال: بان مجرد التصرف من المحرمات العلمية و التأثير الواقعى غير المتبدل بالجهل، انما هو فى بقائه و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام، و الفرض اطلاعه عليه السلام عليه فى اوائل وقت تصرف المعدة، و لم يستمر جهله

______________________________

(اللهم الا ان يقال: بان مجرد التصرف من المحرمات العلمية) التى لا يجب ان يكون الامام مجتنبا لها (و التأثير الواقعى) للحرام فى بدن الامام (غير المتبدل بالجهل) اى ان التأثير موجود، سواء علم الانسان بذلك، أم لا (انما هو فى بقائه) اى بقاء الحرام فى بدن الامام (و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام، و الفرض اطلاعه عليه السلام عليه فى اوائل وقت تصرف المعدة، و لم يستمر جهله) اى الجهل بكونه حراما حتى يصير بدلا و جزء من بدنه عليه السلام.

و الحاصل فى الاشكال انه لو كان البيض حراما، حسب ما قلتم من ان بدل القمار حرام كيف اكله الامام مع انه موجب لمفسدتين.

الاول: التصرف المحرم و هو لا يصدر من المعصوم.

الثانى: ان الحرام كيف يمكن ان يكون جزء من بدن الامام.

و الجواب عن الاول ان جهل المعصوم بالموضوع غير ضار بمقام العصمة

و عن الثانى انه لم يصر جزء من بدن الامام، لانه تقيئه قبل ان يتحلل

اقول: لا يخفى ان دليل العصمة شامل لعدم اتيان الامام بالحرام مطلقا، سواء كان موضوعا او حكما، و هذا هو المشهور عند الشيعة.

فالجواب الاول من المصنف فى غير موقعه، بل الجواب ما ذكرناه

ص: 161

هذا كله لتطبيق فعلهم على القواعد و الا فلهم فى حركاتهم من افعالهم و اقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم.

الرابعة: المغالبة بغير عوض فى غير ما نصّ على جواز المسابقة فيه.

و الاكثر على ما فى الرياض على التحريم، بل حكى فيها عن جماعة دعوى الاجماع عليه، و هو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة

______________________________

بالإضافة إلى ضعف السند، و لو فرض انه وردت رواية صحت سندها لزم تاويلها او طرحها لمكان الادلة العقلية و النقلية المنافية لذلك.

و من المستغرب ان يستشكل المصنف فى كتاب الطهارة على الجواهر فى مسئلة تحديدات الكرّ بما يقول بمثله فى هذا المقام و الله الهادى العاصم.

(هذا كله لتطبيق فعلهم) عليهم السلام (على القواعد) الشرعية (و الا فلهم فى حركاتهم من افعالهم و اقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم) فليس لنا ان نتكلم حولهم عليهم السلام بعد ثبوت إمامتهم، و انهم حجج الله تعالى، و انهم لٰا يَعْصُونَ اللّٰهَ مٰا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مٰا يُؤْمَرُونَ.

المسألة (الرابعة) من اقسام المغالبة (المغالبة بغير عوض فى غير ما نص على جواز المسابقة فيه) من الخف و النصل و الحافر، كان يتغالب اثنان فى العدو، و السباحة بدون عوض، و انما لتجربة الاكثر منهما جريا او سباحة او ما اشبه.

(و الاكثر على ما فى الرياض على التحريم، بل حكى فيها عن جماعة دعوى الاجماع عليه، و هو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة

ص: 162

فعن موضع منها انه لا تجوز المسابقة على المصارعة بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا اجمع، لعموم النهى الا فى الثلاثة الخف و الحافر و النصل.

و ظاهر استدلاله ان مستند الاجماع هو النهى، و هو جار فى غير المصارعة أيضا.

و عن موضع آخر لا تجوز المسابقة على رمى الحجارة باليد، و المقلاع و المنجنيق، سواء كان بعوض او بغير عوض عند علمائنا.

و فيه أيضا لا تجوز المسابقة على المراكب و السفن و الطيارات

______________________________

فعن موضع منها) انه قال: (انه لا تجوز المسابقة على المصارعة بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا اجمع، لعموم النهى) اى قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا سبق (الا فى الثلاثة الخف و الحافر و النصل).

(و ظاهر استدلاله) نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم (ان مستند الاجماع هو النهى، و هو) اى عموم النهى (جار فى غير المصارعة أيضا) من سائر اقسام المغالبة.

(و عن موضع آخر) من التذكرة، انه قال: (لا تجوز المسابقة على رمى الحجارة باليد، و المقلاع) و هو ما له ثلاثة حبال، و مركز للحجارة ترمى منه بعد تدويره بكل قوة، و اطلاق احد الحبال الثلاثة لتنطلق الحجارة من مكانها بشدة (و المنجنيق سواء كان بعوض او بغير عوض عند علمائنا).

(و فيه) اى فى كتاب التذكرة (أيضا لا تجوز المسابقة على المراكب و السفن و الطيارات) لعل مراده الطائرة المعمولة الآن، لما ورد فى التواريخ ان جابر ابن حيان كان صنع الطائرة لبعض البرامكة، و المسائل من هذا

ص: 163

عند علمائنا.

و قال: أيضا: لا تجوز المسابقة على مناطحة الغنم و مهارشة الديك بعوض و لا بغير عوض، قال: و كذلك لا تجوز المسابقة بما لا ينتفع به فى الحرب، و عد فيما مثل به اللعب بالخاتم و الصولجان و رمى البنادق و الجلاهق، و الوقوف على رجل واحد، و معرفة ما فى اليد من الزوج و الفرد و سائر الملاعب و كذا اللبث فى الماء.

______________________________

القبيل موجودة فى كتب العلامة، اما كون مراده الطيارة الورقية، فخلاف الظاهر من قوله: على (عند علمائنا).

(و قال) العلامة (أيضا: لا تجوز المسابقة على مناطحة الغنم) ليرى ان اى الغنمين اقوى، و اقدر، و اغلب (و مهارشة الديك بعوض و لا بغير عوض، قال: و كذلك لا تجوز المسابقة بما لا ينتفع به فى الحرب، وعد) العلامة (فيما مثل به) لما لا ينتفع به فى الحرب (اللعب بالخاتم و الصولجان) اى العصى، و الكرة (و رمى البنادق) ليرى ايهما اكثر قوة فى تصعيد البندقة إلى السماء (و الجلاهق) قسم من البندقة او القوس اى الرمى من القوس، و هى لعبة لا تنفع الا العبث (و الوقوف على رجل واحد) ة، ليرى ايهما اكثر صبرا و صمودا (و معرفة ما فى اليد من الزوج و الفرد و سائر الملاعب) كمعرفة ان الشي ء المخفى فى أية يد من الايادى للمجتمعين (و كذا اللبث فى الماء) فى الشتاء، او فى داخل الماء لامتحان النفس الاطول من المتراهنين.

ص: 164

قال و جوزه بعض الشافعية، و ليس بجيد، انتهى.

و ظاهر المسالك: الميل إلى الجواز، و استجوده فى الكفاية و تبعه بعض من تأخر عنه، للاصل و عدم ثبوت الاجماع و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من عموم النهى، و هو غير دال لان السبق فى الرواية يحتمل التحريك بل فى المسالك انه المشهور فى الرواية.

و عليه فلا يدل الا على تحريم المراهنة، بل هى غير ظاهرة فى

______________________________

(قال) العلامة (و جوزه بعض الشافعية، و ليس بجيد، انتهى) كلام العلامة قدس سره.

(و ظاهر المسالك: الميل إلى الجواز) فى المراهنة بغير عوض اذا لم يكن بآلات القمار (و استجوده فى الكفاية) اى قال انه جيد (و تبعه بعض من تأخر عنه، للاصل و عدم ثبوت الاجماع) الموجب للخروج عن الاصل، لانه مستند، و مثله ليس بحجة (و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من عموم النهى) فى قوله صلى الله عليه و آله و سلم: لا سبق (و هو غير دال) على عدم جواز المغالبة بدون عوض (لان السبق فى الرواية يحتمل التحريك) على وزن «فرس» لا على وزن «فلس» (بل فى المسالك انه) اى التحريك (المشهور فى الرواية) و السبق بالتحريك هو المال، بخلاف السكون فانه بمعنى المغالبة.

(و عليه فلا يدل) النهى- بناء على التحريك- (الا على تحريم المراهنة) بجعل العوض (بل هى) اى لو قلنا: بان الرواية: سبق بالفتح (غير ظاهرة فى

ص: 165

التحريم أيضا، لاحتمال إرادة فسادها، بل هو الاظهر، لان نفى العوض ظاهر فى نفى استحقاقه و إرادة نفى جواز العقد عليه فى غاية البعد.

و على تقدير السكون فكما يحتمل نفى الجواز التكليفى، فيحتمل نفى الصحة لو روده مورد الغالب من اشتمال المسابقة على العوض.

و قد يستدل للتحريم أيضا بادلة القمار بناء على انه مطلق

______________________________

التحريم أيضا، لاحتمال إرادة فسادها) اى فساد المراهنة، لا الحرمة التكليفية.

فالمعنى ان عقد المراهنة بعوض باطل غير لازم، الا اذا كان فى الخف و النصل و الحافر (بل هو) اى الفساد (الاظهر، لان نفى العوض) فى السبق- بالتحريك- (ظاهر فى نفى استحقاقه و إرادة نفى جواز العقد عليه فى غاية البعد) فان الاوامر و النواهى المتعلقة بالمركبات و المعاملات ظاهرة فى الوضع، لا التكليف كما قرر فى محله.

(و على تقدير السكون) فى لفظ: السبق، حتى يكون بمعنى المغالبة (فكما يحتمل نفى الجواز التكليفى، فيحتمل نفى الصحة) أيضا (لوروده) اى النهى (مورد الغالب من اشتمال المسابقة على العوض) بل لا يحتاج إلى هذا التعليل أيضا.

فالرواية تقول: ان مطلق المراهنة، سواء كانت بعوض أو لا لا تنعقد الا فى الثلاث، لكن يرد ذلك بان ظاهر قوله صلى الله عليه و آله: ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه، ظاهر فى التحريم، فتأمل.

(و قد يستدل للتحريم أيضا بادلة القمار بناء على انه) اى القمار (مطلق

ص: 166

المغالبة، و لو بدون العوض، كما يدل عليه ما تقدم من اطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا.

و دعوى انه يشترط فى صدق القمار احد الامرين اما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، و ان لم يكن عوض، و اما المغالبة مع العوض و ان لم يكن بالآلات المعدة للقمار على ما شهد به اطلاقه فى رواية الرهان فى الخف و الحافر فى غاية البعد.

بل الاظهر انه مطلق المغالبة.

______________________________

المغالبة، و لو بدون العوض، كما يدل عليه) اى على ان القمار مطلق المغالبة (ما تقدم من اطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا) أيضا، و لذا قال المشهور بتحريمه.

(و) اما (دعوى انه يشترط فى صدق القمار) المنهى عنه (احد الامرين اما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، و ان لم يكن عوض، و اما المغالبة مع العوض و ان لم يكن بالآلات المعدة للقمار) كالمغالبة بالجوز و البيض و ما اشبه (على ما شهد به) اى بشمول القمار لما فيه العوض و ان لم يكن بآلاته (اطلاقه) اى القمار على كل ما فيه عوض (فى رواية الرهان فى الخف و الحافر) اذ معناه لا عوض الا فى الخف و الحافر مما يدل على ان اخذ العوض حرام فيما سواهما (فى غاية البعد) لان اطلاق القمار عليهما دون ما سواهما لم يدل عليه الدليل.

(بل الاظهر انه) اى القمار (مطلق المغالبة).

ص: 167

و يشهد له ان اطلاق آلة القمار موقوف على عدم دخول الآلة فى مفهوم القمار كما فى سائر الآلات المضافة إلى الاعمال و الآلة غير مأخوذة فى المفهوم، و قد عرفت ان العوض- أيضا- غير مأخوذ فيه فتأمل.

______________________________

(و يشهد له) اى ان القمار مطلق المغالبة (ان اطلاق آلة القمار موقوف على عدم دخول الآلة فى مفهوم القمار) و الا كان من قبيل اضافة الشي ء إلى نفسه، و يكون المعنى حينئذ آلة آلة القمار.

اما اذا كان القمار المغالبة كانت الاضافة هكذا: آلة المغالبة (كما فى سائر الآلات المضافة إلى الاعمال) مثل آلة الحياكة و آلة النجارة و آلة الحلاقة، و ما اشبه ذلك (و الآلة غير مأخوذة فى المفهوم) من تلك الاعمال (و قد عرفت ان العوض- أيضا- غير مأخوذ فيه) اى فى مفهوم القمار، و إلا لزم اضافة الشي ء إلى نفسه فى قولهم: عوض القمار لان يكون حينئذ: عوض عوض القمار.

و الحاصل: ان القمار بمعنى المغالبة، و الآلة و العوض خارجان عن هذا المفهوم (فتأمل) لعله اشارة إلى انه لوجئ بالآلة، جرد القمار عن معنى الآلة و لو لم يؤت بالآلة، كان بمعنى المغالبة بالآلات الخاصة

و يدل على ذلك انه لو اطلق: فلان يلعب القمار لم يسبق إلى الذهن الا اللعب بالآلات الخاصة، و لا بدع فيما ذكر، فكثير من الالفاظ اذا لم تقارن بلفظ آخر، كان معناه شي ء و اذا قورنت بلفظ آخر صار معناه شيئا آخر، مثل: الظرف و الجار و المجرور، و الفقير و المسكين و غيرهما.

ص: 168

و يمكن ان يستدل على التحريم أيضا بما تقدم من اخبار حرمة الشطرنج و النرد، معللة بكونها من الباطل و اللعب، و ان كل ما إلهى عن ذكر الله، فهو الميسر.

و قوله عليه السلام فى بيان اللعب بالاربعة عشر: لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمى و المراد رهان الفرس، و لا شك فى صدق اللهو و اللعب فيما نحن فيه.

ضرورة ان العوض لا دخل له فى ذلك.

و يؤيده

______________________________

(و يمكن ان يستدل على التحريم أيضا) للمغالبة بغير عوض (بما تقدم من اخبار حرمة الشطرنج و النرد، معللة) للتحريم (بكونها من الباطل و اللعب، و ان كل ما إلهى عن ذكر الله، فهو الميسر) فيشمله قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ.

(و قوله عليه السلام فى بيان اللعب بالاربعة عشر: لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمى و المراد رهان الفرس، و) الابل و الحمير فهذه العلل المذكورة فى هذه الروايات شاملة للمغالبة بدون الرهن، اذ: (لا شك فى صدق اللهو و اللعب فيما نحن فيه) اى المغالبة بغير عوض.

(ضرورة ان العوض لا دخل له فى ذلك) لصدق اللهو و اللعب و الباطل و ما اشبه.

(و يؤيده) اى تحريم المغالبة من غير عوض، و انما جعله مؤيد الآن

ص: 169

ما دل على ان كل لهو المؤمن باطل، خلا ثلاثة، و عد منها اجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته.

و لعله لذلك كله استدل فى الرياض تبعا للمهذب بما دل على حرمة اللهو.

لكن قد يشكل الاستدلال فيما اذا تعلق بهذه الافعال غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا.

فيمكن اناطة الحكم باللهو، و يحكم فى غير مصاديقه بالإباحة

______________________________

الرواية لا تدل على التحريم، للبداهة على تحريم كل لهو كما سيأتى (ما دل على ان كل لهو المؤمن باطل، خلا ثلاثة، و عد منها اجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته) و لو كانت المغالبة بدون الرهن خارجة عن الموضوع فى هذا الحديث.

(و لعله لذلك) الّذي ذكرنا (كله) من المؤيد لحرمة المغالبة بدون الرهن (استدل فى الرياض تبعا للمهذب) فى مسئلتنا هذه (بما دل على حرمة اللهو)، لانهما رأيا ان المغالبة داخلة فى اللهو- موضوعا-.

(لكن قد يشكل الاستدلال) للحرمة بكونه لهوا (فيما اذا تعلق بهذه الافعال غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا) كما اذا ارادوا تقوية البدن فى المصارعة و العدو و تعلم السباحة الحسنة للنجاة من المهالك فى المغالبة على السباحة و ما اشبه ذلك.

(فيمكن) اذا كان وجه التحريم كونه لهوا (اناطة الحكم) حرمة و إباحة (باللهو، و يحكم فى غير مصاديقه) اى غير مصداق اللهو (بالإباحة

ص: 170

الا ان يكون قولا بالفصل.

و هو غير معلوم، و سيجي ء بعض الكلام فى ذلك عند التعرض لحكم اللهو و موضوعه ان شاء الله تعالى.

______________________________

الا ان يكون) هذا التفصيل بين المغالبة اللهوية فتحرم، و غير اللهوية فتجوز (قولا بالفصل) فيكون خلاف الاجماع المركب.

اذ: الفقهاء بين من يقول بحلية المغالبة بدون الرهن مطلقا و بين من يقول بالحرمة مطلقا.

(و) لكن (هو) اى كونه قولا بالفصل (غير معلوم، و سيجي ء بعض الكلام فى ذلك عند التعرض لحكم اللهو) و ان منه حلالا و منه حراما (و موضوعه ان شاء الله تعالى).

لكن جماعة من الفقهاء استدلوا على جواز المغالبة بغير الآلات، و غير الرهن، بمصارعة الامام الحسن و الامام الحسين عليهما السلام و بالتقاطهما حبات قلادة الزهراء صلوات الله عليها و بكتابتهما، كما نقلها المجلسى ره و غيره.

كما انه ربما استدل ذلك بسيرة المتشرعة من المغالبة فى السباحة، و المشاعرة و الكتابة و القراءة حفظا و ما اشبه.

ثم انه يجوز للثالث ان يجعل جائزة للغالب من الجانبين، كما هو كثير عند المتشرعة فى المشاعرة و السباحة و ما اشبه، و الله العالم.

ص: 171

السادسة عشرة القيادة حرام

و هى السعى بين الشخصين لجمعهما على الوطي المحرم و هى من الكبائر و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك فى مسئلة تدليس الماشطة.

و فى صحيحة ابن سنان: انه يضرب ثلاثة ارباع حد الزانى خمسة و سبعين سوطا، و ينفى من المصر الّذي هو فيه.

______________________________

المسألة (السادسة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته (القيادة حرام و هى السعى بين الشخصين لجمعها على الوطي المحرم) و المنصرف عنها بين الاجنبى و الاجنبية عن القواد اما بين الاجنبى و المرأة القريبة للقواد، فتسمى بالدياثة (و هى من الكبائر، و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك) اى بالقيادة (فى مسئلة تدليس الماشطة).

و حيث كان هذا العمل حراما كانت الاجرة المأخوذة على ذلك أيضا محرمة، فان الله اذا حرم شيئا حرم ثمنه.

و لانه اكل للمال بالباطل.

(و فى صحيحة ابن سنان: انه) اى القواد (يضرب ثلاثة ارباع حد الزانى خمسة و سبعين سوطا، و ينفى من المصر الّذي هو فيه).

و كما ان القيادة و الدياثة محرمتان كذلك الجمع بين اللاطى و الملوط، و المتساحقتين و كذلك بين اثنين محرمين لعدم الوطء بل

ص: 172

..........

______________________________

للقبلة و الملامسة و ما اشبه، و بين الرجل و الخنثى، و الخنثى و الانثى، بل بين الانسان و الحيوان ايهما كان الواطئ.

و كما يحرم هذه الامور بالنسبة إلى الانسانين و الانسان و الحيوان كذلك يحرم بالنسبة إلى الانسان و الجماد كالمجسمات المطاطية فى صورة رجل او امرأة و الاعضاء التناسلية لاحدهما، فالظاهر حرمة المعاملة، فانه من قبيل ايصال حرام إلى حرام.

و هكذا يحرم الدخول فى الامور المرتبطة بهذه المحرمات، من كتابة و شهادة و وظيفة كما اعتاد بعض الغربيين فى العصر الحاضر من جعل الوكالات و الفروع لهذه الامور اعاذ الله المسلمين منها.

اما تفصيل الكلام فى هذه الامور فمنوط بالكتب الاستدلالية و خصوصا الحدود و التعزيرات.

ص: 173

السابعة عشرة القيافة حرام فى الجملة

نسبه فى الحدائق إلى الاصحاب و فى الكفاية لا اعرف خلافا، و عن المنتهى الاجماع.

و القائف- كما عن الصحاح و القاموس و المصباح- هو الّذي يعرف الآثار، و عن النهاية و مجمع البحرين- زيادة- انه يعرف شبه الرجل باخيه و ابيه.

و فى جامع المقاصد و المسالك كما عن إيضاح النافع و الميسية انها الحاق الناس بعضهم ببعض.

______________________________

المسألة (السابعة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته (القيافة).

هى (حرام فى الجملة) لما سيأتى من عدم حرمة بعض اقسامها (نسبه) اى التحريم (فى الحدائق إلى الاصحاب و فى الكفاية لا اعرف خلافا، و عن المنتهى الاجماع) عليه.

(و القائف- كما عن الصحاح و القاموس و المصباح- هو الّذي يعرف الآثار، و عن النهاية و مجمع البحرين- زيادة- انه يعرف شبه الرجل باخيه و ابيه) هذا من باب المثال، و الا فالمراد مطلق مشابهة الاقرباء فيحكم القائف بان هذا قريب هذا و هذا ليس بقريب ذاك.

(و فى جامع المقاصد و المسالك كما عن إيضاح النافع و الميسية انها) اى القيافة (الحاق الناس بعضهم ببعض) و هذا أيضا من باب المثال، و

ص: 174

و قيد فى الدروس، و جامع المقاصد كما فى التنقيح حرمتها بما اذا ترتب عليها محرم، و الظاهر انه مراد الكل، و الا فمجرد حصول الاعتقاد العلمى او الظنى بنسب شخص لا دليل على تحريمه.

و لذا نهى فى بعض الاخبار عن اتيان القائف، و الاخذ بقوله.

ففى المحكى عن الخصال: ما احب ان تأتيهم.

______________________________

إلا فمن القيافة بيان عدم الحاق بعض الناس ببعض أيضا هذا كله فى موضوع القيافة.

(و) اما حكمها ف (قيد فى الدروس، و جامع المقاصد كما فى التنقيح حرمتها بما اذا ترتب عليها محرم، و الظاهر انه) اى ما اذا ترتب عليها محرم (مراد الكل) بان يقول: ان زيدا ابن عمرو، و الحال انه ليس بابنه واقعا او يقول: ان خالدا ليس اخا بكر و الحال انه اخوه، و ما اشبه ذلك (و الا فمجرد حصول الاعتقاد العلمى او الظنى بنسب شخص) من دون ترتيب الآثار (لا دليل على تحريمه).

(و لذا) الّذي ذكرنا من انه بدون ترتيب الآثار لا دليل على التحريم (نهى فى بعض الاخبار عن اتيان القائف، و الأخذ بقوله) فالسبب هو الاخذ بالقول.

(ففى المحكى عن الخصال: ما احب ان تأتيهم) و هو خبر ابى بصير عن الصادق عليه السلام حيث سأله قائلا: فالقيافة، قال: ما احب ان تأتيهم.

ص: 175

و عن مجمع البحرين ان فى الحديث لا آخذ بقول قائف.

و قد افترى بعض العامة على رسول الله (ص) فى انه قضى بقول القافة.

و قد انكر ذلك عليهم فى الاخبار، كما يشهد به ما عن الكافى عن زكريا بن يحيى بن نعمان المصرى، قال سمعت على بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن على بن الحسين، فقال: و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا فقال الحسن: اى و الله جعلت فداك، لقد بغى عليه اخوته، فقال على بن جعفر: اى و الله و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم، فانى لم احضركم قال:

______________________________

(و عن مجمع البحرين ان فى الحديث لا آخذ بقول قائف) فان الظاهر من الحديث الاول: كون الاتيان لاجل الاخذ، كما ان صريح الحديث الثانى.

(و قد افترى بعض العامة على رسول الله (ص) فى انه قضى بقول القافة) جمع قائف، مثل باعة جمع بائع.

(و قد انكر ذلك) القضاء من رسول الله بقول القائف (عليهم) اى على العامة (فى الاخبار، كما يشهد به) اى بالانكار (ما عن الكافى عن زكريا بن يحيى بن نعمان المصرى، قال سمعت على بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن على بن الحسين، فقال: و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا) عليه السلام (فقال الحسن: اى و الله جعلت فداك، لقد بغى عليه اخوته، فقال على بن جعفر: اى و الله، و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم، فانى لم احضركم قال) على ابن

ص: 176

فقال له اخوته و نحن أيضا ما كان فينا امام قط حائل اللون فقال لهم الرضا هو ابنى، فقالوا: ان رسول الله (ص) قضى بالقافة فبيننا و بينك القافة، فقال: ابعثوا انتم إليهم، و اما انا فلا، و لا تعلموهم لما دعوتموهم إليه و ليكونوا فى بيوتكم فلما جاءوا و قعدنا فى البستان و اصطف عمومته و اخوته و اخواته و اخذ و الرضا (ع) و البسوه جبة من صوف، و قلنسوة و وضعوا

______________________________

جعفر (فقال له اخوته و نحن أيضا ما كان فينا امام قطّ حائل اللون) اى مائلا إلى السمرة الشديدة فان الامام الجواد عليه السلام كان اسمر، و اراد اخوة الرضا و عمومته ان ينفوا الجواد عن الرضا عليهما السلام حسدا، حيث علموا بانه ان بقى كان هو الامام، وفاتهم المنصب الّذي كانوا يزعمون انه يأتيهم لو نفى الجواد عن الرضا عليهما السلام (فقال لهم الرضا) عليه السلام (هو ابنى، فقالوا: ان رسول الله (ص) قضى ب) حكم (القافة) اى القائف الّذي يقول: ان فلانا ابن فلان، او ليس ابن فلان (فبيننا و بينك القافة، فقال) الامام الرضا عليه السلام (ابعثوا انتم إليهم، و اما انا فلا) حيث كان الامام يعلم كذبهم، فان رسول الله (ص) لم يقض بالقافة (و لا تعلموهم) اى القافة (لما دعوتموهم إليه و ليكونوا فى بيوتكم) و قد قال الامام عليه السلام ذلك، لانهم ان اعلموا القافة، و علم القافة بميل أولئك إلى نفى الجواد، نفوا الامام عن ابيه الرضا عليه السلام (فلما جاءوا) القافة (و قعدنا فى البستان) المعدّ لحكم القافة هناك (و اصطف عمومته) اى عمومة الامام الرضا (ع) (اخوته و اخواته) لينظروا ما هو حكم القافة (و اخذوا الرضا «ع» و البسوه جبة من صوف، و قلنسوة و وضعوا

ص: 177

على عنقه مسحاة و قالوا له ادخل البستان كانك تعمل فيه، ثم جاءوا بابى جعفر، عليه السلام و قالوا: له الحقوا هذا الغلام بابيه، فقالوا ما له هنا اب، و لكن هذا عم ابيه، و هذا عمه و هذه عمته و ان يكن له هنا اب فهو صاحب البستان فان قدميه و قدميه واحدة فلما رجع ابو الحسن عليه

______________________________

على عنقه مسحاة) ليكون كالفلاحين زيادة فى تعمية الامر على القافة (و قالوا له) اى للامام الرضا عليه السلام (ادخل البستان كانك تعمل فيه) و من فلاحيه (ثم جاءوا) اى الاعمام (بابى جعفر) الجواد (عليه السلام، و قالوا) للقافة (الحقوا هذا الغلام بابيه، فقالوا) اى القافة (ما له هنا) فى هذا المكان (اب و لكن هذا عم ابيه، و هذا عمه، و هذه عمته) و علمه كونها عمته اما كان من المشى، و كيفية الجسم طولا و قصرا و ما اشبه، و اما لان بعض الاعمام سمحوا للعمة بابداء وجهها للقافة، فان من يستعد لان يعصى الله سبحانه فى نفى ولد الامام فهو لمثل هذا العصيان اكثر استعدادا و قد كان فى اولاد الائمة عليهم السلام من هو بمنزلة ابن نوح عليه السلام و اخوة يوسف عليه السلام، ثم قال القافة (و ان يكن له هنا اب، فهو صاحب البستان) اى الامام الرضا عليه السلام (فان قدميه) اى الجواد عليه السلام (و قدميه) اى الرضا عليه السلام (واحدة) تشبه احدهما الاخرى.

و كان هذا القول من القافة حين كان الامام الرضا داخلا إلى البستان، و كان مواجها لهم، ثم ادبر الامام عليه السلام يريد الخروج (فلما رجع ابو الحسن) الرضا (عليه

ص: 178

السلام قالوا هذا ابوه، فقال على بن جعفر فقمت و مصصت ريق ابى جعفر، عليه السلام، و قلت: اشهد انك امامى، الخبر نقلناه بطوله تيمّنا.

______________________________

السلام) و رأى القافة اقدامه من خلف، كما رأوا اقدامه من الامام (قالوا هذا) البستانى (ابوه) اى والد الجواد عليه السلام قطعا، و حكموا بذلك حكما جازما (فقال على بن جعفر فقمت و مصصت ريق ابى جعفر) الجواد (عليه السلام، و قلت: اشهد انك امامى) الى آخر (الخبر).

و كان على ابن جعفر عليه السلام انسانا طيبا و ان زلت قدمه فى هذه القصة، و قد من الله سبحانه عليه بالطاعة و الامتثال لامر الامام الجواد، و قد كان الامام الجواد اذ ذاك صغير العمرو على ابن جعفر حينذاك شيخ كبير، اذ هو ابن الامام الباقر عليه السلام، و ذات مرة قال لعلى بن جعفر بعض الناس: كيف تحترم هذا الصبى- يعنون الجواد عليه السلام- و انت بهذه المثابة من العلم و الفقاهة، فقال على بن جعفر عليه السلام، ما ذا افعل؟ اذا وضع الله الامامة فى هذا الصبى و ما رآني الله قابلا لذلك هذا تفسير كلامه بالمعنى.

و انما الخبر (نقلناه بطوله تيمنا) و تبركا و للخبر بقية لم ننقلها خوف التطويل.

ص: 179

الثامنة عشرة الكذب حرام بضرورة العقول و الاديان،

اشارة

و تدل عليه الادلة الاربعة الا ان الّذي

ينبغى الكلام فيه مقامان.
احدهما: فى انه من الكبائر،

و الثانى: فى مسوغاته.

اما الأول: فالظاهر من غير واحد من الاخبار كالمروى فى العيون بسنده

______________________________

المسألة (الثامنة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته بنفسه (الكذب) و هو (حرام بضرورة العقول و الاديان، و تدل عليه الادلة الاربعة).

فمن الكتاب قوله تعالى: لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَى الْكٰاذِبِينَ.

و من السنة قوله عليه السلام: جعلت الخبائث كلها فى بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب.

و الاجماع مقطوع به و مصرح به فى كلام غير واحد.

و العقل يرى قبح ذلك، و حيث انه فى سلسلة العلل، و كلما حكم به العقل حكم به الشرع، كان مقتضاه الحرمة الشرعية أيضا.

و بالجملة لا كلام فى حرمة الكذب (الا ان الّذي ينبغى الكلام فيه) اى فى هذا الموضوع (مقامان).

(احدهما: فى انه من الكبائر، و الثانى: فى مسوغاته) اى الامور التى تجوز الكذب، لكون رعايتها اهم من رعاية الكذب.

(اما) المقام (الاول: فالظاهر من غير واحد من الاخبار كالمروى فى العيون بسنده

ص: 180

عن الفضل ابن شاذان لا يقصر عن الصحيح و المروى عن الاعمش فى حديث شرائع الدين عده من الكبائر.

و فى الموثقة، بعثمان بن عيسى ان الله تعالى جعل للشرّ اقفالا، و جعل مفاتيح تلك الاقفال: الشراب، و الكذب شرّ من الشراب.

______________________________

عن الفضل ابن شاذان لا يقصر عن الصحيح) لا يقصر صفة «سند» (و المروى عن الاعمش فى حديث شرائع الدين عده) اى الكذب (من الكبائر).

و لا ينافى ذلك عدم عده من الكبائر فى بعض الروايات الاخر، لان المثبت مقدم على الساكت، و لو كان فى مقام التحديد- كما ذكروا مثل ذلك فى باب مفطرات الصوم-.

(و فى الموثقة ب) سبب (عثمان بن عيسى) فان وجوده فى السند سبب ان يكون الحديث من الموثقات (ان الله تعالى جعل للشرّ اقفالا و جعل مفاتيح تلك الاقفال: الشراب، و الكذب شر من الشراب).

و اذا كان الشراب شربه من الكبائر، كان الكذب كبيرة بطريق اولى.

و معنى الحديث- مثلا- ان الحياء يمنع الزنا و الشهامة تمنع السرقة و خوف القصاص يمنع القتل و هكذا.

فالزنا و السرقة و القتل شرور، و اقفالها التى تمنع عن ظهورها الحياء و الشهامة و الخوف.

فاذا شرب الشخص الخمر، زال عقله، و فتح القفل، اذ لا يشعر بالحياء و الشهامة و الخوف و لذا يرتكب تلك الجرائم و الآثام.

ص: 181

و ارسل عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الا اخبرك باكبر الكبائر، الاشراك بالله، و عقوق الوالدين، و قول الزور- اى الكذب-

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان المؤمن اذا كذب- بغير عذر- لعنه سبعون الف ملك و خرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش، و كتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية، اهونها كمن يزنى مع أمه.

______________________________

(و ارسل عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم) و الراوى هو انس بن مالك المنكر لقصة الغدير عمدا المبتلى بدعاء الامام المرتضى سلام الله عليه- بالبرص- و لذا فليس بحجة (الا اخبركم باكبر الكبائر) ثم قال صلى الله عليه و آله و سلم (الاشراك بالله، و عقوق الوالدين، و قول الزور- اى الكذب-).

و هذا الحديث يدل على ان الكذب فى مصاف اكبر الكبائر.

(و عنه صلى الله عليه و آله و سلم: ان المؤمن اذا كذب- بغير عذر-) اى عذر مشروع (لعنه سبعون الف ملك و خرج من قلبه نتن) اى ريح منتنة معنوية (حتى يبلغ العرش) و من المعلوم فضيحة مثل هذا الخروج عنه الملأ الاعلى (و كتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية اهونها كمن يزنى مع أمه) المراد بمثل هذه الاحاديث اما المبالغة للاقلاع و ليست المبالغة من الكذب، فقد ذكر العلماء انه خرج من الكذب ثلاث:

المبالغة، و التورية، و المزاح.

و اما المراد بعض اقسام الكذب، كوضع الاحاديث و البدع و ما اشبه و اما المراد العقاب الاصلى للزنا، فمثلا للزنا- ذاتا- لدغ عقرب من

ص: 182

و يؤيده ما عن العسكرى عليه السلام: جعلت الخبائث كلها فى بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب، الحديث فان مفتاح الخبائث كلها كبيره لا محالة.

و يمكن الاستدلال على كونه من الكبائر، بقوله تعالى:

______________________________

العقاب اما بالمناسبة المكتنفة بالزنا من انه يوجب افساد البنت و هدم العائلة، و تضييع النسل و ما اشبه، فله الف عقرب، فالكذب له سبعون عقربا اى سبعين ضعف من العقاب الاصلى للزنا و هكذا فى جانب الثواب

و انما نقول بمثل هذه التوجيهات، لوضوح اكثرية عقاب المشبه به، او ثوابه، عن عقاب المشبه او ثوابه، و لتفصيل الكلام مجال آخر و الله العالم

(و يؤيده) اى كون الكذب من الكبائر (ما عن) الامام (العسكرى عليه السلام: جعلت الخبائث كلها فى بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب) انتهى (الحديث) و معناه ما تقدم فى الحديث السابق، بتقريب: ان الكذب سبب للآثام.

و وجه التأييد ما ذكره بقوله: (فان مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة)

و انما جعله مؤيدا، لا دليلا، لامكان ان يكون المفتاح اهون مما يفتح بالمفتاح من المودعات فى الخزانة.

فان قلت: فكيف يكون مؤيدا؟.

قلت: لان المنصرف من مثل هذه الجملة: كون المفتاح شر من المودع الّذي يظهر عند فتح الخزينة بالمفتاح.

(و يمكن الاستدلال على كونه) اى الكذب (من الكبائر، بقوله تعالى:

ص: 183

إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ.

فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها.

و لذلك كله اطلق جماعة كالفاضلين و الشهيد الثانى، فى ظاهر كلماتهم: كونه من الكبائر، من غير فرق بين ان يترتب على الخبر الكاذب مفسدة و ان لا يترتب عليه شي ء اصلا.

و يؤيده ما روى عن النبي صلى الله

______________________________

إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ) و المراد عدم الايمان بالله فان غير المؤمن بالآية غير مؤمن بمن خلق الآية- كالعكس فان المؤمن بمن خلق الآية مؤمن بالآية أيضا- للتلازم بين الآية و بين الله سبحانه- تلازما خارجيا بعد ان خلق الله الآية-.

(فجعل) الله سبحانه (الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها) و من المعلوم ان الكفر بآيات الله من اعظم الكبائر و قد تقدم فى بعض المباحث ان مثل هذا الكفر يراد به الكفر العملى، لا الكفر العقيدى فهو من قبيل:

و من كفر، فى آية الحج، و اشباهها.

(و لذلك) الّذي ذكرنا (كله) من كونه كبيرة (اطلق جماعة كالفاضلين) المحقق و العلامة (و الشهيد الثانى، فى ظاهر كلماتهم: كونه) اى الكذب (من الكبائر، من غير فرق بين ان يترتب على الخبر الكاذب مفسدة) كذهاب عرض، او مال، او نفس محترمة- مثلا- (و ان لا يترتب عليه شي ء اصلا) كان يقول: رأيت ذبابة تطير و الحال انه لم يرها.

(و يؤيده) اى اطلاق كون الكذب كبيرة (ما روى عن النبي صلى الله

ص: 184

عليه و آله و سلم فى وصيته لابى ذر «رض»: ويل للذى يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له فان الاكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع فى المفسدة

______________________________

عليه و آله و سلم فى وصيته لابى ذر «رض»: ويل للذى يحدث فيكذب ليضحك القوم) بان يأتى بالاخبار المضحكة- كذبا- (ويل له، ويل له) فان هذا تشديد فى الكذب العادى (فان الاكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع فى المفسدة).

اما الكذب الحوارى لاجل بيان مطلب او ما اشبه مما اعتيد فى هذه الأزمنة، كما كتب العلامة المجاهد الشيخ جواد البلاغى رحلته بهذا الاسلوب، فليس من الكذب قطعا، و انما هو من اساليب بيان المطلب كالمجاز الّذي ليس بكذب، و التحسر و التحزن الّذي جي ء بهما لاظهار امر ما لا لاجل الحزن و الحسرة حقيقة قال تعالى «يٰا حَسْرَةً عَلَى الْعِبٰادِ» مع انه سبحانه لا يتحسر فانه و ما اشبه لا يعد كذبا، و لذا ينقل عن الامام المرتضى صلوات الله عليه، انه انشد عند قبر الصديقة الطاهرة عليها السلام.

قال الحبيب و كيف لى بجوابكم و انا رهين جنادل و تراب

و فى بيت آخر له عليه السلام انشده الامام الهادى فى مجلس المأمون

فافصح القبر عنهم حين سائلهم تلك الوجوه عليها الدود تنتقل

الى غيرها من الشواهد، و لذا لا يعد احد من المتشرعة قولهم: فلان جبان الكلب، او يبس الكف، او ظريف المطبخ، او ما اشبه كذبا، بل المجاز فى

ص: 185

نعم فى الاخبار ما يظهر منه عدم كونه على الاطلاق كبيرة.

مثل رواية ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه السلام: ان الكذب على الله تعالى، و رسوله من الكبائر، فانها ظاهرة فى اختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص، لكن يمكن حملها على كون هذا الكذب الخاص، من الكبائر الشديدة العظيمة، و لعل هذا اولى من تقييد المطلقات المتقدمة

و فى مرسلة سيف بن عميرة، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: كان يقول على بن الحسين عليه السلام، لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و

______________________________

القرآن الحكيم و السنة النبوية صلى الله عليه و آله و سلم كثيرة، و قد جمع الشريف الرضى ره مجازات النبي فى كتاب خاص.

(نعم فى الاخبار ما يظهر منه عدم كونه على الاطلاق كبيرة) و انما الكبيرة قسم خاص من الكذب.

(مثل رواية ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه السلام: ان الكذب على الله تعالى، و) على (رسوله من الكبائر، فانها) اى الرواية (ظاهرة فى اختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص، لكن) هذا من مفهوم اللقب او الوصف، و قد ثبت فى الأصول عدم حجية ايهما، بل (يمكن حملها) اى الرواية (على كون هذا الكذب الخاص، من الكبائر الشديدة العظيمة، و لعل هذا) الحمل (اولى من تقييد المطلقات المتقدمة) بان المراد منها خصوص الكذب على الله و الرسول.

(و فى مرسلة سيف بن عميرة، عن ابى جعفر عليه السلام، قال: كان يقول على بن الحسين عليه السلام، لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و

ص: 186

الكبير، فى كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب فى الصغير اجترأ على الكبير، الخبر.

و يستفاد منه ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

و فى صحيحة ابن الحجاج، قلت: لابى عبد الله عليه السلام الكذاب هو الّذي يكذب فى الشي ء قال: لا، ما من احد الا و يكون منه ذلك، و لكن المطبوع على الكذب،

______________________________

الكبير، فى كل جد و هزل، فان الرجل اذا كذب فى الصغير اجترأ على الكبير) الى آخر (الخبر) فالكذب الصغير كالكذب عما اكل، و الكبير كالكذب على الله و رسوله.

(و يستفاد منه) اى من هذا الحديث (ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد) اذ ليس المراد طول الكذب او قصره- قطعا- فليس الا ان يكون باعتبار ترتب المفاسد، او يمكن ان يكون باعتبار المكذوب عليه و ان لم يترتب عليه مفسدة خارجية.

(و فى صحيحة ابن الحجاج، قلت: لابى عبد الله عليه السلام الكذاب هو الّذي يكذب فى الشي ء) اى مطلقا (قال) عليه السلام (لا، ما من احد الا و يكون منه ذلك) اى الكذب فى بعض الاحيان (و لكن المطبوع على الكذب) فان الكذاب صيغة مبالغة، و هى لا تكون الا مع كثرة الكذب، و الكثرة تلازم الصفة النفسانية- و لذا فسره عليه السلام بالمطبوع-.

و كان المصنف ره اراد ان يستفيد من هذا الحديث، حيث قال عليه السلام: ما من احد، ان هذا الشي ء المبتلى به العموم لا يكون كبيرة

ص: 187

فان قوله: ما من احد، الخبر يدل على ان الكذب من اللمم الّذي يصدر من كل احد، لا من الكبائر.

و عن الحارث الأعور، عن على عليه السلام، قال: لا يصلح من الكذب جد و هزل، و لا يعدنّ احدكم صبيّه، ثم لا يفى له ان الكذب يهدى إلى الفجور، و الفجور يهدى إلى النار و ما زال احدكم يكذب حتى يقال: كذب و فجر الخبر.

______________________________

(فان قوله) عليه السلام (ما من احد، الخبر يدل على ان الكذب من اللمم) الشي ء الّذي يلم بالانسان، او يلم الانسان به، و المراد منه صغار الذنوب كما قال سبحانه «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبٰائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوٰاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ» (الّذي يصدر من كل احد، لا) انه (من الكبائر) مطلقا.

(و عن الحارث الأعور، عن على عليه السلام، قال: لا يصلح من الكذب جد و هزل، و لا يعدنّ احدكم صبيّه، ثم لا يفى له) ثم قال عليه السلام (ان الكذب يهدى إلى الفجور) من النميمة و البهت و السباب و ما اشبه، فان من كانت له ملكة حفظ اللسان يحفظ لسانه عن كل شي ء، و من ترك لسانه ليكذب لا بد و ان يتدرج إلى كل شي ء من القول (و الفجور يهدى إلى النار) و الكذب و ان كان يهدى إلى النار الا ان الفجور هو السبب القطعى للنار، بينما الكذب اذا صدر مرة مثلا لا يسبب النار قطعا (و ما زال احدكم يكذب حتى يقال: كذب و فجر) اى يكون كذبه سببا لفجوره إلى آخر (الخبر).

ص: 188

و فيه أيضا اشعار بان مجرد الكذب ليس فجورا.

و قوله عليه السلام: لا يعدنّ احدكم صبيّه ثم لا يفى له، لا بد ان يراد به النهى عن الوعد، مع اضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهرا بقوله تعالى:

كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ، بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا و ان اطلاق الكذب عليه فى الرواية لكونه فى حكمه

______________________________

(و فيه أيضا) كالخبر السابق (اشعار بان مجرد الكذب ليس فجورا) فليس مطلقا بكبيرة.

(و قوله عليه السلام: لا يعدنّ احدكم صبيّه ثم لا يفى له، لا بد ان يراد به النهى عن الوعد، مع اضمار عدم الوفاء) اذ: الوعد مع اضمار الوفاء لا يكون منهيا عنه، اذ لا يكون ذلك كذبا (و هو) اى الوعد مع اضمار عدم الوفاء (المراد ظاهرا) اى فيما يستفاد من ظاهر اللفظ (بقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ) فانه لا يكون مقتا و غضبا: الوعد الّذي يضمر صاحبه الوفاء، و ليس ذلك بكذب عرفا.

اقول: بل الظاهر ان المراد بالآية الكريمة ان يقول: الانسان الخير و لا يعمل به، كان يأمر بالصلاة و هو تارك الصلاة، او ينهى عن الكذب و يكذب، و هكذا (بل الظاهر) المستفاد من العرف لدى اطلاق لفظ الكذب (عدم كونه) اى الوعد مع اظهار عدم الوفاء (كذبا حقيقيا) اذ الكذب انما يكون فى الخبر، و هذا إنشاء (و ان اطلاق الكذب عليه فى الرواية) المتقدمة- و المراد بالإطلاق القرينة القائمة على كون وعد الصبى بلا وفاء كذب- (لكونه) اى الوعد بلا اضمار الوفاء (فى حكمه) اى حكم

ص: 189

من حيث الحرمة.

او لان الوعد مستلزم للاخبار بوقوع الفعل كما ان سائر الإنشاءات كذلك.

و لذا ذكر بعض الاساطين ان الكذب و ان كان من صفات الخبر، الا ان حكمه يجرى فى الانشاء المنبئ عنه كمدح المذموم و ذم الممدوح

______________________________

الكذب (من حيث الحرمة) او كونه خلاف المروءة، و الا فلا دليل على كونه حراما.

(او) هو كذب حقيقى (لان الوعد مستلزم للاخبار بوقوع العفل كما ان سائر الإنشاءات كذلك).

و لذا لو قال الفقير اعطنى، يقال: انه يكذب مع انه انما إنشاء صيغة الطلب.

و مرادهم بالكذب كون كلامه الاستعطاء فى مستلزم للاخبار بفقره- و الحال انه كاذب ليس بفقير- و كذلك لو سألك زيد من جاء تقول له انت تكذب، و ذلك لان استفهامه طريق إلى اخباره بانه لا يدرى هل جاء، أم لا؟ فانت تكذبه فى اخباره ذاك حيث تعلم انه يدرى بمجي ء زيد، و هكذا.

(و لذا) الّذي ذكرنا من ان الانشاء يلازم الاخبار (ذكر بعض الاساطين ان الكذب و ان كان من صفات الخبر، الا ان حكمه) اى حكم الكذب (يجرى فى الانشاء المنبئ عنه) اى الدال على الخبر (كمدح المذموم و ذم الممدوح) فاذا قال: قابيل انسان طيب، او فلان الزاهد فيه صفات سيئة، او قال: امدح قابيلا و اذم فلان الزاهد، و الحال انه يكذب فى

ص: 190

و تمنى المكاره و ترجى غير المتوقع، و ايجاب غير الموجب و ندب غير النادب و وعد غير العازم.

و كيف كان فالظاهر عدم دخول خلف الوعد فى الكذب، لعدم كونه من مقولة الكلام

______________________________

مدحه و ذمه (و تمنى المكاره) كما لو قال: اللهم امتنى، و هو لا يريد الموت (و ترجى غير المتوقع، و ايجاب غير الموجب) كما لو قال المولى لعبده واجب عليك كذا، و هولا يريده (و ندب غير النادب) كان يقول لزيد:

اذهب إلى الحرب، و هو لا يريد ان يذهب زيد (و وعد غير العازم) اى يعدك من لا يعزم و لا يريد وفاء وعده، فان كل هذه الموارد و ان كانت إنشاء صورة، لكنها كذب، اذ هى طريق إلى الاخبار بان فلانا لدي ممدوح او مذموم، او انى اريد الموت و اريد منك الاتيان بكذا، او انى اريد ان تذهب انت، او انى سأفعل لك كذا- و الحال ان اخباره مكذوبة-.

(و كيف كان) سواء كان الوعد مع اضمار عدم الوفاء داخلا فى الكذب حكما، أم لا (فالظاهر عدم دخول خلف الوعد فى الكذب، لعدم كونه) اى خلف الوعد (من مقولة الكلام) فانك اذا قلت: اعدك ان اعطيك دينارا فان: اعدك ليس بكلام، و انما متعلقه اى اعطيك دينارا كلام و لو كان اعطيك دينارا اخبارا لجاز فيه الصدق و الكذب لكنه ليس باخبار، لانه صار متعلقا بالانشاء، فاذا اخلف لم يكن قوله «اعدك» وعدا، و لم يكن اعطيك الدينار، كذبا.

ص: 191

نعم هو كذب للوعد بمعنى جعله مخالفا للواقع، كما ان انجاز الوعد صدق له بمعنى جعله مطابقا للواقع.

فيقال: صادق الوعد و وعد غير مكذوب.

و الكذب بهذا المعنى ليس محرما على المشهور و ان كان غير واحد من الاخبار ظاهرا فى حرمته، و فى بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة

______________________________

(نعم هو) اى الخلف بان لم يعطه (كذب للوعد بمعنى جعله مخالفا للواقع) و ان شئت قلت: ايجاد صفة الكذب للكلام المتقدم (كما ان انجاز الوعد صدق له) اى للوعد (بمعنى جعله مطابقا للواقع) فهو من قبيل:

ان تخبر ان زيدا سوف يقوم، ثم تأخذ بيده ليقوم او تمنعه عن القيام، فان هذا العمل التكوينى انما هو ايجاد صفة الصدق، او صفة الكذب للكلام السابق.

(ف) بهذا الاعتبار (يقال: صادق الوعد و وعد غير مكذوب) كما فى القرآن الحكيم.

(و الكذب بهذا المعنى ليس محرما على المشهور) بين الفقهاء (و ان كان غير واحد من الاخبار ظاهرا فى حرمته، و فى بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة) اى قوله سبحانه «كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ».

و ربما يستدل لذلك بآية: أَوْفُوا بِالْعَهْدِ، و بقوله (ص): من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر، فليف اذا وعد، قالوا لكن الشهرة المحققة قديما و حديثا هى التى توجب رفع اليد عن هذه الظواهر.

و ربما أيد ذلك: بعدم تعذيب الله كثيرا من اهل المعاصى مع انه

ص: 192

ثم ان ظاهر الخبرين الأخيرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتى فى الهزل، و يمكن ان يراد به الكذب فى مقام الهزل.

و اما نفس الهزل، و هو الكلام الفاقد للقصد إلى تحقق مدلوله

______________________________

وعدهم النار، و كذلك ورد فى الاحاديث ان كان عدم وقوع بعض علامات الامام المهدى عليه السلام.

مع ان الاحاديث وردت متظافرة بتلك العلائم حتى ان الراوى شك فى نفس خروج الامام المهدى، حيث قال الامام عليه السلام بامكان عدم وقوع بعض العلامات ظانّا ان خروجه عليه السلام و العلائم من سنخ واحد

فاذا امكن عدم وقوع العلائم كذلك امكن عدم ظهوره، فرده الامام عليه السلام بانه من الميعاد، و الله لا يخلف الميعاد.

و اجيب عن المؤيدين: بان التعذب مشروط بعدم العفو و الشفاعة و عدم وقوع العلائم ليس من باب خلف الوعد، بل من باب اخبارهم عليهم السلام عن المستقبل حسب الظواهر التى اطلعوا عليها عن اللوح و الملائكة، ثم قالوا عليهم السلام بامكان كون تلك العلائم تمحى لانه سبحانه: يَمْحُوا مٰا يَشٰاءُ.

(ثم ان ظاهر الخبرين الاخيرين) مرسلة سيف و رواية حارث (خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتى فى الهزل، و يمكن ان يراد به الكذب فى مقام الهزل) بان يكون المقام مقام الهزل، اما اخباره فكان اخبارا جديا مما صح ان يقال له الكذب.

(و اما نفس الهزل و هو الكلام الفاقد للقصد إلى تحقق مدلوله) فى الخارج

ص: 193

فلا يبعد انه غير محرم، مع نصب القرينة على إرادة الهزل كما صرح به بعض

و لعله لانصراف الكذب إلى الخبر المقصود و للسيرة.

و يمكن حمل الخبرين على مطلق المرجوحية.

و يحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الاخيرين و

______________________________

(فلا يبعد انه غير محرم، مع نصب القرينة على إرادة الهزل) لان مثل هذا الخبر الهازل منصرف عن ادلة حرمة الكذب (كما صرح به بعض) الفقهاء (و لعله لانصراف الكذب إلى الخبر المقصود).

و ليس المراد بعدم القصد عدم القصد إلى التكلم او المعنى، بل عدم القصد إلى الجدية (و للسيرة) المستمرة بين المتدينين، بل لعله يدل على ذلك قول الامام امير المؤمنين عليه السلام حين قال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اينا اكل اكثر فقال عليه السلام الّذي اكل مع النواة فى القصة المشهورة انهما عليهما الصلاة و السلام كانا يأكلان التمر، و كان النبي (ص) يضع النواة امام الامام، و عدم ردع النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الّذي قال مزاحا آكل التمر بالطرف الّذي عينه غير رمدة، بل و انشاد الشاعر بخدمة الامام عليه السلام: لام عمرو باللوى مربع إلى آخر الابيات، مع انها لم يكن صدقا مطابقا للواقع، بل شبه الهزل.

(و يمكن حمل الخبرين على مطلق المرجوحية) خصوصا بقرينة قوله:

لا يصلح.

(و يحتمل غير بعيد حرمته) اى حرمة الكذب فى الهزل (لعموم ما تقدم) من الاخبار (خصوصا الخبرين الاخيرين) المصرحين لذلك (و

ص: 194

النبوى فى وصية ابى ذر لان الاكاذيب المضحكة اكثرها من قبيل الهزل

و عن الخصال بسنده عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم انا زعيم بيت فى اعلى الجنة، و بيت فى وسط الجنة، و بيت فى رياض الجنة لمن ترك المراء، و ان كان محقا، و لمن ترك الكذب، و ان كان هازلا و لمن حسن خلقه.

و قال امير المؤمنين عليه السلام: لا يجد الرجل طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده.

______________________________

النبوى فى وصية ابى ذر) حيث قال صلى الله عليه و آله و سلم: يكذب ليضحك الناس (لان الاكاذيب المضحكة اكثرها من قبيل الهزل) و سياق الحديث يدل على الحرمة.

(و عن الخصال بسنده عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: انا زعيم) اى كفيل (بيت فى اعلى الجنة، و بيت فى وسط الجنة، و بيت فى رياض الجنة لمن ترك المراء، و ان كان محقا، و لمن ترك الكذب، و ان كان هازلا و لمن حسن خلقه) لعل هذا الحديث تكون دلالته على الكراهة اكثر اذ ترك المراء فى المحق، و حسن الخلق من المستحبات لا من الواجبات، بالإضافة إلى ضمان البيت فى الجنة الّذي يناسب الاستحباب فان المحرمات و الواجبات- على مقتضى القاعدة الاولية- لا تحتاج إلى التشويق، و ذكر المثوبات- كما قالوا-.

(و قال امير المؤمنين عليه السلام: لا يجد الرجل طعم الايمان حتى يترك الكذب هزله وجده).

ص: 195

ثم انه لا ينبغى الاشكال فى ان المبالغة فى الادعاء- و ان بلغت ما بلغت- ليست من الكذب.

و ربما يدخل فيه اذا كانت فى غير محلها، كما لو مدح انسان قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر، الا اذا بنى على كونه كذلك فى نظر المادح فان الانظار تختلف فى التحسين و التقبيح.

______________________________

و هذا الحديث أيضا اقرب إلى الاستحباب، لان وجدان طعم الايمان ليس بواجب، و انما ذاك من الفضائل و الحظوظ.

(ثم انه لا ينبغى الاشكال فى ان المبالغة فى الادعاء- و ان بلغت ما بلغت-) من المقادير المتعارفة (ليست من الكذب) كما يقول القائل لصديقه لم لم تزرنى و قد زارنى كل الناس، يريد جماعة كثيرة، او يقول كان فى استقبال العالم الفلانى كل اهل المدينة و هكذا.

و قد تمثل الامام عليه السلام فى السجن بقوله: فان تميما قبل ان يلد الحصى اقام زمانا و هو فى الناس واحد و قال الشاعر

ثم قالوا تحبها؟ قلت بهرا عدد الرمل و الحصى و التراب

(و ربما يدخل فيه) اى فى الكذب (اذا كانت فى غير محلها) كما لو اضاف عشرة، فقال اضفت كل اهل البلد، فانه مبالغة غير متعارفة، و (كما لو مدح انسان قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر، الا اذا بنى على كونه كذلك) كالقمر (فى نظر المادح) كما نقل انه لو عوتب المجنون فى انه كيف يحب هذا الحب المفرط لليلى و هى فتاة سمراء لا جمال لها، اجاب انظروا إليها من شبكة عينى (فان الانظار تختلف فى التحسين و التقبيح

ص: 196

كالذوائق فى المطعومات.

و اما التورية و هو ان يريد بلفظ معنى مطبقا للواقع و قصد من القائه ان يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب او المخاطب الخاص كما لو قلت فى مقام انكار ما قلته فى حق احد علم الله ما قلته، واردت بكلمة «ما» الموصولة و فهم المخاطب النافية.

______________________________

كالذوائق فى المطعومات) و الاسماع فى المسموعات، و هكذا.

(و اما التورية) و هو اظهار الكلام بشكل له معنيان، معنى قريب الى الافهام، و معنى بعيد عن الافهام، و القائل انما اراد البعيد لا القريب.

و هذا هو المراد بقوله (و هو ان يريد) المتكلم (بلفظ معنى مطابقا للواقع) و اللفظ قالب له (و قصد من القائه ان يفهم المخاطب منه خلاف ذلك) المعنى الّذي قصده (مما هو ظاهر فيه) «مما» بيان «خلاف» اى المعنى المخالف للمقصود يكون اللفظ ظاهرا فيه.

و الظهور المذكور اما (عند مطلق المخاطب، او) عند (المخاطب الخاص) كما لو قلت للسنى: الخلفاء بعد رسول الله «أربعة أربعة أربعة» و اردت اثنى عشر و هو فهم التأكيد للثلاثة، و الامام على عليه السلام، و (كما لو قلت فى مقام انكار ما قلته فى حق احد) من الناس (علم الله ما قلته واردت بكلمة «ما» الموصولة و فهم المخاطب النافية) و كما قال ذلك الموالى «الخليفة بعد رسول الله أبا بكر» ففهم السنة انه قصد كون أبا بكر خليفة و الحال انه جعل «أبا بكر» منادى محذوف النداء، و لذا جاء بالنصب.

ص: 197

و كما لو استئذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا، و اشار الى موضع خال فى البيت.

و كما لو قلت: اليوم ما اكلت الخبز تعنى بذلك حالة النوم، او حالة الصلاة إلى غير ذلك فلا ينبغى الاشكال فى عدم كونها من الكذب.

و لذا صرح الاصحاب فيما سيأتى من وجوب التورية عند الضرورة بانه يورى بما يخرجه من الكذب بل اعترض جامع المقاصد على قول العلامة فى القواعد فى مسئلة الوديعة اذا طالبها ظالم بانه يجوز الحلف كاذبا، و يجب التورية على العارف بها بان العبارة لا تخلو من مناقشة حيث

______________________________

(و كما لو استئذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا، و اشار الى موضع خال فى البيت) فظن السامع ان الخادم اراد ب «هاهنا» الدار

(و كما لو قلت: اليوم ما اكلت الخبز تعنى بذلك حالة النوم، او حالة الصلاة) ففهم المخاطب عدم اكلك فى كل اليوم (الى غير ذلك) من الامثلة (فلا ينبغى الاشكال فى عدم كونها) اى التورية (من الكذب) و لذا لا تكون حراما.

(و لذا صرح الاصحاب فيما سيأتى من وجوب التورية عند الضرورة بانه يورّى بما يخرجه من الكذب) «بانه» متعلق ب «صرح» و «من وجوب» تفسير ل «ما سيأتى» (بل اعترض جامع المقاصد على قول العلامة فى القواعد فى مسئلة الوديعة اذا طالبها ظالم بانه يجوز الحلف كاذبا و يجب التورية على العارف بها) هذه عبارة العلامة.

فقال جامع المقاصد: (بان العبارة لا تخلو من مناقشة حيث

ص: 198

تقتضى ثبوت الكذب مع التورية، و معلوم ان لا كذب معها انتهى.

و وجه ذلك ان الخبر باعتبار معناه- و هو المستعمل فيه كلامه- ليس مخالفا للواقع.

و انما فهم المخاطب من كلامه امرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ.

______________________________

تقتضى ثبوت الكذب مع التورية، و معلوم ان لا كذب معها) اى مع التورية (انتهى) كلام جامع المقاصد.

و حاصل مناقشته: ان العبارة تحتمل كون قوله «يجب التورية» من مصاديق «كاذبا».

لكن لا يخفى ان اشكال جامع المقاصد غير وارد على العلامة لان الظاهر من كلام القواعد التقابل بين «يجوز» و بين «يجب» و معنى «يجوز» فى مقام التحريم فلا يراد به «الجواز» الّذي هو احد الاحكام الخمسة.

(و) كيف كان، ف (وجه ذلك) الّذي ذكرنا من ان التورية ليست كذبا (ان الخبر باعتبار معناه- و هو المستعمل فيه كلامه-) اى كلام المتكلم (ليس مخالفا للواقع).

مثلا فى المثال السابق استعمل الخادم لفظ «هاهنا» لمكان خاص و خبره صدق، لان سيده ليس فى ذلك المكان المشار إليه.

(و انما فهم المخاطب من كلامه) اى كلام المورى (امرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ) و فهم المتكلم ليس ميزانا للصدق و الكذب.

ص: 199

نعم لو ترتب عليها مفسدة، حرمت من تلك الجهة.

اللهم الا ان يدعى ان مفسدة الكذب، و هى الاغراء موجودة فيها و هو ممنوع، لان الكذب محرم، لا لمجرد الاغراء.

و ذكر بعض الافاضل ان المعتبر فى اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لا ما هو المراد منه.

فلو قال: رأيت حمارا، و اراد منه البليد من دون نصب قرينة، فهو متصف

______________________________

(نعم لو ترتب عليها) اى على التورية (مفسدة حرمت من تلك الجهة)

كما لو قال المتكلم: زيد كافر، و اراد انه كافر بالجبت و الطاغوت، بينما كان المتبادر لدى السامع انه كافر بالله.

(اللهم الا ان يدعى) لبيان كون التورية كذبا (ان مفسدة الكذب، و هى الاغراء) بالجهل (موجودة فيها) اى فى التورية.

فكما انك اذا قلت: زيد ليس فى الدار اغرى السامع بالجهل، كذلك اذا قلت: ليس موجودا هاهنا و اشرت إلى مكان خاص من الدار.

(و هو) اى كون الكذب حراما لكونه اغراء (ممنوع، لان الكذب محرم، لا لمجرد الاغراء) بل و لو لم يكن فيه اغراء، كما لو علم السامع بانك تكذب.

(و ذكر بعض الافاضل ان المعتبر فى اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لا ما هو المراد منه).

و لذا تكون التورية من قسم الكذب، لان ما يفهم منها هو عين ما يفهم من الكذب.

(فلو قال: رأيت حمارا و اراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو متصف

ص: 200

بالكذب، و ان لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهى موضع الحاجة فان اراد اتصاف الخبر فى الواقع، فقد تقدم انه دائر مدار موافقة مراد المخبر، و مخالفته للواقع، لانه معنى الخبر و المقصود منه دون ظاهره الّذي لم يقصد

و ان اراد اتصافه عند الواصف، فهو حق، مع فرض جهله بإرادة خلاف الظاهر، لكن توصيفه حينئذ باعتقاد ان هذا هو مراد المخبر و مقصوده فيرجع

______________________________

بالكذب، و ان لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهى موضع الحاجة) من كلامه

و كان دليله على ذلك العرف، فانهم يقولون كذب فلان، و ان قيل لهم: انه روى، لم يرون ذلك مبررا و سببا، لعدم كونه كاذبا.

لكن اشكل عليه المصنف ره بقوله: (فان اراد) بقوله «اتصاف الخبر» (اتصاف الخبر فى الواقع) فالمعنى ان الخبر يتصف بالصدق و الكذب واقعا حسب فهم المخاطب (فقد تقدم) خلاف ذلك، و (انه) اى الاتصاف بهما (دائر مدار موافقة مراد المخبر، و مخالفته للواقع، لانه) اى الواقع (معنى الخبر) لان الالفاظ موضوعة للمعانى الواقعية (و المقصود منه دون ظاهره الّذي لم يقصد) ه المورى.

(و ان اراد اتصافه) اى الخبر بكونه كذبا مثلا (عند الواصف) فان السامع يقول: كلام المتكلم كذب (فهو) اى اتصافه بالكذب عند الواصف (حق، مع فرض جهله) اى الواصف (بإرادة) المتكلم (خلاف الظاهر، لكن توصيفه حينئذ) اى الواصف للخبر- المورى فيه- بكونه كذبا، انما هو (باعتقاد ان هذا) الظاهر (هو مراد المخبر و مقصوده، فيرجع

ص: 201

الامر إلى اناطة الاتصاف بمراد المتكلم و ان كان الطريق إليه اعتقاد المخاطب.

و مما يدل على سلب الكذب عن التورية ما روى فى الاحتجاج انه سئل الصادق عليه السلام، عن قوله الله عز و جل- فى قصة ابراهيم عليه السلام- بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ.

قال: ما فعله كبيرهم، و ما كذب ابراهيم، قيل و كيف ذلك؟ فقال: انما قال ابراهيم: ان كانوا ينطقون، اى ان نطقوا فكبيرهم فعل، و ان لم

______________________________

الامر إلى اناطة الاتصاف) للخبر بكونه صدقا او كذبا (بمراد المتكلم).

فالواصف يقول: انه كذب لانه يزعم انه اراد ظاهره (و ان كان الطريق إليه) اى إلى مراد المتكلم (اعتقاد المخاطب) بان المتكلم اراد الظاهر.

و الحاصل: ان كلام بعض الافاضل ليس فى محله.

(و مما يدل على سلب الكذب عن التورية) و انها ليست كذبا (ما روى فى الاحتجاج انه سئل الصادق عليه السلام عن قوله الله عز و جل- فى قصة ابراهيم عليه السلام- بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هٰذٰا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ) كيف ذلك و الحال ان كبير الاصنام لم يكن هو الّذي حطّم الاصنام، و انما حطّمها ابراهيم عليه السلام.

و الحاصل ان السؤال كان عن انه كيف قال ابراهيم خلاف الواقع- حسب ظاهر الآية- (قال) الصادق عليه السلام (ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم، قيل و كيف ذلك؟ فقال: انما قال ابراهيم: ان كانوا ينطقون اى ان نطقوا فكبيرهم فعل، و ان لم

ص: 202

ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب ابراهيم.

و سئل عن قوله تعالى: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ قال انهم سرقوا يوسف من ابيه، الا ترى انهم قالوا نفقد صواع الملك؟ و لم يقولوا سرقتم صواع الملك.

و سئل عن قول الله عز و جل-

______________________________

ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب ابراهيم) عليه السلام.

فقوله عليه السلام: بل فعله كبيرهم متعلق بان كانوا ينطقون، و هذا تورية من ابراهيم لانه اخر الشرط مع فاصلة جملة- فاسألوهم- حتى زعم القوم ان الشرط ل «اسألوهم» لا ل «بل فعله كبيرهم».

(و سئل) الصادق عليه السلام ثانيا (عن قوله تعالى: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسٰارِقُونَ) فى قصة يوسف عليه السلام و ان الاخوة لم يكونوا سرقوا الصواع، و انما جعل الصواع فى حملهم بامر يوسف عليه السلام نفسه، فكيف جاز ان يكذب اتباع يوسف بامر يوسف؟ (قال) الصادق عليه السلام (انهم سرقوا يوسف من ابيه) فمراد يوسف عليه السلام «انكم لسارقون» سرقة يوسف لا سرقة الصواع- كما فهم الاخوة.

ثم قال الصادق عليه السلام (أ لا ترى) ايها السائل (انهم قالوا نفقد صواع الملك؟ و لم يقولوا سرقتم صواع الملك) فالسرقة حذف متعلقها فى الجملة الاولى «تورية» و حيث ظهر المتعلق- فى الجملة الثانية- جي ء بلفظ «نفقد».

(و سئل) الصادق عليه السلام ثالثا: (عن قول الله عز و جل-

ص: 203

حكاية عن ابراهيم (ع)- إِنِّي سَقِيمٌ قال ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب انما عنى سقيما فى دينه اى مرتادا

______________________________

حكاية عن ابراهيم «ع»-) لما اراد القوم اخراجه معهم إلى عيد الاصنام (انى سقيم) فاعتذر عليه السلام بالسقم، حتى لا يخرج معهم و يكسر اصنامهم، فكيف جاز ان يقول: انى سقيم؟ مع انه لم يكن سقيما (قال) الصادق عليه السلام (ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب، انما عنى سقيما فى دينه اى مرتادا) اى طالبا للدين- من الارتياد-.

و ربما قيل فى الآيات المذكورة وجه آخر، و هو ان معنى «فعله كبيرهم» من باب المجاز و ان الذنب على الكبير تشبيها للاصنام بالناس.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 204

فكما اذا ابتلى الناس بسبب اهمال كبرائهم يقال: فعله كبيرهم، كذلك شبهت الاصنام بالناس لزعم عبادها انها صاحبة ادراك.

و يؤيد ذلك استعمال الصنم فى القرآن الحكيم بلفظ العاقل فى كثير من الآيات «أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة» و كذلك ارجع ضمير العاقل إليها، فالمعنى ان كبير الاصنام لو كان إلها، كان الذنب على عاتقه، لما ذا لم يدافع عن الاصنام فالفعل منه، كما يقال افسد الملك شعبه و القاهم فى التهلكة، اذا لم يدافع عنهم.

و قوله انكم لسارقون من باب المجاز، و انهم فى صورة سارق، تنزيلا لصورة سارق- الّذي عنده مال غيره- منزلة السارق الحقيقى، كما نقول للجبان الّذي يظهر الشجاعة «انك شجاع» تريد فى صورة شجاع، و فى عكسه يا اشباه الرجال و لا رجال، و فى مثله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّٰهِ الصُّمُّ

ص: 204

و فى مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: الرجل يستأذن عليه، يقول للجارية قولى ليس هو هاهنا فقال: لا بأس، ليس بكذب فان سلب الكذب مبنى على ان المشار إليه يقوله: هاهنا موضع خال من الدار، اذ لا وجه له سوى ذلك.

______________________________

الْبُكْمُ، فانه لعدم استماعهم للحق اطلق عليهم لفظ الصم، و هكذا.

و معنى «انى سقيم» ذو سقم فى روحى، لا ذو سقم فى جسمى، فان ابراهيم عليه السلام كان متأثرا روحيا عما يشاهده من الكفار.

و هذا متعارف ان يقول الانسان «لا صحة لى» يريد الصحة الروحية لا الصحة الجسدية.

و لا يخفى ان هذه الاجوبة انما تنفع من لا يقنع بارتكاب خلاف الظاهر فى القرآن- حسب ما ورد فى الرواية- و الا فالائمة عليهم السلام اعلم بمراد الله، و مراد انبيائه ان صح الحديث عن الصادق عليه السلام.

(و فى مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: الرجل يستأذن عليه) و حيث لا يريد صاحب الدار ملاقات المستأذن (يقول للجارية قولى ليس هو) صاحب الدار (هاهنا) هل ذلك جائز؟ (فقال) عليه السلام (لا بأس ليس بكذب).

وجه الدلالة ما ذكره المصنف ره بقوله: (فان سلب الكذب مبنى على ان المشار إليه بقوله: هاهنا موضع خال من) الشخص فى (الدار اذ لا وجه له) اى لكونه ليس بكذب (سوى ذلك) الّذي ذكرنا من كون الاشارة إلى موضع من الدار خال من صاحبها.

ص: 205

و روى فى باب الحيل من كتاب اطلاق للمبسوط: ان واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر فاعترضهما فى الطريق اعداء المصحوب، فانكر الصاحب انه هو، فاحلفوه، فحلف لهم انه اخوه، فلما اتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال له صدقت، المسلم اخو المسلم إلى غير ذلك مما يظهر منه ذلك.

اما الكلام فى المقام الثانى و هو مسوغات الكذب
اشارة

______________________________

(و روى فى باب الحيل من كتاب اطلاق للمبسوط: ان واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر، فاعترضهما) اى لقيهما (فى الطريق اعداء المصحوب، فانكر الصاحب انه) اى مصحوبه (هو) الّذي يريده الاعداء (فاحلفوه فحلف لهم انه اخوه، فلما اتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال له) النبي صلى الله عليه و آله و سلم (صدقت المسلم اخو المسلم) مع ان الاعداء زعموا انه اخوه لابيه و أمه (الى غير ذلك مما يظهر منه ذلك) اى جواز التورية كما قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم لاؤلئك الاشخاص فى طريقه إلى بدر: نحن من ماء، فزعموا ان مراد النبي صلى الله عليه و آله و سلم انه من محل يسمى بالماء، و قد اراد صلى الله عليه و آله و سلم انهم خلقوا من ماء دافق، او اشارة إلى «وَ جَعَلْنٰا مِنَ الْمٰاءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ» و كما يروى ان الامام المرتضى (ع) غير مكانه من محل إلى محل حيث استغاث به ابو لؤلؤ، فلما جاءه القوم و سألوه، قال لهم: انى ما رايته منذ كونى هاهنا.

(اما الكلام فى المقام الثانى، و هو مسوغات الكذب) اى ما يسبب

ص: 206

فاعلم انه يسوغ الكذب لوجهين.

أحدهما: الضرورة إليه،

فيسوغ معها بالأدلّة الاربعة قال الله تعالى: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ.

و قال تعالى: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً.

و قوله عليه السلام: ما من شي ء الا و قد احله الله لمن اضطر إليه.

و قد اشتهر ان الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

جوازه (فاعلم انه يسوغ الكذب لوجهين).

(احدهما: الضرورة إليه فيسوغ) الكذب (معها) اى مع الضرورة (بالأدلّة الاربعة).

اما الكتاب، فقد (قال الله تعالى: إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ) فان المناط الموجود فيه يدل على جواز امثال الكذب عند الاضطرار.

(و قال تعالى: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ، إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً) فالتقية الموجبة لاتخاذ الكافر وليا- فى الصورة- تجوز الكذب أيضا، لوجود المناط القطعى.

(و) اما السنة (قوله عليه السلام ما من شي ء الا و قد احله الله لمن اضطر إليه).

و المراد بالشي ء الشي ء المحرم، و الكذب من مصاديق ذلك العام.

(و قد اشتهر) بين الفقهاء (ان الضرورات تبيح المحظورات) اى

ص: 207

و الاخبار فى ذلك اكثر من ان تحصى، و قد استفاضت، أو تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدنى، او المالى عن نفسه او اخيه.

و الاجماع اظهر من ان يدعى، او يحكى.

______________________________

المحرمات و هذه قاعدة مصيدة من الاخبار خصوصا من الآية الكريمة الدالة على جواز اظهار الكفر، و المروى عن امير المؤمنين عليه السلام انه اجاز سبه عند الضرورة، و ما اشبه ذلك من الامور التى هى من اعلى مراتب المحرمات.

نعم يلزم مراعات قاعدة «الضرورات تقد و بقدرها» و قاعدة «الاهم و المهم» فيما دار الامر بين حرامين، او بين حرام و ضرر، كما انه لو لم يقتل انسانا يجبره الظالم على قتله اخذ منه مالا، فانه لا يجوز تقديم القتل على اخذ المال.

نعم لو لم يحلف كذبا اخذ منه مالا معتدا به قدم الحلف، لقاعدة «لا ضرر و لا ضرار» فانه و ان لم يدر الامر بين حرامين لكن دورانه بين حرام و ضرر- مرفوع- اجاز ارتكاب الحرام.

(و الاخبار فى ذلك) اى حلية المحرم لمن اضطر إليه (اكثر من ان تحصى، و قد استفاضت، او تواترت) الاخبار (بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدنى او المالى عن نفسه او اخيه) المسلم و لو لم يكن قريبا و صديقا له، و ستأتى جملة منها.

(و الاجماع) على جواز ذلك (اظهر من ان يدعى، او يحكى) فقد ادعاه غير واحد و حكاه غير واحد.

ص: 208

و العقل مستقل بوجوب ارتكاب اقل القبيحين مع بقائه على قبحه او انتفاء قبحه لغلبة الآخر عليه، على القولين فى كون القبح العقلى مطلقا او فى خصوص الكذب لاجل الذات، او بالوجوه و الاعتبارات و لا اشكال فى ذلك كله، انما الاشكال و الخلاف فى انه هل يجب حينئذ التورية لمن يقدر عليها أم لا.

______________________________

(و العقل مستقل بوجوب ارتكاب اقل القبيحين مع بقائه على قبحه) فيما لو دار بينهما كما لو دار الامر بين شرب الخمر و الزنا، فان العقل يقول بتقديم الشرب (او انتفاء قبحه لغلبة) القبيح (الآخر عليه، على القولين) فى مسئلة دوران الامر بين القبيحين.

فان بعضهم ذهبوا إلى انتفاء قبح المهم، و بعضهم ذهبوا إلى بقاء قبحه، لكنه يلزم ان يقدم على القبيح الاهم.

و هذان القولان انما نشئا من جهة الاختلاف (فى كون القبح العقلى مطلقا) كذبا كان او غيره (او فى خصوص الكذب) الّذي هو محل البحث الآن (لاجل الذات) حتى اذا قدمناه لمعارضته بقبيح اهم يبقى على قبحه كما يقول الاول- (او بالوجوه و الاعتبارات)- كما يقول الثانى- (و لا اشكال فى ذلك كله).

و (انما الاشكال و الخلاف فى انه هل يجب حينئذ) اى حين اضطر الانسان إلى ان يقول (التورية) و هى ما ظاهره الكذب (لمن يقدر عليها) كما اذا سأله الظالم هل عندك مال؟ فيقول: ليس فى يدى مال، و يريد يده حقيقة لا اليد الّذي يفهم الناس منه الملك (أم لا) يجب التورية حتى للقادر

ص: 209

ظاهر المشهور هو الاول كما يظهر من المقنعة و المبسوط و الغنية و السرائر و الشرائع و القواعد و اللمعة و شرحها و التحرير و جامع المقاصد و الرياض، و محكى مجمع البرهان فى مسئلة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة.

قال فى المقنعة: من كانت عنده امانة، فطالبه ظالم بتسليمها إليه و خيانة صاحبها فيها فليجحدها، ليحفظها على المؤتمن له عليها، و ان استحلفه على ذلك فليحلف له و يورى فى نفسه يخرج به عن الكذب فليجحد و ان استحلفه ظالم على ذلك فليحلف و يورى فى نفسه بما يخرجه عن الكذب الى ان قال- فان لم يحسن

______________________________

(ظاهر المشهور هو الاول) اى وجوب التورية (كما يظهر من المقنعة) للمفيد (و المبسوط) للشيخ (و الغنية) لابن زهرة (و السرائر) للحلى (و الشرائع) للمحقق (و القواعد) للعلامة أيضا (و اللمعة و شرحها) للشهيدين (و التحرير) للعلامة (و جامع المقاصد) للمحقق الثانى (و الرياض، و محكى مجمع البرهان فى مسئلة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة) اذا توقف حفظ الوديعة على اليمين الكاذبة.

(قال فى المقنعة: من كانت عنده امانة، فطالبه ظالم بتسليمها إليه و خيانة صاحبها فيها فليجحدها، ليحفظها على المؤتمن له عليها، و ان استحلفه، على ذلك) الجحود (فليحلف له و يورى فى نفسه يخرج به عن الكذب فليجحد، و ان استحلفه ظالم على ذلك فليحلف و يورى فى نفسه بما يخرجه عن الكذب- الى ان قال- فان لم يحسن) الودعى

ص: 210

التورية، و كان نيّته حفظ الامانة أجزأته النية و كان مأجورا انتهى.

و قال فى السرائر فى هذه المسألة اعنى مطالبة الظالم الوديعة فان قنع الظالم منه بيمينه، فله ان يحلف و يورى فى ذلك انتهى.

و فى الغنية- فى هذه المسألة- و يجوز له ان يحلف انه ليس عنده وديعة و يورى فى يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل اجماع الشيعة انتهى.

و فى النافع حلف موريا، و فى القواعد: و يجب التورية على العارف بها، انتهى.

______________________________

(التورية، و كان نيته) فى اليمين الكاذبة (حفظ الامانة أجزأته النية) فى الخروج عن اثم اليمين الكاذبة (و كان مأجورا) عند الله تعالى بحفظ مال اخيه (انتهى).

(و قال فى السرائر فى هذه المسألة) اى مسئلة جواز الحلف لدفع الظالم (اعنى) فى صورة (مطالبة الظالم الوديعة فان قنع الظالم منه بيمينه، فله ان يحلف و يورى فى ذلك) بما يخرجه من الكذب واقعا (انتهى) (و فى الغنية- فى هذه المسألة-) قال: (و يجوز له ان يحلف انه ليس عنده وديعة و يورى فى يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل اجماع الشيعة) على جواز ذلك (انتهى) كلامه.

(و فى النافع حلف موريا، و فى القواعد: و يجب التورية على العارف بها، انتهى) كلام القواعد.

ص: 211

و فى التحرير فى باب الحيل

______________________________

(و فى التحرير فى باب الحيل) اى الصور الشرعية للامور التى يقصد بها الانسان الخروج عن الحرام إلى الحلال.

و لا يخفى ان الحيلة بمعنى العلاج، كما فى دعاء الامام زين العابدين عليه السلام «و لا تمكر بى فى حيلتك» و قد عقد جملة من الفقهاء بابا فى الحيل الشرعية قصدوا بها علاج الامر بصورة شرعية حتى لا يقع الانسان فى الحرام.

مثلا من اراد رهن الدار و السكنى فيها عالج ذلك ببيع الشرط.

و من المعلوم ان آثار البيع غير آثار الرهن، فلا يستشكل بانه كيف يمكن ان نقول بتغير الحكم بمجرد لفظى الرهن و البيع.

بل ربما يكون الفارق مجرد اللفظ أيضا، و مع ذلك يكون فى احد اللفظين اثر فى اللفظ الآخر مثلا: لا يصح لفظ حللت فرجها فى المتعة و يصح لفظ متعتك فيها.

و السر أن الشارع اراد تحديد الاسباب و المسببات.

اما لعلاقة خاصة بين السبب و المسبب- و لو اعتبارا-.

و اما لضرب القاعدة و تقييد المسببات باسباب مجعولة، لئلا يقع الهرج و الفوضى، فانه لو اباح كل لفظ مثلا فى المتعة لزم عدم الفصل بين الزنا و النكاح، و هكذا.

و الكلام فى ذلك طويل بيّناه فى بعض الكتب نكتفى منه بهذا القدر و لعله يأتى لذلك زيادة توضيح فى كتاب البيع ان شاء الله تعالى.

ص: 212

من كتاب الطلاق لو انكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء او القضاء جاز الحلف مع صدقه بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب، انتهى.

و فى اللمعة يحلف عليه فيورى و قريب منه فى شرحها.

و فى جامع المقاصد فى باب المكاسب يجب التورية بما يخرجه من الكذب.

______________________________

و انما اردنا هنا الالماع إلى انه ليس المراد بالحيلة ما يفهم بعض المبتدءين، فيستخف فى نفسه بالفقه و من ثم بالدين و الله العالم العاصم.

ففى باب الحيل (من كتاب الطلاق) قال: (لو انكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء او القضاء) فان زيدا لو اعترف بان محمدا ادانه عشرة دنانير، كان اقرارا فى حق نفسه فاذا قال زيد لكن محمدا برئنى، او قال لكنى قضيت ما على و اعطيته اياه لم يقبل منه لانه ادعاء يحتاج إلى الشهود

و لذا لو اراد التخلص من هذه المشكلة كان له ان ينكر اصل دين محمد منه (جاز الحلف مع صدقه) بان يحلف ان محمدا لا يطلبه (بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب، انتهى) كان يقول: و الله ما طلبنى محمد شيئا فى يوم من الايام- و ينوى فى نفسه فى يوم من ايام هذا العام مثلا فيما اذا كان الطلب سقط فى العام السابق-.

(و فى اللمعة يحلف عليه فيورى و قريب منه فى شرحها) اى شرح اللمعة.

(و فى جامع المقاصد فى باب المكاسب يجب التورية بما يخرجه من الكذب

ص: 213

انتهى.

و وجه ما ذكروه ان الكذب حرام، و لم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة على التورية فيدخل تحت العمومات، مع ان قبح الكذب عقلى، فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن فى ضمنه يغلب حسنه على قبحه.

و يتوقف تحققه على تحققه و لا يكون التوقف الا مع العجز عن التورية.

و هذا الحكم جيد الا ان مقتضى اطلاقات ادلة الترخيص فى الحلف

______________________________

انتهى) كلام المحقق الكركى فى جامع المقاصد.

(و وجه ما ذكروه) من لزوم التورية (ان الكذب حرام، و لم يحصل الاضطرار إليه مع القدرة على التورية) فلا يجوز (فيدخل) هذا الكذب (تحت العمومات) الدالة على حرمة كل كذب (مع ان قبح الكذب عقلى، فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن فى ضمنه) اى ضمن الكذب، بحيث (يغلب حسنه) اى حسن ذلك العنوان (على قبحه) اى قبح الكذب او يتساويان فيكون الاصل الجواز.

(و يتوقف تحققه) اى تحقق ذلك العنوان الحسن (على تحققه) اى تحقق الكذب اذ لو لم يتوقف العنوان الحسن على عنوان الكذب لم يحسن الكذب فلا يجوز (و لا يكون التوقف الا مع العجز عن التورية) كما لا يخفى.

(و هذا الحكم) بان جواز الكذب متوقف على عدم القدرة على التورية (جيد) لما عرفت من انه مقتضى اطلاق النص و حكم العقل و صريح الفتاوى (الا ان مقتضى اطلاقات ادلة الترخيص فى الحلف

ص: 214

كاذبا بالدفع الضرر البدنى او المالى عن نفسه او اخيه عدم اعتبار ذلك

ففى رواية السكونى عن جعفر، عن ابيه، عن آبائه، عن على عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: احلف بالله كاذبا، و نج اخاك من القتل.

و صحيحة اسماعيل بن سعد الاشعرى، عن ابى الحسن الرضا عليه السلام سألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان، فيحلف له لينجو به منه قال: لا بأس و سألته هل يحلف الرجل على مال اخيه كما يحلف على مال نفسه؟ قال: نعم.

______________________________

كاذبا بالدفع الضرر البدنى او المالى عن نفسه او اخيه عدم اعتبار ذلك) و أليك جملة من النصوص.

(ففى رواية السكونى عن جعفر، عن ابيه، عن آبائه، عن على عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: احلف بالله كاذبا، و نج اخاك من القتل) فان اطلاقه شامل لصورتى التمكن من التورية و عدمه.

(و صحيحة اسماعيل بن سعد الاشعرى، عن ابى الحسن الرضا عليه السلام سألته عن رجل يخاف على ماله من السلطان، فيحلف له لينجو به) اى بسبب الحلف (منه) اى من السلطان (قال) عليه السلام (لا بأس و سألته هل يحلف الرجل على مال اخيه كما يحلف على مال نفسه؟ قال) عليه السلام (نعم) فيجوز الحلف كاذبا لمال نفسه و لمال غيره، و ان لم يكن واجبا عليه.

ص: 215

و عن الفقيه: قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين الى ان قال- فاما اليمين التى يوجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة، فهو ان يحلف الرجل فى خلاص امرئ مسلم او خلاص ماله من متعد يتعدى عليه، من لص او غيره.

و فى موثقة زرارة- بابن بكير- انا نمر على هؤلاء القوم، فيستحلفونا على اموالنا و قد أدينا زكاتها، فقال: يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا.

______________________________

(و عن الفقيه: قال: قال الصادق عليه السلام: اليمين على وجهين الى ان قال- فاما اليمين التى يوجر عليها الرجل) بحيث (اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة، فهو ان يحلف الرجل فى خلاص امر، مسلم او خلاص ماله من متعد يعتدى عليه، من لص او غيره).

و الظاهر ان المراد بالكفارة الاعم من الكفارة الخارجية- اصطلاحا- فيما لو حلف على شي ء مستقبل، فلم يف به، و الكفارة بمعنى الاستغفار من الذنب- لغة- فيما لو حلف على شي ء ماض او حاضر.

(و فى موثقة زرارة- بابن بكير-) اى كونه موثقة، لوجود ابن بكير فى طريقه (انا نمر على هؤلاء القوم، فيستحلفونا على اموالنا و قد أدينا زكاتها) و كان المراد بهؤلاء: عمال العشور الذين يأخذون الزكوات (فقال) عليه السلام (يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا) من الكيفية التى يريدونها ليطمئنوا بانها ليست فيها الزكاة.

و انما يستفاد من هذا الحديث جواز الحلف كاذبا باعتبار قوله «بما

ص: 216

و رواية سماعة عن ابى عبد الله عليه السلام: اذا حلف الرجل تقية، لم يضره اذا هو اكره او اضطر إليه.

و قال: ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر إليه.

الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى هذا الباب و فيما يأتى من جواز الكذب فى الاصلاح التى يصعب على الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة على التورية.

______________________________

شاءوا» و الا فالحلف بانه ادى زكاة المال حلف صادق.

و يمكن توجيهها بوجه آخر أيضا اخفى من الوجه الّذي ذكرناه.

(و رواية سماعة عن ابى عبد الله عليه السلام: اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو اكره) على الحلف الكاذب (او اضطر إليه).

و كان الفرق ان الاكراه ان يقول له الظالم: احلف، و الاضطرار ان يحلف هو بنفسه فرارا عن المحظور.

(و قال) عليه السلام (ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر إليه).

و المراد بالاضطرار هنا اعم من الاكراه، فان الاضطرار و الاكراه كالظرف و الجار و المجرور، اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا- كما لا يخفى-.

(الى غير ذلك من الاخبار الواردة فى هذا الباب) اى باب الحلف كاذبا (و فيما يأتى من جواز الكذب فى الاصلاح التى يصعب على الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة على التورية) بان يقول بان هذه الاخبار

ص: 217

و اما حكم العقل بقبح الكذب فى غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو و ان كان مسلما الا انه يمكن القول بالعفو عنه شرعا للاخبار المذكورة كما عفى عن الكذب فى الاصلاح، و عن السب و التبرى مع الاكراه مع انه قبيح عقلا أيضا، مع ان ايجاب التورية على القادر لا يخلو

______________________________

انما تجوز الكذب فى صورة عدم القدرة على التورية.

اما صورة القدرة فلا يجوز الكذب، كيف و جملة من رواتها من الافاضل الذين يتمكنون على التورية، و مع ذلك لم ينبههم الامام عليه السلام.

و الانصاف ان مثل هذا التقييد يوجب تفويت كثير من المصالح التى اجيز لاجلها الكذب، اذ غالب الناس- حتى الافاضل- لا يقدرون على التورية فى حين الاضطرار، حتى انهم لو ارادوا التورية ظهرت ملامح الكذب و الارتباك على وجوههم و اقوالهم كما لا يخفى.

(و اما حكم العقل بقبح الكذب فى غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو و ان كان مسلما) و لازمه حكمه بقبح الكذب اذا تمكن الشخص من التورية (الا انه يمكن القول بالعفو عنه) اى عن الكذب (شرعا للاخبار المذكورة).

و لا اشكال فى كون شي ء قبيحا عقلا، و لكنه جائز شرعا، لما رأى الشارع فيه من الصلاح المقابل لذلك الفساد الّذي اوجب حكم العقل بقبحه (كما عفى) الشارع (عن الكذب فى الاصلاح، و) عفى (عن السب و التبرى) عن انسان طيب خير (مع الاكراه مع انه قبيح عقلا أيضا) كقبح الكذب فى صورة امكان التورية (مع ان ايجاب التورية على القادر لا يخلو

ص: 218

عن الالتزام بالعسر، كما لا يخفى فلو قيل بتوسعة الشارع على العباد بعدم ترتيب الآثار على الكذب فيما نحن فيه و ان قدر على التورية، كان حسنا، الا ان الاحتياط فى خلافه، بل هو المطابق للقواعد لو لا استبعاد التقييد فى هذه المطلقات، لان النسبة بين هذه المطلقات و بين ما دل كالرواية الاخيرة و غيرها- على اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم

______________________________

عن الالتزام بالعسر، كما لا يخفى).

و قد تقدم سببه فى كلامنا، و لعل هذا كاف فى القول بانه ليس بقبيح اصلا، كما ان مصلحة الاصلاح و السب و التبرى اوجبت ذهاب قبح الكذب و السب.

فالقول بانها ليست قبيحة اصلا- لا شرعا و لا عقلا- اقرب.

و كيف كان (فلو قيل بتوسعة الشارع على العباد بعدم ترتيب الآثار على الكذب فيما نحن فيه) مما اضطر الانسان إليه (و ان قدر على التورية كان حسنا، الا ان الاحتياط فى خلافه) اى فى خلاف هذا القول، و انه ان قدر على التورية لم يكن مجال لعدم ترتيب آثار الكذب (بل هو المطابق للقواعد) الدالة على انه لو دار الامر بين جائز و حرام، لم يكن اضطرار إلى الحرام (لو لا استبعاد التقييد فى هذه المطلقات) الدالة على جواز الكذب فى صورة الاضطرار مطلقا، و ان قدر على التورية (لان النسبة بين هذه المطلقات) المجوزة للكذب (و بين ما دل- كالرواية الاخيرة و غيرها- على اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم) فاعله «ما دل»

ص: 219

للمنع، مع عدمه مطلقا عموم من وجه فيرجع إلى عمومات حرمة الكذب فتامل هذا مع امكان منع الاستبعاد المذكور لان مورد الاخبار عدم الالتفات إلى التورية فى مقام الضرورة إلى الكذب.

______________________________

(للمنع) عن الكذب (مع عدمه) اى عدم الاضطرار (مطلقا) اى سواء لم يكن اضطرار، او كان اضطرار و امكن رفعه بالتورية (عموم من وجه).

فان الروايات المجوزة تقول: يجوز الكذب ان تمكن عن التورية أم لم يتمكن.

و الرواية الاخيرة- اى موثقة زرارة- تقول: يجوز الكذب اذا اضطر فاذا لم يضطر لم يجز سواء لم يضطر اصلا، او اضطر و امكن رفعه بالتورية ففى صورة عدم التمكن من التورية لا تعارض الرواية الموثقة.

و فى صورة عدم الاضطرار اصلا لا تعارض الرواية المجوزة.

و يقع التعارض بينهما فى صورة الاضطرار مع التمكن من التورية فتجيزها الرواية المجوزة و تمنعها الرواية الاخيرة (فيرجع إلى عمومات حرمة الكذب فتأمل).

اذ ان الروايات المجوزة حاكمة على الموثقة لانها تبين موضوع الاضطرار الّذي تعرضت له الموثقة، و لا يخفى قوة هذا القول (هذا مع امكان منع الاستبعاد المذكور) بان نقول: لا بعد فى تقييد المطلقات بصورة عدم امكان التورية (لان مورد الاخبار) المجوزة (عدم الالتفات إلى التورية فى مقام الضرورة إلى الكذب).

فالاخبار المجوزة لا تشمل صورة الالتفات إلى التورية، حتى يكون

ص: 220

اذ مع الالتفات فالغالب اختيارها، اذ لا داعى إلى العدول عنها الى الكذب.

ثم ان اكثر الاصحاب مع تقييد هم جواز الكذب بعدم القدرة على التورية، اطلقوا القول بلغوية ما اكره عليه من العقود و الايقاعات.

و الاقوال المحرمة، كالسب و التبرى من دون تقييد بصورة عدم التمكن من

______________________________

حكمها بالجواز شاملا لصورة امكان التورية أيضا.

(اذ مع الالتفات) ممن يضطر إلى التورية (فالغالب اختيارها اذ لا داعى إلى العدول عنها إلى الكذب).

لكن لا يخفى ما فيه، لانه لو كانت التورية رافعة للاضطرار، لعلّمها الامام لافاضل الاصحاب.

الا ترى انه لو جاءك انسان و قال: انى مضطر إلى اكل الميتة لانى لا اعلم كيفية الذبح، تقول له: انك لست مضطرا لامكانك ان تعطى الحيوان لقصاب يذبحه فيما اذا كان القصاب ميسورا له بكل سهولة.

(ثم ان اكثر الاصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة على التورية) فى مسئلتنا هذه خالفوا ذلك فى مسئلة اخرى.

فانهم (اطلقوا القول بلغوية ما اكره عليه من العقود) كالبيع (و الايقاعات) كالطلاق.

(و الاقوال المحرمة، كالسب و التبرى) فلا ينعقد عقدا، و لا يصح ايقاعا و لا يكون حراما (من دون تقييد) منهم اللغوية (بصورة عدم التمكن من

ص: 221

التورية بل صرح بعض هؤلاء- كالشهيد فى الروضة و المسالك فى باب الطلاق- بعدم اعتبار العجز عنها بل فى كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه، مع انه يمكن ان يقال: ان المكره على البيع انما اكره على التلفظ بالصيغة.

و اما إرادة المعنى

______________________________

التورية) مع انه لو كانت التورية رافعة للاضطرار لزم القول فى مسئلتنا: اى الكذب، و فى تلك المسألة اى العقد و الايقاع و السب المكره عليها بان اللازم عدم التمكن من التورية.

فتقييدهم فى مسئلتنا و عدم تقييدهم فى تلك المسألة تهافت، فان الاضطرار ان كان- مع امكان التورية- فليكن حتى فى الكذب و ان لم يكن- مع امكان التورية- فلا يكون حتى فى مسئلة العقود فما هو الفارق بين المسألتين (بل صرح بعض هؤلاء- كالشهيد فى الروضة و المسالك فى باب الطلاق- بعدم اعتبار العجز عنها) اى عن التورية فى وقوع الاكراه فانه لو اكره على الطلاق فطلق و لم يورّ بطل الطلاق و ان كان متمكنا من التورية (بل فى كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه) اى على بطلان الطلاق و ان تمكن من التورية و كذا سائر العقود و الايقاعات (مع انه يمكن ان يقال) فى الايراد على الشهيد الثانى، و من قال بمقاله (ان المكره على البيع انما اكره على التلفظ بالصيغة) و اجراء لفظ «بعت» مع ترتيب الاثر الخارجى عليه بتسليمه المال إلى المشترى- مثلا-.

(و اما إرادة المعنى) من المكره- بالفتح- بل ينوى البيع عند

ص: 222

فمما لا تقبل الاكراه، فاذا اراده مع القدرة على عدم ارادته، فقد اختاره

فالاكراه على البيع الواقعى يختص بغير القادر على التورية، لعدم المعرفة بها، او عدم الالتفات إليها.

كما ان الاضطرار إلى الكذب يختص بغير القادر عليها.

و يمكن ان يفرق بين المقامين بان الاكراه انما يتعلق بالبيع الحقيقى او الطلاق الحقيقى.

______________________________

جريان اللفظ (فمما لا تقبل الاكراه، فاذا اراده) اى اراد المكره- بالفتح- المعنى (مع القدرة على عدم ارادته، فقد اختاره) بنفسه من دون اكراه عليه، و ذلك يقتضي صحة البيع.

(فالاكراه على البيع الواقعى يختص بغير القادر على التورية لعدم المعرفة بها، او عدم الالتفات إليها) حين البيع و ان كان عارفا بها.

(كما ان الاضطرار إلى الكذب) فى مسئلتنا (يختص بغير القادر عليها) اى على التورية.

(و يمكن ان يفرق بين المقامين) مقام الكذب و مقام العقود، حيث لا يجوز الكذب مع تمكن التورية و لا يصح العقد و ان تمكن من التورية (ب) ما حاصله ان دليل الاكراه مطلق فى باب العقود، فيتحقق الاكراه و لو مع القدرة على التورية، و دليل الاكراه غير مطلق فى الكذب بل خاص بصورة الاضطرار، لا يتحقق مع امكان التورية.

ف (ان الاكراه انما يتعلق بالبيع الحقيقى، او الطلاق الحقيقى) اذ الجائر يريد ان يبيع ماله او يطلق زوجته، لا انه يريد صورة البيع و الطلاق

ص: 223

غاية الامر قدرة المكره على التفصي عنه بايقاع الصورة من دون إرادة المعنى، لكنه غير المكره عليه و حيث ان الاخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه لم يعتبر ذلك فى حكم الاكراه.

و هذا بخلاف الكذب، فانه لم يسوغ الا عند الاضطرار إليه و لا اضطرار مع القدرة.

نعم لو كان الاكراه من افراد الاضطرار.

______________________________

(غاية الامر قدرة المكره)- بالفتح- (على التفصي) و التخلص (عنه) اى عن الاكراه (بايقاع الصورة) اى مجرد لفظ «بعت و طلقت» (من دون إرادة المعنى، لكنه) اى اللفظ، فقط (غير المكره عليه و حيث ان الاخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه).

فان الاخبار الدالة على بطلان عقد و ايقاع المكره لم تذكران البطلان خاص بصورة عجز المكره- بالفتح- عن التورية (لم يعتبر ذلك) اى عدم امكان التفصي (فى حكم الاكراه) فالاكراه موجود و ان امكن التفصي باجراء اللفظ فقط دون المعنى.

(و هذا بخلاف الكذب) الجائز للضرورة (فانه لم يسوغ) الكذب- فى الاخبار- (الا عند الاضطرار إليه، و لا اضطرار مع القدرة) على التفصّى بالتورية.

(نعم) يرد اشكال ما هو الفرق بين مقام الكذب، و مقام العقود (لو كان الاكراه من افراد الاضطرار) فالرواية التى تقول ببطلان بيع المكره يراد به المضطر.

ص: 224

بان كان المعتبر فى تحقق موضوعه عرفا او لغة، العجز عن التفصّى كما ادعاه بعض، او قلنا: باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار، او بان كان عدم ترتب الاثر على المكره عليه من حيث انه مضطر إليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس و المال كان ينبغى فيه اعتبار العجز من التورية لعدم الاضطرار مع القدرة عليها.

______________________________

و حيث لا اضطرار مع التورية يكون قول الفقهاء بعدم الاحتياج إلى التورية- فى العقود- و الاحتياج إليها فى الكذب- تهافتا.

و توضيحه انه لو قلنا: بان الاكراه من افراد الاضطرار (بان كان المعتبر فى تحقق موضوعه) اى الاكراه (عرفا او لغة، العجز عن التفصي) بالتورية (كما ادعاه بعض) اى ادعى ان الاكراه يعتبر فيه العجز- لانه من افراد الاضطرار- (او قلنا) بان الاكراه ليس من افراد الاضطرار موضوعا- بل (باختصاص رفع حكمه) اى حكم المكره عليه (بصورة الاضطرار او بان كان عدم ترتب الاثر على المكره عليه) انما هو (من حيث انه مضطر إليه) اضطرارا (لدفع الضرر المتوعد عليه به) «به» متعلق به «دفع» و معنى «به» اى بما يأتى من العقد- مثلا- (عن النفس و المال) متعلق ب «ضرر» (كان) هذا خبر قوله «نعم لو كان».

و الحاصل انه لو قلنا بان الاضطرار محقق لموضوع الاكراه، او لحكم الاكراه، كان (ينبغى فيه) اى فى الاكراه الرافع لحكم العقد و الايقاع (اعتبار العجز من التورية).

و انما يعتبر العجز (لعدم الاضطرار مع القدرة عليها) اى على

ص: 225

و الحاصل ان المكره اذا قصد المعنى مع التمكن من التورية، صدق على ما اوقع انه مكره عليه، فيدخل فى عموم رفع ما اكرهوا عليه.

و اما المضطر فاذا كذب مع القدرة على التورية، لم يصدق انه مضطر إليه، فلا يدخل فى عموم: رفع ما اضطروا إليه هذا كله على مذاق المشهور

______________________________

التورية، و اذا لم يكن اضطرار لم يكن اكراه حكما او موضوعا، فلا بطلان للعقد او الايقاع.

(و الحاصل) فى الفرق بين المقامين، اى مقام الكذب الّذي شرطوا فيه عدم تمكنه من التورية، و مقام العقود الّذي لم يشترطوا فيه عدم تمكنه من التورية (ان المكره) بالفتح (اذا قصد المعنى) للعقد او الايقاع (مع التمكن من التورية، صدق على ما اوقع) اى العقد او الايقاع الّذي اوقعه (انه مكره عليه، فيدخل) ما اوقعه من عقد او ايقاع (فى عموم رفع ما اكرهوا عليه) و يكون باطلا غير نافذ.

(و اما المضطر) الّذي يحلف كذبا (فاذا كذب مع القدرة على التورية لم يصدق انه مضطر إليه، فلا يدخل) كذبه (فى عموم: رفع ما اضطروا إليه) و لكن لا يخفى: ما فى هذا الفرق.

و الانصاف ان اللازم ان نقول: باشتراط عدم التمكن من التورية فى المقامين، او بعدم الاشتراط فى المقامين.

و كيف كان، ف (هذا كله) الّذي اتعبنا انفسنا لا بداء الفرق بين المقامين (على مذاق المشهور) حيث يشترطون عدم امكان التورية فى الكذب، دون العقود و الايقاعات

ص: 226

من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه- حتى من جهة العجز عن التورية-.

و اما على ما استظهرناه من الاخبار- كما اعترف به جماعة- من جوازه مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية، فلا فرق بينه و بين الاكراه.

كما ان الظاهر ان ادلة نفى الاكراه راجعة إلى الاضطرار لكن من غير جهة التورية، فالشارع رخص فى ترك التورية فى كل كلام مضطر إليه للاكراه عليه او دفع الضرر به، هذا.

______________________________

(من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار إليه- حتى من جهة العجز عن التورية-) فاذا لم يعجز، فلا اضطرار، فلا يجوز الكذب.

(و اما على ما استظهرناه من الاخبار- كما اعترف به جماعة-) بانه ظاهر الاخبار (من جوازه) اى الكذب (مع الاضطرار إليه من غير جهة العجز عن التورية) فهو جائز و ان كان قادرا على التورية (فلا فرق بينه و بين الاكراه) فى ان العجز عن التورية لم يؤخذ فى موضوعها و لا حكمها.

(كما ان الظاهر ان ادلة نفى الاكراه راجعة إلى الاضطرار).

فالاكراه من مصاديق الاضطرار (لكن من غير جهة التورية) فلا يعتبر عدم امكان التورية فى صدق الادلة للاضطرار.

و على هذا (فالشارع رخص فى ترك التورية فى كل كلام مضطر إليه) سواء كان (للاكراه عليه) اى على ذلك الكلام (او) ل (دفع الضرر به) الضرر المتوجه من غير اكراه مكره (هذا) تمام الكلام فى اشتراط عدم

ص: 227

و لكن الاحوط التورية فى البابين.

ثم ان الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات.

نعم يستحب تحمل الضرر المالى الّذي لا يجحف.

و عليه: يحمل قول امير المؤمنين عليه السلام فى نهج البلاغة: علامة الايمان ان تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك.

ثم ان الاقوال الصادرة عن ائمتنا فى مقام التقية فى بيان الاحكام

______________________________

امكان التورية فى الكذب الاضطرارى.

(و لكن الاحوط التورية فى البابين) باب الكذب، و باب العقود و الايقاعات.

(ثم ان الضرر المسوغ) و المجوز (للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات)

(نعم يستحب تحمل الضرر المالى) بل و البدنى (الّذي لا يجحف) بالانسان اى لا يكون ضررا كثيرا.

(و عليه) اى على الاستحباب فى غير المجحف (يحمل قول امير المؤمنين عليه السلام فى نهج البلاغة: علامة الايمان ان تؤثر الصدق) اى تقدمه (حيث يضرك) الصدق (على الكذب حيث ينفعك).

فان المراد المرتبة الراقية من الايمان و المراد بالضرر غير المجحف.

(ثم ان الاقوال الصادرة عن ائمتنا) الطاهرين عليهم السلام (فى مقام التقية فى بيان الاحكام) مقابل التقية التى هى تكليف للسائل.

فاذا كان حكم السائل التقية يكون بيان الامام عليه السلام بيانا للحكم الواقعى فلا شائبة فى كونه خلافا للواقع حتى يحتاج إلى هذا التوجيه

ص: 228

مثل قولهم: لا بأس بالصلاة فى ثوب اصابه خمر، و نحو ذلك.

و ان امكن حمله على الكذب لمصلحة بناء على ما استظهرنا جوازه من الاخبار، الا ان الاليق بشأنهم عليهم السلام هو الحمل على إرادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة بان يريد من جواز الصلاة فى الثوب المذكور جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار إلى اللبس.

و قد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة فى بعض الموارد، مثل انه ذكر عليه السلام: ان النافلة فريضة، ففزع المخاطب، ثم قال: انما اردت صلاة

______________________________

(مثل قولهم:) عليهم السلام (لا بأس بالصلاة فى ثوب اصابه خمر، و نحو ذلك) مما هو مخالف للواقع.

(و ان امكن حمله على الكذب لمصلحة) فان ذلك جائز (بناء على ما استظهرنا جوازه من الاخبار) خلافا لمن خصص الجواز بصورة عدم امكان التورية (الا ان الاليق بشأنهم عليهم السلام) كما يدل كونه أليق تفسيرهم عليهم السلام للآيات التى يمكن ان يتوهم منها خلاف الواقع فى قول الأنبياء كقول ابراهيم: انى سقيم، و ما اشبه (هو الحمل على إرادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة) مثلا (بان يريد من جواز الصلاة فى الثوب المذكور، جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار إلى اللبس) او يريد جوازها للمضطر تقية، او ما اشبه ذلك.

(و قد صرحوا) الائمة عليهم السلام (بإرادة المحامل البعيدة فى بعض الموارد، مثل انه ذكر عليه السلام ان النافلة فريضة، ففزع المخاطب، ثم قال) عليه السلام (انما اردت صلاة

ص: 229

الوتر على النبي صلى الله عليه و آله.

و من هنا يعلم انه اذا دار الامر فى بعض المواضع بين الحمل على التقية و الحمل على الاستحباب كما فى الامر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثانى لان التقية تتأدى بإرادة المجاز و اخفاء القرينة.

______________________________

الوتر على النبي صلى الله عليه و آله).

و لا يخفى ما فى هذه الإرادة من البعد عن مساق الظاهر.

(و من هنا) الّذي ذكرنا انه أليق بشأنهم عليهم السلام (يعلم انه اذا دار الامر فى بعض المواضع بين الحمل على التقية و الحمل على الاستحباب كما) فى تخليل اصابع الرجل بعد المسح، و (فى الامر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثانى) اى الحمل على الاستحباب (لان التقية تتأدى بإرادة المجاز، و اخفاء القرينة) بان يريد الامام من الامر، الاستحباب و يخفى قرينة المجاز، اى كونه اريد بالامر الاستحباب.

و الحاصل انه اذا دار الامر بين ان يكون قول الامام خلافا للواقع تقية- او موافقا للواقع- مجازا- كان الثانى اولى، فاذا قال الامام عليه السلام: توضأ عقيب المذى، و دار امر توضأ بين الاستحباب حتى يكون صورة الامر بلا قرينة تقية، و بين كونه تقية حتى يكون اصل توضأ خلافا للواقع، كان الاليق بمقام الامام عليه السلام الاستحباب.

لكن ربما يقال: ان هذا خلاف ادلة التعادل و الترجيح و لا ظهور

ص: 230

الثانى: من مسوغات الكذب إرادة الاصلاح

و قد استفاضت الاخبار بجواز الكذب عند إرادة الاصلاح.

ففى صحيحة معاوية بن عمار: المصلح ليس بكذاب، و نحوها رواية معاوية بن حكم، عن ابيه عن جده، عن ابى عبد الله عليه السلام.

و فى رواية عيسى بن حنان عن الصادق عليه السلام: كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا كذبا فى ثلاثة: رجل كائد فى حربه، فهو موضوع عنه.

و رجل اصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا يريد بذلك الاصلاح.

______________________________

للتقية مجازا حتى يقدم على التقية حقيقة.

(الثانى: من مسوغات الكذب) و مجوزاته (إرادة الاصلاح و قد استفاضت الاخبار بجواز الكذب عند إرادة الاصلاح) لذات البين، زوجين كانا او غيرهما.

(ففى صحيحة معاوية بن عمار: المصلح ليس بكذاب) نفى الموضوع و إرادة نفى الحكم (و نحوها رواية معاوية بن حكم، عن ابيه عن جده، عن ابى عبد الله عليه السلام).

(و فى رواية عيسى بن حنان عن الصادق عليه السلام: كل كذب مسئول عنه صاحبه) اى صاحب الكذب (يوما) اى فى الدنيا او القبر او القيامة (الا كذبا فى ثلاثة: رجل كائد فى حربه، فهو موضوع عنه) فان الحرب مكيدة، كما لو كذب للتغلب على عدوه.

(و رجل اصلح بين اثنين يلقى هذا بغير ما يلقى هذا) الآخر، فيقول لزيد: مدحك عمرو، بينما ذمه عمرو (يريد بذلك) الكذب (الاصلاح).

ص: 231

و رجل وعد اهله و هو لا يريد ان يتم لهم.

و بمضمون هذه الرواية فى استثناء هذه الثلاثة روايات.

و فى مرسلة الواسطى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: الكلام ثلاثة، صدق، و كذب، و اصلاح بين الناس قيل له جعلت فداك، و ما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول سمعت فلانا قال فيك من الخير كذا و كذا، خلاف ما سمعته.

______________________________

(و رجل وعد اهله و هو لا يريد ان يتم لهم) اى يفى بوعده.

و لا يخفى ان هذا أيضا شعبة من الاصلاح، اذ كثيرا ما يكون موقف الرجل يوجب الكذب، و الا افسد عليه اهله امره.

(و بمضمون هذه الرواية فى استثناء هذه الثلاثة) من الكذب المحرم (روايات) اخرى.

(و فى مرسلة الواسطى، عن ابى عبد الله عليه السلام، قال: الكلام ثلاثة، صدق، و كذب، و اصلاح بين الناس) و المراد انه صورة كذب و ليس محكوما بحكم الكذب واقعا (قيل له جعلت فداك، و ما الإصلاح بين الناس قال: تسمع عن الرجل كلاما يبلغه) كان تسمع من زيد كلاما سيئا فى عمرو و يبلغ ذلك الكلام عمروا (فتخبث نفسه) اى تفسد نفس الرجل المقول فيه الكلام، كعمرو بالنسبة إلى زيد قائل الكلام (فتقول) لعمرو (سمعت فلانا) كزيد، مثلا (قال فيك من الخير كذا و كذا، خلاف ما سمعته) حتى تطيب نفس عمرو على زيد.

ص: 232

و عن الصدوق فى كتاب الاخوان بسنده عن ابى الحسن الرضا «ع» قال: ان الرجل ليصدق على اخيه، فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله و ان الرجل ليكذب على اخيه يريد به نفعه، فيكون عند الله صادقا.

ثم ان ظاهر الاخبار المذكورة عدم وجوب التورية و لم ار من اعتبر العجز عنها فى جواز الكذب فى هذا المقام.

و تقييد الاخبار المذكورة بصورة العجز عنها فى غاية البعد، و ان كان مراعاته مقتضى الاحتياط.

______________________________

(و عن الصدوق فى كتاب الاخوان بسنده عن ابى الحسن الرضا «ع» قال: ان الرجل ليصدق على اخيه، فيصيبه عنت) و صعوبة (من صدقه فيكون كذابا عند الله) اى عليه وزر الكذب، لانه القى اخاه فى الحرج و الضرر، بسبب صدقه، و قد كان هذا الصدق منهيا عنه (و ان الرجل ليكذب على اخيه يريد به نفعه، فيكون عند الله صادقا) اى له ثواب الصادقين.

(ثم ان ظاهر الاخبار المذكورة عدم وجوب التورية) فى الكذب الاصلاحى (و لم أر من اعتبر العجز عنها) اى عن التورية (فى جواز الكذب فى هذا المقام) اى مقام الاصلاح.

(و تقييد الاخبار المذكورة) فى الكذب الاصلاحى (بصورة العجز عنها) اى عن التورية (فى غاية البعد، و ان كان مراعاته) اى العجز عن التورية (مقتضى الاحتياط).

لكن الظاهر من لفظ «يكذب» فى الاخبار و نحوه انه لا مجال

ص: 233

ثم انه قد ورد فى اخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة، بل مطلق الاهل، و الله العالم.

______________________________

للاحتياط حتى الاستحبابى منه.

(ثم انه قد ورد فى اخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة، بل مطلق الاهل).

و قد تقدم ان الوعد ليس من الكذب، كما ورد فى الاخبار جواز الكذب فى الحرب، و جواز الكذب بالنسبة إلى اهل البدعة (و الله العالم).

تمتع دائما بمؤلفات قيمة و سهلة تغنيك عن صعوبات الدراسة.

كالوصول إلى كفاية الاصول.

و شرح المنظومة.

و القول السديد فى شرح التجريد و بقية اجزاء ايصال الطالب إلى المكاسب.

ص: 234

التاسعة عشرة الكهانة حرام،

و هى من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما فى الصحاح اذا تكهن.

قال: و يقال: كهن بالضم- كهانة- بالفتح- اذا صار كاهنا.

و عن القاموس- أيضا- الكهانة بالكسر لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل، كهانة بالفتح.

و كيف كان فعن النهاية: ان الكاهن من يتعاطى الخبر عن الكائنات فى مستقبل الزمان و قد كان فى العرب كهنة.

______________________________

المسألة (التاسعة عشرة) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى نفسه (الكهانة حرام، و هى من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما فى الصحاح- اذا تكهن) و اخبر عن الغيب بصورة خاصة.

(قال) الصحاح (و يقال: كهن- بالضم- كهانة- بالفتح- اذا صار كاهنا) اى صارت ملكته الكهانة، كالخياط لمن صارت ملكته الخياطة.

(و عن القاموس- أيضا- الكهانة بالكسر) للكاف، كما قاله الصحاح (لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل، كهانة بالفتح) لا بالكسر.

(و كيف كان) سواء كان بالفتح او الكسر (فعن النهاية: ان الكاهن من يتعاطى) اى الاخذ و العطاء (الخبر عن الكائنات) اى الاشياء التى تكون (فى مستقبل الزمان، و قد كان فى العرب كهنة) جمع كاهن كفسقة جامع فاسق.

ص: 235

فمنهم من كان يزعم ان له تابعا من الجن يلقى إليه الاخبار.

و منهم من كان يزعم انه يعرف الامور بمقدمات و اسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من سأله او فعله او حاله.

و هذا يخصونه باسم العرّاف.

______________________________

(فمنهم من كان يزعم ان له تابعا) يتبع الكاهن (من الجن يلقى إليه الاخبار) عن البلاد البعيدة، و الامور الغائبة عن الحواس، و الامور المستقبلة.

(و منهم من كان يزعم انه يعرف الامور بمقدمات و اسباب يستدل بها) اى تلك الاسباب (على مواقعها).

مثلا: يسأل الكاهن من جاءه يستفسره عن سرقة حدثت عنده، فى اى وقت سرق، و هل تظن باحد، و كم كانت السرقة و فى اى مكان كان، و هكذا فيستدل الكاهن بهذه الامور على موقع السرقة، و اين هى الآن، و من سرقها و هكذا فى سائر الامور (من كلام من سأله او فعله او حاله)- و هذا قسم آخر- فاذا جاءه رجل يسأله عن حظه فى الزواج يزعم الكاهن ان اوّل كلمة قالها السائل تدل على حظه.

او مثلا: ان كان عمل السائل الحياكة او ان كان فعله كذا، ينوى الكاهن: انه لما جاءه للسؤال جلس مستقبل الجدى.

او مثلا: ان كان حال السائل حالة حسنة او حالة سيئة دل على كذا فيجمع الكاهن هذه الامور فى ذهنه، و يجيب على نحو ما يستنبط منها.

(و هذا) القسم، و هو من يعرف الامور بمقدمات (يخصونه باسم العراف)

ص: 236

و المحكى عن الاكثر فى تعريف الكاهن- ما فى القواعد- من انه من كان له راى من الجن يأتيه الاخبار.

و عن التنقيح انه المشهور، و نسبه فى السرائر إلى القيل و راىّ: على فعيل، من: راى يقال: فلان رئيّ القوم، اى صاحب رأيهم قيل: و قد يكسر راؤه اتباعا.

______________________________

مبالغة عارف.

فالكاهن و العارف و القائف كل يخبر عن المستقبل، و عن الامور الغامضة

لكن الاول: من يزعم انه بإلقاء الجن يعرف الامور.

و الثانى: من يزعم انه بالعلائم و الآثار و التفاؤل و التطير يعرف الامور

و الثالث: من يزعم انه يعرف بالشبه و نحو الشبه، و غالبا ما كان اذكياء القوم يتصفون بهذه الصفات و قد يطلق هذه الاسامى بعضها على بعض باعتبارات-.

(و المحكى عن الاكثر فى تعريف الكاهن- ما فى القواعد- من انه من كان له رئيّ) وزان غنىّ (من الجن) اى جن صاحب رأى (يأتيه الاخبار) الغامضة و المستقبلة.

(و عن التنقيح انه) اى تعريف العلامة للكاهن هو (المشهور و نسبه فى السرائر إلى القيل، و رئيّ: على) وزن (فعيل، من: راى يقال: فلان رئيّ القوم، اى صاحب رايهم) الّذي يعطيهم الرأي فى الامور (قيل: و قد يكسر راؤه اتباعا) اى متابعة لعين الكلمة- و هى الهمزة-.

ص: 237

و عن القاموس رئيّ كغنى، جنى يرى فيخبر.

و عن النهاية يقال: للتابع من الجن رئيّ بوزن كمىّ.

اقول: روى الطبرسى فى الاحتجاج فى جملة الاسئلة التى سئل الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام، قال الزنديق: فمن اين اصل الكهانة؟ و من اين يخبر الناس بما يحدث؟ قال عليه السلام: ان الكهانة كانت فى الجاهلية، فى كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم، يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم، فيخبرهم باشياء تحدث، و ذلك فى وجوه شتى، فراسة العين.

______________________________

(و عن القاموس راى كغنى، جنّى يرى فيخبر).

(و عن النهاية يقال: للتابع) للانسان (من الجن رئيّ بوزن كمى) وزان غنى.

(اقول: روى الطبرسى فى الاحتجاج فى جملة الاسئلة التى سئل الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام، قال الزنديق: فمن اين اصل الكهانة؟ و من اين يخبر) الكاهن (الناس بما يحدث) فى المستقبل (قال عليه السلام: ان الكهانة كانت فى الجاهلية، فى كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم، يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم، فيخبرهم) الكاهن (باشياء تحدث، و ذلك) التمكن من الاخبار بالمستقبل (فى وجوه شتى) اى مصدر علم الكاهن امور متعددة (فراسة العين) فان بعض الناس يتفرسون عن الظواهر البواطن بواسطة نظرهم.

ص: 238

و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح، مع قذف

______________________________

مثلا: اذا نظر إلى جماعة عرف المجرم منهم لانه منخطف اللون كثير الالتفات عديم الاستقرار (و ذكاء القلب) فان الاذكياء يعرفون من المقدمات النتائج، فاذا قيل له زيد و عمرو تشاركا، قال الذكى انه لا تدوم الشركة بينهما لانه يعرف اختلاف زيد و عمرو فى المذاق فيستنبط ان هذا الاختلاف الطبعى سيؤدى إلى فسخ الشركة (و وسوسة النفس) فان بعض النفوس سريعة الاطمينان، و بعض النفوس فيها حالة تردّد و وسوسة فاذا سئلت هذا الوسواس هل يأتى زيد أم لا لا يطمئن بالمقدمات الدالة على مجيئه، و لذا يجيب بالجواب المردد.

مثلا: يقول المقدمات تدل على مجيئه، لكن هناك احتمال عدم المجي ء لبعض الموانع (و فطنة الروح) فالروح هى التى تتلقى الاخبار عن الخارج بواسطة الحواس الظاهرة، فالروح الفطنة اذا شمت شيئا او ذاقت او لمست او سمعت انتقل إلى ما وراء ذلك، بخلاف الارواح البليدة.

و قد نقل ان المعرى اخذت جارية بيده لقضاء الحاجة، فلما رجع و اخذت الجارية يده صاح قائلا ذهبت بكارة الفتاة، و كان الامر كما قال.

و عند ما سئل من اين علم ذلك و هو لا يبصر قال من ارتعاش يدها ارتعاشا خاصا.

و على هذا فالفرق بين ذكاء القلب، و فطنة الروح ان الاول الوصول من المقدمات إلى النتائج و لو لم تكن المقدمات محسوسة.

و الثانى: الوصول إلى نتائج مخفية من مقدمات حسية (مع قذف

ص: 239

فى قلبه لان ما يحدث فى الارض من الحوادث الظاهرة، فذلك يعلم الشيطان و يؤديه إلى الكاهن، و يخبره بما يحدث فى المنازل و الاطراف

و اما اخبار السماء فان الشيطان كانت تقعد مقاعد استراق السمع اذ ذاك و هى لا تحجب و لا ترجم بالنجوم

______________________________

فى قلبه) بدون مقدمات.

و هذا هو الّذي يعبر عنه بالفارسية- در دلم تاثير كرد-.

و قد عبر عنه فى بعض الاخبار ب «مناجات الارواح» و قد ثبتت هذه الاقسام كلها فى العلم الحديث فراجع كتب التحضير، و كتب ما وراء الطبيعة و كتب علم النفس (لان ما يحدث فى الارض من الحوادث الظاهرة، فذلك يعلم) به (الشيطان و يؤديه إلى الكاهن، و يخبره بما يحدث فى المنازل و الاطراف) اى اطراف المدينة.

(و اما اخبار السماء) فانها لا تعرفها الشياطين كاملة (فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع) اى المقاعد التى يتمكن بها من استراق السمع (اذ ذاك) اى حين فترة من الرسل (و هى لا تحجب) اى لا تمنع (و لا ترجم بالنجوم) اى لا تطرد بسبب النجوم و الشهب.

و هذا اشارة إلى قوله تعالى- فى سورة الجن- «وَ أَنّٰا كُنّٰا نَقْعُدُ مِنْهٰا مَقٰاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهٰاباً رَصَداً» و قوله و «رُجُوماً لِلشَّيٰاطِينِ».

و المراد ان النجوم مراكز لرجم الشياطين بالشهب و نحوها.

ص: 240

و انما منعت من استراق السمع، لئلا يقع فى الارض سبب يشاكل الوحى من خبر السماء

______________________________

و لا يخفى انه لا منافات بين العلل الطبيعية، و العلل الواقعية، فالشهاب يحدث بسبب امور طبيعية، لكنها انما تحدث رجما للشياطين فى الواقع، كما ان الكسوف و الخسوف يحدثان بسبب العلل الطبيعية و لكنهما انما يكونان لدى كثرة الذنوب، كما ان الجنين يتكون بالاسباب الطبيعية لكن العلة الحقيقية إرادة الله تعالى.

و منه يعلم انه لا منافات بين بعد النجوم ألوف الاميال و قرب الشهب من الارض.

فلا يقال: كيف يرمى الشهاب من ذلك المحل البعيد، اذ النظام الكونى الخاص المربوط بالنجوم هو الّذي يسبب حدوث النيازك و الكلام فى المقام طويل نكتفى منه بهذا القدر.

(و انما منعت) الشياطين (من استراق السمع، لئلا يقع فى الارض سبب) و امر (يشاكل) و يشابه (الوحى من خبر السماء) فانه و ان كان هناك فرق بين الوحى و الكهانة و ما اشبهها بان الرسول يتمكن من كل شي ء، و الكاهن و شبهه لا يتمكن الا من بعض الاخبار لكن لما كان بعض العوام يشتبه عليهم الامر- جهلا- اقتضت مشيئته سبحانه ان يمنع حتى مثل هذا الاشتباه.

و المراد بما يشابه الوحى الاحكام المتينة القوية التى ليست من امور الارض.

ص: 241

فيلبس على اهل الارض ما جاءهم عن الله تعالى لاثبات الحجة، و نفى الشبهة، و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله فى خلقه فيختطفها، ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها إلى الكاهن، فاذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل.

فما اصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به هو ما اداه إليه شيطانه مما سمعه.

______________________________

مثلا: اذا تمكن الشيطان من استراق السمع جاء بالسورة التى سمعها فى الملاء الاعلى- قبل ان ينطق بها الرسول- الى كاهنه، فيرون الناس ان الرسول و الكاهن كليهما يلفظان بشي ء واحد مثلا فمنعهم الله سبحانه لئلا يشتبه (فيلبس على اهل الارض ما جاءهم عن الله تعالى)

و ذلك (لاثبات الحجة) فى قول الأنبياء (و نفى الشبهة) التى كانت حول كلامهم لو تكلموا الكهنة بمثل كلامهم (و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله فى خلقه) من الحياة و الموت، و ما اشبه (فيختطفها) اى يأخذ الكلمة بسرعة (ثم يهبط بها إلى الارض فيقذفها) اى يلقيها (الى الكاهن، فاذا قد زاد) اى الشيطان او الكاهن (كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل) و الصدق بالكذب و هذا هو سر صحة بعض كلمات الكاهن و بطلان بعضها الآخر.

(فما اصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به هو ما اداه) و اعطاه (إليه شيطانه مما سمعه) الشيطان من السماء.

ص: 242

و ما اخطاء فيه، فهو من باطل ما زاد فيه فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة و اليوم انما تؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس مما يتحدثون به و ما يحدثونه.

و الشياطين تؤدى إلى الشياطين ما يحدث فى البعد من الحوادث من سارق سرق، و من قاتل قتل و من غائب غاب.

و هم أيضا بمنزلة الناس صدوق و كذوب، الخبر.

و قوله عليه السلام: مع قذف فى قلبه، يمكن ان يكون قيد اللاخير،

______________________________

(و ما اخطاء فيه، فهو من باطل ما زاد فيه) الشيطان او الكاهن (فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة) اى التى بهذا المعنى (و اليوم) و بعد انقطاع اخبار السماء (انما تؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس) المربوطة بالارض (مما يتحدثون به و ما يحدثونه).

مثلا: يقولون ان ملك الصين تكلم بكذا، و ان ملك الهند بنى كذا و هكذا من الاقوال و الاعمال.

(و الشياطين تؤدى إلى الشياطين ما يحدث فى البعد).

مثلا شيطان الصين يحدث شيطان الشرق بما حدث هناك فى الصين و شيطان الشرق يأخذ الكلام ليلقيه إلى كاهنه (من الحوادث من سارق سرق، و من قاتل قتل و من غائب غاب) و هكذا من هذا القبيل من الاخبار (و هم) اى الشياطين (أيضا بمنزلة الناس صدوق و كذوب) فى اخبارهم عن الامور البعيدة، الى آخر (الخبر) نقلناه لما فيه الفائدة.

(و قوله عليه السلام: مع قذف فى قلبه، يمكن ان يكون قيد اللاخير

ص: 243

و هو: فطنة الروح، فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين كما هو ظاهر ما تقدم عن النهاية.

و يحتمل ان يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة فيكون المراد تركب اخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان، و ما يحدث فى نفسه لتلك الوجوه و غيرها كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك: زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل.

______________________________

و هو: فطنة الروح، فتكون الكهانة بغير قذف الشياطين) اى الاقسام الثلاثة الاول و هى الفراسة و الذكاء و الوسوسة، كانت من نفس الكاهن بدون القذف فالكهانة قسمان قذف و غير قذف (كما هو ظاهر ما تقدم عن النهاية) حيث قال: فمنهم من كان يزعم ان له تابعا، و منهم من كان يزعم انه يعرف.

(و يحتمل ان يكون) قوله: مع قذف، (قيدا لجميع الوجوه المذكورة) اى الفراسة و الذكاء و الوسوسة و الفطنة، يعنى ان هذه الامور بضميمة القذف هى الكهانة (فيكون المراد تركب اخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان و ما يحدث فى نفسه لتلك الوجوه) اى الفراسة الخ (و غيرها) اى غير تلك الوجوه.

(كما يدل عليه) اى على كون «مع قذف» قيدا للجميع (قوله عليه السلام بعد ذلك: زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل) مما يدل على ان الكهانة مركبة من القذف و الزيادة لانها قسمان- كما كان مقتضى المعنى الاول-.

ص: 244

و كيف كان، ففى قوله: انقطعت الكهانة، دلالة على ما عن المغرب من ان الكهانة فى العرب كانت قبل البعث قبل منع الشيطان عن استراق السمع.

لكن قوله عليه السلام: انما يؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس، و قوله عليه السلام: قبل ذلك مع قذف فى قلبه الخ دلالة على صدق الكاهن على من لا يخبر إلا باخبار الارض.

فيكون المراد من الكهانة المنقطعة: الكهانة الكاملة التى يكون الكاهن بها حاكما فى جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات، كما ذكر فى اوّل الرواية.

______________________________

(و كيف كان، ففى قوله: انقطعت الكهانة، دلالة على ما عن المغرب من ان الكهانة فى العرب كانت قبل البعث) اى بعثة النبي صلى الله عليه و آله و سلم (قبل منع الشيطان عن استراق السمع) فى السماء.

(لكن قوله عليه السلام: انما يؤدى الشياطين إلى كهانها اخبارا للناس، و قوله عليه السلام: قبل ذلك مع قذف فى قلبه الخ دلالة على صدق الكاهن) اى صدق هذا الاسم (على من لا يخبر الا باخبار الارض) فلا يتوقف صدق اسم الكاهن على من يخبر باخبار السماء.

(فيكون المراد) للامام عليه السلام (من الكهانة المنقطعة) حيث قال عليه السلام: انقطعت الكهانة (الكهانة الكاملة التى يكون الكاهن بها حاكما فى جميع ما يتحاكمون إليه من المشتبهات، كما ذكر فى اوّل الرواية) الّذي كان المراد به الاحكام فى احكام الارض و احكام السماء.

ص: 245

و كيف كان فلا خلاف فى حرمة الكهانة.

و فى المروى عن الخصال: من تكهن او تكهن له، فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم.

و قد تقدم رواية ان الكاهن كالساحر و ان تعلم النجوم يدعو إلى الكهانة.

و روى فى مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: ان عندنا بالجزيرة رجلا

______________________________

(و كيف كان فلا خلاف) عند الفقهاء (فى حرمة الكهانة) لاستفاضة الروايات بذلك.

(و فى المروى عن الخصال: من تكهن او تكهن له، فقد برئ من دين محمد صلى الله عليه و آله و سلم).

و المراد الدين الكامل، لا اصل الدين، كما لا يخفى.

(و قد تقدم رواية ان الكاهن كالساحر).

فان الاول يخبر عن غير المجارى الطبيعية.

و الثانى يفعل افعالا من غير المجارى الطبيعية (و ان تعلم النجوم يدعو إلى الكهانة) حيث ان المنجم يريد التعرف إلى ما وراء الحسّ- بطبيعة عمله- فيذهب لتعلم قواعد الكهانة.

(و روى فى مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم، قال: قلت لابى عبد الله عليه السلام: ان عندنا بالجزيرة رجلا

ص: 246

ربما اخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق او شبه ذلك فنسأله فقال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى إلى ساحر او كاهن او كذاب يصدقه فيما يقول، فقد كفر بما انزل الله من كتاب، الخبر.

و ظاهر هذه الصحيحة: ان الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرم مطلقا، سواء كان بالكهانة او بغيرها، لانه عليه السلام جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل

______________________________

ربما اخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق او شبه ذلك فنسأله) كمن يسأله عن غائبه اين هو؟ و عن مريضه متى يطيب؟ و ما اشبه (فقال) عليه السلام (قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى إلى ساحرا و كاهن او كذاب) الظاهر ان المراد به صاحب البدعة (يصدقه فيما يقول، فقد كفر بما انزل الله من كتاب، الخبر).

و الظاهر: ان المراد تصديقا ينافى تصديق النبي او المراد الكفر العملى.

فقد مر ان الكفر عقيدى و هو من ينكر اصلا من اصول الدين، و عملى و هو الاتيان بالمحرم كقوله صلى الله عليه و آله كفر بالله النمام و شبهه مما تقدم نقلا باللفظ-.

(و ظاهر هذه الصحيحة: ان الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم محرم مطلقا، سواء كان) الاخبار (ب) سبب (الكهانة او بغيرها، لانه عليه السلام جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل

ص: 247

حراما.

و يؤيده النهى فى النبوى المروى فى الفقيه فى حديث المناهى:

انه نهى عن اتيان العراف، و قال: من اتاه و صدقه فقد برء مما انزل الله على محمد (ص).

و قد عرفت من النهاية ان المخبر عن الغائبات فى المستقبل كاهن و يخص باسم العرّاف.

______________________________

حراما).

اقول و لكن لا يبعد ان المخبر عن المستقبل حسب الموازين الطبيعية لا يكون داخلا فى ذلك، بل الظاهر من الحديث ان الاخبار عن مجارى غير طبيعية.

فالاخبار عن الغيم و الصحو و الفيضان و حرارة الهواء و برودتها و ما اشبه مما يدل عليها العلم الطبيعى، و قد كثر اعتياده فى هذا الزمان ليس داخلا فى الصحيحة.

(و يؤيده النهى فى النبوى المروى فى الفقيه فى حديث المناهى:

انه) صلى الله عليه و آله و سلم (نهى عن اتيان العراف، و قال: من اتاه و صدقه فقد برء مما انزل الله على محمد «ص»).

و المراد به البراءة العملية، لا البراءة الاعتقادية، الا اذا كان تصديقه ملازما لتكذيب الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

(و قد عرفت من النهاية ان المخبر عن الغائبات فى المستقبل كاهن و يخص باسم العراف).

ص: 248

و يؤيد ذلك ما تقدم فى رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام: لئلا يقع فى الارض سبب يشاكل الوحى الخ، فان ظاهره كون ذلك مبغوضا للشارع من اى سبب كان.

فتبين من ذلك ان الاخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها- من غير نظر فى بعض ما صح اعتباره كبعض الحفر و الرمل- محرم.

______________________________

هذا وجه تأييد الرواية لقول المصنف ان كل مخبر عن الغائب جزما حرام.

لكن لا يخفى ان بين الغائب و المستقبل عموما من وجه.

(و يؤيد ذلك) الّذي ذكرنا من حرمة الاخبار عن الغائب مطلقا- على طريق الجزم- (ما تقدم فى رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام:

لئلا يقع فى الارض سبب يشاكل الوحى الخ، فان ظاهره كون ذلك) المشاكل للوحى فى كونه اخبارا عن الغائب (مبغوضا للشارع من اى سبب كان).

لكن لا يخفى ان اخبار السماء كانت مبغوضة للشارع، لذا منع الشياطين منها.

اما اخبار الارض فلم تكن مبغوضة، و لذا لم يمنع الله سبحانه الشياطين منها.

(فتبين من ذلك) الّذي ذكرناه (ان الاخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها- من غير نظر فى بعض ما صح اعتباره كبعض الحفر و الرمل- محرم).

ص: 249

و لعله لذا عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم لغير نبى او وصى نبى، سواء كان بالتنجيم او الكهانة او القيافة او غير ذلك.

______________________________

قوله «بمجرد» يراد به ما يقابل الاخبار بالنظر فى العلوم الصحيحة كالجفر و الرمل او ما اشبه.

و انما قيد بهذا القيد، لان الاخبار عن التعلم و النظر لا يشابه الوحى، حتى يشمله ما دل على حرمة ما يشابه الوحى.

(و لعله لذا) الّذي ذكرناه من تبين حرمة الاخبار عن الروايات (عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الاخبار عن الغائبات على سبيل الجزم) مقابل ان يقول «يحتمل ان يكون كذبا» (لغير نبى او وصى نبى سواء كان بالتنجيم او الكهانة او القيافة او غير ذلك) و الله العالم.

ص: 250

العشرون اللهو حرام

على ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكرى و الجعفرية، و غيرها، حيث عللوا لزوم الاتمام فى سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو قال فى المبسوط السفر على أربعة اقسام، و ذكر الواجب و الندب و المباح ثم قال: الرابع سفر المعصية، و عدّ من امثلتها من طلب الصيد للهو و البطر، و نحوه بعينه عبارة السرائر.

و قال فى المعتبر، قال علمائنا: اللاهى بسفره كالمتنزه بصيده بطرا، لا

______________________________

المسألة (العشرون) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى ذاته (اللهو حرام على ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكرى، و) ارشاد (الجعفرية، و غيرها) من كتب جماعة من الفقهاء (حيث عللوا لزوم الاتمام) للصلاة (فى سفر الصيد) الّذي ليس للقوت (بكونه محرما من حيث اللهو) خلافا لآخرين حيث لم يقولوا بحرمة هذا السفر، و انما قالوا بانه يتم الصلاة فيه للدليل، كإتمام الصلاة لمن شغله السفر، و من اشبه (قال) الشيخ (فى المبسوط السفر على أربعة اقسام، و ذكر الواجب و الندب و المباح) كالحج و زيارة الامام و التنزه (ثم قال: الرابع سفر المعصية و عد من امثلتها من طلب الصيد للهو و البطر) و هو شدة النشاط و الفرح الّذي يسبب عدم المبالات بالامور (و نحوه بعينه عبارة السرائر) لابن ادريس

(و قال) المحقق (فى المعتبر، قال علمائنا: اللاهى بسفره كالمتنزه بصيده) اى الّذي يسافر للتنزه و الابتعاد عن البلد، و همومه (بطرا، لا

ص: 251

يترخص.

لنا ان اللهو حرام، فالسفر له معصية، انتهى.

و قال فى القواعد الخامس من شروط القصر إباحة السفر فلا يرخص العاصى بسفره، كتابع الجائر و المتصيد لهوا، انتهى.

و قال فى المختلف فى كتاب المتاجر حرم الحلبى الرمى من قوس الجلاهق قال: و هذا الاطلاق ليس بجيد، بل ينبغى تقييده باللهو و البطر.

و قد صرح الحلّى فى مسئلة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته، و

______________________________

يترخص) ان يصلى قصرا.

(لنا) اى دليلنا على ذلك (ان اللهو حرام، فالسفر له معصية انتهى).

و من المعلوم ان سفر المعصية لا يوجب القصر.

(و قال فى القواعد الخامس من شروط القصر) فى الصلاة للمسافر (إباحة السفر فلا يرخص العاصى بسفره، كتابع الجائر و المتصيد لهوا، انتهى) كلام العلامة.

(و قال فى المختلف) أيضا (فى كتاب المتاجر حرم الحلبى الرمى من قوس الجلاهق).

ثم (قال) العلامة (و هذا الاطلاق) من الحلبى (ليس بجيد، بل ينبغى تقييده) اى كون الرمى حراما (باللهو و البطر) فهذا الكلام يدل على ان اللهو حرام.

(و قد صرح الحلّى فى مسئلة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته و

ص: 252

قال: ان اللعب بجميع الاشياء قبيح، و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب.

و انتصر فى الرياض للحلّى، بان ما دل على قبح اللعب و ورد بذمه من الآيات و الروايات اظهر من ان يخفى فاذا ثبت القبح و الذم ثبت النهى.

ثم قال: و لو لا شذوذه بحيث كاد ان يكون مخالفا للاجماع، لكان المصير إلى قوله: ليس بذلك

______________________________

قال: ان اللعب بجميع الاشياء قبيح، و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب)

اذ لا دليل على ذلك بالإضافة إلى انه يلزم منه حرمة اللعب بالسبحة و اللحية و التراب و العشب و الطفل و ما اشبه، و هذا خلاف الضرورة.

(و انتصر فى الرياض للحلّى، بان ما دل على قبح اللعب و ورد بذمه من الآيات و الروايات اظهر من ان يخفى).

كقوله تعالى- فى سورة التوبة-: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمٰا كُنّٰا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ، و قوله- فى سورة الزخرف-: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتّٰى يُلٰاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ*، و نحوه فى- سورة المعارج- الى غيرها.

لكن فى سورة يوسف: أَرْسِلْهُ مَعَنٰا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ.

و كيف كان (فاذا ثبت القبح و الذم ثبت النهى) لان القبح فى سلسلة العلل، و ما حكم به العقل حكم به الشرع.

(ثم قال: و لو لا شذوذه) اى شذوذ القول بحرمة اللعب بالحمام (بحيث كاد ان يكون مخالفا للاجماع، لكان المصير إلى قوله: ليس بذلك

ص: 253

البعيد، انتهى و لا يبعد ان يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب و شذوذ القول بحرمته، مع دعوى كثرة الروايات بل الآيات على حرمة مطلق اللهو لاجل النص على الجواز فيه، فى قوله عليه السلام: لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام.

و استدل فى الرياض أيضا- تبعا للمهذب- على حرمة المسابقة بغير المنصوص على جوازه بغير عوض بما دل على تحريم اللهو و اللعب.

______________________________

البعيد، انتهى).

و هذا أيضا يدل على تصديقه لحرمة مطلق اللعب و انما خرج عن ذلك اللعب بالحمام لانه مخالف للاجماع.

قال المصنف ره (و لا يبعد ان يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب) اى بالحمام (و شذوذ القول بحرمته، مع دعوى كثرة الروايات بل الآيات على حرمة مطلق اللهو لاجل النص على الجواز فيه) اى فى اللعب بالحمام (فى قوله عليه السلام: لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام) فانه لو كان حراما كان اللازم عدم قبول شهادته.

لا يقال: ورد فى الروايات قبول شهادة بعض العصاة.

لانه يقال: اللازم تأويل تلك الروايات، لان اشتراط العدالة فى الشاهد مسلم.

(و استدل فى الرياض أيضا- تبعا للمهذب- على حرمة المسابقة بغير المنصوص على جوازه بغير عوض) «بغير» متعلق ب «المسابقة» و «على» متعلق ب «المنصوص» (بما دل على تحريم اللهو و اللعب) «بما»

ص: 254

قال: لكونها منه بلا تأمل، انتهى.

و الاخبار الظاهرة فى حرمة اللهو كثيرة جدا.

منها: ما تقدم من قوله فى رواية تحف العقول: و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلّمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه.

و منها: ما تقدم من رواية الاعمش حيث عدّ فى الكبائر الاشتغال بالملاهى التى تصدّ عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار فان الملاهى جمع الملهى مصدرا، او الملهّى وصفا، لا الملهاة آلة.

______________________________

(قال) الرياض (لكونها) اى المسابقة (منه) اى من اللهو (بلا تأمل، انتهى).

(و) كيف كان، ف (الاخبار الظاهرة فى حرمة اللهو كثيرة جدا).

(منها: ما تقدم من قوله) عليه السلام (فى رواية تحف العقول: و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلّمه و العمل به و اخذ الاجرة عليه) فان اللهو كذلك.

(و منها: ما تقدم من رواية الاعمش حيث عدّ فى الكبائر الاشتغال بالملاهى التى تصدّ عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار).

و وجه الاستدلال بهذه الرواية ما ذكره بقوله: (فان الملاهى جمع الملهى) بفتح الميم (مصدرا، او الملهى وصفا) اى اسم مفعول (لا الملهاة آلة) فان هذه الصيغة تأتى للمصدر، و اسم الزمان و المكان و المفعول و الآلة.

ص: 255

لانه لا يناسب التمثيل بالغناء.

و نحوها فى عدّ الاشتغال بالملاهى من الكبائر رواية العيون الواردة فى الكبائر، و هى حسنة، كالصحيحة، بل صحيحة.

و منها: ما تقدم فى روايات القمار من قوله عليه السلام: كلما إلهى عن ذكر الله فهو الميسر.

و منها: قوله عليه السلام فى جواب من خرج فى السفر يطلب الصيد بالبزاة، و الصقور انما خرج فى لهو لا يقصّر.

______________________________

و حيث ان كونه اسم زمان او مكان لا معنى له هنا، و الآلة أيضا باطلة (لانه لا يناسب التمثيل بالغناء) اذ الغناء ليس آلة، و انما آلة الغناء- كالمزمار- آلة، فلم يبق الّا المصدر بمعنى اللهو، او الوصف اى ما يوصف بكونه لهوا ملهوّا به اى الكلام و ما اشبه.

(و نحوها فى عدّ الاشتغال بالملاهى من الكبائر رواية العيون الواردة فى الكبائر، و هى حسنة، كالصحيحة، بل صحيحة) و الحسنة حجة فكيف بالصحيحة.

(و منها: ما تقدم فى روايات القمار من قوله عليه السلام: كلما إلهى عن ذكر الله فهو الميسر).

(و منها: قوله عليه السلام فى جواب من خرج فى السفر يطلب الصيد بالبزاة) جمع بازى، و هو قسم من الصقر (و الصقور) جمع صقر و هم قسم آخر (انما خرج فى لهو لا يقصّر) مما يدل على ان مطلق اللهو فيه اشكال.

ص: 256

و منها: ما تقدم فى رواية الغناء فى حديث الرضا عليه السلام فى جواب من سأله عن السماع، فقال: ان لاهل الحجاز فيه رأيا، قال: و هو فى حيّز اللهو.

و قوله عليه السلام فى ردّ من زعم ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم رخص فى ان يقال: جئناكم جئناكم، الخ كذبوا ان الله يقول: لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا- الى آخر الآيتين-.

و منها: ما دل على ان اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم فى روايات الغناء

______________________________

(و منها: ما تقدم فى رواية الغناء فى حديث الرضا عليه السلام فى جواب من سأله عن السماع) اى الغناء (فقال) عليه السلام (ان لاهل الحجاز فيه رأيا) ثم (قال) عليه السلام (و هو فى حيّز اللهو) لبيان انه لا يجوز، فيدل على ان كل لهو ليس بجائز.

(و قوله عليه السلام فى ردّ من زعم ان النبي صلى الله عليه و آله و سلم رخص فى ان يقال: جئناكم جئناكم، الخ كذبوا ان الله يقول: لَوْ أَرَدْنٰا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا- الى آخر الآيتين-) مما يدل على التنفر من اللهو، و انه كيف يأذن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم باللهو.

(و منها: ما دل على ان اللهو من الباطل بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل) لا ان المراد بالباطل مقابل الحق حتى يراد به كل فان زائل، كما قال الشاعر: الا كل شي ء ما خلا الله باطل (كما تقدم فى روايات الغناء)

ص: 257

ففى بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل، ما خلا ثلاثة السابقة و ملاعبة الرجل اهله الخ.

و فى رواية على بن جعفر عليه السلام عن اخيه، قال: سألته عن اللعب بالاربعة عشر و شبهها، قال: لا نستحب شيئا من اللعب غير الرهان، و الرمى، الى غير ذلك، مما يقف عليه المتتبع.

و يؤيده ان حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر انه من حيث اللهو لا من حيث خصوص الآلة، ففى رواية سماعة قال ابو عبد الله عليه السلام:

لما مات آدم شمت به ابليس، و قابيل فاجتمعا

______________________________

(ففى بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل، ما خلا) اى باستثناء (ثلاثة) اشياء (المسابقة، و ملاعبة الرجل اهله الخ).

(و فى رواية على بن جعفر عليه السلام عن اخيه، قال: سألته عن اللعب بالاربعة عشر و شبهها، قال) عليه السلام (لا نستحب شيئا من اللعب غير الرهان) اى على الخيل و البغال و الحمير (و الرمى) فى المسابقة (الى غير ذلك، مما يقف عليه المتتبع) و انه كل لهو حرام.

(و يؤيده) اى كون مطلق اللهو حراما (ان حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر) من الادلة (انه) حرام (من حيث اللهو لا من حيث خصوص الآلة ففى رواية سماعة قال ابو عبد الله عليه السلام: لما مات آدم شمت به ابليس) اى فرح لموته، و يقول كلمات تدل على فرحه بالاستخلاص من آدم الّذي صار سببا لعصيانه و طرده من الجنة (و قابيل) حيث كانا ضد آدم هذا لطرده من الجنة و ذاك لان آدم كان يحب اخاه هابيل (فاجتمعا

ص: 258

فى الارض، فجعل ابليس و قابيل المعازف، و الملاهى، شماتة بآدم على نبينا و آله و عليه السلام، فكلما كان فى الارض من هذا الضرب الّذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك.

فان فيه اشارة إلى ان المناط هو مطلق التلهى و التلذذ.

و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص بغير عوض، فان الظاهر انه لا وجه له عدا كونه لهوا، و ان لم يصرّحوا بذلك عدا القليل منهم- كما تقدم-.

______________________________

فى الارض، فجعل) اى صنع (ابليس و قابيل المعازف) اى آلات العزف و الغناء (و الملاهى) اى آلات اللهو، او المراد نفس اللهو اى الغناء (شماتة) و فرحا (ب) موت (آدم على نبينا و آله و عليه السلام، فكلما كان فى الارض من هذا الضرب الّذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك) اى من العزف و الرقص، و اللعب فانه وضع هذه الاشياء للفرح بموت آدم عليه السلام.

(فان فيه اشارة إلى ان المناط) فى تحريم هذه الاشياء (هو مطلق التلهى و التلذذ).

(و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة على ما عدا المنصوص) اى الخف و النصل و الحافر (بغير عوض) كما تحرم المسابقة بعوض (فان الظاهر) من كلمات الفقهاء (انه) اى التحريم (لا وجه له عدا كونه لهوا) و لعبا (و ان لم يصرحوا بذلك) و ان وجه التحريم كونه لهوا (عدا القليل منهم- كما تقدم-).

ص: 259

نعم صرح العلامة فى التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الملاعب- كما تقدم نقل كلامه فى مسئلة القمار- هذا.

و لكن الاشكال فى معنى اللهو فانه ان اريد به مطلق اللعب- كما يظهر من الصحاح و القاموس- فالظاهر ان القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة.

فان اللعب، هى الحركة لا لغرض عقلائى، و لا خلاف ظاهرا فى عدم حرمته، على الاطلاق.

______________________________

(نعم صرح العلامة فى التذكرة بحرمة المسابقة على جميع الملاعب- كما تقدم نقل كلامه فى مسئلة القمار-) فكلامه دال على ان كل لهو و لعب حرام (هذا) تمام الكلام فى الكبرى- اى كون اللهو حرام-.

(و لكن الاشكال) فى الصغرى اى (فى معنى اللهو) و ان اى شي ء يسمى لهوا (فانه ان اريد به مطلق اللعب- كما يظهر من الصحاح و القاموس- فالظاهر ان القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة) فقد تقدم ان اللعب بالسبحة او اللحية او ما اشبه، مما لا يقول احد بحرمته بل جرت السيرة عليه.

(فان اللعب، هى الحركة لا لغرض عقلائى، و لا خلاف ظاهرا فى عدم حرمته، على الاطلاق) اى ليس بحرام بقول مطلق و بجميع اقسامه.

فان حركة اليد و الرجل و المشى و ما اشبه مما لا يتعلق به غرض عقلائى- لا يقول احد بحرمتها.

ص: 260

نعم لو خص اللهو بما يكون من بطر، و فسّر بشدة الفرح كان الاقوى تحريمه.

و يدخل فى ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطشت بدل الدف و كلما يفيد فائدة آلات اللهو.

______________________________

(نعم لو خص اللهو بما يكون من بطر، و فسّر) البطر (بشدة الفرح) بلا باعث عقلائى (كان الاقوى تحريمه).

و انما قيدناه بقولنا: بلا باعث عقلائى، لبداهة انه لو استولى عليه فرح شديد بمناسبة زفاف ولده او زفافه بنفسه و اخذ يقفز فى الهواء فرحا لا يقول احد بحرمة ذلك.

(و يدخل فى ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطشت بدل الدف و كلما يفيد فائدة آلات اللهو).

اقول: ورد بعض الاخبار فى النهى عن الرقص و عن التصفيق مذكورة فى الوسائل و المستدرك كما ذكر مجمع البحرين خبرا فى النهى عن التصفيق، لكن المشهور عند المعاصرين عدم حرمة التصفيق، كما ورد بسند غير صحيح ان فاطمة صلوات الله عليها كانت ترقص بعض ابنائها و هو صغير

و لو لم يصح سند الاخبار الناهية كان اللازم الحمل على الكراهة.

و اما الضرب بالطشت فاذا كان فى الاعراس و قيل بجواز الدف فيه كان الضرب بالطشت اولى، و قد روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم الضرب بالغربال و فى غير الاعراس اذا لم يصدق عليه اللهو و ما اشبه فالظاهر عدم الاشكال فيه.

ص: 261

و لو جعل مطلق الحركات التى لا يتعلق بها غرض عقلائى مع انبعاثها عن القوى الشهوية، ففى حرمته تردد.

و اعلم ان هنا عنوانين آخرين اللعب و اللهو.

اما اللعب فقد عرفت ان ظاهر بعض تراد فهما.

و لكن مقتضى تعاطفهما فى غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما.

و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين اذا اجتمعا افترقا، و اذا افترقا اجتمعا.

______________________________

و اما مع الصدق فالحرمة تتوقف على اطلاق حرمة اللهو و ما اشبه.

(و لو جعل مطلق الحركات التى لا يتعلق بها غرض عقلائى مع انبعاثها عن القوى الشهوية، ففى حرمته تردد) من قول القاموس و الصحاح- المقتضى للتحريم- و من اصالة عدم التحريم و عدم الحجية فى قولهما فيما علمنا عدم صحة هذا الاطلاق فى كلامهما.

(و اعلم ان هنا عنوانين آخرين).

الاول: (اللعب).

(و) الثانى: (اللهو).

(اما اللعب فقد عرفت ان ظاهر بعض ترادفهما) اذ عرفوا اللهو باللعب

(و لكن مقتضى تعاطفهما فى غير موضع من الكتاب العزيز) كقوله سبحانه: إِنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ* (تغايرهما) و ان احدهما غير الآخر.

(و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا)

ص: 262

و لعل اللعب يشمل مثل حركات الاطفال غير المنبعثة عن القوى الشهوية

و اللهو ما تلتذ به النفس، و ينبعث عن القوى الشهوية.

و قد ذكر غير واحد ان قوله تعالى: أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ، الآية، بيان ملاذ الدنيا على ترتيب تدرجه فى العمر، و قد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين.

______________________________

فاذا اطلق احدهما اريد به كلاهما، و اذا قورنا اريد بكل واحد منهما معنى مقابل للآخر.

(و لعل) الفرق بينهما، ان (اللعب يشمل مثل حركات الاطفال غير المنبعثة عن القوى الشهوية).

(و) اما (اللهو ما تلتذ به النفس، و ينبعث عن القوى الشهوية).

و ربما يقال: ان بينهما عموما مطلقا، لان اللعب يمكن ان ينبعث عن القوى الشهوية كلعب الرجل مع زوجته، و يمكن ان لا ينبعث كلعب الطفل الصغير، و قيل غير ذلك.

(و قد ذكر غير واحد) من المفسرين (ان قوله تعالى: أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ، الآية) و باقى الآية «وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلٰادِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرٰاهُ مُصْفَرًّا، ثُمَّ يَكُونُ حُطٰاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذٰابٌ شَدِيدٌ» (بيان ملاذ الدنيا على ترتيب تدرجه) اى الانسان (فى العمر، و قد جعلوا لكل واحد منها) اى من هذه الملاذ (ثمان سنين).

فاللعب إلى الثمان، و اللهو إلى السادسة عشرة، و الزنية إلى

ص: 263

و كيف كان فلم اجد من افتى بحرمة اللعب عدا الحلى على ما عرفت من كلامه، و لعله يريد اللهو، و الا فالاقوى الكراهة.

و اما اللغو فان جعل مرادف اللهو- كما يظهر من بعض الاخبار- كان فى حكمه.

______________________________

الرابعة و العشرين، و التفاخر إلى الثانية و الثلاثين، و التكاثر إلى الاربعين.

و بعد ذلك تضعف القوى و تنكس النفس فى الانحطاط إلى ان يموت الانسان، و يكون حطاما.

و الشاهد اختلاف اللعب و اللهو فى المعنى.

و لا يخفى ان المراد غلبة هذه الحالات فى هذه الاعمار، لا اختصاص كل حالة بسن خاص.

(و كيف كان) سواء كان اللعب عين اللهو، أم بينهما اختلاف (فلم اجد من افتى بحرمة اللعب) مطلقا (عدا الحلى على ما عرفت من كلامه و لعله يريد اللهو) من اللعب (و الا فالاقوى الكراهة) اذ لا دليل على حرمة اللعب.

فاللازم حمل الآيات و بعض الروايات على الكراهة بقرينة السيرة القطعية

و قوله سبحانه حكاية عن اخوة يوسف: و نلعب، و تقرير يعقوب لهم و اختلاف الشريعة غير ضار فيما لم يعلم بنسخه، بل لا يبعد القول بعدم كراهة كل لعب، كركوب الارجوحة او التخطيط فى الارض لغوا او ما اشبه.

(و اما اللغو فان جعل مرادف اللهو- كما يظهر من بعض الاخبار- كان فى حكمه) الّذي قد عرفت انه حرام.

ص: 264

ففى رواية محمد بن ابى عباد المتقدمة عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: ان السماع فى حيّز اللهو و الباطل، أ ما سمعت قول الله تعالى:

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً.

و نحوها رواية ابى أيوب حيث اراد باللغو: الغناء، مستشهدا بالآية

و ان اريد به مطلق الحركات اللاغية فالاقوى فيها الكراهة.

و فى رواية ابى خالد الكابلى عن سيد الساجدين تفسير الذنب التى تهتك

______________________________

(ففى رواية محمد بن ابى عباد المتقدمة عن ابى الحسن الرضا عليه السلام: ان السماع فى حيّز اللهو و الباطل، أ ما سمعت قول الله تعالى:

وَ إِذٰا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرٰاماً) بمعنى مرور الكريم بفعل ما يقتضي ذلك من نهى او ارشاد او سكوت او ما اشبه.

فانه عليه السلام جعل اللهو من اقسام اللغو، او مراد فاله.

(و نحوها رواية ابى أيوب حيث اراد باللغو: الغناء مستشهدا بالآية) المتقدمة.

و يدل عليه أيضا مدح المؤمنين فى قوله سبحانه: وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، فان ظاهره التحريم للغو.

(و ان اريد به) اى باللغو (مطلق الحركات اللاغية) اى التى لا ثمر لها، و ليست مقصودة للعقلاء (فالاقوى فيها الكراهة) اذ لا دليل على التحريم بل السيرة القطعية على جوازها.

(و فى رواية ابى خالد الكابلى عن سيد الساجدين تفسير الذنوب التى تهتك

ص: 265

العصم بشرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطى ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس.

و فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لابى ذر ره ان الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوى ما بين السماء و الارض.

______________________________

العصم) اى عصمة الانسان و حفظه عن الشيطان حتى ان الانسان اذا عصى كان عميلا للشيطان و منقادا له لا عصمة له من الشيطان و لا حفظ له.

و الحاصل: ان الملكة الايمانية العاصمة له عن الدنايا و الذنوب تهتك و تزول (بشرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطى ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس).

فالظاهر ان المصنف ذكر هذه الرواية و الرواية الآتية لبيان تحريم اللغو، لكن هذا ينافى قوله السابق بالكراهة.

و وجه استفادة التحريم ذكر اللغو فى عداد المحرمات أولا و كونه مما يهتك العصمة ثانيا.

لكن ربما يقال: ان الشيخ انما ذكرهما لما تقدم منه من الكراهة و ذلك لبداهة كون المزاح- و لو كان مضحكا- ليس بمحرم، بل قد ورد مزاح النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الوصى عليه السلام.

و الانصاف انه ليس للحديث اطلاق بل اهمال، فلا دلالة فيه حتى على كراهة اللغو مطلقا.

(و فى وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لابى ذر ره ان الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس فيهوى ما بين السماء و الارض) ان كان المراد

ص: 266

..........

______________________________

الهوى فى النار فذلك حرام، لانه لا عقاب الاعلى الحرام على المشهور فاللّازم ان يكون المراد بالكلمة مثل الغيبة و الاستهزاء بالمؤمن و ما اشبه.

و ان كان المراد الهويّ إلى درجات سفلى من الجنة فذلك مكروه و على اى حال لا دلالة فى الحديث على حرمة اللغو و الله اعلم بالاحكام.

الكتب العلمية لآية الله المجاهد السيد محمد الشيرازى خبر قرين للطالب المجدّ.

لانها تغنيه عن الاتعاب الدراسية الناشر

ص: 267

الحادية و العشرون مدح من لا يستحق المدح، او يستحق الذم

ذكره العلامة فى المكاسب المحرمة.

و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا.

و يدل عليه من الشرع قوله تعالى: وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ.

و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيما رواه الصدوق من عظّم صاحب الدنيا و احبه طمعا فى دنياه سخط الله عليه، و كان فى درجته مع

______________________________

المسألة (الحادية و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه حراما فى نفسه (مدح من لا يستحق المدح) اى يحرم مدحه (او يستحق الذم) و هو حرام (ذكره العلامة فى المكاسب المحرمة).

(و الوجه فيه) اى فى كونه حراما (واضح، من جهة قبحه عقلا) و كلما حكم به العقل حكم به الشرع اذا كان فى سلسلة العلل.

(و يدل عليه من الشرع قوله تعالى: وَ لٰا تَرْكَنُوا) اى لا تعمدوا (إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) اى الظالمين (فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ) فان التهديد بالنار يدل على الحرمة و من المعلوم ان المدح قسم من الركون.

(و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيما رواه الصدوق من عظّم صاحب الدنيا و احبه طمعا فى دنياه سخط الله عليه، و كان) المعظّم (فى درجته) اى درجة صاحب الدنيا (مع

ص: 268

قارون فى التابوت الاسفل من النار.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 269

و فى النبوى الآخر الوارد فى حديث المناهى: من مدح سلطانا جائرا او تخفف او تضعضع له، طمعا فيه كان قرينه فى النار.

و مقتضى هذه الادلة حرمة المدح طمعا فى الممدوح.

و اما لدفع شره فهو واجب، و قد ورد فى عدة اخبار: ان شرار الناس

______________________________

قارون فى التابوت الاسفل من النار).

و من المعلوم ان من اقسام التعظيم مدحه، كما ان المراد بصاحب الدنيا مصداق من مصاديق من لا يستحق المدح.

و المراد بكونه فى درجة قارون، ان هذا العمل مقتضى لذلك لا انه لا بد و ان يكون- و ذلك لمناسبة قارون لمعظم صاحب الدنيا- و على تقدير كونه معه فى النار فى درجته فلا اشكال فى اختلاف عقابهما شدة و ضعفا، اذ فى الآخرة- جزاء وفاقا- و من الممكن ان يكون كلاهما فى درجة واحدة، واحدهما اشد تألما بالعذاب، او اكثر عذابا من الآخر.

(و فى النبوى الآخر الوارد فى حديث المناهى: من مدح سلطانا جائرا او تخفف) اى صار خفيفا لاجله بالقيام و الاحترام و ما اشبه (او تضعضع له) اى تحرك جسدا او قلبا حركة إليه (طمعا فيه) اى فى دنياه (كان قرينه) و رفيقه (فى النار).

(و) لا يخفى ان (مقتضى هذه الادلة حرمة المدح طمعا فى الممدوح)

(و اما لدفع شره) عن نفسه او عن مؤمن، او جلبه لاقامة حق او ازالة باطل (فهو واجب، و قد ورد فى عدة اخبار: ان شرار الناس) هم

ص: 269

الذين يكرمون اتقاء شرهم.

______________________________

(الذين يكرمون)- بصيغة المجهول- (اتقاء شرهم) مما يدل على جواز الاكرام اتقاء للشر بالإضافة إلى دليل: لا ضرر، و لا حرج و ما ورد من مدح الائمة عليهم السلام للظالمين اتقاء، الى غير ذلك من الادلة.

ص: 270

الثانية و العشرون معونة الظالمين فى ظلمهم حرام،

بالأدلّة الاربعة و هو من الكبائر فعن كتاب الشيخ ورام ابن ابى فراس.

قال: قال عليه السلام من مشى إلى ظالم ليعينه، و هو يعلم انه ظالم فقد

______________________________

المسألة (الثانية و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لحرمته فى ذاته (معونة الظالمين) اى اعانتهم (فى ظلمهم) فهو (حرام بالأدلّة الاربعة)

اما الاجماع و العقل فواضح.

و اما الكتاب فقوله سبحانه «وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا» و قوله «وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ».

و اما السنة فما يأتى من الروايات (و هو من الكبائر، فعن كتاب الشيخ ورام ابن ابى فراس) المعروف ب «مجموعة ورام» و هو من خيار علماء الشيعة، و كان جدا للسيد ابن طاوس لامه، و نقله فى الكتاب المذكور عن الحسن البصرى و من اشبه انما هو بمصداق «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها اين وجدها».

و الّذي ينبغى لاهل العلم مداومة مطالعة هذا الكتاب و كتاب مواعظ البحار، و عين الحياة للمجلسى و جامع السعادات، و منية المريد لا نماء ملكة الفضيلة و التقوى فى نفوسهم.

(قال: قال عليه السلام من مشى إلى ظالم ليعينه، و هو يعلم انه ظالم فقد

ص: 271

خرج عن الاسلام.

قال: و قال عليه السلام: اذا كان يوم القيامة ينادى مناد اين الظلمة؟ اين اعوان الظلمة؟ اين اشباه الظلمة؟ حتى من برئ لهم قلما او لاق لهم دواة، فيجتمعون فى تابوت من حديد، ثم يرمى بهم فى جهنم.

و فى النبوى (ص): من علق سوطا بين يدى سلطان جائر، جعلها الله حية طولها سبعون الف ذراع، فيسلطها الله عليه فى نار جهنم خالدا فيها مخلدا.

______________________________

خرج عن الاسلام) المراد به الاسلام الكامل او مبالغة من قبيل يا اشباه الرجال و لا رجال.

(قال: و قال عليه السلام: اذا كان يوم القيامة ينادى مناد اين الظلمة؟ اين اعوان الظلمة اين اشباه الظلمة) و هم من فى زيهم، او يسكن فى مثل مساكنهم او من اشبه (حتى من برئ لهم قلما) برئ القلم تصليح رأسه ليصلح للكتابة (أو لاق لهم دواة) اى جعل الليقة فيه (فيجتمعون فى تابوت من حديد) و الظاهر ان المراد كل فئة منهم (ثم يرمى بهم فى جهنم) و هذا دليل التحريم للتلازم بين العقاب و الحرمة- كما تقدم-.

(و فى النبوى (ص): من علق سوطا بين يدى سلطان جائر، جعلها الله حية طولها سبعون الف ذراع، فيسلطها الله عليه فى نار جهنم) فى حالكونه (خالدا فيها مخلدا) اللفظة الثانية للمبالغة من قبيل «ليل الليل» و الظاهر ان المراد اقتضاء ذلك لمثل هذا العذاب- كما تقدم غير مرة-.

ص: 272

و اما معونتهم فى غير المحرمات فظاهر كثير من الاخبار حرمتها أيضا كبعض ما تقدم.

و قول الصادق عليه السلام فى رواية يونس بن يعقوب: لا تعنهم على بناء مسجد.

و قوله عليه السلام: ما احب انى عقدت لهم عقدة او وكيت لهم وكاء و ان لى ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان اعوان الظلمة- يوم القيمة- فى سرادق من نار حتى يفرغ الله من الحساب.

______________________________

(و اما معونتهم فى غير المحرمات) كان يبنى لهم دارا او ما اشبه (فظاهر كثير من الاخبار حرمتها أيضا، كبعض ما تقدم) من المطلقات.

(و قول الصادق عليه السلام فى رواية يونس بن يعقوب: لا تعنهم على بناء مسجد) فان لم يجز اعانتهم فى بناء المساجد التى هى مراكز للعبادة و محبوبة ذاتا عند الله تعالى، لم يجز اعانتهم فى بناء الدار و ما اشبه بطريق اولى.

(و قوله عليه السلام: ما احب انى عقدت لهم عقدة) اى فى الخيط (او وكيت لهم وكاء) اى شد رأس القربة (و ان لى ما بين لابتيها) اى لا افعل مثل هذه الافعال الصغيرة للظلمة، و ان كان ثمن ذلك كل الارض او كل مدينة الرسول، لان اللابة الارض ذات الحجارة، فان المدينة محاطة بارضين ذات حجارة (لا و لا مدة بقلم) اى امدهم بقلم للكتابة (ان اعوان الظلمة- يوم القيمة- فى سرادق من نار) اى محلات القى عليها الستر و هو معرب «سراپرده» (حتى يفرغ الله من الحساب).

ص: 273

لكن المشهور عدم الحرمة حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها فى الظلم.

و الاقوى: التحريم، مع عد الشخص من الاعوان فان مجرد اعانتهم على بناء المسجد ليست محرمة الا انه اذا عدّ الشخص معمارا للظالم او بناء له، و لو فى خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له فى باب السلطان كان محرما.

و يدل على ذلك جميع ما ورد فى ذم اعوان الظلمة، و قول

______________________________

و هذا أيضا يدل على تحريم اعانة الظلمة مطلقا، بقرينة التعليل الصارف لقوله عليه السلام «ما احب» عن ظاهره- الّذي هو الكراهة-.

(لكن المشهور عدم الحرمة) لمطلق اعانة الظالم (حيث قيّدوا المعونة المحرمة بكونها فى الظلم) للاصل، و عدم كونه اعانة على الاثم.

و ما دل على التحريم مطلقا بين ضعيف السند، و ضعيف الدلالة.

(و الاقوى: التحريم، مع عدّ الشخص من الاعوان فان مجرد اعانتهم على بناء المسجد ليست محرمة) لعدم الدليل (الا انه اذا عدّ الشخص معمارا للظالم، او بناء له، و لو فى خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له فى باب السلطان كان محرما).

و الحاصل: ان العمل المسبب لصدق عنوان المعاون محرم و ان كان العمل فى نفسه محللا بل مستحبا، بل او واجبا اذا لم يكن الواجب اهم او مساو للمحرم.

(و يدل على ذلك) التحريم (جميع ما ورد فى ذم اعوان الظلمة و قول

ص: 274

ابى عبد الله عليه السلام فى رواية الكاهلى من سود اسمه فى ديوان ولد سابع مقلوب عباس حشره الله يوم القيمة خنزيرا، و قوله عليه السلام: ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من الله، و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اياكم و ابواب السلطان، و حواشيها فان اقربكم من ابواب السلطان و حواشيها ابعدكم عن الله تعالى.

______________________________

ابى عبد الله عليه السلام فى رواية الكاهلى من سود اسمه فى ديوان ولد سابع مقلوب عباس) اى أمراء بنى العباس (حشره الله يوم القيمة خنزيرا و قوله عليه السلام: ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من الله و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: اياكم) اى احذروا (و ابواب السلطان و حواشيها) اى حواشى الابواب، كمن يلازم باب الوالى و الوزير و من اشبه (فان اقربكم من ابواب السلطان و حواشيها ابعدكم عن الله تعالى).

و لا شبهة فى صدق هذه العناوين على المعاون لهم حتى فى بناء المساجد.

نعم اذا دار الامر بين الاهم و المهم، جاز الدخول فى سلك الاعوان بقصد الاهم.

لكن ذلك نادر فى هذا الزمان و الغالب من الاعوان يخدعون انفسهم بانهم كابن يقطين، و انما هم من اشراك الشياطين، يريدون بهذا الكلام تغرير السذج من المتدينين حتى يحظو بالزلفة لدى اهل الدين و ينالوا من مال السلاطين و دنيا الجبارين.

ص: 275

و اما العمل له فى المباحات لاجرة، او تبرعا من غير ان يعد معينا له فى ذلك، فضلا من ان يعد من اعوانه.

فالاولى عدم الحرمة للاصل، و عدم الدليل، عدا ظاهر بعض الاخبار مثل رواية ابن ابى يعفور قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام اذ دخل عليه رجل، من اصحابنا فقال له جعلت فداك، ربما اصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه، او النهر يكريه، او المسناة يصلحها، فما تقول فى ذلك؟ فقال ابو عبد الله عليه السلام: ما احب انى عقدت لهم عقدة، او وكيت لهم وكاء و ان لى ما بين لابتيها إلى آخر ما تقدم.

______________________________

(و اما العمل له فى المباحات) للسلطان و حواشيه (لاجرة) او صلح او ما اشبه (او تبرعا من غير ان يعد معينا له فى ذلك) العمل (فضلا من ان يعد من اعوانه) فان صدق الاعوان اكثر مئونة من صدق «المعين».

(فالاولى عدم الحرمة للاصل، و عدم الدليل، عدا ظاهر بعض الاخبار مثل رواية ابن ابى يعفور قال: كنت عند ابى عبد الله عليه السلام اذ دخل عليه رجل، من اصحابنا فقال له جعلت فداك، اصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعى) من قبل السلطان (الى البناء يبنيه، او النهر يكريه) و ينظفه من الاوحال المتجمعة فى قعره، و حافته (او المسناة) حافة النهر (يصلحها، فما تقول فى ذلك؟ فقال ابو عبد الله عليه السلام:

ما احب انى عقدت لهم عقدة، او وكيت لهم وكاء و ان لى ما بين لابتيها الى آخر ما تقدم) من الرواية السابقة فراجع.

ص: 276

و رواية محمد بن عذافر عن ابيه، قال: قال لى ابو عبد الله عليه السلام: يا عذافر بلغنى انك تعامل أبا أيوب، و أبا الربيع، فما حالك اذا نودى بك فى اعوان الظلمة؟ قال: فوجم ابى فقال له ابو عبد الله عليه السلام- لما راى ما اصابه- اى عذافر انما خوّفتك بما خوّفني الله عز و جل به قال محمد، فقدم ابى فما زال مغموما مكروبا، حتى مات.

و رواية صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت على ابى الحسن الاول

______________________________

(و رواية محمد بن عذافر عن ابيه، قال: قال لى ابو عبد الله عليه السلام: يا عذافر بلغنى انك تعامل أبا أيوب، و أبا الربيع، فما حالك اذا نودى بك) فى يوم القيامة (فى اعوان الظلمة؟ قال) محمد (فوجم ابى) عذافر (فقال له ابو عبد الله عليه السلام- لما راى ما اصابه-) من الفزع و الهول (اى عذافر انما خوّفتك بما خوّفني الله عز و جل به).

و لعله اشارة إلى قوله سبحانه «احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْوٰاجَهُمْ» اى امثالهم.

و لعل المراد بالمثل: الاعوان، و الا لو كان المراد امثال الظالمين من سائر الظالمين، كانوا داخلين فى نفس ظلموا بلا حاجة إلى قوله «و ازواجهم».

(قال محمد، فقدم) و رجع (ابى) عذافر من عند الامام (فما زال مغموما مكروبا، حتى مات) الكرب اشد من الغم.

(و رواية صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت على ابى الحسن الاول

ص: 277

عليه السلام، فقال لى يا صفوان: كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت جعلت فداك اى شي ء؟ قال عليه السلام اكرائك جمالك من هذا الرجل- يعنى هارون الرشيد- قلت: و الله ما اكريته اشرا، و لا بطرا و لا لصيد و لا للهو، و لكن اكريته لهذا الطريق- يعنى طريق مكة- و لا اتولاه بنفسى و لكن ابعث معه غلمانى، فقال لى يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم قلت: نعم جعلت فداك، قال: أ تحب بقائهم حتى يخرج كراؤك قلت: نعم، قال: من احب بقائهم فهو منهم، و من كان منهم كان و روده الى النار

______________________________

عليه السلام، فقال لى يا صفوان: كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت جعلت فداك اى شي ء) هو (قال عليه السلام اكرائك جمالك من هذا الرجل- يعنى هارون الرشيد- قلت: و الله ما اكريته) جمالى (اشرا) اى لاجل عمل فيه كفران النعمة (و لا بطرا) اى لاجل عمل فيه طغيان و تعدى (و لا لصيد و لا للهو، و لكن اكريته لهذا الطريق- يعنى طريق مكة- و لا اتولاه بنفسى) فانى لا اذهب مع القافلة لحفظ الجمال- كما هو عادة الجمالين- (و لكن ابعث معه غلماني) و اجرائى (فقال لى يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم) اى انت الّذي تكريهم (قلت: نعم جعلت فداك قال: أ تحب بقائهم حتى يخرج كراؤك، قلت: نعم) فان من الطبيعى انه اذا انقرض حكمهم قبل اعطاء كراء الجمال ذهب الكراء ادراج الرياح (قال) عليه السلام (من احب بقائهم فهو منهم، و من كان منهم كان و روده الى النار) فان من احب بقاء احد، كان محبّا له، و فى الجملة و لو احب

ص: 278

قال صفوان فذهبت فبعت جمالى عن آخرها فبلغ ذلك إلى هارون فدعانى فقال لى يا صفوان بلغنى انك بعت جمالك قلت: نعم، قال و لم؟ قلت:

انا شيخ كبير، و ان الغلمان لا يقومون بالاعمال، فقال: هيهات هيهات انى لا علم من اشار عليك بهذا انما اشار عليك بهذا موسى بن جعفر عليه السلام، قلت ما لى و لموسى بن جعفر عليهما السلام قال: دع هذا عنك و الله لو لا حسن صحبتك لقتلتك.

و ما ورد فى تفسير الركون إلى الظالم

______________________________

انسان حجرا لحشره الله معه- كما فى الاحاديث- (قال صفوان فذهبت فبعت جمالى عن آخرها) «من» بمعنى «الى» اى إلى آخرها بحيث لم ادع واحدا منها (فبلغ ذلك) البيع لجمالى (الى هارون، فدعانى، فقال لى يا صفوان بلغنى انك بعت جمالك) هل صحيح ذلك؟ (قلت: نعم، قال و لم؟ قلت: انا شيخ كبير، و ان الغلمان لا يقومون بالاعمال، فقال) هارون (هيهات هيهات) اى بعيد ما تذكره عن الواقع، و التكرار للتأكيد (انى لا علم من اشار عليك بهذا، انما اشار عليك بهذا موسى بن جعفر عليه السلام، قلت: ما لي و لموسى بن جعفر عليهما السلام) و اىّ علاقة بينى و بينه، حتى يقول لى شيئا و امتثل كلامه (قال) هارون (دع هذا) الانكار (عنك) اى لا تنكر ما هو واقع- و انا عالم به- (و الله لو لا حسن صحبتك) معنا حيث لم تسئ إلينا (لقتلتك).

اقول: لعل هارون علم ذلك بشيطنته او ببعض الجواسيس.

(و ما ورد فى تفسير الركون إلى الظالم) فى قوله تعالى: وَ لٰا تَرْكَنُوا

ص: 279

من ان الرجل يأتى السلطان فيحب بقائه إلى ان يدخل يده فى كيسه فيعطيه و غير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم.

و من هنا لما قيل لبعض انى رجل اخيط للسلطان ثيابه، فهل ترانى بذلك داخلا فى اعوان الظلمة قال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط و اما انت فمن الظلمة انفسهم.

و فى رواية سليمان الجعفرى المروية عن تفسير العياشى ان الدخول فى اعمالهم و العون لهم و السعى فى حوائجهم عديل الكفر و النظر إليهم على العمد

______________________________

إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (من ان الرجل يأتى السلطان فيحب بقائه إلى ان يدخل يده فى كيسه، فيعطيه) اى بهذا المقدار من الزمان فاذا كان هذا ركونا، كان العمل له ركونا بالطريق الاولى (و غير ذلك) من الروايات (مما ظاهره وجوب التجنب عنهم).

(و من هنا) الّذي يفهم منه الاجتناب عنهم مطلقا (لما قيل لبعض) من الاكابر (انى رجل اخيط للسلطان ثيابه، فهل ترانى بذلك داخلا فى اعوان الظلمة قال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط، و اما انت فمن الظلمة انفسهم) مما دل على صدق اعوان الظلمة- عرفا- على مثل بائع الابر و الخيوط فيشمله دليل: عون الظلمة.

(و فى رواية سليمان الجعفرى المروية عن تفسير العياشى) قال عليه السلام (ان الدخول فى اعمالهم و العون لهم و السعى فى حوائجهم عديل الكفر)- مبالغة فى شدة الحرمة- (و النظر إليهم على العمد) اما

ص: 280

من الكبائر التى تستحق بها النار.

______________________________

المراد: النظر إليهم بالبصر، او المراد: رجائهم و نظر اللطف و العظمة إليهم (من الكبائر التى تستحق بها النار).

و قد ذكروا فى احوال المقدس الكاظمى صاحب الوسائل فى الفقه انه كان صديقا للميرزا القمى صاحب القوانين فى العراق، فرجع الميرزا إلى ايران، ثم زار العتبات المقدسة، و زار الكاظمى فى داره، فسمع صوت طفل يبكى من خارج الغرفة، و لما استفسر الميرزا من الكاظمى، قال ليس لى إلا غرفة واحدة و لما جئت انت خرجت زوجتى و طفلى و هما الآن فى الشمس الهاجرة و حرارة الشمس هى التى سببت بكاء الطفل، فرقّ الميرزا لوضع الكاظمى كثيرا بعد ما رأى فى غرفته أيضا اثر الزهد و العدم، و لما رجع إلى ايران نقل القصة للملك فتحعلى شاه، حين زاره الملك فى داره ثم قال الميرزا انه اعظم هدية جاء بها من العراق يريد وجود مثل هذا العالم الزاهد، فامر الملك بحمل سبع خرج من النقود إلى الكاظمى و لما جاء ممثل الملك إلى الكاظمية زاره الاعيان و الاشراف و جماعة من العلماء باستثناء المقدس.

و لما رأى الممثل عدم زيارة الكاظمى اضطر هو ان يزوره و عند ما جاء الى باب داره فتح الكاظمى الباب و استمع إلى كلام الممثل، قال الكاظمى انه لا حاجة لى فى المال، فليرجعه إلى الملك، ثم اخذ المقدس بالبكاء، و لما سئل عن السبب قال: انى لا اعلم باى ذنب منى صدر إلى الله سبحانه استحققت ان يذكر اسمى عند الظالمين- يريد الملك-.

ص: 281

لكن الانصاف ان شيئا مما ذكر، لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة.

اما الرواية الاولى فلان التعبير فيها فى الجواب بقوله: عليه السلام ما احب، ظاهر فى الكراهة.

و اما قوله عليه السلام: ان اعوان الظلمة الخ، فهو من باب التنبيه على ان القرب إلى الظلمة، و المخالطة معهم مرجوح، و الا فليس من يعمل لهم الاعمال المذكورة فى السؤال

______________________________

اقول مع العلم ان فتحعلى شاه كان ملكا ملتزما بظاهر احكام الاسلام حتى ان الشيخ الاكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء ره صدّر له اجازة للحكم فى ايران، و صورة الاجازة موجودة فى كتاب «كشف الغطاء» كما اجاز الكركى ره الملك الصفوى و:

هيهات ان يأت الزمان بمثلهم ان الزمان بمثلهم لبخيل

(لكن الانصاف ان شيئا مما ذكر، لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم على غير جهة المعونة) خصوصا بعد ظاهر رواية تحف العقول المتقدمة فى اوّل الكتاب حيث قال: على جهة الولاية لهم.

(اما الرواية الاولى) لابن ابى يعفور (فلان التعبير فيها فى الجواب بقوله) عليه السلام (ما احب ظاهر فى الكراهة) لا التحريم.

(و اما قوله عليه السلام: ان اعوان الظلمة الخ) فى اخير الرواية (فهو من باب التنبيه على ان القرب إلى الظلمة، و المخالطة معهم مرجوح، و الا فليس من يعمل لهم الاعمال المذكورة فى السؤال) اى البناء، و الكرى

ص: 282

خصوصا مرة او مرتين خصوصا مع الاضطرار معدودا من اعوانهم.

و كذلك يقال فى رواية عذافر مع احتمال ان يكون معاملة عذافر مع ابى أيوب، و ابى الربيع على وجه يكون معدودا من اعوانهم و عمالهم.

و اما رواية صفوان، فالظاهر منها ان نفس المعاملة معهم ليست محرمة بل من حيث محبة بقائهم، و ان لم تكن معهم معاملة.

و لا يخفى على الفطن العارف باساليب الكلام، ان قوله عليه السلام و من احب بقائهم كان منهم، لا يراد به: من احبّهم مثل محبّة صفوان

______________________________

و الاصلاح للمسناة (خصوصا مرة او مرتين) كما هو ظاهر قول السائل «ربما» (خصوصا مع الاضطرار) كما هو ظاهر قول السائل «اصاب الرجل منا الضيق» (معدودا من اعوانهم) حتى يصدق عليه قول الامام عليه السلام «ان اعوان الظلمة».

(و كذلك يقال فى رواية عذافر) فان ظاهرها التعامل مع الظالم، لا كونه عونا له (مع احتمال ان يكون معاملة عذافر مع ابى أيوب، و ابى الربيع على وجه يكون معدودا من اعوانهم و عمالهم) فلا تدل الرواية على حرمة ما نحن فيه من العمل على غير جهة المعونة.

(و اما رواية صفوان، فالظاهر منها ان نفس المعاملة معهم ليست محرمة، بل من حيث محبة بقائهم، و ان لم تكن) له (معهم معاملة).

(و لا يخفى على الفطن العارف باساليب الكلام، ان قوله عليه السلام)- فى رواية صفوان- (و من احب بقائهم كان منهم، لا يراد به:

من احبهم مثل محبة صفوان

ص: 283

بقائهم حتى يخرج كرائه، بل هذا من باب المبالغة فى الاجتناب عن مخالطتهم حتى لا يفضى ذلك إلى صيرورته من اعوانهم، و ان يشرب القلب حبهم، لان القلوب مجبولة على حب من احسن إليها.

و قد تبين مما ذكرنا ان المحرم من العمل للظلمة قسمان.

احدهما: الاعانة لهم على الظلم.

و الثانى: ما يعد معهم من اعوانهم، و المنسوبين إليهم، بان يقال هذا خياط السلطان، و هذا معماره.

و اما ما عدا ذلك، فلا دليل معتبر على تحريمه.

______________________________

بقائهم حتى يخرج كرائه، بل هذا من باب المبالغة فى الاجتناب عن مخالطتهم) من قبيل «لا تقربوا الزنا» و «لا تقربوا مال اليتيم» (حتى لا يفضى ذلك) التخالط و التعاشر (الى صيرورته من اعوانهم، و ان يشرب القلب حبهم، لان القلوب مجبولة) مخلوقة (على حب من احسن إليها).

قال الامام امير المؤمنين عليه السلام: احسن إلى من شئت تكن اميره و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: تهادوا تحابوا.

(و قد تبين مما ذكرنا ان المحرم من العمل للظلمة قسمان).

(احدهما: الاعانة لهم على الظلم) و الباطل- اللهم الا ان نقول:

ان كل باطل ظلم-.

(و الثانى: ما يعد معهم من اعوانهم، و المنسوبين إليهم، بان يقال) مثلا- (هذا خياط السلطان، و هذا معماره).

(و اما ما عدا ذلك) القسمين (فلا دليل معتبر على تحريمه).

ص: 284

..........

______________________________

لكن لا يخفى ان المصنف و القدماء انما كانوا ينظرون إلى حكوماتهم التى كانت تحكم فى الظاهر بحكم الاسلام.

اما فى هذا القرن الّذي بدّل فيه احكام الاسلام باحكام الكفر فى جميع مرافق الحكومات، فالامر اشكل.

فان الانخراط فى سلكهم اعانة لهدم الاسلام و تسليط الكفار على بلاد الاسلام، بل محو كلمة لا إله الا الله، كما هو المشاهد لدى الجميع فليتذكر من يريد الدخول معهم قوله سبحانه «وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ» و ليخش عاقبة امره و الله العاصم.

ص: 285

الثالثة و العشرون النجش

- بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة او المفتوحة- حرام، لما فى النبوى المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد، و المنتهى: من لعن الناجش و المنجوش له.

و قوله عليه السلام: و لا تناجشوا، و يدل على قبحه العقل لانه غش و تلبيس و اضرار، و هو كما عن جماعة ان يزيد الرجل فى ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها، ليسمعه غيره، فيزيد لزيادته بشرط المواطات مع البائع أولا بشرطها، كما حكى

______________________________

المسألة (الثانية و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (النجش- بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة او المفتوحة-) و الشين المثلثة و هو: (حرام، لما فى النبوى المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد، و المنتهى: من لعن الناجش و المنجوش له) اى صاحب المال.

(و قوله عليه السلام: و لا تناجشوا، و يدل على قبحه العقل) أيضا (لانه غش و تلبيس و اضرار).

و كلما حكم به العقل حكم به الشرع اذا كان فى سلسلة العلل- كما ذكروا- فالدليل على الحرمة السنة، و الاجماع، و العقل، و دليل لا ضرر، و شبهه من الادلة العامة (و هو) اى النجش (كما عن جماعة ان يزيد الرجل فى ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها، ليسمعه غيره) فمن يريد الشراء (فيزيد) الغير فى الثمن (لزيادته) اى زيادة الناجش (بشرط المواطات) و المؤامرة (مع البائع او لا بشرطها) بل اعتباطا (كما حكى)

ص: 286

عن بعض، و حكى تفسيره أيضا بان يمدح السلعة فى البيع لينفقها و يروجها لمواطات بينه و بين البائع، أو لا معها.

و حرمته بالتفسير الثانى- خصوصا لا مع المواطات- يحتاج إلى دليل، و حكى الكراهة عن بعض.

______________________________

هذا التفسير (عن بعض، و حكى تفسيره أيضا بان يمدح السلعة فى البيع لينفقها) اى يجعل لها نفقا اى رواجا (و يروجها لمواطات) و تبانى (بينه) اى الناجش (و بين البائع، أو لا معها) بل اعتباطا من الناجش.

(و حرمته بالتفسير الثانى) اى المدح (- خصوصا لا مع المواطات- يحتاج إلى دليل، و حكى الكراهة عن بعض).

لكن لا يبعد ان يقال: انه فيما اذا كانت الزيادة مجحفة و الا فلو كانت الزيادة لاجل الايصال إلى الثمن العادل خصوصا اذا كان الطرف صاحب المال ضعيفا مما يوجب صدق «عون الضعيف صدقة» لم يكن من مصاديق النجش عرفا.

و كذا فى صورة مدح السلعة و كون المنجوش له ملعونا انما هو مع المواطات او شبه المواطات، و الا فلا تزر وزارة وزر اخرى.

و هل يتعدى الحكم إلى سائر انواع المعاملة، بل إلى مثل النكاح فيما اذا لا يريد خطبة البنت حقيقة، و انما يقدم- ابتداءً- لخطبة بنت ليوجد الراغب فيها، بل مثل ابتداء التقسيم بان يبتدأ هذا الّذي لا يريد الشراء، بجعل قيمة للسلعة- مما لا تصدق عليه الزيادة- احتمالان.

ثم هل يفهم المناط من الزيادة حتى يتعدى إلى صورة النقيصة،

ص: 287

..........

______________________________

كما يعتاده فى المناقصات- فى الحال الحاضر- فاذا اراد شخص بناء دار عرضه على البنائين، فهذا يقول بالف، و ذاك بتسعمائة و الثالث بثمانمائة، و هكذا حتى يحرم التنقيص لمن لا يريد العمل، و انما يريد ترغيب غيره فى اخذ العمل بالانقص احتمالان، و فى المقام فروع اخر لا تلائم الشرح.

ص: 288

الرابعة و العشرون النميمة

محرمة بالأدلّة الاربعة و هى نقل قول الغير الى المقول فيه، كان يقول: تكلم فلان فيك بكذا و كذا.

قيل: هى من نمّ الحديث، من باب قتل و ضرب اى سعى به لايقاع فتنة او وحشة و هى من الكبائر، قال الله تعالى: وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ الهُٰاي بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ.

و النمام قاطع لما امر الله بصلته و مفسد.

______________________________

المسألة (الرابعة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (النميمة) و هى (محرمة بالأدلّة الاربعة) كما سيأتي (و هى نقل قول الغير إلى المقول فيه، كان يقول) زيد لبكر (تكلم فلان) اى خالد- مثلا- (فيك بكذا و كذا) مما يكرهه المقول فيه.

(قيل: هى) اى النميمة مشتقة (من نمّ الحديث، من باب قتل) مضموم عين المضارع (و ضرب) مكسور عين المضارع (اى سعى به لإيقاع فتنة او وحشة) اى تنافر بين الطرفين (و هى من الكبائر، قال الله تعالى: وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ) و من المعلوم ان ما توعد به فى القرآن الحكيم من الكبائر، كما قرر فى محله.

(و النمام قاطع لما امر الله بصلته) فان الله امر بصلة المؤمنين بعضهم مع بعض (و مفسد) لان من جملة اقسام الافساد قطع روابط الناس

ص: 289

قيل، و هى المراد بقوله تعالى: وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ.

و قد تقدم فى باب السحر قوله: فيما رواه فى الاحتجاج فى وجوه السحر و ان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين.

و عن عقاب الاعمال عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: من مشى فى نميمة بين الاثنين، سلط الله عليه فى قبره نارا تحرقه، و اذا خرج من قبره سلط الله عليه تنّينا اسود ينهش لحمه،

______________________________

(قيل و هى) اى النميمة (المراد بقوله تعالى: وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) اى ان النميمة احدى مصاديق الفتنة و الا فشأن نزول الآية المباركة افتتان المسلمين عن دينهم اكبر من القتل الّذي قتله بعض المسلمين لبعض الكفار- اشتباها-.

(و قد تقدم فى باب السحر قوله) عليه السلام (فيما رواه فى الاحتجاج فى وجوه السحر و ان من اكبر السحر النميمة يفرق بها بين المتحابين).

فكما ان السحر يفرق به بين المرء و زوجه كذلك النميمة.

و لعل وجه الاكبرية ان السحر بسبب خارجى اذا جي ء بمبطله رجع الامر إلى نصابه، بخلاف النميمة، فانها توجب سوء ظن كل طرف بالآخر قلما يصطلحان بعد ذلك.

(و عن عقاب الاعمال عن النبي صلى الله عليه و آله: من مشى فى نميمة بين الاثنين، سلط الله عليه فى قبره نارا تحرقه، و اذا خرج من قبره سلط اللّه عليه تنّينا) اى ثعبانا (اسود) لعله لكثرة هول الاسود، فان هذا اللون مما يوجب قبض النفس (ينهش لحمه) و يقطعه بفمه و

ص: 290

حتى يدخل النار.

و قد استفاضت الاخبار بعدم دخول النمام الجنة.

و يدل على حرمتها مع كراهة المقول عنه، لاظهار القول عند المقول فيه، جميع ما دل على حرمة الغيبة.

و يتفاوت عقوبته، بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد.

و قيل ان حد النميمة بالمعنى- الاعم-

______________________________

انيابه (حتى يدخل النار).

(و قد استفاضت الاخبار بعدم دخول النمام الجنة).

(و) كل ذلك يدل على التحريم، بالإضافة إلى انه (يدل على حرمتها مع كراهة المقول عنه، لاظهار القول عند المقول فيه، جميع ما دل على حرمة الغيبة) كقوله صلى الله عليه و آله: ذكرك اخاك ما يكره فان الاخ كما يكره الغيبة يكره النميمة.

(و) ان قلت: فباى العقابين يعاقب النمام الّذي يصدق عليها الغيبة أيضا.

قلت: (يتفاوت عقوبته) اى عقوبة النمام (بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد) فان ترتب عليها مفاسد الغيبة و النميمة كان العقاب اشد، و لا مانع من تداخل العقوبات.

(و) يؤيد ما ذكرناه من صدق ادلة الغيبة على النميمة، ما (قيل) و القائل الشهيد فى كشف الريبة (ان حد النميمة) و تعريفها (بالمعنى الاعم-) فى مقابل النميمة بالمعنى الاخص التى هى فى مقابل الغيبة

ص: 291

كشف ما يكره كشفه.

سواء كرهه المنقول عنه، أم كرهه، ثالث.

و سواء كان الكشف بالقول، أم بغيره من الكتابة و الرمز و الايماء.

و سواء كان المنقول من الاعمال، أم من الاقوال.

و سواء كان ذلك عيبا و نقصانا على المنقول عنه، أم لا.

بل حقيقة النميمة افشاء السر و هتك الستر، عما يكره كشفه، انتهى موضع الحاجة.

______________________________

و ما اشبه (كشف ما يكره) بصيغة المجهول (كشفه).

(سواء كرهه المنقول عنه) كزيد الّذي نم عمرو عنه (أم المنقول إليه) كخالد المخاطب لعمرو (أم كرهه ثالث) كوالد زيد.

(و سواء كان الكشف بالقول، أم بغيره من الكتابة، و الرمز) كتابة او غيرها (و الايماء) باليد و العين و ما اشبه.

(و سواء كان) الكلام (المنقول من الاعمال) كان يقول النمام زنى زيد (أم من الاقوال) كان يقول: قال زيد كلاما سيئا.

(و سواء كان ذلك) الكلام المنقول (عيبا و نقصانا على المنقول عنه) كالزنا (أم لا) كان يقول كل ليلة يباشر حليلته.

(بل حقيقة النميمة افشاء السر و هتك الستر، عما يكره كشفه).

لكن الظاهر عدم صدق النميمة على بعض الاقسام المذكورة و ان امكن كونه حراما من جهة اخرى ككونه إيذاء للمؤمن و ما اشبه (انتهى موضع الحاجة) من كلام الشهيد.

ص: 292

ثم انه قد يباح ذلك لبعض المصالح التى هى آكد من مفسدة افشاء السر- كما تقدم فى الغيبة-.

بل قيل: انها قد تجب، لإيقاع الفتنة بين المشركين.

لكن الكلام فى النميمة على المؤمنين.

______________________________

(ثم انه قد يباح ذلك) اى النميمة (لبعض المصالح التى هى آكد من مفسدة افشاء السر- كما تقدم فى الغيبة-) كنصح المستشير و تجنيب الناس عن صاحب البدعة، و ما اشبه ذلك.

(بل قيل: انها قد تجب، لايقاع الفتنة بين المشركين) كما ورد عن النبي صلى الله عليه و آله انه ندب بعض الاصحاب إلى ذلك فى بعض الغزوات.

(لكن الكلام فى النميمة على المؤمنين) فالفتنة بين المشركين خارجة عن موضوع الكلام.

ص: 293

الخامسة و العشرون النوح بالباطل،

ذكره فى المكاسب المحرمة الشيخان و سلار و الحلى و المحقق، و من تأخر عنه، و الظاهر حرمته من حيث الباطل- يعنى الكذب- و الا فهو فى نفسه ليس بمحرم.

______________________________

المسألة (الخامسة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (النوح بالباطل، ذكره فى المكاسب المحرمة الشيخان، و سلار و الحلى، و المحقق، و من تأخر عنه، و الظاهر حرمته من حيث الباطل يعنى الكذب- و الا فهو فى نفسه ليس بمحرم).

فالقول بالتحريم للنوح مطلقا، تمشيا مع ظاهر بعض الاخبار لا وجه له، لما ورد من امر النبي صلى الله عليه و آله بالنياحة على حمزة، و كذلك النياحة على سيد الشهداء عليه السلام، و ما دل على امر الامام الباقر عليه السلام بالنياحة له عشر سنين فى منى.

اما كون صوت المرأة عورة، فالظاهر انه اذ لم يكن داخلا فى الخضوع بالقول، لم يكن وجه للتحريم.

و لذا نهى القرآن الحكيم الخضوع بالقول، لا مطلق القول و قد كانت النساء تكلمن النبي و الأئمة بمحضر الناس، و لم يردع عن ذلك، بل ظاهر لفظ النوادب، فى رواية الامام الباقر عليه السلام: النساء النادبات

و من المعلوم: ان «منى» مجمع الناس، و يسمع صوتهن الرجال، و كذلك ندبة زينب عليها السلام و سائر المخدرات و ندبة أم البنين بمحضر

ص: 294

و على هذا التفصيل دل غير واحد من الاخبار.

و ظاهر المبسوط، و ابن حمزة التحريم مطلقا، كبعض الاخبار و كلاهما محمولان على المقيد جمعا.

______________________________

مروان، بل و خطب الصديقة الطاهرة فى المسجد، و للرجال فى المنزل، و زينب و أمّ كلثوم فى الكوفة و الشام و غيرها من الادلة و المؤيدات الكثيرة.

(و على هذا التفصيل) بين النوح بالباطل فيحرم، و بين النوح بغير الباطل، فلا يحرم (دل غير واحد من الاخبار) و فى الوسائل و المستدرك عقد لذلك بابا طويلا فراجع.

(و ظاهر المبسوط، و ابن حمزة التحريم مطلقا، كبعض الاخبار) الدالة على التحريم مطلقا (و كلاهما) اى كلام الفقيهين و الاخبار (محمولان على المقيد) اى النوح بالباطل (جمعا) بين الاخبار المطلقة، و الاخبار المقيدة، كقوله عليه السلام فى مرسل الصدوق: لا بأس بكسب النائحة اذا قالت صدقا، بالإضافة إلى دليل التأسى كما تقدم، فلا ينبغى الاشكال فى ذلك.

ص: 295

السادسة و العشرون الولاية من قبل الجائر-

اشارة

و هى صيرورته واليا على قوم منصوبا من قبله- محرمة لان الوالى من اعظم الاعوان.

و لما تقدم فى رواية تحف العقول من قوله: و اما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالى الجائر، و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية

______________________________

المسألة (السادسة و العشرون) مما يحرم الاكتساب به لكونه محرما فى نفسه (الولاية من قبل الجائر-) الظالم (و هى صيرورته) اى الشخص (واليا على قوم منصوبا من قبله-).

و لا يبعد كون الولاية اعم من كونه عاملا على قوم، او على شي ء كالسفير فى البلاد التى لا قوم من طرف الحكومة ذات السفير فيها و انما هو لمجرد الشخصية او المصالح الاقتصادية او ما اشبه.

و قوله (محرمة) خبر الولاية (لان الوالى من اعظم الاعوان) للظلمة.

و قد تقدم ما ورد فى اعوان الظلمة.

(و لما تقدم فى رواية تحف العقول من قوله) عليه السلام (و اما وجه الحرام من الولاية، فولاية الوالى الجائر، و ولاية ولاته).

و المراد ب: ولاية الوالى الجائر ولاية نفس الوالى، اى الرئيس الاول.

و اما المراد الولاية من قبل الوالى الجائر اى الذين نصبهم الرئيس الاول، و باختلاف المعنى يختلف المراد من: ولاية ولاته (فالعمل لهم) بدون الولاية (و الكسب لهم بجهة الولاية

ص: 296

معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك على قليل من فعله، او كثير، لان كل شي ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر.

و ذلك ان فى ولاية الوالى الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب و قتل الأنبياء و هدم المساجد، و تبديل سنة الله، و شرائعه.

فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة

______________________________

معهم) فى مقابل الكسب لهم لا بجهة الولاية (حرام محرم) تأكيد لقوله:

حرام من قبيل: ليل الليل (معذب فاعل ذلك) العمل مع الجائرين (على قليل من فعله، او كثير، لان كل شي ء من جهة المعونة) و الاعانة (له) اى للجائر (معصية كبيرة من الكبائر).

(و ذلك) اى و وجه ذلك (ان فى ولاية الوالى الجائر دروس الحق كله) اى اضمحلال الحق، اذ الجائر لا يبالى بالحق، و عدم المبالات سبب الدروس و الضياع (و احياء الباطل كله، و اظهار الظلم و الجور و الفساد) اى ظهور هذه الامور فى الخارج (و ابطال الكتب) السماوية (و قتل الأنبياء، و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه) فان الظلم يفعل كل ذلك، و ان كان كل قسم من اقسام الظلم لا يفعل كل ذلك.

و الحاصل: ان الظلم مقتضى لهذه الامور.

(فلذلك) الّذي ذكرنا من مفاسد ولاية الجائر (حرم العمل معهم و معونتهم) اى اعانتهم (و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة) من تقية او ما

ص: 297

نظير الضرورة إلى الدم و الميتة، الخبر.

و فى رواية زياد بن ابى سلمة: اهون ما يصنع الله عز و جل بمن تولا لهم عملا ان يضرب عليه سرادقا من نار إلى ان يفرغ الله عز و جل من حساب الخلائق.

ثم ان ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه، من ظلم الغير مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية.

______________________________

اشبه (نظير الضرورة إلى الدم و الميتة) فانه ما من شي ء حرمه الله إلا و قد احله لمن اضطر إليه إلى آخر (الخبر) المتقدم فى اوّل الكتاب.

(و فى رواية زياد بن ابى سلمة: اهون) و اخف عقاب (ما يصنع الله عز و جل بمن تولا لهم عملا ان يضرب) الله (عليه سرادقا من نار) اى سترا فان سرادق معرب سراپرده و المراد به المحل المحفوف بالنار (الى ان يفرغ الله عز و جل من حساب الخلائق) فى يوم القيامة و المراد خمسين الف سنة التى هى مدة محاسبة الخلائق فى القيامة.

(ثم ان ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه، من ظلم الغير) او ما اشبه من سائر المحرمات كتغيير شرائع الله، و هدم المساجد، و احياء الباطل (مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك) خارجا (عن المعصية).

فحرمتها لا لعدم انفكاكها عن العصيان، بل هى حرام فى نفسها- و لو فرضنا انه لم يترتب عليها عصيان اصلا-.

ص: 298

و ربما كان فى بعض الاخبار اشارة إلى كونه من جهة الحرام الخارجى

ففى صحيحة داود بن زربى، قال: اخبرنى مولى لعلى بن الحسين عليه السلام، قال: كنت بالكوفة، فقدم ابو عبد الله عليه السلام الحيرة، فاتيته فقلت له جعلت فداك: لو كلمت داود بن على، او بعض هؤلاء، فادخل فى بعض هذه الولايات، فقال ما كنت لا فعل، فانصرفت إلى منزلى، فتفكرت ما احسبه انه منعنى، الا مخافة ان اظلم او اجور و الله لآتينّه

______________________________

(و) لكن (ربما كان فى بعض الاخبار اشارة إلى كونه) اى كون التحريم للولاية، انما هو (من جهة الحرام الخارجى) المترتب على الولاية.

(ففى صحيحة داود بن زربى) و كان من الشيعة للامام موسى بن جعفر عليه السلام، و حفظه الامام من كيد هارون، بمثل ما حفظ على بن يقطين فى قصة الوضوء المشهورة (قال: اخبرنى مولى لعلى بن الحسين عليه السلام، قال: كنت بالكوفة، فقدم ابو عبد الله) الصادق (عليه السلام الحيرة، فاتيته فقلت له جعلت فداك، لو كلمت داود بن على) و كان واليا من قبل العباسيين (او بعض هؤلاء فادخل) بصيغة المجهول اى ادخلونى (فى بعض هذه الولايات، فقال) الصادق عليه السلام (ما كنت لا فعل، فانصرفت إلى منزلى، فتفكرت ما احسبه انه) عليه السلام (منعنى) بان لم يتوسط لدى الامير فى ادخالى فى بعض الولايات (الا مخافة ان اظلم او اجور).

لعل المراد بالجور الاعم من الظلم، فانه يشمل ظلم الانسان نفسه و ظلمه لغيره من الناس- احيانا- او العكس (و الله لآتينه) اى اذهب

ص: 299

و اعطينه الطلاق و العتاق، و الايمان المغلظة ان لا اجورن على احد و لا اظلمن و لأعدلن قال: فاتيته، فقلت جعلت فداك: انى فكرت فى إبائك على و ظننت انك انما منعتنى مخافة ان اظلم او اجور، و ان كل امرأة لى طالق و كل مملوك لى حر و على ان ظلمت احدا او جرت على احد، بل ان لم اعدل، قال فكيف قلت؟ فاعدت عليه الايمان فنظر إلى السماء و قال تنال هذه السماء ايسر عليك من ذلك

______________________________

الى الامام عليه السلام (و اعطينه الطلاق و العتاق) اى احلف له بطلاق زوجتى و عتق مماليكى (و الايمان المغلظة) فى اللفظ، نحو: و الله المهلك المدرك، او المعنى نحو: و الله لا حرم الدهر، مثلا (ان لا اجورن على احد) ان وليت عملا (و لا اظلمن و لا عدلن) بين الناس (قال: فاتيته، فقلت جعلت فداك: انى فكرت فى) سبب (إبائك) و امتناعك (على) بان لم تقبل ان تتوسط فى امرى (و ظننت انك انما منعتنى مخافة ان اظلم او اجور، و ان كل امرأة لى طالق، و كل مملوك لى حر، و على ان ظلمت احدا او جرت على احد، بل ان لم اعدل) قد يكون الانسان لا يظلم و لكنه لا يعدل أيضا بان ينتحى من قضايا الناس فى ناحية، و قد يكون يعدل بان يدخل فى قضاياهم و يجعل الحق فى نصابه (قال) الامام عليه السلام (فكيف قلت؟) اى اعد على كلامك (فاعدت عليه الايمان).

و لا يخفى ان الحلف بالطلاق و العتاق باطل- عندنا- (فنظر) الامام عليه السلام (الى السماء و قال: تنال) و تصل إلى (هذه السماء) التى لا يمكن الوصول إليها لمثل المخاطب (ايسر عليك من ذلك) بان

ص: 300

بناء اعلى ان المشار إليه هو العدل و ترك الظلم.

و يحتمل ان يكون هو الترخص فى الدخول.

ثم انه يسوغ الولاية المذكورة امران.
احدهما: القيام، بمصالح العباد

بلا خلاف، على الظاهر المصرح به فى المحكى عن بعض، حيث قال: ان تقلد الامر من قبل الجائر جائز اذا تمكن معه

______________________________

تحكم و لا تجور إلى آخر الخبر.

و دلالة هذه الرواية (بناء اعلى ان المشار إليه) فى قوله من ذلك (هو العدل و ترك الظلم) فانه يدل حينئذ على ما ذكرناه سابقا من مؤيدات حرمة الولاية، بقولنا: مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية.

(و يحتمل ان يكون) المشار إليه (هو الترخص فى الدخول) اى انى لا آذن لك فى الدخول، او لا اكون واسطة لك.

و الانصاف ان امثال هذه الروايات، و خصوصا اذا لوحظ الحال الحاضر مما الحكم فيه ضدّ الاسلام بتمام معنى الكلمة مما تقصم الظهر لمن يريد الدخول فى الوظائف و الله المستعان.

(ثم انه يسوغ) و يجوز (الولاية المذكورة) اى من قبل الجائر (امران)

(احدهما: القيام بمصالح العباد) و البلاد (بلا خلاف، على الظاهر المصرح به فى المحكى عن بعض) و هو الراوندى فى فقه القرآن كما قيل (حيث قال: ان تقلد الامر من قبل الجائر جائز، اذا تمكن معه)

ص: 301

من ايصال الحق لمستحقه، بالاجماع و السنة الصحيحة.

و قوله تعالى: اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ.

و يدل عليه قبل الاجماع ان الولاية ان كانت محرمة لذاتها، كان ارتكابها لاجل المصالح، و دفع المفاسد التى هى اهم من مفسدة انسلاك الشخص فى اعوان الظلمة- بحسب الظاهر- و ان كانت لاستلزامها الظلم على الغير، المفروض عدم تحققه هنا.

______________________________

اى بسبب تقلده الامر (من إيصال الحق لمستحقه، بالاجماع و السنة الصحيحة) كما يأتى بعض الاخبار منها.

(و قوله تعالى) حكاية عن يوسف عليه السلام (اجْعَلْنِي عَلىٰ خَزٰائِنِ الْأَرْضِ) اى المال و الرزق.

(و يدل عليه قبل الاجماع ان الولاية ان كانت محرمة لذاتها، كان ارتكابها لاجل المصالح، و دفع المفاسد التى هى) اى تلك المصالح (اهم من مفسدة انسلاك الشخص) و دخوله- كما تدخل الخرز فى السلك- (فى اعوان الظلمة- بحسب الظاهر-) اما بحسب الواقع انه من اعوان الحق كانت جائزة للزوم تقديم الاهم على المهم.

و المراد بالجواز فى مقابل الحرمة، فيشمل الوجوب أيضا (و ان كانت) الولاية محرمة- لا لذاتها- بل (لاستلزامها الظلم على الغير، فالمفروض عدم تحققه) اى الظلم (هنا) فى المقام، لان المفروض ان قبول الولاية انما هو للقيام، بمصالح العباد و اصلاح البلاد.

ص: 302

و يدل عليه النبوى الّذي رواه الصدوق فى حديث المناهى قال: من تولى عرافة قوم اتى به يوم القيامة، و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله تعالى اطلقه الله و ان كان ظالما يهوى به فى نار جهنم و بئس المصير.

و عن عقاب الاعمال: و من تولى عرافة قوم و لم يحسن فيهم، حبس على شفير جهنم بكل يوم الف سنة، و حشر

______________________________

(و يدل عليه النبوى الّذي رواه الصدوق فى حديث المناهى قال) صلى الله عليه و آله (من تولى عرافة قوم) اى يكون عريفا لهم، و هو القائم بالامور السياسية لدى السلطة، فيعرفهم لها.

و لعل المراد به هنا، ما يسمى فى الاصطلاح الحاضر «المختار» او من هو اعلى منه رتبة (اتى به يوم القيامة، و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله تعالى اطلقه الله) عن الغل (و ان كان ظالما يهوى به) اى بالشخص، او بالغل الّذي معه (فى نار جهنم) اى يلقى به (و بئس المصير).

و الظاهر: ان الغل لاجل صيرورته عريفا فى دولة باطل لا يقصد من ورائه الحق، و لذا استحق العقاب، و الا فلو كان عريفا فى حكومة شرعية او دخل فى العرافة لامر الله، و قام بالعدل، لم يكن لغل يديه وجه كما لا يخفى-.

(و عن عقاب الاعمال: و من تولى عرافة قوم و لم يحسن فيهم حبس على شفير جهنم بكل يوم) تولى العرافة فيه (الف سنة، و حشر) الحشر المجي ء

ص: 303

و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله اطلقه الله، و ان كان ظالما هوى به فى نار جهنم سبعين خريفا.

و لا يخفى: ان العريف- سيما فى ذلك الزمان- لا يكون الا من قبل الجائر.

و صحيحة زيد الشحام المحكية عن الامالى، عن ابى عبد الله عليه السلام: من تولى امرا من امور الناس فعدل فيهم و فتح بابه، و رفع ستره و نظر فى امور الناس كان حقا على الله ان يؤمن روعته يوم القيامة

______________________________

بالشخص فى يوم المحشر، و الحشر- لغة- بمعنى الجمع (و يداه مغلولتان إلى عنقه، فان قام فيهم بامر الله اطلقه الله، و ان كان ظالما هوى به فى نار جهنم سبعين خريفا) و الخريف: كما فى بعض الروايات الف عام كل عام يعادل الف سنة من سنى الدنيا.

(و لا يخفى: ان العريف- سيما فى ذلك الزمان- لا يكون الا من قبل الجائر).

و انما قال: سيما، لان العريف، فى غالب الازمنة كذلك، و فى ذلك الزمان كان من قبل الجائر الغاصب للخلافة.

(و صحيحة زيد الشحام المحكية عن الامالى، عن ابى عبد الله عليه السلام: من تولى امرا من امور الناس، فعدل فيهم و فتح بابه) بان لم يغلقه دونهم (و رفع ستره) بان لم يجعل حجابا و حجابا- و هذا هو المعبر عنه بالسكرتير، فى هذا الزمان- (و نظر فى امور الناس كان حقا على الله ان يؤمن روعته) اى خوفه (يوم القيامة) فان للقيامة مخاوف و

ص: 304

و يدخله الجنة.

و رواية زياد بن ابى سلمة عن موسى بن جعفر عليه السلام: يا زياد لان اسقط من شاهق، فاتقطع قطعة قطعة احب إلى من ان اتولى لهم عملا، او اطأ بساط رجل منهم الا لما ذا؟ قلت: لا ادرى جعلت فداك قال:

الا لتفريج كربة مؤمن أو فك اسره او قضاء دينه.

و رواية على بن يقطين: ان لله تعالى مع السلطان اولياء من يدفع بهم عن اوليائه.

______________________________

اهوالا (و يدخله الجنة) لعدله و ما عمل بالناس.

(و رواية زياد بن ابى سلمة عن موسى بن جعفر عليه السلام: يا زياد لان اسقط من شاهق) اى مكان مرتفع (فاتقطع قطعة قطعة احب إلى من ان اتولى لهم عملا، او اطأ بساط رجل منهم) اى ادخل عليهم (الا لما ذا؟

قلت: لا ادرى جعلت فداك، قال: الا لتفريج كربة مؤمن) بان تكون له مشكلة عندهم، او عند غيرهم فادخل عليهم لحل تلك المشكلة (او فك اسره) بان يكون اسيرا عندهم فادخل عليهم لاطلاقه (او قضاء دينه).

و لا يخفى ان هذه الامور الثلاثة من باب المثال، او تكون سائر المشاكل داخلة فى تفريح الكربة.

(و رواية على بن يقطين: ان لله) تبارك و (تعالى مع السلطان) اى فى امور السلطان و ولاياته (اولياء) و احباء لله تعالى (من يدفع بهم عن اوليائه) فاذا حدثت مشكلة لاولياء الله تعالى، كان الاولياء الذين فى امور السلطان يحلون تلك المشكلة.

ص: 305

قال الصدوق- و فى خبر آخر- أولئك عتقاء الله من النار.

قال: و قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان، قضاء حوائج الاخوان.

و عن المقنع سئل ابو عبد اللّه عليه السلام عن رجل يحب آل محمد و هو فى ديوان هؤلاء يقتل تحت رايتهم قال: يحشره الله على نيته إلى غير ذلك.

______________________________

(قال الصدوق- و فى خبر آخر- أولئك عتقاء الله من النار) فكونهم فى ابواب السلطان موجب اجرهم، لان بيدهم تحل مشكلة الاولياء.

(قال: و قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان) اى العمل له (قضاء حوائج الاخوان) فانها تكافئ التحريم الناشئ من العمل لهم.

و من الممكن ان يكون هناك عمل محرم يكافئه قضاء الحاجة- كما فى هذا الحديث- و عمل غير محرم يوجب الاجر كون الشخص مع السلطان كما فى حديث: أولئك عتقاء الله، فلا تنافى بين الحديثين.

(و عن المقنع) للمفيد رحمه الله (سئل ابو عبد الله عليه السلام عن رجل يحب آل محمد) صلى الله عليه و آله (و هو فى ديوان هؤلاء) السلاطين الجائرين (يقتل تحت رايتهم) فما حاله اذا استشهد فى حرب بينهم و بين اعدائهم؟- الكفار- (قال) عليه السلام (يحشره الله على نيته) فان كانت نيته الحرب لرفعة لواء الاسلام كان حاله حسنا، و ان كانت نيته رفعة لواء هؤلاء كان حاله سيئا (الى غير ذلك) من الاخبار.

ص: 306

و ظاهرها إباحة الولاية من حيث هى مع المواسات و الاحسان بالاخوان فيكون نظير الكذب فى الاصلاح.

و ربما يظهر من بعضها الاستحباب.

و ربما يظهر من بعضها: ان الدخول أولا غير جائز، الا ان الاحسان الى الاخوان كفارة له.

كمرسلة الصدوق المتقدمة، و فى ذيل رواية زياد بن ابى سلمة المتقدمة، و ان وليت شيئا من اعمالهم، فاحسن إلى اخوانك يكون واحدة بواحدة

و الاولى ان يقال: ان الولاية غير المحرمة

______________________________

(و ظاهرها إباحة الولاية) من قبل الجائر (من حيث هى) ولاية لا من جهة اتيان الوالى بسائر المحرمات (مع المواسات و الاحسان بالاخوان، فيكون نظير الكذب فى الاصلاح) الّذي هو بنفسه محرم ذاتيا، لكن عنوان الاصلاح حسنه و اجازه.

(و ربما يظهر من بعضها الاستحباب) كرواية: عتقاء الله.

(و ربما يظهر من بعضها: ان الدخول أولا غير جائز، الا ان الاحسان الى الاخوان كفارة له) كرواية كفارة عمل السلطان.

و (كمرسلة الصدوق المتقدمة، و فى ذيل رواية زياد بن ابى سلمة المتقدمة، و ان وليت شيئا من اعمالهم، فاحسن إلى اخوانك يكون واحدة بواحدة) اى طاعة فى مقابل معصية.

(و الاولى) فى الجمع بين الاخبار (ان يقال: ان الولاية غير المحرمة)

ص: 307

منها ما يكون مرجوحة، و هى ولاية من تولى لهم لنظام معاشه، قاصدا الاحسان فى خلال ذلك إلى المؤمنين، و دفع الضر عنهم.

ففى رواية ابى بصير ما من جبّار الا و معه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين و هو اقلهم حظا فى الآخرة لصحبة الجبار.

و منها: ما يكون مستحبة، و هى ولاية من لم يقصد بدخوله الا الاحسان الى المؤمنين.

فعن رجال الكشى فى ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن ابى الحسن

______________________________

لا يخفى ان دخول «ال» على «غير» فى مثل هذه الموارد، خطا كما يظهر لمن راجع كتاب المغنى لابن هشام، و غيره.

ف (منها: ما يكون مرجوحة و هى ولاية من تولى لهم) و اخذ الولاية منهم (لنظام معاشه، قاصدا الاحسان فى خلال ذلك) العمل لهم (الى المؤمنين، و دفع الضر عنهم) اما اصل عمله لهم، فانما كان للمعاش.

(ففى رواية ابى بصير ما من جبار) اى ظالم، و يسمى جبارا، لانه يجبر الناس و يكرههم (الا و معه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين، و هو اقلهم حظا فى الآخرة) و انما يكون هذا المؤمن اقلّ من سائر المؤمنين حظّا فى الآخرة (لصحبة الجبار) و تلوثه بالمعاصي و لو من جهة زيادة سواد كبكبته.

(و منها: ما يكون مستحبة و هى ولاية من لم يقصد بدخوله الا الاحسان الى المؤمنين).

(فعن رجال الكشى فى ترجمة محمد بن اسماعيل ابن بزيع، عن ابى الحسن

ص: 308

الرضا عليه السلام، قال: ان لله فى ابواب الظلمة من نوّر الله به البرهان و مكن له فى البلاد ليدفع بهم عن اوليائه، و يصلح الله بهم امور المسلمين إليهم يلجأ المؤمنين من الضرر و إليهم مرجع ذوى الحاجة من شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين فى دار الظلمة أولئك المؤمنون حقا، أولئك أمناء الله فى ارضه أولئك نور الله فى رعيته يوم القيمة و يزهر نورهم لاهل السماوات، كما يزهر نور الكواكب الدرية لاهل الارض، أولئك نورهم- يوم القيامة- تضي ء منه القيامة خلقوا- و الله- للجنة، و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما على احدكم ان لو شاء

______________________________

الرضا عليه السلام، قال) عليه السلام (ان لله فى ابواب الظلمة من نور الله به البرهان) اى بسببه يعرف الناس الحق من الباطل (و مكن له فى البلاد) بان كان مسلطا على البلاد و العباد (ليدفع) الله (بهم عن اوليائه) المكروهات (و يصلح الله بهم امور المسلمين، إليهم يلجأ المؤمنين من الضرر) المتوجه إليهم (و إليهم مرجع ذوى الحاجة من شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين) و خوفهم (فى دار الظلمة) و يسمى دار الظلمة لان المسيطرين على الحكم ظالمون (أولئك المؤمنون حقا، أولئك أمناء الله فى ارضه، أولئك نور الله فى رعيته يوم القيامة) اى رعية الله (و يزهر) اى يظهر، و يبيض، و يجلو (نورهم لاهل السماوات، كما يزهر نور الكواكب الدرية لاهل الارض، أولئك نورهم- يوم القيامة- تضي ء منه القيامة) لان القيامة بنفسها مظلمة- كما ورد فى الاحاديث (خلقوا- و الله- للجنة، و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما على احدكم ان لو شاء

ص: 309

لنال هذا كله قلت: بما ذا؟ جعلت فداك: قال يكون معهم فيسرنا بادخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمد.

و منها: ما يكون واجبة، و هى ما توقف الامر بالمعروف و النهى عن المنكر الواجبان عليه فان ما لا يتم الواجب الا به، واجب مع القدرة.

و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب فى هذه الصورة- أيضا-

______________________________

لنال هذا) الفضل (كله) اى ما يضر احدكم ان ينال هذا الفضل (قلت:

بما ذا؟) و باى عمل ينال هذا الفضل؟ (جعلت فداك: قال) عليه السلام (يكون) هذا المريد بنيل الفضل (معهم) اى مع الجبارين (فيسرنا بادخال السرور على المؤمنين من شيعتنا، فكن منهم يا محمد).

و الجمع الّذي ذكره المصنف بين هاتين الطائفتين، و ان كان اشبه بالتبرع، الا ان القرائن الداخلة و الخارجية مما توجب المصير إليه.

(و منها: ما يكون واجبة، و هى ما توقف الامر بالمعروف و النهى عن المنكر الواجبان عليه).

و كذلك ارشاد الجاهل، و نشر الاسلام، و انقاذ المسلمين من براثن الكفار، و ما اشبه (فان ما لا يتم الواجب الا به، واجب مع القدرة) فيما اذا لم تكن الولاية محرمة بذاتها، و الا لزم كون الواجب ارجح- كما لا يخفى-.

(و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب فى هذه الصورة) اى صورة توقف الواجب على الولاية (- أيضا-) كالصورتين السابقتين.

ص: 310

قال فى النهاية: تولى الامر من قبل السلطان العادل جائز مرغب فيه، و ربما بلغ حد الوجوب، لما فى ذلك من التمكن بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و وضع الاشياء مواقعها.

و اما سلطان الجور، فمتى علم الانسان او غلب على ظنه انه متى تولى الامر من قبله امكن التوصل إلى اقامة الحدود، و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و قسمة الاخماس و الصدقات فى اربابها، و صلة الاخوان و لا يكون مع ذلك مخلا بواجب، و لا فاعلا لقبيح، فانه ليستحب له ان يتعرض لتولى الامر من قبله، انتهى.

و قال فى السرائر: و اما السلطان الجائر فلا يجوز

______________________________

(قال فى النهاية: تولى الامر من قبل السلطان العادل جائز مرغب فيه) اى مستحب (و ربما بلغ حد الوجوب، لما فى ذلك من التمكن بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و وضع الاشياء مواقعها) اى اجراء الاحكام كما امر الله تعالى.

(و اما سلطان الجور، فمتى علم الانسان او غلب على ظنه) غلبة يدخله فى ضمن الاطمينان الّذي هو حجة شرعا (انه متى تولى الامر من قبله امكن) بواسطته (التوصل إلى اقامة الحدود، و الامر بالمعروف و النهى عن المنكر و قسمة الاخماس و الصدقات) اى الزكوات (فى اربابها و) امكن (صلة الاخوان، و لا يكون مع ذلك مخلا بواجب، و لا فاعلا لقبيح بانه ليستحب له ان يتعرض لتولى الامر من قبله، انتهى) كلام النهاية.

(و قال) ابن ادريس (فى السرائر: و اما السلطان الجائر فلا يجوز

ص: 311

لاحد ان يتولى شيئا من الامور مختارا من قبله، الا ان يعلم او يغلب على ظنه- الى آخر عبارة النهاية بعينها-.

و فى الشرائع: و لو أمن من ذلك اى اعتماد ما يحرم و قدر على الامر بالمعروف، و النهى عن المنكر استحبت.

قال فى المسالك- بعد ان اعترف ان مقتضى ذلك وجوبها- و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم، و عموم النهى عن الدخول معهم و تسويد الاسم فى ديوانهم، فاذا لم يبلغ حدّ المنع

______________________________

لاحد ان يتولى شيئا من الامور) فى حالكونه (مختارا من قبله، الا ان يعلم او يغلب على ظنه- الى آخر عبارة النهاية بعينها-) التى تقدمت.

(و فى الشرائع: و لو أمن من ذلك) اى أمن من يريد الولاية من قبل الجائر، و فسر قوله «ذلك» بقوله (اى اعتماد ما يحرم) بان علم بانه لا يفعل الحرام فى ولايته (و قدر على الامر بالمعروف، و النهى عن المنكر استحبت) له الدخول معهم.

(قال فى المسالك) فى شرح عبارة الشرائع (- بعد ان اعترف ان مقتضى ذلك) الّذي ذكره الشرائع من توقف الامر بالمعروف على الولاية (وجوبها-) اى وجوب الولاية، لانها مما يتوقف الواجب عليه (و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم) و العون له، و قد ورد النهى عن ذلك (و عموم النهى عن الدخول معهم و تسويد الاسم فى ديوانهم، فاذا لم يبلغ) الدخول معهم (حد المنع) من جهة تعارضه بكونه مقدمة

ص: 312

فلا اقل من عدم الوجوب.

و لا يخفى ما فى ظاهره من الضعف، كما اعترف به غير واحد لان الامر بالمعروف واجب، فاذا لم يبلغ ما ذكره من كونه بصورة النائب- الى آخر ما ذكره- حد المنع فلا مانع من الوجوب المقدمى للواجب.

و يمكن توجيهه: بان نفس الولاية قبيح محرم، لانها توجب اعلاء كلمة الباطل، و تقوية شوكته فاذا عارضها قبح آخر، و هو ترك الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و ليس احدهما اقل قبحا من الآخر فللمكلف

______________________________

الواجب (فلا اقل من عدم الوجوب) لانه مقتضى تعارض الحرام و الواجب فيما اذا لم يكن احدهما ارجح من الآخر.

قال المصنف فى الرد على المسالك:

(و لا يخفى ما فى ظاهره) اى ظاهر كلام الشهيد (من الضعف، كما اعترف به) اى بضعف كلامه (غير واحد) من الفقهاء (لان الامر بالمعروف واجب فاذا لم يبلغ ما ذكره) المسالك (من كونه بصورة النائب- الى آخر ما ذكره- حد المنع، فلا مانع من الوجوب المقدمى للواجب) «من» بيان «ما» و «حد المنع» مفعول «لم يبلغ».

(و يمكن توجيهه: بان نفس الولاية قبيح محرم، لانها توجب اعلاء كلمة الباطل و تقوية شوكته) لان الالتفات حول شي ء يوجب قوة ذلك الشي ء، و ارتفاعه فى الانظار (فاذا عارضها قبيح آخر، و هو ترك الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و) الحال انه (ليس احدهما اقل قبحا من الآخر فللمكلف) التخيير بين

ص: 313

فعلها تحصيلا لمصلحة الامر بالمعروف، و تركها، دفعا لمفسدة تسويد الاسم فى ديوانهم الموجب لاعلاء كلمتهم و قوة شوكتهم.

نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار احدهما لمصلحة لم يبلغ حد الالزام حتى يجعل احدهما اقل قبحا ليصير واجبا.

و الحاصل: ان جواز الفعل و الترك هنا ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية، و تخصيص دليله

______________________________

(فعلها تحصيلا لمصلحة الامر بالمعروف، و) بين (تركها، دفعا لمفسدة تسويد الاسم فى ديوانهم الموجب) ذلك التسويد (لاعلاء كلمتهم و قوة شوكتهم) و لذا جاز كلا الامرين و لم يجب احدهما.

و الحاصل: حصول التزاحم بين الملاكين و حيث لا يكون احدهما اهم: جاز للمكلف اختيار احدهما على الآخر.

(نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار احدهما لمصلحة لم يبلغ حد الالزام حتى يجعل احدهما اقل قبحا ليصير واجبا) فاذا فى عالم الثبوت يمكن وجود احد الاحكام الثلاثة بالنسبة إلى كل واحد منهما الوجوب و الاستحباب و الجواز.

فاذا فهمنا الاهمية قدم الاهم وجوبا، او استحبابا- حسب فهمنا بانه بمقدار اللزوم او بمقدار الاستحباب- و اذا لم نفهم الاهمية جاز الاتيان بكل واحد منهما فى عالم الاثبات.

(و الحاصل: ان جواز الفعل و الترك هنا) للولاية من قبل الجائر (ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية، و تخصيص دليله) اى دليل

ص: 314

بغير هذه الصورة الخ، بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الامر بالمعروف

فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه، نظير تزاحم الحقين فى غير هذا المقام.

هذا ما اشار إليه الشهيد بقوله: لعموم النهى الخ.

و فى الكفاية ان الوجوب فيما نحن فيه حسن، لو ثبت كون وجوب الامر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة، فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة

______________________________

قبح الولاية (بغير هذه الصورة الخ) اى صورة جواز الفعل و الترك حتى يقال: لم لا يشمل هذه الصورة دليل القبح؟ (بل من باب مزاحمة قبحها) اى الولاية (بقبح ترك الامر بالمعروف).

(فللمكلف ملاحظة كل منهما) اى من دليلى الولاية و الامر بالمعروف (و العمل بمقتضاه) فاذا كان احدهما لازما، قدمه، و الا جاز الاتيان باىّ منهما (نظير تزاحم الحقين فى غير هذا المقام).

و (هذا) الّذي ذكرناه من شمول النهى و لكن يعارض بدليل النهى عن المنكر (ما اشار إليه الشهيد بقوله: لعموم النهى الخ) هذا غاية توجيه كلام الشهيد.

(و فى الكفاية) للسبزوارى (ان الوجوب) لقبول الولاية (فيما نحن فيه حسن، لو ثبت كون وجوب الامر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة فيجب عليه) اى على المكلف (تحصيلها) اى القدرة على الامر بالمعروف (من باب المقدمة).

و الحاصل ان الشارع قد يقول: اذا قدرت على الامر كان واجبا عليك

ص: 315

و ليس بثابت و هو ضعيف.

لان عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية كاف مع اطلاق ادلة الامر بالمعروف السالم عن التقييد، بما عدا القدرة العقلية المفروضة فى المقام.

______________________________

و قد يقول: الامر بالمعروف واجب عليك.

فالاول: من قبيل الحج الّذي لا يجب تحصيل شرطه.

و الثانى: من قبيل الصلاة الواجب تحصيل شرطها.

فاذا كان الامر بالمعروف من قبيل الاول لا يجب قبول الولاية لتحصيل القدرة.

و اذا كان من قبيل الثانى يجب قبول الولاية مقدمة للواجب.

(و) لكن كون الامر بالمعروف من قبيل الواجب المطلق، فيجب تحصيل مقدمته التى هى الولاية (ليس بثابت) انتهى كلام الكفاية (و هو ضعيف) اى اشكال الكفاية على اطلاق وجوب الامر بالمعروف بقوله: ليس بثابت، ضعيف.

(لان عدم ثبوت اشتراط الوجوب) للامر بالمعروف (بالقدرة الحالية) اى فى الحال (العرفية) صفة «القدرة» (كاف) فى ان نقول بالوجوب المطلق للامر بالمعروف (مع اطلاق ادلة الامر بالمعروف السالم عن التقييد، بما عدا القدرة العقلية المفروضة) وجود تلك القدرة العقلية (فى المقام) لانه يتمكن من الامر بالمعروف بواسطة التمكن على مقدمته التى هى قبول الولاية.

ص: 316

نعم ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة إلى القدرة العرفية غير المحققة فى المقام.

لكنه تشكيك ابتدائى لا يضر بالإطلاقات.

و اضعف منه ما ذكره بعض، بعد الاعتراض على ما فى المسالك بقوله:

و لا يخفى ما فيه.

قال: و يمكن توجيه عدم الوجوب بتعارض ما دل على وجوب الامر بالمعروف و ما دل على حرمة الولاية عن الجائر- بناء

______________________________

(نعم ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة) فى باب الامر بالمعروف (الى القدرة العرفية غير المحققة فى المقام) بمعنى القدرة حالا لا القدرة المستقبلة التى يمكن تحصيلها.

(لكنه) اى الانصراف المذكور (تشكيك ابتدائى) يتبادر إلى الذهن فى بادئ النظر (لا يضر بالإطلاقات) فان الانصراف البدوى لا يوجب صرف وجهة اللفظ- كما لا يخفى-.

(و اضعف منه) اى من كلام الكفاية (ما ذكره بعض) و هو صاحب الجواهر، اراد به بيان عدم وجوب الولاية و ان كانت مقدمة للامر بالمعروف (بعد الاعتراض على ما فى المسالك، بقوله: و لا يخفى ما فيه).

(قال) اى صاحب الجواهر (و يمكن توجيه عدم الوجوب) للامر بالمعروف فيما اذا توقف على ولاية الجائر (بتعارض ما دل على وجوب الامر بالمعروف) مطلقا الشامل لما كان مقدمته قبول الولاية (و ما دل على حرمة الولاية عن الجائر) الشامل لما كان مقدمة للامر بالمعروف (- بناء

ص: 317

على حرمتها فى ذاتها- و النسبة عموم وجه.

فيجمع ما بينهما بالتخيير المقتضى للجواز دفعا لقيد المنع من الترك من ادلة الوجوب.

و قيد المنع من الفعل، من ادلة الحرمة

______________________________

على حرمتها) اى الولاية (فى ذاتها-) اما بناء على عدم الحرمة الذاتية و انما كانت الحرمة لانها توصل الوالى إلى المحرمات- لم يكن تعارض بين الدليلين، كما لا يخفى (و النسبة) بين الدليلين (عموم وجه).

اذ دليل الولاية شامل لما كان بدون الامر بالمعروف.

و دليل الامر بالمعروف شامل لما كان بالولاية.

و مورد التعارض الامر بالمعروف مع الولاية، فانه مجمع ما بين الدليلين.

(فيجمع ما بينهما بالتخيير) فى قبول الولاية و الامر بالمعروف او ترك الامر بالمعروف بترك الولاية (المقتضى للجواز) بالنسبة إلى كل منهما (دفعا لقيد المنع من الترك من ادلة الوجوب) للامر بالمعروف اى لا نقيد وجوب الامر بالمعروف بما كان فيه ترك للولاية.

و الحاصل انه نمنع ان يكون ترك الولاية قيدا للامر بالمعروف.

(و) دفعا ل (قيد المنع من الفعل، من ادلة الحرمة) للولاية اى لا نقيد حرمة الولاية بما لا يكون مقدمة للامر بالمعروف.

و الحاصل: انا نمنع ان يكون فعل الامر بالمعروف قيد الحرمة الولاية فلا تحرم الولاية اذا كانت مقدمة للامر بالمعروف.

ص: 318

و اما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه فى خبر محمد بن اسماعيل و غيره الّذي هو أيضا شاهد للجمع خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى المشهور

و بذلك يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الاخص فى مقدمة الواجب

______________________________

و حاصل مراد الجواهر: انه لو لم نقل- فى مورد اجتماع الولاية و الامر بالمعروف- بالتخيير، لزم اما تقييد دليل الامر بالمعروف، بادلة الولاية، او تقييد ادلة الولاية بدليل الامر بالمعروف.

و لا وجه لتقييد احد الدليلين بالآخر فاللازم ان نقول: بالتزاحم، و التخيير.

ثم قال الجواهر (و اما الاستحباب) الّذي نقول فيه فى مورد التعارض مع انه مقتضى ما ذكرناه من العموم من وجه التخيير (فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه فى خبر محمد بن اسماعيل و غيره الّذي هو أيضا شاهد للجمع) الّذي ذكرناه- بالتخيير-.

اذ لو قدم دليل الامر كان واجبا.

و لو قدم دليل الولاية، كان حراما.

فالاستحباب شاهد للتخيير، فلا تحرم الولاية و لا تجب (خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى المشهور) الذين قالوا باستحباب الولاية.

(و بذلك) الّذي ذكرنا من ان القول بالجواز مقتضى الجمع بين دليلى الولاية و الامر بالمعروف (يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الاخص فى مقدمة الواجب) لان مقدمة الواجب واجبة فكيف

ص: 319

ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة.

اذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب، انتهى.

و فيه ان الحكم فى التعارض بالعموم من وجه، هو التوقف و الرجوع الى الاصول، لا التخيير- كما قرر فى محله-.

و مقتضاها إباحة الولاية للاصل، و وجوب الامر بالمعروف

______________________________

تقولون ان الولاية التى هى مقدمة الامر بالمعروف ليست بواجبة؟ (ضرورة ارتفاع الوجوب) هنا عن الولاية (للمعارضة) بالحرمة الذاتية الموجودة فى الولاية.

(اذ عدم المعقولية) لجواز مقدمة الواجب (مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب) مع مقتضى الحرمة.

اما مع التعارض فالجواز معقول- كما عرفت- (انتهى) كلام الجواهر.

(و فيه ان الحكم فى التعارض بالعموم من وجه، هو التوقف و الرجوع الى الاصول) العملية (لا التخيير- كما قرر فى محله-) من الاصول.

فاذا قال المولى اكرم العلماء و لا تكرم الفساق، فالعالم الفاسق و هو مورد التعارض يتوقف فيه، و اذا لم نظفر بمرجح، يجب الرجوع إلى الاصول العملية من الاستصحاب ان كان، و الا فالبراءة، مثلا.

(و مقتضاها) اى مقتضى قاعدة الرجوع إلى الاصول فى مورد التعارض فى باب العموم من وجه- (إباحة الولاية، للاصل) لان دليل التحريم لا يشمل مورد التعارض فاذا شك فى حكم الولاية كان الاصل الاباحة (و وجوب الامر بالمعروف) لان الدليل الشرعى للامر بالمعروف اذا سقط بالمعارضة

ص: 320

لاستقلال العقل به كما ثبت فى بابه.

ثم على تقدير الحكم بالتخيير فالتخيير الّذي يصار إليه عند تعارض الوجوب و التحريم هو التخيير الظاهرى و هو الاخذ باحدهما بالتزام الفعل او الترك، لا التخيير الواقعى

______________________________

فى مورد الاجتماع جاء دور الدليل العقلى و هو يحكم بالوجوب (لاستقلال العقل به كما ثبت فى بابه) فان العقل يرى لزوم تنزيه المجتمع عن القبيح و ذلك بالامر بالمعروف و النهى عن المنكر، و ارشاد الجاهل، و تنبيه الغافل.

(ثم على تقدير) تسليم ما ذكره الجواهر من (الحكم بالتخيير) فى مورد التعارض (فالتخيير الّذي يصار إليه عند تعارض الوجوب و التحريم) كما نحن فيه (هو التخيير الظاهرى) لا الواقعى (و هو الاخذ باحدهما بالتزام الفعل او الترك) كالذى حلف ان يصوم يوم الجمعة، او ان يترك الصيام، ثم شك فى ان متعلق حلفه كان الفعل او الترك، فانه يأتى باحدهما من باب التخيير العقلى الظاهرى (لا التخيير الواقعى).

اذ التخيير الواقعى لا يكون الا فيما كان هناك امر متعلق بكلي له افراد او امر متعلق بشيئين، كخصال الكفارة، و ليس ما نحن فيه اعنى مورد العموم من وجه من هذا القبيل اذ الحكم واقعا اما وجوب الدخول فى الولاية ان كان ملاك الامر بالمعروف اقوى، او حرمة الدخول فى فى الولاية ان كان ملاك الولاية اقوى.

و على هذا فما يظهر من الجواهر من انه قبيل التخيير الواقعى يخفى ما فيه.

ص: 321

ثم المتعارضان بالعموم من وجه، لا يمكن الغاء ظاهر كل منهما مطلقا بل بالنسبة إلى مادة الاجتماع، لوجوب ابقائهما على ظاهرهما فى مادتى الافتراق فيلزمك استعمال كل من الامر و النهى فى ادلة الامر بالمعروف و النهى عن الولاية فى الالزام و الاباحة.

ثم

______________________________

(ثم) ان ما ذكره صاحب الجواهر من الغاء ظاهر كل من الامر بالمعروف و النهى عن الولاية بالنسبة إلى مورد الاجتماع، يستشكل عليه بان لازمه استعمال اللفظ فى اكثر من معنى، و ذلك غير جائز.

و بيان ذلك هو (المتعارضان بالعموم من وجه، لا يمكن الغاء ظاهر كل منهما مطلقا) سواء فى مادة الاجتماع او مادة الافتراق (بل بالنسبة إلى مادة الاجتماع) فقط فاذا قال: اكرم العلماء و لا تكرم الفساق الغينا الوجوب و التحريم بالنسبة إلى العالم الفاسق فقط (لوجوب ابقائهما) اى العامين من وجه (على ظاهرهما فى مادتى الافتراق).

اذ لا تعارض فى مادتى الافتراق كالعالم العادل و الفاسق الجاهل فى المثال-.

و حيث انك اسقطت بالمعارضة دلالة العامين فى مادة الافتراق (فيلزمك استعمال كل من الامر و النهى فى ادلة الامر بالمعروف و النهى عن الولاية فى الالزام) بالنسبة إلى مادة الافتراق (و الإباحة) بالنسبة إلى مادة الاجتماع.

(ثم) هناك اشكال آخر على صاحب الجواهر، حيث ان خبر محمد

ص: 322

دليل الاستحباب اخص لا محالة من ادلة التحريم فيخصص به فلا ينظر بعد ذلك فى ادلة التحريم، بل لا بد بعد ذلك من ملاحظة النسبة بينه و بين ادلة وجوب الامر بالمعروف.

و من المعلوم المقرر فى غير مقام

______________________________

ابن اسماعيل شاهد للجمع، اذ الخبر الدال على الاستحباب اخص من دليل التحريم، فيخصص دليل التحريم بما دل على الاستحباب.

و خبر الاستحباب لا يعارض دليل المقدمة للواجب، اذ الاستحباب طبعى، و المقدمة واجبة بالعرض، فلا تنافى بينهما.

بل اللازم ان نقول: الولاية واجبة لكونها مقدمة، و ان كانت فى نفسها مستحبة، اذ الوجوب المقدمى حاكم على الاستحباب و الكراهة و الاباحة الذاتيات.

فان (دليل الاستحباب) و هو خبر محمد (اخص، لا محالة من ادلة التحريم) للولاية.

فان دليل التحريم يقول: الولاية من قبل الجائر محرمة مطلقا، و دليل الاستحباب يقول: قسم من الولاية عن الجائر مستحب (فيخصص) دليل التحريم (به) اى بدليل الاستحباب (فلا ينظر بعد ذلك) التخصيص (فى ادلة التحريم، بل لا بد بعد ذلك) التخصيص (من ملاحظة النسبة بينه) اى بين دليل الاستحباب (و بين ادلة وجوب الامر بالمعروف).

(و) دليل الوجوب مقدم.

اذ (من المعلوم المقرر فى غير مقام) اى مقامات متعددة من الاصول

ص: 323

ان دليل استحباب الشي ء الّذي قد يكون مقدمة لواجب لا تعارض ادلة وجوب ذلك الواجب فلا وجه لجعله شاهدا على الخروج عن مقتضاها لان دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشي ء فى نفسه، مع قطع النظر عن الملزمات العرضية، كصيرورته مقدمة لواجب، او مأمورا به لمن تجب اطاعته، او منذورا، و شبهه.

______________________________

و الفقه (ان دليل استحباب الشي ء الّذي قد يكون) ذلك الشي ء (مقدمة لواجب، لا تعارض) دليل الاستحباب (ادلة وجوب ذلك الواجب).

فدليل استحباب الولاية لا يعارض وجوب الامر بالمعروف (فلا وجه ل) كلام صاحب الجواهر من (جعله) اى دليل الاستحباب للولاية (شاهدا على الخروج عن مقتضاها) اى مقتضى ادلة وجوب الامر بالمعروف.

فان الجواهر اسقط وجوب الامر بالمعروف بحرمة الولاية، و جعل دليل استحباب الولاية شاهدا للخروج عن مقتضى وجوب الامر و حرمة الولاية.

و انما قلنا «لا يعارض» (لان دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشي ء فى نفسه، مع قطع النظر عن الملزمات العرضية) ايجابا (كصيرورته مقدمة لواجب، او مأمورا به لمن تجب اطاعته) كالسيد و الوالد- مثلا- (او منذورا، و شبهه) ككونه متعلق عهد او يمين او شرط، او تحريما ككونه مقدمة حرام، او منهيا عنه، ممن تجب اطاعته، او متعلقا لحلف بتركه.

و كيف كان فعلى ما ذكرنا من وجوب الولاية مقدمة للواجب- بعد ما عرفت من الاشكال فى كلام صاحب الجواهر الّذي قال بجواز الولاية-.

ص: 324

فالاحسن فى توجيه كلام من عبر بالجواز مع التمكن من الامر بالمعروف إرادة الجواز بالمعنى الاعم و من عبر بالاستحباب فظاهره إرادة الاستحباب العينى الّذي لا ينافى الوجوب الكفائى نظير قولهم: يستحب تولى القضاء لمن يثق من نفسه، مع انه واجب كفائى لاجل الامر بالمعروف الواجب كفاية.

او يقال: ان مورد كلامهم: ما اذا لم يكن هناك معروف

______________________________

(فالاحسن فى توجيه كلام من عبر بالجواز) للولاية (مع التمكن) بسبب الولاية (من الامر بالمعروف، إرادة الجواز بالمعنى الاعم) الشامل للوجوب، لا الجواز الّذي هو فى مقابل الوجوب.

(و) اما (من عبر بالاستحباب) للولاية لمن يقدر من الامر بالمعروف (فظاهره إرادة الاستحباب العينى الّذي لا ينافى الوجوب الكفائى).

فهو (نظير قولهم: يستحب تولى القضاء لمن يثق من نفسه، مع انه واجب كفائى) بل قد يكون عينيا اذا انحصر فيه، فانه اراد الاستحباب العينى الّذي لا ينافى الوجوب الكفائى (لاجل الامر بالمعروف الواجب كفاية).

و قد تقرر فى الاصول انه اذا اجتمع الوجوب و الاستحباب، كان الطلب آكد، فلا يلزم اجتماع الحكمين، حتى يقال كيف يمكن اجتماع الضدين؟.

مثل ذلك قولهم صلاة الجماعة مستحبة، و ما اشبه ذلك.

(او يقال) فى توجيه قولهم: يستحب التولى مع انه واجب اذا كان مقدمة للامر بالمعروف (ان مورد كلامهم: ما اذا لم يكن هناك معروف

ص: 325

متروك يجب فعلا الامر به، او منكر مفعول يجب النهى عنه كذلك بل يعلم- بحسب العادة- تحقق مورد الامر بالمعروف و النهى عن المنكر بعد ذلك.

و من المعلوم انه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما، خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه.

و كيف كان فلا اشكال فى

______________________________

متروك يجب فعلا الامر به، او منكر مفعول) اى يؤتى به (يجب النهى عنه) اى عن ذلك المنكر (كذلك) اى فعلا (بل يعلم) من يريد الولاية (- بحسب العادة-) اى حسب ما يعرف الانسان من عادة الناس الذين لا يبقون منزهين إلى الاخير (تحقق مورد الامر بالمعروف و النهى عن المنكر بعد ذلك) الحال الحاضر، فان مثل هذه الولاية مستحبة.

(و) ذلك لان (من المعلوم انه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما، خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه).

وجه الخصوصية: انه ان كان تحقق المنكر و ترك المعروف معلوم الزمان فى قرب لا يبعد ان يجب تحصيل مقدمة الامر و النهى، من باب المقدمة التهيئية كما قالوا بالنسبة إلى الطهارة قبل الوقت.

اما لو علم بتأخر زمانهما كبعد خمسين سنة، او لم يعلم هل الزمان قريب او بعيد؟ لم يجب تحصيل مقدمتهما، لعدم رؤية العرف الترشح من الواجب الّذي هو هكذا إلى مقدماته.

(و كيف كان) الكلام مع صاحب الجواهر او مع من قبله (فلا اشكال فى

ص: 326

وجوب تحصيل الولاية اذا كان هناك معروف متروك او منكر مركوب يجب فعلا الامر بالاول، و النهى عن الثانى.

الثانى مما يسوغ الولاية الاكراه عليه بالتوعيد على تركها

من الجائر بما يوجب ضررا بدنيا، او ماليا، عليه او على من يتعلق به بحيث يعد الاضرار به اضرارا به و يكون تحمل الضرر عليه شاقا على النفس، كالاب و الولد و من جرى مجريهما.

______________________________

وجوب تحصيل الولاية اذا كان هناك معروف متروك او منكر مركوب يجب فعلا الامر بالاول و النهى عن الثانى) و كان ذلك مما يتوقف على الولاية و لم تكن الولاية مستلزمة لمحرمات اخر- غير حرمة ذات الولاية- و إلا لزم اعمال قواعد باب التزاحم.

فقد تجب الولاية و ان استلزم المنكر كما لو توقف عليها حفظ البلاد و العباد.

و قد تحرم اذا كانت المحرمات المترتبة على الولاية اعظم من المنكر المركوب او المعروف المتروك.

(الثانى) من المستثنيات (مما يسوغ الولاية) من قبل الجائر (الاكراه عليه بالتوعيد على تركها من الجائر، بما يوجب ضررا بدنيا، او) ضررا (ماليا، عليه او على من يتعلق به) من الاولاد و الاهل و الاقارب و الاصدقاء (بحيث يعد الاضرار به) اى بذلك المتعلق (اضرارا به) اى بالمكره عليه (و يكون تحمل الضرر عليه شاقا على النفس، كالاب و الولد و من جرى مجريهما) من سائر الاقرباء و الاصدقاء.

ص: 327

و هذا مما لا اشكال فى تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة فى نفسها لعموم قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً فى الاستثناء عن عموم: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ.

و النبوى (ص): رفع عن امتى ما اكرهوا عليه.

و قولهم عليهم السلام: التقية فى كل ضرورة، و ما من شي ء الا و قد احله الله لمن اضطر إليه، الى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من العمومات و ما يختص بالمقام.

______________________________

(و هذا مما لا اشكال فى تسويغه) اى تجويزه (ارتكاب الولاية المحرمة فى نفسها) «ارتكاب» مفعول «تسويغ» (لعموم قوله تعالى: إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً) اى تقية (فى الاستثناء عن عموم: لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ) مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ.

و الآية و ان كانت فى تولى المؤمن للكافر، الا ان المفهوم منها و لو بالمناط جواز ارتكاب سائر المحرمات خوفا و تقية.

(و النبوى (ص): رفع عن امتى ما اكرهوا عليه) فانه يشمل المعاملة المكره عليها، و المحرم المكره عليه، فانه لا أثر للاولى، و لا حرمة للثانى.

(و قولهم عليهم السلام: التقية فى كل ضرورة، و ما من شي ء إلا و قد احله الله لمن اضطر إليه، الى غير ذلك) من الروايات (مما لا يحصى كثرة من العمومات) الشاملة للمقام بعمومها (و ما يختص بالمقام) من الخصوصيات.

ص: 328

و ينبغى التنبيه على امور:
الأول: انه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها المحرمات الاخر،

و ما يتفق فى خلالها مما يصدر الامر به من السلطان الجائر ما عدا اراقة الدم اذا لم يمكن التفصي عنه و لا اشكال فى ذلك، انما الاشكال فى ان ما يرجع إلى الاضرار بالغير من: نهب الاموال، و هتك الاعراض و غير ذلك من العظائم، هل تباح كل ذلك بالاكراه؟ و لو كان الضرر المتوعد به على ترك

______________________________

(و ينبغى التنبيه على امور) (الاول: انه كما يباح ب) سبب (الاكراه نفس الولاية المحرمة) لكونها من قبل الجائر (كذلك يباح به) اى بالاكراه (ما يلزمها من المحرمات الاخر و ما يتفق فى خلالها) اى خلال الولاية، و اثنائها (مما يصدر الامر به من السلطان الجائر) «و ما يتفق» بيان «ما يلزمها» (ما عدا اراقة الدم) المحرم، فانه لا يجوز بالولاية و ان كان الشخص مضطرا عليه مكرها إليه

و انما يجوز سائر المحرمات (اذا لم يمكن التفصي عنه) اذ لا يصدق الاكراه مع امكان التفصي، و عدم جواز اراقة الدم، لما ورد من قوله عليه السلام: لا تقية فى الدماء (و لا اشكال فى ذلك) الّذي ذكرناه من جواز العمل بالمحرم عند الاكراه، فى الجملة.

و (انما الاشكال فى ان ما يرجع إلى الاضرار بالغير من: نهب الاموال، و هتك الاعراض، و غير ذلك من العظائم) اى المحرمات العظيمة (هل تباح كل ذلك بالاكراه؟ و لو كان الضرر المتوعد به على ترك

ص: 329

المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما اذا خاف على عرضه من كلمة خشنة لا تليق به فهل يباح ذلك اعراض الناس و اموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم لا بد من ملاحظة الضررين، و الترجيح بينهما وجهان.

من: اطلاق ادلة الاكراه، و ان الضرورات تبيح المحظورات.

و من ان المستفاد من ادلة الاكراه تشريعه

______________________________

المكره عليه اقل بمراتب من الضرر المكره عليه).

و ذلك (كما اذا خاف على عرضه من كلمة خشنة لا تليق) تلك الكلمة (به فهل يباح بذلك) اى بإرادة التجنب عن تلك الكلمة (اعراض الناس و اموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم) لا؟ تباح بمثل الكلمة كل ذلك، بل (لا بدّ من ملاحظة الضررين) ضرره و ضرر الناس (و الترجيح بينهما).

فان كان ضرره اعظم قدم ضرر الغير.

و ان كان ضرر الغير اعظم قدم ضرر نفسه.

مثلا لو دار الامر بين ان يقتله الجائر او ينهب مال زيد، قدم نهب مال زيد و لو دار الامر بين ان ينهب الجائر ماله و يبيح عرض المرأة المسلمة قدم نهب مال نفسه (وجهان) اى احتمالان ابتداء.

(من: اطلاق ادلة الاكراه و ان الضرورات تبيح المحظورات) هذا وجه الجواز مطلقا.

(و من ان المستفاد من ادلة الاكراه تشريعه) اى تشريع رفع الحكم

ص: 330

لدفع الضرر.

فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير و لو كان ضرر الغير ادون فضلا على ان يكون اعظم.

و ان شئت قلت: ان حديث رفع الاكراه و دفع الاضطرار مسوق للامتنان على جنس الامة و لا حسن فى الامتنان على بعضهم بترخيصه فى الاضرار بالبعض الآخر.

فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه على الاضرار بالغير لم يجز

______________________________

بالاكراه (لدفع الضرر) بقول مطلق.

(فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير) اطلاقا (و لو كان ضرر الغير ادون) و اقل كما لو دار بين ان يأخذ من ماله عشرة دنانير او من مال الغير دينارا واحدا (فضلا على ان يكون) ضرر الغير (اعظم) من ضرر نفسه.

(و ان شئت قلت: ان حديث رفع الاكراه و دفع الاضطرار مسوق للامتنان على جنس الامة) لا على كل فرد فرد، فيشمل الدليل المكره و سائر الناس- على حد سواء- (و لا حسن) و لا امتنان- على جنس الامة- (فى الامتنان على بعضهم) كالمكره- بالفتح- (بترخيصه) اى المكره بالفتح- (فى الاضرار بالبعض الآخر).

إذ أى امتنان على جنس الامة بان يرخص زيدا ان يضر عمروا، فانه امتنان على زيد لا على جنس الامة- كما لا يخفى-.

(فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه على الاضرار بالغير لم يجز) هذا

ص: 331

و وجب تحمل الضرر هذا.

و لكن الاقوى هو الاول، لعموم دليل نفى الاكراه لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم، و عموم نفى الحرج.

فان الزام الغير تحمل الضرر، و ترك ما اكره عليه حرج.

و قوله صلى الله عليه و آله: انما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فاذا بلغ الدم فلا تقية حيث انه دل على ان حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه

______________________________

القسم من الاضرار (و وجب تحمل الضرر) و ان كان ضرر نفسه اكثر من الضرر بالغير.

و (هذا) وجه الاحتمال الثانى- حيث قلنا: وجهان-.

(و لكن الاقوى) لدى المصنف رحمه الله (هو الاول) بجواز الاضرار بالغير، و ان كان الضرر المتوجه إلى نفس المكره- بالفتح- اقل (لعموم دليل نفى الاكراه لجميع المحرمات حتى الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم) اى القتل، لا الجرح و ما اشبه (و عموم) دليل (نفى الحرج) فى قوله سبحانه «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ».

(فان الزام الغير) كالوالى من قبل الجائر (تحمل الضرر) بنفسه (و ترك ما اكره عليه) من الاضرار بالغير (حرج) فهو مرفوع فى الشريعة.

(و قوله صلى الله عليه و آله: انما جعلت التقية لتحقن بها الدماء فاذا بلغ الدم فلا تقية) انما يدل هذا الحديث على جواز الاضرار بالغير اتقاء (حيث انه دل على ان حدّ التقية بلوغ الدم، فتشرع) التقية (لما عداه).

ص: 332

و اما ما ذكر من استفادة كون نفى الاكراه لدفع الضرر فهو

______________________________

فيجوز للانسان ان يتقى من الظالم بظلم الغير، بان يظلم الغير حتى ينجو من ان يظلمه الظالم.

لكن لا يخفى الجواب عن ذلك كله، فان ادلة الاكراه و الضرر و الحرج و التقية حيث شرعت للامة، لم تشمل بعض الامة دون البعض.

فكلها مرفوعة اذا لم يكن ضرر، او حرج او ما اشبه على الغير.

و الا فلا وجه لرفع الحكم بالنسبة إلى شخص دون آخر، بل لا دليل على جواز ايقاع الضرر بالغير، و ان كان ذلك اخف من الضرر المتوجه الى النفس، الا اذا علمنا من الشارع اهمية فى ذلك.

كما لو قال الجائر: اضرب زيدا صفعا، و الا زنيت بمحارمك.

اما لو قال: اضربه صفعا و إلا ضربتك عشرا لم يكن دليل على جواز صفع الغير، بل اطلاقات و عمومات التحريم شاملة للمقام.

و حيث ان مهمة البحث خارجة عن وضع الشرح، فكل الكلام يرجع الى المفصلات.

(و اما ما ذكر) فى وجه عدم جواز الاضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس، الا اذا كان الضرر المتوجه إلى النفس فى نظر الشارع بحيث يلزم دفعه، و لو بالاضرار بالغير، كما تقدم فى مسألة دوران الامر بين صفع الغير و الزنا بالمحارم (من استفادة كون نفى الاكراه لدفع الضرر).

فاذا كان هناك ضرر على كل تقدير، اما ضرر الشخص او ضرر الآخر لا يشمله دليل نفى الاكراه، بل يلزم تحمل المكره- بالفتح- الضرر (فهو

ص: 333

مسلم بمعنى دفع توجه الضرر و حدوث مقتضيه لا بمعنى دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه.

بيان ذلك انه اذا توجه الضرر إلى شخص بمعنى حصول مقتضيه، فدفعه عنه بالاضرار بغيره غير لازم، بل غير جائز فى

______________________________

مسلم بمعنى دفع توجه الضرر و حدوث مقتضيه).

فلا يجوز ان يعمل الشخص عملا يسبب توجه الضرر إلى الغير (لا بمعنى دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه).

فاذا توجه الضرر إلى الغير، لا يجب على الشخص ان يعمل عملا يسبب صرف الضرر عنه.

فكما انه لا يجب ان يقطع الانسان طريق الاسد الضارى اذا توجه إلى زيد كذلك لا يجب ان يجلب الانسان اذى الجائر إلى نفسه، حيث امره بالاضرار بالغير.

اذ: اضرار الشخص بالغير، من قبيل توجه الاسد.

منتهى الامر، ان الشخص طريق نفوذ الضرر من الجائر إلى زيد، كما ان الاسد طريق الضرر إلى زيد.

(بيان ذلك) الفرق بين دفع الضرر المتوجه إلى الغير الّذي لا يجب و بين دفع توجيه الضرر إلى الغير الّذي لا يجب، فلا يجب دفع الاسد، و لكن يجب عدم توجيه الاسد (انه اذا توجه الضرر إلى شخص بمعنى حصول مقتضيه) كما اذا توجه الاسد إلى زيد ليفترسه (فدفعه عنه بالاضرار بغيره) كان يوجه خالد الاسد إلى بكر، لينجو زيد (غير لازم، بل غير جائز فى

ص: 334

الجملة فاذا توجه ضرر على المكلف باجباره على مال و فرض ان نهب مال الغير دافع له، فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الضرر عن نفسه.

و كذلك اذا اكره على نهب مال غيره، فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب، لدفع الضرر المتوجه إلى الغير.

و توهم انه كما يسوغ النهب فى الثانى لكونه مكرها عليه، فيرتفع حرمته كذلك يسوغ

______________________________

الجملة).

نعم ربما يجوز فيما اذ علمنا من الشارع اهمية احد الضررين كما اذا توجه الزانى إلى امرأة شريفة بالزنا، و انا اتمكن من صرفه عنها إلى شخص يصفعه فقط، فانه يجوز الصرف بل يجب.

و على هذا (فاذا توجه ضرر على المكلف باجباره على مال) بان قال الجائر لمحمد: ادفع إلى الف دينار (و فرض ان نهب مال الغير) و اعطائه للجائر- مثلا- (دافع له) لان الجائر يريد المال، سواء من المجبور او من المنهوب منه (فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الضرر عن نفسه) اذ لا يجوز اضرار الغير.

(و كذلك اذا اكره على نهب مال غيره، فلا يجب) على المجبور (تحمل الضرر) بنفسه (بترك النهب، لدفع الضرر المتوجه إلى الغير) بان يدفع الى الجائر من مال نفسه ليسلم مال غيره.

(و توهم انه كما يسوغ النهب فى الثانى) فيما اذا اكره على نهب مال غيره (لكونه مكرها عليه فيرتفع حرمته) بدليل الاكراه (كذلك) النهب (يسوغ

ص: 335

فى الاول لكونه مضطرا إليه، الا ترى انه لو توقف دفع الضرر على محرم آخر غير الاضرار بالغير- كالافطار فى شهر رمضان، او ترك الصلاة، او غيرهما ساغ له ذلك المحرم.

و بعبارة اخرى: الاضرار بالغير من المحرمات، فكما يرتفع حرمته بالاكراه، كذلك يرتفع بالاضطرار لان نسبة الرفع إلى ما اكرهوا عليه، و ما

______________________________

فى الاول) فيما اذا اراد الجائر ان يأخذ ماله، فنهب مال غيره.

و انما يجوز (لكونه مضطرا إليه، الا ترى انه لو توقف دفع الضرر على محرم آخر- غير الاضرار بالغير- كالافطار فى شهر رمضان، او ترك الصلاة، او غيرهما ساغ له ذلك المحرم).

توضيحه: ان الاضرار بالغير حرام، و افطار شهر رمضان حرام.

________________________________________

شيرازى، سيد محمد حسينى، إيصال الطالب إلى المكاسب، 16 جلد، منشورات اعلمى، تهران - ايران، اول، ه ق

إيصال الطالب إلى المكاسب؛ ج 3، ص: 336

فكما اذا توقف بقاء مال الشخص على افطار شهر رمضان- كما اذا غرق اثاثه و توقف انقاذه على ان يشرب الماء للتقوى على الانقاذ- جاز الافطار، لدليل الاضطرار، كذلك اذا توقف بقاء مال الشخص على الاضرار بالغير بنهب ماله، فاذا اجبره الجائر على ان يدفع بنفسه الف دينار، صح له ان ينهب الألف من مال غيره و يعطيه للجائر ليسلم مال نفسه.

(و بعبارة اخرى: الاضرار بالغير من المحرمات، فكما يرتفع حرمته بالاكراه، كذلك يرتفع) حرمته (بالاضطرار) من غير فرق بين ان يكون الاضطرار لتخليص نفسه او لتخليص ماله، او ما اشبه (لان نسبة الرفع) فى حديث «رفع عن امتى تسع» (الى ما اكرهوا عليه، و ما

ص: 336

اضطروا إليه على حد سواء مدفوع بالفرق بين المثالين فى الصغرى بعد اشتراكهما فى الكبرى المتقدمة- و هى ان الضرر المتوجه إلى شخص لا يجب دفعه بالاضرار بغيره- بان الضرر فى الاول متوجه إلى نفس الشخص.

فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير

______________________________

اضطروا إليه على حد سواء).

لكن هذا التوهم (مدفوع بالفرق بين المثالين).

الاول ما اذا اجبره الجائر بان يدفع مال نفسه إلى الجائر.

و الثانى: ما اذا اجبره بان يدفع مال غيره إلى الجائر، حيث قلنا:

نحن انه يجوز فى الثانى ان ينهب مال غيره، و لا يجوز نهب مال غيره فى الاول، ليسلم به مال نفسه (فى الصغرى) اى فى كون الاول ليس من موضوع الاضطرار إلى نهب مال الغير، بخلاف الثانى فانه من موضوع الاكراه فى نهب مال غيره (بعد اشتراكهما) اى المثالين (فى الكبرى المتقدمة- و هى ان الضرر المتوجه إلى شخص لا يجب دفعه بالاضرار بغيره-).

يعنى هذه الكبرى مسلمة فى المثالين، و انما الاختلاف فى الصغرى.

و الفرق بين المثالين انما هو (بان الضرر فى الاول) و هو ما اكره الجائر بان يدفع مال نفسه إلى الجائر (متوجه إلى نفس الشخص) المكره بالفتح-.

(فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير) بان ينهب مال غيره ليعطيه

ص: 337

غير جائز.

و عموم: رفع ما اضطروا إليه، لا يشمل الاضرار بالغير المضطر إليه لانه مسوق للامتنان على الامة.

فترخيص بعضهم فى الاضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه، و صرف الضرر عن نفسه إلى غيره مناف للامتنان بل يشبه الترجيح بلا مرجح.

فعموم: ما اضطروا إليه- فى حديث الرفع- مختص بغير الاضرار بالغير

______________________________

مكان مال نفسه (غير جائز).

(و عموم: رفع ما اضطروا إليه، لا يشمل الاضرار بالغير المضطر إليه) اى دليل رفع الاضطرار لا يقول: ضر بالغير دفعا للضرر المتوجه إلى نفسك (لانه مسوق للامتنان على الامة) جمعاء.

(فترخيص) الشارع (بعضهم فى الاضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه، و) بعبارة اخرى (صرف الضرر عن نفسه إلى غيره مناف للامتنان).

فان الشارع اراد عدم ضرر الامة، لا انه اراد عدم ضرر فرد و لو بضرر فرد آخر.

فاذا اجاز ان يضر زيد عمروا دفعا للضرر المتوجه إلى زيد كان خلاف الامتنان بالنسبة إلى عمرو (بل يشبه الترجيح بلا مرجح).

فأي مرجح لضرر عمرو، على ضرر زيد.

و من هنا يعلم الفرق بين دفع الضرر بالافطار و بين دفع الضرر بالاضرار بالغير (فعموم: ما اضطروا إليه- فى حديث الرفع- مختص بغير الاضرار بالغير

ص: 338

من المحرمات.

و اما الثانى فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه إلى الغير بحسب الزام المكره- بالكسر- و ارادته الحتمية، و المكره- بالفتح- و ان كان مباشرا، الا انه ضعيف، لا ينسب إليه توجيه الضرر إلى الغير، حتى يقال انه اضر بالغير، لئلا يتضرر نفسه.

نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير إلى نفسه عرفا

______________________________

من) سائر (المحرمات).

و الحاصل كل محرم يجوز ارتكابه للاضطرار، الا المحرم الّذي هو الاضرار بالغير.

(و اما الثانى) و هو ما اذا اجبر الجائر شخصا، بان ينهب مال غيره- فانه جائز- لما ذكره رحمه الله بقوله: (فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه إلى الغير بحسب الزام المكره- بالكسر- و ارادته الحتمية) لانه يقول لزيد: انهب مال عمرو (و المكره- بالفتح- و ان كان مباشرا) للنهب، لكنه ليس بفاعل للحرام، و لا ضامن (الا انه ضعيف، لا ينسب إليه توجيه الضرر إلى الغير، حتى يقال: انه اضر بالغير، لئلا يتضرر نفسه).

و قد قرروا فى مسألة القتل و ما اشبه: ان المباشر اذا كان ضعيفا كالطفل و المجنون و ما اشبه، كان القاتل هو السبب، لا المباشر.

(نعم لو تحمل) المكره- بالفتح- (الضرر) بنفسه بان لم يطع المكره بالكسر- حتى سبب مخالفته ان يورد عليه الضرر (و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير إلى نفسه عرفا) اى ان الصرف عرفى، و الا ففى

ص: 339

لكن الشارع لم يوجب هذا.

و الامتنان بهذا على بعض الامة لا قبح فيه.

كما انه لو اراد ثالث الاضرار بالغير لم يجب على الغير تحمل الضرر و صرفه عنه إلى نفسه.

______________________________

الحقيقة تحمل الضرر بنفسه.

(لكن الشارع لم يوجب هذا) الصرف، بل اجاز ايراد الضرر بالغير فيما اذا تضرر هو بنفسه لو لم يطع الجائر.

(و الامتنان بهذا) النحو- بان لا يلزم ان يصرف الضرر إلى النفس- (على بعض الامة) دون بعض، كالامتنان على المكره- بالفتح- دون مورد الضرر (لا قبح فيه) حتى يقال: كيف يمن الشارع على بعض الامة دون بعض.

(كما انه لو أراد) شخص (ثالث الاضرار بالغير) كما لو اراد خالد الاضرار بزيد (لم يجب على الغير) كعمرو (تحمل الضرر و صرفه عنه)- كزيد فى المثال- (الى نفسه).

لكن لا يخفى الفرق بين المقامين، ففى ما لو توجه الضرر إلى الغير ليس هذا الشخص هو الضّار، و انما على الضار اثمه، اما فيما لو اضر هذا الشخص الغير باكراه الجائر كان هو المباشر للضرر.

و لا وجه لان يرجح ضرر غيره على ضرر نفسه، خصوصا على الكيفية التى ذكرها المصنف من قوله: بالغا ما بلغ، فلعل عدم جواز هذا القسم من البديهيات.

ص: 340

هذا كله مع ان ادلة نفى الحرج كافية فى الفرق بين المقامين فانه لا حرج فى ان لا يرخص الشارع فى دفع الضرر عن احد بالاضرار بغيره، بخلاف ما لو الزم الشارع الاضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه إلى الغير، فانه حرج قطعا.

الثانى: ان الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه

ضررا

______________________________

(هذا كله مع ان ادلة نفى الحرج) كقوله سبحانه: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (كافية فى الفرق بين المقامين).

مقام ما لو توجه الضرر إلى زيد فدفعه بالاضرار بعمرو.

و مقام ما لو توجه الضرر إلى عمرو ابتداءً- مثلا- حيث ذكرنا ان الاول لا يجوز، و الثانى يجوز (فانه لا حرج فى ان لا يرخص الشارع فى دفع الضرر عن احد)- كزيد فى المثال- (بالاضرار بغيره)- كعمرو فى المثال-.

كان يقول الشارع يا زيد المتوجه أليك الضرر، اذا اراد الجائر منك الف دينار، لا يجوز لك ان تنهب مال عمرو لدفع الضرر عن نفسك (بخلاف ما لو الزم الشارع الاضرار على نفسه لدفع الضرر المتوجه إلى الغير) كان يقول يا زيد اذا اجبرك الجائر ان تنهب مال عمرو، فاللازم عليك ان تخالفه، و ان سببت المخالفة ان يضر الجائر بك (فانه حرج قطعا).

هذا تمام الكلام فى التنبيه الاول.

التنبيه (الثانى: ان الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه).

كان يقول ان لم تفعل كذا لضربتك، سواء كان (ضررا

ص: 341

متعلقا بنفسه او ماله او عرضه او باهله ممن يكون ضرره راجعا إلى تضرره و تألمه

و اما اذا لم يترتب على ترك المكره عليه الا الضرر على بعض المؤمنين ممن يعد اجنبيا من المكره- بالفتح-.

فالظاهر: انه لا يعد ذلك اكراها عرفا.

اذ لا خوف له يحمله على فعل ما امر به.

و بما ذكرنا من اختصاص الاكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه او بمن يجرى مجراه كالاب و الولد صرح فى الشرائع و التحرير و الروضة و غيرها

______________________________

متعلقا بنفسه) كالضرب (او ماله) كالنهب (او عرضه) كالسب (او باهله) كايذاء احدهم او هتكهم (ممن يكون ضرره راجعا إلى تضرره) «ممن» بيان «اهل» (و تألمه) الضمير راجع إلى المكره- بالفتح-.

(و اما اذا لم يترتب على ترك المكره عليه الا الضرر على بعض المؤمنين ممن يعد اجنبيا من المكره- بالفتح-) كما اذا قال الجائر ان لم تفعل كذا لضربت انسانا مسلما، لا علاقة بينه و بين ذلك المسلم.

(فالظاهر: انه لا يعد ذلك اكراها عرفا).

(اذ لا خوف له) اى المخاطب الجائر (يحمله على فعل ما امر به) الجائر (و بما ذكرنا من اختصاص الاكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره) بالفتح- (نفسه، او بمن يجرى مجراه) اى مجرى المكره- بالفتح- (كالاب و الولد) بل و الصديق و من اشبه ممن له علاقة بالمكره- بالفتح- (صرح فى الشرائع، و التحرير، و الروضة، و غيرها) هذا كله من جهة صدق الاكراه، و عدم صدقه.

ص: 342

نعم لو خاف على بعض المؤمنين، جاز له قبول الولاية المحرمة، بل غيرها من المحرمات الالهية التى اعظمها التبرى من ائمة الدين لقيام الدليل على وجوب مراعات المؤمنين، و عدم تعريضهم للضرر.

مثل: ما فى الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام قال و لئن تبرأ منا ساعة بلسانك و انت موال لنا بجنانك لتقى على نفسك روحها الّذي هو قوامها

______________________________

(نعم لو خاف على بعض المؤمنين، جاز له قبول الولاية المحرمة، بل) و (غيرها من المحرمات الالهية التى اعظمها التبرى من ائمة الدين)

لكن لا يخفى لزوم المقايسة بين الضررين، لان ترجيح فعل الحرام على ما يريده الجائر، يلزم ان يكون ما يريده الجائر اهم.

مثلا: لو قال الجائر: اشرب الخمر و الا صفعت زيدا صفعة واحدة لم يجز شرب الخمر.

و كذلك بالنسبة إلى ادلة الاكراه، كما لو قال: اشرب و إلا ضربت ابنك صفعة واحدة، كما تقدمت الاشارة إلى ذلك.

و انما نقول بقبول الولاية، بل الاتيان بسائر المحرمات لدفع الضرر عن المؤمنين (لقيام الدليل على وجوب مراعات المؤمنين، و عدم تعريضهم للضرر) الشامل لمثل هذا التعريض.

(مثل: ما فى الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام قال) عليه السلام (لئن تبرأ منا ساعة بلسانك) لاكراه الجائر اياك (و انت موال لنا بجنانك لتقى) اى تحفظ (على نفسك روحها) لئلا تقتل (الّذي هو قوامها) اى قوام النفس.

ص: 343

و مالها الّذي به نظامها.

و جاهها الّذي به تمسكها.

و تصون من عرف بذلك من اوليائنا و اخوانك فان ذلك افضل من ان تتعرض للهلاك، و تنقطع به عن عملك فى الدين.

و صلاح اخوانك المؤمنين.

و اياك ثم اياك ان تترك التقية التى امرتك بها فانك شائط بدمك و دماء

______________________________

(و) لتقى على نفسك (مالها الّذي به) اى بذلك المال (نظامها) اى نظم امور معاش النفس.

(و) لتقى على نفسك (جاهها) و مكانتها الاجتماعية (الّذي به تمسكها) فان امساك النفس فى الاجتماع فى مكانة تسبب استقامة امور الانسان من لوازم الانسان.

(و تصون) اى تحفظ- و هذا هو محل الشاهد فى الحديث- (من عرف بذلك) التولى لنا (من اوليائنا و اخوانك) فى الولاية (فان ذلك افضل من ان تتعرض للهلاك، و تنقطع به) اى بالهلاك الّذي يحل عليك من الجائر اذا لم تطعه فى السبب و البراءة (عن عملك فى الدين) فان الانسان اذا قتل، لم يتمكن من اقامة الامور الدينية.

(و صلاح اخوانك المؤمنين) فان المصلح اذا قتل لا يتمكن بعد ذلك من الاصلاح.

(و اياك ثم اياك) تاكيد للتحذير (ان تترك التقية التى امرتك بها، فانك) ان تركت التقية (شائط) و مبطل (بدمك و دماء

ص: 344

اخوانك معرض بنعمتك و نعمتهم للزوال مذل لهم فى ايدى اعداء دين الله، و قد امرك باعزازهم، فانك ان خالفت وصيتى كان ضررك على اخوانك و نفسك اشد من ضرر الناصب لنا الكافر بنا الحديث.

لكن لا يخفى انه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير لعدم شمول ادلة الاكراه لهذا.

لما عرفت من عدم تحققه مع عدم لحوق ضرر بالمكره و لا بمن يتعلق به

______________________________

اخوانك) فانه اذا لم يتق الانسان كثيرا ما يعرض اخوانه للهلاك.

و (معرض بنعمتك) من الصحة و المال و الحرية و ما اشبه (و نعمتهم للزوال مذل لهم) و لنفسك- احيانا- (فى ايدى اعداء دين الله، و) الحال انه (قد امرك) الله (باعزازهم، فانك ان خالفت وصيتى) فى ترك التقية (كان ضررك على اخوانك و نفسك اشد من ضرر الناصب لنا) عداوته (الكافر بنا، الحديث).

و وجه الاشدية ان اضرار المحب اشد من اضرار العد و ايلاما للنفس (لكن لا يخفى انه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير) الا اذا كان اهم كما انه لو لم ينهب مال زيد جاء الجائر و نهب اموال الشيعة كلهم.

و انما قلنا: بانه لا يباح (لعدم شمول ادلة الاكراه لهذا) النحو من العمل الموجب لنجاة الآخر.

(لما عرفت من عدم تحققه) اى الاكراه (مع عدم لحوق ضرر بالمكره) بالفتح (و لا بمن يتعلق به) من اهل و اقرباء و اصدقاء

ص: 345

و عدم جريان ادلة نفى الحرج، اذ لا حرج على المأمور لان المفروض تساوى من امر بالاضرار به، و من يتضرر بترك هذا الامر من حيث النسبة إلى المأمور.

مثلا: لو امر الشخص بنهب مال مؤمن، و لا يترتب على مخالفة المأمور به إلا نهب مال مؤمن آخر، فلا حرج حينئذ فى تحريم نهب مال الاول بل تسويغه لدفع النهب عن الثانى قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة

______________________________

(و عدم جريان ادلة نفى) العسر، و (الحرج) فى المقام (اذ لا حرج على المأمور).

و ذلك (لان المفروض تساوى من امر) الجائر (بالاضرار به، و من يتضرر بترك هذا الامر من حيث النسبة إلى المأمور) بل ان المأمور حيث لا حرج عليه فى ترك امر الجائر، لا يجوز له اطاعة الامر فان الحرج رافع للتكليف، لا اذا لم يكن حرج- كما هو المفروض-.

فالمراد بالتساوى، من حيث الواقع، لا ان التساوى موجب لجواز ارتكاب المأمور المحرم- كما لا يخفى-.

(مثلا: لو امر) الجائر (الشخص بنهب مال مؤمن، و لا يترتب على مخالفة المأمور به) بان لا ينهب ماله (الا نهب) الجائر (مال مؤمن آخر، فلا حرج حينئذ) على المأمور (فى تحريم) الشارع عليه (نهب مال) المؤمن (الاول، بل تسويغه) اى الشارع، المأمور لنهب المؤمن الاول (ل) اجل (دفع النهب عن) المؤمن (الثانى قبيح).

و انما يقبح (بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة) للاحتجاج

ص: 346

من الغرض فى التقية.

خصوصا مع كون المال المنهوب للاول اعظم بمراتب فانه يشبه بمن فرّ من المطر إلى الميزاب بل اللازم فى هذا المقام عدم جواز الاضرار بمؤمن و لو لدفع الضرر الاعظم من غيره.

______________________________

(من الغرض فى التقية).

فان الغرض سلامة الانسان و اخوانه، فاذا لم يسلم الاخ- لغرض انه ينهب ماله- فلا مورد للتقية.

(خصوصا مع كون المال المنهوب للاول) الّذي امر الجائر بنهبه (اعظم) من مال الثانى (بمراتب).

كما لو قال الجائر لزيد: انهب مال عمرو، و كال الف دينار، فاذا لم ينهبه نهب الجائر بنفسه مال خالد الّذي هو مائة دينار (فانه يشبه بمن فر من المطر إلى الميزاب) او كما يقول الشاعر:

المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار

(بل اللازم فى هذا المقام) مقام انه لو لم يضر المأمور بالمؤمن لا ضر الجائر بمؤمن آخر (عدم جواز الاضرار بمؤمن و لو لدفع الضرر الاعظم من غيره).

كما لو قال الجائر: انهب مال زيد و هو مائة و الا لنهبت انا مال خالد و هو الف.

و وجه عدم الجواز: ان ارتكاب الغير للحرام الاعظم لا يوجب ارتكاب الانسان المختار لحرام اصغر فيما اذا دار الامر بين الحرامين.

مثلا: لو علم الانسان انه اذا عاشر الفاحشة دون الزنا، فى ليلة

ص: 347

نعم الا لدفع ضرر النفس فى وجه مع ضمان ذلك الضرر.

______________________________

صرفها عن الزنا الّذي ترتكبه اذا اطلقها، فانه لا يجوز له ارتكاب المعاشرة المحرمة، لاجل تخليص الغير من الزنا الّذي هو اكبر جرما و حرمة.

(نعم) هذه القاعدة- اى عدم جواز ارتكاب الانسان للمحرم الاصغر تخليصا لغيره من المحرم الاكبر- كلية (الا لدفع ضرر النفس فى وجه) قريب

كما لو قال الجائر: انهب مال زيد و إلا قتلته (مع ضمان ذلك الضرر) من الناهب.

اما جواز الارتكاب فلما علم من الشارع لم يرد وقوع القتل فى الخارج لعظم القتل عنده.

و اما وجه الضمان، فللاصل، و خصوص ما دل على ان الحرام المالى اذا ابيح لاجل امر، لا ينتفى الضمان، كأكل مال الناس فى وقت المخمصة و خطاء الحكام، و قتل المسلم المتترس به الكافر، و ما اشبه ذلك.

و السر: ان الدليل انما دل على حلية المحرم و الضمان حكم وضعى لا علاقة له بالاحكام التكليفية، بل لا يبعد تعدى الحكم إلى كل محرم علم من الشارع عدم ارادته فى الخارج.

مثلا: لو اراد جائر الزنا بامرأة عفيفة، و كان بامكان شخص ان يأخذ دينارا بالجبر من شخص، و اعطائه للجائر لتركه الزنا، و هتك الستر كان اللازم ذلك.

و كذلك اذا اراد الجائر قتل زيد، جاز التوسط لديه حتى يضر به عشرة سياط، و يعفو عن قتله، و ان لم يرض زيد بذلك.

ص: 348

و بما ذكرنا ظهر ان اطلاق جماعة لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات، بترتب ضرر مخالفة المكره عليه على نفس المكره و على اهله او على الاجانب من المؤمنين لا يخلو من بحث الا ان يريد و الخوف على خصوص نفس بعض المؤمنين، فلا اشكال فى تسويغه لما عدا الدم من المحرمات.

______________________________

و هكذا سائر الامثلة التى هى من هذا القبيل فان الضرورات تبيح المحظورات.

و يؤيده ما تقدم من الموارد، بل و بعض الموارد الاخر، بل لعل قصة موسى و الخضر عليهما السلام فى خرق السفنة من الشواهد على ذلك و تفصيل الكلام خارج عن نطاق الشرح.

(و بما ذكرنا ظهر ان اطلاق جماعة) من الفقهاء (لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات، ب) سبب (ترتب ضرر مخالفة المكره عليه)- كنهب المال- (على نفس المكره)- بالفتح- (و على اهله، او على الاجانب من المؤمنين) فيجوز للمكره ان يفعل المحرم لدفع الضرر عن الاجانب من المؤمنين (لا يخلو من بحث).

اذ لا يجوز ارتكاب حرام، لعدم ايقاع الجائر ضررا على المؤمن الّذي لا يرتبط بفاعل الحرام (الا ان يريدوا) هؤلاء الذين اطلقوا (الخوف على خصوص نفس بعض المؤمنين، فلا اشكال فى تسويغه) اى الخوف على نفوس بعض المؤمنين (لما عدا الدم من المحرمات) فيجوز للانسان ارتكاب المحرم، لاجل انقاذ نفس مؤمن من القتل.

ص: 349

اذ لا تعادل نفس المؤمن شي ء، فتأمل.

قال فى القواعد: و تحرم الولاية من الجائر، الا مع عدم التمكن من الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، او مع الاكراه بالخوف على النفس او المال، او الاهل، او على بعض المؤمنين، فيجوز ائتمار ما يأمره الا القتل، انتهى.

و لو اراد بالخوف على بعض المؤمنين الخوف على انفسهم دون اموالهم و اعراضهم،

______________________________

(اذ لا تعادل نفس المؤمن شي ء) كما يستفاد من بعض الآيات و الاخبار (فتامل).

حيث ان بعض الشواهد دلت على جواز ارتكاب المحرم، لاجل عدم وقوع المؤمن فى محذور اكبر، كما تقدم مثال نهب دينار، لاجل التحفظ على عرض مسلمة و هكذا.

(قال فى القواعد: و تحرم الولاية من) قبل (الجائر، إلا مع عدم التمكن من الامر بالمعروف و النهى عن المنكر، او مع الاكراه بالخوف) فى ترك الولاية (على النفس، او المال، او الاهل، او على بعض المؤمنين، فيجوز) للوالى من الجائر حين جواز الولاية (ائتمار ما يأمره) اى قبول الامر الّذي يأمره الجائر من ارتكاب المحرمات (الا القتل) فاذا امره بالقتل لم يجز اطاعته (انتهى) كلام العلامة.

(و لو اراد بالخوف على بعض المؤمنين الخوف على انفسهم) بانه اذا لم يقبل الولاية ازهق الجائر نفوس بعض المؤمنين (دون اموالهم و اعراضهم

ص: 350

لم يخالف ما ذكرنا.

و قد شرح العبارة بذلك بعض الاساطين فقال: الا مع الاكراه بالخوف على النفس من تلف او ضرر فى البدن او المال المضر بالحال من تلف او حجب، او العرض من جهة النفس او الاهل، او الخوف- فى ما عدا الوسط- على المؤمنين.

فيجوز حينئذ ايتمار ما

______________________________

لم يخالف) صاحب القواعد (ما ذكرنا).

لكن ان اراد الخوف على الاموال و الاعراض أيضا- خالف ما اخترناه-

(و قد شرح العبارة بذلك) التعميم للخوف إلى النفس و العرض- خلاف ما اخترناه- (بعض الاساطين) اى الشيخ كاشف الغطاء (فقال:

إلا مع الاكراه) الحاصل ذلك الاكراه (بالخوف على النفس من تلف او ضرر فى البدن) كفقس العين، او صلم الاذن، او الجراحات، او ما اشبه (او المال المضر بالحال من تلف) بان يتلف ماله (او حجب) بان يحول الجائر بينه و بين ماله (او العرض من جهة النفس) كالسب، و اللواط به، و الزنا بها، و ما اشبه (او الاهل) بان يهتك الجائر عرض زوجته، او اولاده، او ما اشبه (او الخوف- فى ما عدا الوسط-) الوسط هو المال، و المراد الخوف على النفس او العرض (على بعض المؤمنين) كان يقتل مؤمنا او يزنى بمؤمنة، ممن ليس له علاقة بالمكره- بالفتح-.

(فيجوز حينئذ) اى حين الخوف على النفس و المال و العرض لنفس المكره- بالفتح- او الخوف على النفس او العرض لبعض المؤمنين (ايتمار ما

ص: 351

يأمره، انتهى.

و مراده بما عدا الوسط، الخوف على نفس بعض المؤمنين و اهله.

و كيف كان فهنا عنوانان الاكراه.

و دفع الضرر المخوف عن نفسه، و عن غيره من المؤمنين، من دون اكراه.

و الاول يباح به كل محرم و الثانى ان كان متعلقا بالنفس جاز له كل محرم حتى الاضرار المالى بالغير.

لكن الاقوى استقرار الضمان عليه اذا تحقق سببه لعدم الاكراه المانع عن

______________________________

يأمره) الجائر اى اطاعته فيما يأمره من المحرمات (انتهى) كلام شارح القواعد (و مراده بما عدا الوسط، الخوف على نفس بعض المؤمنين و اهله) و قد تقدم ان المراد بالوسط المال.

(و كيف كان فهنا) فى مسألة جواز قبول الولاية من قبل الجائر (عنوانان) الاول: (الاكراه) من الجائر.

(و) الثانى (دفع الضرر المخوف عن نفسه، و عن غيره من المؤمنين، من دون اكراه) من الجائر، و انما يريد بقبول الولاية دفع الضرر.

(و الاول) الّذي هو الاكراه (يباح به كل محرم، و الثانى) و هو دفع الضرر (ان كان متعلقا بالنفس) له او لسائر المؤمنين (جاز له كل محرم) أيضا (حتى الاضرار المالى بالغير) لانقاذ نفسه او نفس غيره من المؤمنين.

(لكن الاقوى استقرار الضمان عليه اذا تحقق سببه) اى سبب الضمان (لعدم الاكراه المانع عن

ص: 352

الضمان او استقراره.

و اما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه، ففيه تامل.

و لا يبعد ترجيح النفس عليه

______________________________

الضمان).

كما لو بلغ الاكراه حد اسلب معه اختيار المتلف، كما لو اخذ الجائر القوى الجسم يد المكره و ضرب بها زجاج الغير، فكسره، فهنا لا يضمن صاحب اليد، لان المباشر اضعف من السبب، كما ذكروا فى باب الضمانات و الديات (او) المانع عن (استقراره) اى الضمان، على المكره- بالفتح- فانه اذا اخذه شخص آخر- بامر الجائر- و اعطاه للمكره- بالفتح- فاتلفه، كان استقرار الضمان على التالف، و ان ضمن كل من الجائر و الآخذ و التالف.

و الحاصل الضمان هنا موجود، اذ لا وجه لعدم الضمان، و لا وجه لعدم استقرار الضمان.

(و اما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه) كما لو اراد دفع الجائر عن نفسه بهتك عرض المسلم (ففيه تامل).

اى هل يجوز قبول الولاية المستلزمة للزنا تخليصا لنفسه عن الهلاك، أم لا يجوز؟

(و لا يبعد ترجيح النفس عليه) بانه اذا دار الامر بين الزنا و بين اراقة دمه، كان الزنا ارجح من قتل النفس.

لكن يظهر من رواية عن الامام الرضا عليه السلام، ترجيح الزنا عليه

ص: 353

و ان كان متعلقا بالمال فلا يسوغ معه الاضرار بالغير اصلا حتى فى اليسير من المال.

______________________________

بمعنى ترك الزنا، و ان استلزم القتل.

هذا و يحتمل فى عبارة المصنف رحمه الله، ترجيح قتل النفس على الزنا- كما صرح بذلك الرواية عن الامام عليه السلام-.

و لا يخفى ان اقسام الاضرار بالغير لدفع الضرر عن النفس تسعة.

لانه اما دفع الضرر عن النفس او دفع الضرر عن المال او دفع الضرر عن العرض.

و كل قسم من هذه الاقسام اما مستلزم لقتل النفس، او لهتك عرض الناس، او لنهب مالهم.

ذكر المصنف سابقا عدم جواز ثلاثة اقسام منها، و هى دفع الضرر عن النفس او العرض او المال المستلزم لاراقة الدم لقوله عليه السلام لا تقية فى الدماء.

فبقيت ستة اقسام، تعرض المصنف لقسمين منها فى قوله «ان كان متعلقا بالنفس، الى قوله ترجيح النفس عليه».

و اشار إلى القسم الثالث و الرابع بقوله: (و ان كان) الضرر الّذي يريد دفعه (متعلقا بالمال) بان اراد الجائر نهب ماله (فلا يسوغ) لهذا الشخص الّذي طمع فى ماله الجائر (معه) اى مع تعلق الاضرار بماله (الاضرار بالغير اصلا، حتى فى اليسير من المال) فكيف بالعرض.

ص: 354

فاذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس، لم يجز و ان كان متعلقا بالعرض.

ففى جواز الاضرار بالمال مع الضمان، او العرض الاخف من العرض المدفوع عنه، تامل.

______________________________

(فاذا توقف دفع السبع عن فرسه) الّذي يسوى مائة مثلا (بتعريض حمار غيره) الّذي يسوى دينارا- مثلا- (للافتراس، لم يجز).

فكيف اذا توقف كف الظالم عن ماله بتقديم زوجة الغير ليزنى بها مثلا و اشار إلى القسم الخامس و السادس بقوله: (و ان كان) الضرر الّذي يريد دفعه (متعلقا بالعرض) بان اراد الجائر هتك عرضه، فقدم مال غيره للجائر، ليكف عن عرضه، او اقتنع الجائر بقبلة عرض الغير، ليكف عن الزنا بعرض هذا المجبور.

(ففى جواز الاضرار بالمال) للغير لكف الجائر عن عرضه (مع الضمان) لما تقدم من ان الجواز تكليفى، فلا الضمان وضعا- كما هو مقتضى الاصل- (او) الاضرار ب (العرض الاخف من العرض المدفوع عنه) كما عرفت فى مثال القبلة و الزنا (تامل).

من اهمية العرض و خصوصا اذا كان فى مقابله مال يسير، او عرض يسير جدا، فاللازم ان نقول بالجواز.

و من انه لا يجوز للانسان ان يرتكب محرما للدفاع عن محرم يريد غيره ارتكابه، و ان كان محرم غيره عظيما جدا.

ص: 355

و اما الاضرار بالنفس او العرض الاعظم فلا يجوز بلا اشكال هذا.

و قد وقع فى كلام بعض، تفسير: الاكراه بما يعم لحوق الضرر.

قال فى المسالك: ضابط الاكراه المسوغ للولاية: الخوف على النفس، او المال، او العرض عليه، او على بعض المؤمنين، انتهى.

______________________________

(و اما) الدفاع عن العرض ب (الاضرار بالنفس) كان يقتل المجبور انسانا بريئا يسبب عدم هتك عرض نفسه، كما لو اراد الجائر الزنا بزوجته، فاذا قتل الزوج الولد البري ء للجائر اشتغل بامر ولده، فينصرف عن الزنا بزوجته (او العرض الاعظم) كما اذا اراد الجائر قبلة زوجة الرجل، فاذا زنى الرجل بزوجة الجائر البريئة- مثلا- خلص زوجة نفسه عن قبلة الجائر- مثلا- (فلا يجوز بلا اشكال).

لانه لا يجوز الدفاع بارتكاب الاثم الاعظم، عن اثم الغير الاخف.

و لكن لا يخفى وجود الاشكال فى بعض الامثلة و (هذا) الّذي ذكرناه من كون الاكراه عبارة عن لحوق الضرر بالانسان نفسا او مالا او عرضا هو المعنى المستفاد من اللغة و العرف.

(و) لكن (قد وقع فى كلام بعض، تفسير: الاكراه بما يعم لحوق الضرر) بالمكره- بالفتح-.

(قال فى المسالك: ضابط الاكراه المسوغ للولاية: الخوف على النفس، او المال، او العرض عليه) اى على المكره- بالفتح- (او على بعض المؤمنين، انتهى) فانه يفهم من قوله: او على بعض المؤمنين انه لا يلزم فى صدق الاكراه لحوق الضرر بالمكره- بالفتح-.

ص: 356

و يمكن ان يريد بالاكراه: مطلق المسوغ للولاية.

لكن صار هذا التعبير منه رحمه الله منشئا لتخيل غير واحد ان الاكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعنى.

______________________________

(و يمكن ان يريد) الشهيد (بالاكراه: مطلق المسوغ للولاية) سواء سمى اكراها- لغة- أم لا.

(لكن صار هذا التعبير منه رحمه الله منشأ التخيل غير واحد) من الفقهاء (ان الاكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعنى) الشامل لتضرر الغير، و الحال انك قد عرفت ان هذا لا يسمى اكراها لغة و لا يجوز المحرمات، الا فى صورة ان علمنا من الشارع عدم ارادته ذلك الضرر.

كما لو كانت الولاية بحيث توجب نهب مال زيد، و لكن كانت تكف الولاية عن انتهاك عرض الف مسلمة- مثلا-.

ص: 357

قريبا جدا بعونه تعالى سيصدر الجزء الرابع من الكتاب (ايصال الطالب إلى المكاسب) عن قريب إن شاء الله تعالى.

و يبحث فى التنبيه الثالث من تنبيهات الولاية.

ص: 358

محتويات الكتاب

الموضوع/ الصفحة مقدمة الكتاب 3

فى حرمة الغيبة و نقل الاخبار الواردة فيها 4

فى كفارة الغيبة 62

فى ما استثنى من الغيبة 74

فى حرمة استماع الغيبة 114

خاتمة فى بعض ما ورد من حقوق المسلم على اخيه 129

فى حرمة القمار 142

فى حرمة القيادة 172

فى حرمة القيافة فى الجملة 174

فى حرمة الكذب 180

فى حكم التورية 197

فى مسوغات الكذب 206

فى حرمة الكهانة 235

فى حرمة اللهو 251

فى حرمة مدح من لا يستحق المدح 268

ص: 359

الموضوع/ الصفحة فى حرمة اعانة الظالم 271

فى حرمة النجش 286

فى حرمة النميمة 289

فى حرمة النوح بالباطل 294

فى حرمة الولاية من قبل الجائر 296

فى مسوغات الولاية 301

فى تنبيهات الولاية 329

محتويات الكتاب 359

ص: 360

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.